الصفحات

الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

جناية الفن على لغة الضاد

بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية .. عدت إلى كراس (حتى لا يذيب الصمت ألسنتنا) واقتطعت ما جاء
تحت عنوان (غار البحر .. واختفى الدر ) .. وإن كان لي أن أضيف شيئا .. فهو ما جاء على رأس هذه الورقة .. حين تمت الدعوة إلى استبدال الفصحى بالعامية،في بداية القرن العشرين،تصدى لتلك الدعوة فطاحل العلماء والمثقفين،فماتت الدعوة .. ولكن الفن – أجلكم الله – تلقف مشعل تلك الدعوة،لا على المستوى النظري،بل تطبيقا عمليا .. من نجيب الريحاني .. إلى آخر الساخرين من الفصحى. وصولا إلى (دبلجة) الأفلام باللهجات العامية،مرورا بمسلسلات الأطفال التي كانت تعرض – قبل عصر الفضائيات – ويرتدي ممثلوها ملابس تراثية،ويحكون قصصا تراثية .. ويتحدثون بالعامية!! وسوف نرى شهادة الكاتب المسرحي المعروف – لدى جيلنا على الأقل – وكيف نجحت المسرحيات "الفكاهية"التي كتبها بالفصحى ..
غار البحر ... واختفى الدر
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الصياد عن صدفات
هكذا قال حافظ إبراهيم، وليس يأسا أن نقول أن البحر قد غار ... ولم يعد ثمة در.. ولكن الواقع يقول أن إهمال اللغة العربية قد وصل مداه، تعددت الأسباب والإهمال واحد،و الذي لاشك فيه،أيضا، أن ضعف الأمة، انعكس على لغتها، فأضحت ضعيفة، هي الأخرى، بل وأصبحت تشعر أن أهلها يخجلون من التحدث بها، ويشعرون بالعظمة حين يتحدثون باللغة الإنقليزية، أو الفرنسية، فهل يجعلهم ذلك يشعرون بالانتماء إلى الحضارة الغالبة؟! أو الغالب أهلها؟! مجرد سؤال
إهمالنا للغة العربية، يبدأ من طريقة تعليمها للناشئة، وصولا إلى إحساسنا بأنها لغة صعبة التعليم، وقد نُقل عن دبلوماسي أجنبي، أنه حين عُين في بلد عربي، أبدى رغبته في تعلم اللغة العربية، فقيل له إنها صعبة جدا، لدرجة أن أهلها يواجهون صعوبة في تعلمها، ولكنه حين عُين في الصين، ورغب في تعلم اللغة الصينية، قيل له إنها سهلة جدا ... لدرجة أن ثلث سكان الأرض يتحدثون بها!!
الصراخ المتواصل، حول تغيير المناهج، لم يشمل ( المواد العلمية) ولا ( اللغة العربية)!!! أليس هذا في حد ذاته، مدعاة إلى الارتياب في الأسباب الكامنة خلف تلك الضجة المثارة حول ( تطوير المناهج)؟!!
المواد العلمية لدينا، مهملة مرتين، مرة في عدم إعطائها ما تستحق من العناية، أليست هي السبيل المؤدي إلى اللحاق، أو محاولة اللحاق، بركب التقدم؟!! والمواد العلمية مهملة، مرة أخرى، لعدم تدريسها باللغة العربية،حتى الطب، والذي أثبتت التجربة السورية، أن تدريسه باللغة العربية الفصحى ممكن جدا، وقد نتج عن تعليم الطب باللغة الإنقليزية صعوبة في تعلمه، فالطالب يقوم بعملية ( ترجمة) أثناء التعلم، فكأنه يقوم بعملتين في وقت واحد، أضف إلى ذلك أن اللغة العربية، حُرمت من توفر مراجع أصيلة، وغير مترجمة، لأن تعليم الطب باللغة العربية،حالة حدوثه، سوف يفتح بابا للتأليف والبحث،باللغة العربية، ولن يقتصر الأمر على الترجمة، وقد حكى أحد الأساتذة أنه كان في مؤتمر طبي في إحدى الدول الأوربية، ودار حوار بينه وبين أحد الحضور، والذي قال :
- لاشك أنكم تعلمون الطب بلغتكم.
وحين علم أننا نعلم الطب بلغة غير لغتنا، سأل :
- بأي لغة تكتبون الشعر؟
- باللغة العربية طبعا.
- كيف تحلمون بلغة، وتفكرون بلغة أخرى؟!!
كنا نرى بعض المثقفين، وهم يبحثون عن معنى كلمة، أو مصطلح، باللغة العربية، وحين يعجزون عن ذلك، يستعملون اللغة الفرنسية، أو الإنقليزية، وكنا نرجع ذلك إلى الاستعمار، أو العيش في الغرب، ولكن المسألة تحولت إلى ظاهرة، وأصبحنا، نرى في اللقاءات، المتلفزة،عجزا بينا عن إيجاد الكلمة العربية المناسبة، ويتدخل المذيع أحينا ليقوم بدور المترجم! اذكر أن دكتورة سعودية، متخصصة في علم النفس، ظهرت على القناة الأولى بالتلفاز السعودي، وأرادت في ختام المقابلة، أن تنصحنا بالصورة التي يجب أن نعطيها لأبنائنا عن الله سبحانه وتعالى، فقالت أننا يجب أن نعلمهم أن الله ، بحثت عن الكلمة المناسبة، ثم قالت ... ( أن الله ريلاكس)!!!!
وتخطى الأمر حده، حتى وصل إلى بعض أهل العلم الشرعي!! واللغة العربية من أهم أدواتهم، فهي مفتاح من مفاتيح العلم الشرعي. في برنامج بثته قناة ( الإخبارية )، حول الزواج، تحدث أحد الضيوف- وهو شيخ- عن حفلات الأعراس، وذكر أن البعض يظن أن الزواج لا يصلح إلا إذا أقيمت وليمة ضخمة، ثم قال ... نعمل وليمة ... أوكي!! ... وأكمل حديثه.
ما سبق فيه بعض العجب، ولكن العجب كله، حين نلتفت إلى الجانب الرسمي، إن صح التعبير، توجد (تعاميم) ، تلزم أصحاب المحلات باستعمال اللغة العربية، ومع ذلك فقد بدأت اللغة الإنقليزية، تطغى على أسماء المحلات التجارية، فمن منحهم التصاريح، إذا كان النظام يلزم التجار باستعمال اللغة العربية؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
أ‘لق الأن : مرت علي معاملة بها تعميد موجه لشركة (نايس كار) .. وحين وصل سجل الشركة التجاري لم أجد فيه هذا الاسم .. (نايس كار) فهو موجود فقط على لوحة المحل،وفواتيره!!
وضع الدكتور محمد الذكير، يده على الجرح، وهو يقارن بين وضع اللغة العربية، في المواد العلمية، في المناهج القديمة، ووضعها الآن، وأظهر التراجع العجيب، عن استعمال اللغة العربية!! وقد كتب مقالة تحت عنوان : (تشويه اللغة العلمية العربية في تعليمنا العام)، ومما جاء في المقالة :
( جاء في إعلان الرياض الذي صدر بعد اختتام القمة العربية التي عقدت في بلاد الحرمين الشريفين خلال يومي 9 – 10 ربيع الأول 1428هـ ما يلي : " تعزيز حضور اللغة العربية في جميع الميادين بما في ذلك وسائل الاتصال والإعلام والإنترنت وفي جميع مجالات العلوم والتقنية" (..) وإشارتي في العنوان إلى تشويه العربية يتمحور أساسا حول مناهج الكيمياء في التعليم العام في المملكة. مع التذكير أن علماء الحضارة العربية الإسلامية هم الذين أسسوا علم الكيمياء الحديث، وأن مصطلح كيمياء باللغة الإنجليزية هو فرنجة لغوية للمصطلح العربي. وهاهي المستشرقة الألمانية زغرد هونكه تقدم شهادة في كتابها (شمس العرب تسطع على الغرب) بحق ما قدمه الأسلاف فتقول : " فالعرب، في الواقع، هم الذين ابتدعوا طريقة البحث العلمي الحق القائم على التجربة .. في الكيمياء والطبيعة ( أي الفيزياء) والحساب والجبر والجيولوجيا وحساب المثلثات وعلم الاجتماع، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الاكتشافات والاختراعات الفردية في مختلف فروع العلوم والتي سُرق أغلبها ونسب لآخرين) ص ص 401 – 402 .
وفي البداية أدعو معالي وزير التربية والتعليم أن يتفضل ويتصفح مناهج الكيمياء الحالية في بريطانيا وأمريكا ويبحث فيها عن حرف عربي واحد يتم استخدامه كرمز لأحد العناصر الكيميائية، ومن المؤكد أن نتيجة البحث ستكون سلبية، لأن التربويين في هذين البلدين حريصون على نقاء الإنجليزية كحرص القادة العرب على العربية.
ومن ناحية أخرى أطلب من معاليه التفضل بتصفح مناهج الكيمياء التي كانت تدرس في ثانويات المملكة في العام 1384هـ على سبيل المثال، ويبحث فيها عن حرف إنجليزي واحد تم استخدامه كرمز لأحد العناصر الكيميائية. وبعد البحث سوف يتأكد أنه لن يجد سوى حروف لغة القرآن تزين المعادلات والمركبات الكيميائية. وهذا يعكس الحرص عند المسؤولين آنذاك على نقاء اللغة العربية.
حدد القادة العرب في إعلان الرياض بالنسبة لدفاعهم عن لغة الشعب العربي في العلوم بقولهم " تعزيز حضور اللغة العربية في جميع مجالات العلوم" وأدعو القارئ الكريم أن يتصور أنه يستمع إلى معلم الكيمياء وهو يسأل طلبته عن المعادلة الكيميائية لتكوين المياه بعد تجربة احتراق غاز الهيدروجين، فيجيب أحدهم إتش تو ..إلخ فيقول المعلم للطالب أحسنت!! المعلم يسأل بالعربية والطالب يجيب بالإنجليزية فيحصل من معلمه على الاستحسان!!
وأطلب من القارئ العزيز أن يتصور انه استمع إلى شريط سجل عام 1380هـ لحصة في الكيمياء، وكان المعلم آنذاك يطرح على طلبته نفس السؤال المذكور آنفا. فسوف يسمع إجابة طالب وهو يقول : يد اثنين زائد نصف ألف اثنين ينتج يد اثنين ألف. هكذا كان طالب الأمس ينطق المعادلة الكيمائية برموزها العربية، أما طالب اليوم فعلموه أن ينطقها برموز إنجليزية.
كان طالب الأمس يعلمونه مثلا أن يكتب الرمز الكيميائي للذهب بحرف ( ذ ) والفضة بحرف ( ف ) والحديد، الذي فيه باس شديد بحرف ( ح )، رموز نابعة من الأسماء العربية لهذه العناصر، أما طالب اليوم فيعلمونه أن يكتبها بطريقة مطورة حسب زعم البعض، فرمز الذهب هكذا ( AU ) والفضة هكذا ( Ag ) والحديد هكذا ( Fe ) تشويه عجيب من قبل المسؤولين عن التعليم العلمي، والذين يرسخون به في العقول المتفتحة للعلوم بعدم صلاحية اللغة العربية في ترميز التفاعلات والنتائج الكيميائية!! لا يبدعون ولا يبتكرون في اللغة التي وسعت كتاب الله لفظا وغاية ولكن ينقلون الرموز بحروف غير عربية إليها ويدّعون أنه تطوير!! وهنا يبرز التساؤل التالي : هل هذا الخلط خطوة مؤازرة لخطوات تغريبية معروفة، لكي يترسخ في العقول القبول مستقبلا بالتحول إلى الحروف اللاتينية مثلما حصل بالنسبة للغة التركية بدعوى تطوير اللغة.
وأود أن أوضح وجود فرق شاسع بين إتقان لغة أجنبية للإطلاع على التطور العلمي عند الآخرين في مجال الكيمياء والمساهمة في البناء الحضاري، وبين تشويه اللغة العربية بحروف أجنبية، وكاتب هذه السطور درس الإنجليزية وتخصص في الجيوكيمياء التطبيقية وكتب البحوث والاستكشافات والأوراق والكتابات بالإنجليزية والعربية، وهو حريص على عدم تشويه اللغة العلمية العربية، ويدعو لتفعيلها و الاعتزاز بها في المجالات العلمية لتكون مساهمة و منافسة للغات الأخرى، وليس بتشويهها كما يفعل البعض لكي تتوارى عن المساهمة في أنهار العلوم المتدفقة ومن ثم تندثر لا سمح الله.){ ملحق ( الأربعاء) الصادر مع جريدة المدينة، يوم الأربعاء 23 / 3 / 1428هـ = 11 / 4 / 2007م.}
المؤتمر الذي أشار إليه الكاتب الكريم كان سنة 1428هـ ،فما الذي تغير؟ لا شيء.
لعل ما يعقد مشكلة إهمال لغة القرآن الكريم، هذا ( الإجماع) على تحطيمها، أو التقليل من شأنها، على أقل تقدير، التعليم لا يمنحها ما تستحق من عناية... المثقفون، أو بعضهم على الأقل يعجزون عن التواصل بها، فيملئون أحاديثهم، بالعبارات، والمصطلحات، الأجنبية. حتى على مستوى العامة، هناك من يسخر من الشخص الذي يتحدث باللغة العربية الفصحى!! وقد اشتكى بعض الطلاب الذين يدرسون في الجامعة الإسلامية،بالمدينة المنورة، من السخرية التي يتلقونها، حين يتحدثون باللغة الفصحى – التي يتعلمونها - .. واشتكوا مر الشكوى، والحق معهم، فكيف تتحدث بلغة شخص فيسخر منك! حين يفخر الناس بمن يتحدث بلغتهم!!
في إطار الحديث عن إهمال اللغة العربية، تتحمل وسائل الإعلام كثيرا من وزر ذلك الإهمال، ليس خافيا أن حربا تمارس ضد اللغة العربية،بدء من الدعوة إلى إحلال اللهجة العامية،مكان اللغة العربية الفصحى،وذلك عداء سافر،والأخطر من العداء السافر، سخرية الريحاني، في مسرحياته، وصولا إلى المسرحيات الحديثة، والتي لا يخلوا بعضها،من السخرية من اللغة العربية الفصحى. قديما كتب الأستاذ عباس العقاد، عن قدرة عامة الناس على فهم المسرحيات التي كانت تمثل باللغة الفصحى، وعن تفاعلهم معها، مع انتشار الأمية، وضرب أمثلة من المسرحيات التي كانت تعرض في تلك الأيام.
وحديثا كتب ألفريد فرج، حول موضوع كتابة المسرحيات باللغة العربية الفصحى :
( .. والحقيقة أن ( حلاق بغداد) كانت مغامرة واقتحاما للمجهول وقفزة واسعة في الظلام. في التدريبات تقدم الفنان عبد المنعم إبراهيم فجأة إلى مقدمة المسرح و اتجه إليّ وأنا جالس في كرسي بالصف الأول وصاح بي :
- اانت ما بتضحكشي ليه؟
فقلت له لأني رأيت هذه المفارقات الكوميدية في المسرحية عشرات المرات في البروفات.
فصاح : لأ. انت ما بتضحكشي لأن المسرحية لا تضحك يا أستاذ .. ويستحيل الضحك من كوميديا بالفصحى ..
فأقلقني قوله .. وقلت له : أنا أقرأ الجاحظ وأضحك .. فمن الذي قال لك أن الفصحى لا تضحك؟
قال : ملك الجمل ..
فنظرت إلى ملك الجمل التي قالت بابتسامتها الماكرة :
- أصل منعم ودني، واحنا نحب نعاكسه .. لكن الحقيقة المسرحية مش حتضحك الجمهور لأنها بالفصحى! ويكون في علمك.
أي افتراض يطير النوم من العين! أفظع شيء بالنسبة للمثل على المسرح أن يلقي نكتة فلا يضحك الجمهور .. وأنا تلقيت علقة ساخنة من النقاد في مسرحيتي السابقة والأولى ( سقوط فرعون) .. ولكني كنت قد قضيت عمرا أفكر وأتأمل وأجرب أسلوبا جديدا لأشعل شرارة النهضة المسرحية. وتأجيج حماس الجمهور لمسرح جديد.
(..) بعد تلك الليلة وبعد الافتتاح بربع ساعة، تغير كل شيء في حياتي وأسرعت إلى الكواليس وانتهزت فرصة انفجر فيها الجمهور بالضحك وصحت من الكواليس لصديقي العزيز عبد المنعم سألته :
- منعم شاعر زي أن حياتك بتتغير؟
(..) في خمس سنوات عرضت حلاق بغداد 102 ليلة وشاهدها حوالي 30 ألف مشاهد من دافعي التذاكر.
وهذه الأرقام كانت قياسية في زمانها (..) وقد طارت( حلاق بغداد ) من مسرح الأزبكية لتثير الموج الفني في سوريا والعراق وتونس وليبيا .. كما أنها أثارت كثيرا من الأمواج في الأقاليم ومسارح قصور الثقافة والجامعات){ ص 6- 10 من مقدمة مسرحة ( الطيب والشرير والجميلة/ ألفريد فرج/ روايات الهلال/ أغسطس 1994م/ ربيع الأول 1415هـ. } .
لا يثبت نجاح مسرحية ( حلاق بغداد)، قدرة الفصحى على الإضحاك فقط، بل يثبت وجود نية مبيتة للفصحى! فلو كان الأمر لا يتخطى أن الفصحى لا تُضحك – وهي تهمة باطلة – لكانت المسرحيات غير الفكاهية، تكتب بالفصحى، أم ماذا؟!!
ليت الأمر اقتصر على تجاهل الكتابة باللغة العربية الفصحى، ولكن من الواضح جدا، وجود إلحاح عجيب على جعل الفصحى مادة للسخرية!! ثم وصل الأمر إلى إنتاج مسلسلات، للأطفال، تحكي قصصا من التراث – مستقاة من ألف ليلة وليلة، مثلا - و يرتدي أبطالها الثياب التراثية، ولكنهم يتحدثون بالعامية!! توجد مسلسلات كويتية كثيرة في نفس الإطار، وكثيرا ما عرضها التلفاز السعودي، ثم تم بعد ذلك عرض مسلسلات سعودية مماثلة!
ثم جاءت الهجمة الشرسة من قبل الشعر الشعبي! نتمنى أن نجد من يفسر لنا ذلك الكم الهائل من برامج الشعر الشعبي، الذي يقدمه تلفازنا الموقر؟!! وتشاركه في ذلك بقية تلفزات الخليج!! لكم أن تتصوروا أن القناة الأولى لدينا كانت، تقدم أكثر من خمسة برامج عن الشعر الشعبي!! وكل برنامج له مقدم خاص!! ( محمد بن شلاح) ( خالد الخالدي) (السكران) ( بن قليل) ( مهدي بن عبار)، وآخر التطورات تقديم برنامج عن الشعر الشعبي، على الهواء!! مع ذلك الكم من برامج الشعر الشعبي،لم تقدم قناتنا،برنامجا يقدم الشعر الفصيح!! ... ثم انفجر برنامج (شاعر المليون)،فزاد انتشار الشعر الشعبي،انتشارا.
هناك ظاهرة أخرى، تزداد يوما بعد آخر، ولم أكن ألاحظها من قبل، وهي كتابة الكلمات الإنقليزية بحروف عربية، مثل سيارة إحدى شركات النظافة، والتي رسم عليها رجل يحمل مكنسة وكتب تحت الصورة بالحرف العربي : (مستر كلين)!
لنا أن نختم الحديث عن الدر المهمل، بأكثر من وقفة :
الوقفة الأولى : حول تصورنا وجود خلط بين معرفة (قواعد) اللغة العربية، وبين استقامة اللسان، ولا أدل على ذلك من وقوع كثير ممن يجيدون قواعد اللغة العربية، في اللحن،و قد يكون اللحن أقل عند من استقام لسانه على قواعد اللغة العربية، وإن غابت عنه أسباب الرفع،والنصب ..الخ. في تصوري أن صناعة استقامة اللسان،قد لا تكون صعبة، ونلفت النظر أن لدى الشناقطة تجربة ناجحة في ما يتعلق باللغة العربية، فمع علمنا أنهم يهتمون كثيرا بتعليم، وتعلُّم، قواعد اللغة العربية، إلا أنني أزعم أن من الأسباب التي جعلتهم يتميزون في باب الفصاحة، خصوصا عند النطق باللغة العربية، هو أنهم يحفّظون أطفالهم القرآن الكريم،في سن مبكرة، ثم يحفظونهم الشعر بطريقة سليمة، ولعل اللافت للنظر، أنهم يكسرون قاعدة (العرب لا تقف على متحرك)، وهم يفعلون ذلك حتى في كتاب الله! وذلك يمنع اللجوء إلى مقولة (سكن تسلم)، كما يمنح الأذن فرصة ( سماع) الكلمة المنطوقة بشكل مشبع، يولد مع التكرار نوعا من ( السليقة اللغوية)، إن صح التعبير.
في إطار تهميش الفصحى .. لم تقصر الصحافة هي الأخرى، وكثيرة هي المقالات التي نُشرت تحت عناوين بارزة، باللغة الإنقليزية، مثل مقال الأستاذ سعود البلوي، الذي جاء تحت عنوان :
( Face/ off){ جريدة الوطن العدد 2023 في 16 / 3 / 1427هـ.}
أما مقال الأستاذة إلهام أحمد، فقد جاء باللغة العربية، ومفسرا باللغة الإنقليزية!! :
( هل لديك رهاب اجتماعي (( Phobia)){ جريدة اليوم العدد 12009 في 4 / 4 / 1427هـ.}
وجاء مقال المهندس فادي الذهبي : ( شحاذون ... VIP){ جريدة الرياض العدد 13874 في 23/5/1427هـ.}. أما مقال الأستاذ مسفر الوادعي، فقد جاء هكذا :
( العدالة الأمريكية : Game OVer ){ جريدة اليوم العدد 12076 في 12 / 6 / 1427هـ .}
ولا يمكننا أن ننسى دور التعليق الرياضي،في المساهمة في زرع اللغة الإنقليزية في أذهان المشاهدين. فقد امتلأ التعليق الرياضي بالمصطلحات غير العربية، حتى بعد أن تم إيجاد ترجمات، باللغة العربية لتلك المصطلحات، وتم تداولها، لسنوات طويلة، ظل كثير من المعلقين، يفضلون استعمال اللغة الأجنبية، حتى أن أحدهم كان يقول المصطلح، باللغة العربية،( تسلل)، مثلا، ثم يشرحه لنا ( أوف سايد).... إلخ
الوقفة الثانية: وهي عبارة عن طرفة، قرأتها من زمن بعيد، تقول أن محررا، صحفيا، قبل أن يبدأ في كتابة مقالته، يُخرج ورقة من درج مكتبه، وينظر إليها، ثم يعيدها إلى الدرج، ويبدأ في الكتابة، و يرفض أن يطّلع عليها أحد من زملائه. وفي أحد الأيام، استدعاه رئيس التحرير على عجل، فنسي إغلاق درجه، فأخرج زملاؤه الورقة – طبعا نشجب هذا التصرف!! - فوجدوا بها العبارة التالية:
( إنّ : تنصب اسمها، وترفع خبرها).
الوقفة الثالثة : إذا كنا نعترف بوجود خلل كبير في العملية التعليمية، فلابد أن نعترف أيضا أن من أسباب ذلك الخلل، أن التعليم متهم بأنه يؤدي إلى ( الوعي)، وهذه جريمة لا تغتفر!!
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..