الصفحات

الاثنين، 13 يناير 2014

نحن والموازنة .. فيه شيء غلط !!

ميزانية 2014 م تقدر مصروفاتها ب 855 مليار ريال سعودي ، وهي ميزانية ضخمة بجميع المقاييس ، وفيها أعلى تقدير للمصاريف منذ أن توحدت المملكة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز والرجال المخلصين الذي ساندوه في مسيرة التوحيد ولم الشمل .

مع ذلك يشعر كثير من  المواطنين بأن هذه الموازنة لا تعبر عنهم ، وأن هذه المليارات التي تكتض بها الموازنة لا تؤثر في حياتهم ، ولا تساهم في رفاهيتها ، ولا تعني لهم شيئاً ، فيه شيء غلط ! 

كانت الموازنة في يوماً ما تعلن بشكل أكثر تفصيلاً ، وبمعلومات أكثر شفافية ، فكانت تعطي تفاصيل الإنفاق على كل بند وكل وزارة وكل قطاع ، بل وتفصل  مصاريف أبواب الموازنة الداخلية لكل وزارة وقطاع ، أما حالياً فيتم الإعلان عن القطاعات الخدمية فقط ، في حين تبقى موازنة القطاعات العسكرية والوزارات السيادية والبنود السرية ، سراً غامضاً لا يعرف عنه إلا أصحاب الشأن بهذه القطاعات ، وحتى القطاعات الخدمية تُجْمل ، فقطاع التعليم والتدريب يشمل وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني وربما معهد الإدارة العامة .. الخ ، فيه شيء غلط !
 
هموم كثير من المواطنين تتمحور حول أساسيات لا يمكن غض النظر عنها ، فغلاء المعيشة يعصف بالمواطن ، والبحث عن عيادة أو سرير أو موعد لعملية يقهر المواطن ، ومستوى التعليم لا يسر إلا العدو ، وقضية السكن أصبحت هم الليل والنهار ، والفقراء يقولون “ يكاد الفقر أن يكون كفراً ” ، ماذا عملت الموازنة لكل هؤلاء ؟ بالتأكيد فيه شيء غلط !

ألا يعلم المسئولين بأن كثير من السعوديين لا يهتمون بموازنتهم الفلكية فضلاً عن الفرح والإستبشار بها ! ألا يتابع المسئولين ما يقال حول الموازنة في المجالس والإعلام المرئي والمسموع والمقروء ،والأهم الإعلام الجديد الذي يعبر عن صوت كثير من المواطنين بدون رقابة وبلا انتقائية ، وكثير مما يقال إمعان في التشاؤم والإحباط ! بالتأكيد فيه شيء غلط !

لا أقلل من تحليل المتخصصين وقرائتهم الواعية للموازنة من خلال منظورهم الإقتصادي ، وأحترم وجهة نظر مسئولي الحكومة حينما ينظرون إليها كأداة لتحقيق إنجازاتهم ، ولا ألوم التجار عندما ينظرون إليها بعين الطامع في خيرها . . الذي يهمني أمره وأكتب عنه هنا هو المواطن ، الموظف ، المتسبب ، المزارع ، المتقاعد ، الباحث عن عمل ، الشاب المقبل على الحياة ويتطلب الوظيفة والمسكن والزوج ويحلم بمستقبل أفضل من واقعه ، هؤلاء لا يرون في الموازنة وأرقامها وتصريحات المسئولين أي بصيص لأمل ، لإنهم ملّوا من تكرار نفس العبارات والآمال والتوجهات في كل عام ، بالتأكيد فيه شيء غلط !

كلمة خادم الحرمين الموجزة بمناسبة إعلان الموازنة ؛ تختصر كثيراً من العبارات عندما يوجه الوزراء والمسئولين بل ويرجوهم لتأدية واجبهم بإخلاص وأمانة ، ويطلب منهم أن يراقبوا الله أولاً في عملهم ، وهي ما يطلبه كثير من المواطنين ، ولا يجدونه ! بالتأكيد فيه شيء غلط !

عندما يصرح وزير البترول بأنه لا يتوقع أي إحتمال لإنخفاض تصدير النفط في الأعوام القادمة ، والصغير يعلم قبل الكبير بإن هناك مطالبات ملحة من إيران والعراق بزيادة حصصهم في إنتاج أوبك البالغ 30 مليون برميل يومياً ، وأن هناك تطور كبير في إنتاج البترول الصخري ، وعند تخفيض إنتاج أوبك أو إعادة توزيع الحصص فإن السعودية ستكون الدولة الأولى التي تدفع هذه الضريبة بحكم أنها المنتج والمصدر الأكبر حيث تبلغ حصتها ما يقارب ثلث حصة أوبك ، بالتأكيد فيه شيء غلط !

عندما نعمل من خلال تناقضات لا يمكن جمعها في قالب واحد ، وأبسط مثال لذلك هو زيادة تكاليف العمالة والتكلفة الناتجة عن التوطين وتكلفة تخفيض معدل البطالة بدون الأخذ في الإعتبار ما سيقابلها من زيادة في تكاليف المعيشة المتوقعة ، وزيادة في معدلات التضخم ، وعدم إيجاد الحلول الإستراتيجية لهذه التناقضات ! وعدم الشفافية بإعداد الناس لذلك ! بالتأكيد فيه شيء غلط !

لا يوجد حلول سريعة وسحرية لما ذكرت ، ولكن بالتأكيد هناك تشخيص وهناك علاج ، علمه أناس وجهله آخرين ، وفي ظني إن أبرز ما يتطلع اليه المواطن يتمحور حول :
  • سرعة تنفيذ المشاريع المعلقة ، وخاصة ما يتعلق بالصحة والتعليم والإسكان ، وتحسين الخدمات فيها ، وتأمينها بشكل متميز للفقير قبل الغني ، والوضيع قبل الوجيه ، والغفير قبل الوزير .
  • تحسين مستوى التعليم وخاصة التعليم الأساسي ، والذي نعاني منه في بيوتنا فتجدنا في كل عام ننقل أبنائنا من مدرسة إلى أخرى بحثاً عن الأفضل ، حتى المدارس الخاصة لم تسلم ، خاصة بعد إجبارهم على توطين الوظائف .
  • تفعيل حقيقي لمكافحة الفساد ، والتركيز على العقاب والإشهار ، و “قطع الخشوم مقدم على قطع الرسوم ” .
  • تغيير أسلوب الدولة في الصرف وزيادة النفقات وعدم النظر اليه كحل وحيد ، وإنما يجب التركيز على تخفيض التكاليف على المواطن ، وذلك بإعادة تقنين الدعم للخدمات والسلع الأساسية وعلى رأسها الوقود والماء والكهرباء وتحمل الدولة لجزء كبير منها ، (وقد كتبت مقالاً بعنوان : الدعم الحكومي والنخلة العوجاء نشر في جريدة الشرق يلخص بعض الرؤى والأفكار حول الموضوع ) .
ختاماً . . بالتأكيد هناك شيء غلط !

فنحن أمام ظاهرة مرضية ،  متناقضة لأبعد حد ، صرف بالمليارات لا تصل نتيجته للمستفيد ! أو على الأقل لا يشعر بها ولا يستمتع بها ! هذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة عميقة من وزارة الإقتصاد والتخطيط لتحديد محاور الخلل ، حتى نقلص الهوة بين الواقع والمتوقع ، والفجوة بين ما هو ممكن وبين ما يطمح اليه المواطن ، والأهم وضع الخطط والبرنامج الزمني لتقليص هذه الهوة وسد الفجوة ..



الكاتب : فهد بن عبدالله القاسم
 
   falkassim



_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..