الصفحات

الثلاثاء، 25 فبراير 2014

"تحرير وتصفية مصطلحات عقدية"

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأمر المصطلحات الشرعية، وبخاصة ما يتعلق بأمر المعتقد وبيانه لها شأن عظيم، وقد أولاها السلف الصالح الاهتمام اللائق بها من جهة الحرص على التوصيف الشرعي المطابق للحقيقة للقضايا والمسميات والمواضيع الشرعية، فكان من المستحسن العودُ لتيك المدونات السالفة التليدة واستقرائها والخروج برؤية متوازنة تحفظ التلاد الصافي وتقبل الطارف النافع.
وسأقفُ - بعون الله - وقفتين عند مصطلحات يكثر تردادها واعتوار أهل العلم المعاصرين لها علّها تكون لبنة صالحة في باسق بنيان أهل العلم والإيمان.
الوقفة الأولى: تسمية توحيد العبادة بأسماء أخرى (ألوهية_إلاهية_عبودية) وهي تسميات صحيحة بلا تردّد, لا من حيث الاشتقاق, ولا من حيث المعنى, ولكن هناك ربكةٌ ذهنية في فهوم طلبة العلم حيال ذلك, وقد لحظتُها فيهم منذ مراحلهم الابتدائية حتى الجامعية! فإذا سألت أحدهم عن الفرق بين توحيد الربوبية والألوهية لحار في الجواب, والسبب أنه بطبيعته العربيّة سيعيد اللفظ - تلقائيًا - إلى اشتقاقه ومصدره, وسيؤديه هذا إلى أن الربوبية مشتقة من كلمة "الرب" والألوهية مشتقة من كلمة "إله" والكلمتان تشيران إلى ذات واحدة, وسيقف عند هذا الحد غالبًا. لأن اجتياز ذلك المدى المعرفي اللغوي إلى الوصول لمعرفة أصل كلمة "رب" ورجوع اشتقاقها ومصادرها وفروعها لمعنى الخلق والملك والتدبير.. أو أن كلمة "الإله" راجعة إلى معاني التأله والعبادة, من مألوه بمعنى معبود..الخ ليس لطلبة زماننا, فالعجمة فيهم فاشية ظاهرة!
 والمحصّلة: إطالة الكلام وتشقيقه على معنىً كنا في غنية عن تشتيت مبتدئة الطلبة فيه.
وعليه؛ فلو اكتفى العلماء في تحريرهم وبيانهم لأقسام التوحيد الثلاثة على القول بأنها: ربوبية, وعبادة, ولأسماء والصفات والأفعال؛ لكان خيرًا لأمرين:
الأول: راحة للطالب من الحيرة, ورحمة به من التشتّت. والمبتدئ عنيتُ، أما المتخصص فليبحر في العلم قدر طاقته.
ثانيًا: أنه لفظ شرعي وليس بمحدث _وإن كانت كلها شرعية_ لكن هذا اللفظ أقرب من جهة أنه متعلّق بالعبد ونيته وأقواله وأعماله. والله أعلم.
الوقفة الثانية: من تلك المصطلحات المحتاجة لإعادة نظر؛ مصطلح: التخلية والتحلية: وقد انتشرت هذه الجملة بين المتأخرين في بيانهم لمعنى رُكنَيِ الشهادة. وأرى أن لو استبدلت بما هو أولى منها, - إن كان ثمّ حاجة أصلًا، مع أن الأمر بخلاف ذلك- خاصة وأنه يوجد من اشتقاقات جذر كلمة "التخلية" ما هو أولى منها ككلمة "إخلاء" مثلًا, لدلالتها على التفريغ والإزالة فقط, أما التخلية فلها معانٍ أُخر غير مرادة.
أما "التحلية" فلا أراها سائغة, وليس لها معنًى مفهوم في مرادها الموضوعة له في هذا السياق!
 و"التحلية" ربما كان أصلها كلمة "إحلال" فكان تصريفها على وزن "تحلية!" ولا أرى هذا التصريف من العربية في شيء!
وقد يكون أصلها من تحلية الطعام, أي الوجبة الحلوة المقدمة بعد الدّسم, وفي هذا إزراء كبير بمعناها!
هذا ولم أجد للسلف في التعبير بها حرفًا, وكل خير في اتّباع من سلف, وكأن أصلها راجع إلى بعض الطُرقية ثم إلى أرباب السلوك المتأخرين ولها عندهم معانٍ منها الذكر الخاص, وأحوال ترد على قلب المريد والسالك, ونحو ذلك.
الشاهد: أن هذا الجملة في حاجة لإعادة تقويم ونظر. ولو قيل: الكفر بالطاغوت قبل الإيمان, أو البراء قبل الولاء, أو النفي قبل الإثبات.. والأخير كأنه أجود.
 وبالله التوفيق.
إبراهيم الدميجي
مجلة البيان
ربيع الثاني/ 1435

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..