الصفحات

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

الهدي النبوي في التعامل مع اهل الكتاب في المناسبات الاجتماعية: دراسة موضوعية

أرسل الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق, ورباه على عينه وأودع في شخصه الكريم من الأخلاق ما لم يعطه لملك مقرب ولا نبي مرسل قبله, فكان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للكائن الحي في هذا الوجود, وكانت سيرته الشريفة وسنته العطرة خير دليل لنا في كل عصر إلى يوم القيامة.
 
 

الهدي النبوي في التعامل مع أهل الكتاب في المناسبات الاجتماعية
إعداد الطالب : جوهر عارفين بن ماليزار
إشراف الدكتور : بكر مصطفى بني أرشيد
قدمت الرسالة استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في الحديث وعلومه

أرسل الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق, ورباه على عينه وأودع في شخصه الكريم من الأخلاق ما لم يعطه لملك مقرب ولا نبي مرسل قبله, فكان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للكائن الحي في هذا الوجود, وكانت سيرته الشريفة وسنته العطرة خير دليل لنا في كل عصر إلى يوم القيامة.
ونظرا لما للتعامل مع أهل الكتاب من أثر كبير في القرب من الدين أو البعد عنه, لا سيما في عصرنا الحاضر الذي اختلطت فيه الأمم مسلمين كانوا أم كتابيين أم مشركين , والتي أدت إلى ضرورة الفهم الصحيح لكيفية التعامل مع أهل الكتاب, على ضوء الهدي النبوي الشريف الذي يحدد طبيعة العلاقة معهم , وطرق التعايش في ظل وجودهم في المجتمع المسلم, وخاصة في المناسبات الاجتماعية التي تتكرر مع كل يوم يمر , وتتجدد في كل مناسبة.
وتبرز أهمية الموضوع وإشكالية تطبيقه الصحيح في ظل الإفراط أو التفريط  الحاصل في المجتمع المسلم , فهناك من يصور علاقة المسلمين بأهل الكتاب على انها علاقة قائمة على البغض والكراهية والعداء والقتال وسوء المعاملة , وبالمقابل هناك من يصور العلاقة بهم على أنها قائمة على المولاة الدائمة المطلقة , التي يمكن ان تصل إلى حد التشبه بهم وتقليدهم وهو ما نهى عنه الإسلام .
إن إبراز الوجه الحضاري للإسلام في التعامل مع أهل الكتاب في المناسبات الاجتماعية , يؤكد على المنهج الوسطي المنضبط بالأحكام الشرعية الإسلامية , دون إفراط أو تفريط , وفي ذلك رد على أعداء الإسلام الذين يحاولون تشويه الصورة المشرقة الحضارية للتعامل الإسلامي مع أهل الكتاب , بالإضافة إلى الرد على أصحاب الدعوات المتطرفة في التعامل معهم .
والحقيقة أن القاعدة في كيفية التعامل مع أهل الكتاب هو قول الله تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ) الممتحنة / 8-9
فقد جعلت الآية الكفار بشكل عام (ومعهم أهل الكتاب)  قسمين : يشمل الأول المسالمين كأهل الذمة (المواطنين في الدولة الإسلامية) والمستأمنين (من دخل بلاد المسلمين بأمان – جواز سفر صحيح - ) وأهل الهدنة عند توقف الحرب لمدة معينة لفتح الباب أمام هؤلاء للتعرف على الإسلام عن قرب رجاء دخولهم فيه , وأما القسم الثاني فهم أهل الحرب الذين يعادون الإسلام والمسلمين أو يساعدون من عاداهم .
وفي بداية الرسالة بين الباحث أن المقصود بأهل الكتاب اليهود والنصارى , وأما الصابئين فإن وافقوا اهل الكتاب في نبيهم وكتابهم فهم منهم , وإن خالفوهم في ذلك فليسوا من أهل الكتاب , كما أن المجوس يعاملون معاملة أهل الكتاب في غير النكاح وأكل الذبائح كما قال ابن قدامة .
وفي الفصل الأول بين الباحث استحباب ضيافة أهل الكتاب , مستدلا بالأحاديث التي تدعو لإكرام الضيف بشكل عام , وأنه باب لإسلام أحدهم عند رؤيتة الآداب الإسلامية السامية , وإباحة عيادته إذا مرض استدلالا بعيادة الرسول صلى الله عليه وسلم للغلام اليهودي الذي مرض وكان سببا في إسلامه , وأما التعزية فلم يرد فيها نص صحيح , ولا بأس بها إن كان المقصد الترغيب بدخول الإسلام .
أما الفصل الثاني فقد خصصه الباحث للحديث عن الهدي النبوي في التعامل مع الجار الكتابي , وأنه مشمول بحق الجوار في الإسلام كما بينت ذلك الأحاديث الشريفة , والتي تدعو إلى الإحسان إليه و رعايته وصيانة عرضه والحفاظ على شرفه وسد خلته وكف الأذى عنه , بل واحتمال الأذى من الجار الكتابي كما فعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .
وأما موضوع ابتدائهم بالسلام فهو جائز عند بعض العلماء وإن خالفهم في ذلك غيرهم , وذلك من باب حق المجاورة والتعايش ما داموا مسالمين , وأما النهي عن ابتدئهم بالسلام الوارد في بعض الأحاديث , فقد خصصه بعض العلماء بالعداوة الظاهرة للإسلام والمسلمين , الذي أظهره اليهود بعد هجرته صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة , وأما رد السلام فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول : (وعليكم) فقط لمن قال منهم : السام عليكم (الموت) كما كان يفعل اليهود , أما لو قال السلام عليكم فنرد : وعليكم السلام .
وأما موضوع تقديم الهدية لأهل الكتاب أو قبول الهدية منهم , فهي جائزة ضمن الضوابط الشرعية التالية :
1- ألا يترتب على ذلك الموالاة والمودة والمحبة , قال تعالى ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله .... ) المجادلة / 22
2- ألا تكون الهدية مما يستعان به على الباطل من شرك او كفر , كإهداء صليب أو شموع النصارى أو غير ذلك .
3- ألا تكون الهدية بمثابة الرشوة للوصول إلى منصب أو إبطال حق أو إحقاق باطل.
4- ألا يترتب على الهدية مفسدة استكبار أهل الكتاب بكفرهم أو استعلائهم .
5- ألا يترتب على الإهداء تفويت مصلحة راجحة كسد حاجة مسلم مضطر , لأن الإسلام يبدأ بالأهم فالأهم .
وأما تهنئة أهل الكتاب المسلمين بأعيادهم , فلا شيء فيه لأنه مشروع في الأصل , ولكن تهنئة المسلمين لأهل الكتاب بأعيادهم فهو أمر اختلف فيه أهل العلم , فذهب بعضهم إلى المنع وبعضهم إلى الجواز , ورجح الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي جواز تهنئتهم بما لا يخالف العقيدة فقال : (أجازت الشريعة الإسلامية معاملة أهل الكتاب , فأباحت أكل ذبائحهم والبيع والشراء منهم .......... ما داموا غير محاربين , ولذلك لا مانع من تهنئتهم بأعيادهم دون المشاركة في الاحتفالات التي لا تقرها شريعتنا )
وأما مسألة الزواج من أهل الكتاب ,  فمع أن جمهور الفقهاء أباح زواج المسلم بالكتابية , في سماحة لم توجد في أي دين آخر , فإن النصراني الكاثوليكي ليتحرج من الزواج بالأرثوذكسية او البروتستانية او المارونية, ولا يقدم على ذلك إلا المتحلل من العقيدة كما يقول سيد قطب , إلا أن الراجح في هذا الموضوع هو رأي الإمام مالك والشافعي و بعض الحنابلة الذين كرهوا الزواج بالكتابية, لما في ذلك من إمكانية الميل لدينها بسبب المعاشرة , وخوفا على الأولاد من الميل لدين أمهم , إضافة إلى كراهية الزواج بالكتابية في حضور ووجود المسلمات , فهن أحق بالزواج والإعفاف , ولأهمية هذا الأمر فقد وضع الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي أربعة شروط للزواج بالكتابية وهي :
1- التأكد من كونها كتابية تؤمن بدين سماوي وليست ملحدة .
2- التأكد من كونها محصنة عفيفة , في ظل التفلت الذي نلحظه في نسائهم .
3- ألا تكون من اللواتي يعادين الإسلام ويحاربنه كاليهودية الإسرائيلية مثلا .
4- ألا يكون في ذلك ضرر على بنات المسلمين .
وأما زواج المسلمة بالكتابي فقد أجمعت الأمة الإسلامية بفقهائها وعلمائها على حرمة ذلك وعدم جوازه بأي حال , قال تعالى : ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه ) البقرة/221
ولا بد من التنويه هنا إلى بعض الأصوات النشاذ التي لا قيمة لها , والتي تخرج من أفواه بعض العلمانيين المسلمين في بعض الدول العربية والإسلامية , والتي تنادي بقبول زواج المسلمة بالكتابي , تحت عنوان الزواج المدني , فهذا غير جائز أبدا , ومخالف للنصوص الصريحة الواضحة في الكتاب والسنة والإجماع .
وأما حضور وليمة عرس الكتابي أو دعوته فهي جائزة مراعاة لحق القرابة أو الجوار أو العمل , بشرط عدم وجود العداء للمسلمين , وألا يكون فيها شيء من المنكر والملاهي المحرمة في الإسلام .
وفي الختام خلص الباحث إلى النتائج الهامة التالية :
1- السلم أساس العلاقة بين المسلمين وأهل الكتاب , من باب التعريف بالإسلام والدعوة للدخول فيه .
2- الأمر بالإحسان لأهل الكتاب , وتعلم لغتهم لمعرفة حقيقة عقيدتهم وأفكارهم و إمكانية دعوتهم بعد ذلك إلى الإسلام .
3- الأمر بحماية أهل الكتاب وحفظ حقوقهم داخليا وخارجيا .
4- سمو أخلاق الإسلام الذي يأمر بحسن معاملة أهل الكتاب وإن ساءت أخلاقهم مع المسلمين.
جزى الله تعالى الباحث كل خير على هذا البحث القيم شديد الأهمية, الذي دعا فيه إلى التوسط والاعتدال في معاملة أهل الكتاب, في وقت ظهر فيه الإفراط والتفريط بشكل واضح في هذا الموضوع , ولعل الغالب على المعاملة الإسلامية لأهل الكتاب الإفراط في مودتهم والتعاطف معهم , حتى وصل الأمر لاستغلال ذلك بالكيد والتخطيط ضد الإسلام والمسلمين , مما يستدعي التنبه لذلك , والعمل على العودة إلى الاعتدال والحذر في معاملتنا لأهل الكتاب .

                                                           لتحميل الدراسة انقر هنا:


_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..