الصفحات

الأحد، 2 مارس 2014

نبذةعن : التدخل الروسي وحرب القرم

  مثلما تذرعت فرنسا بحماية اللاتين، وجدت روسيا في حماية الأرثوذكسية غطاء لمطامعها في السيطرة على مضيقي الدردنيل والبوسفور وتقاسم الدولة العثمانية.

في عهد بطرس الأكبر، اعتبرت روسيا نفسها الوريثة الشرعية للكنيسة الأرثوذكسية الكبرى في القسطنطينية، و أخذت تمد نفوذها إلى القدس و الأراضي المقدسة، وأكثرت من العطايا للبطركية الأرثوذكسية للروم في القدس، وشجعت بطاركة اليونان الأرثوذكس على الانفصال عن كنيسة القسطنطينية وتأسيس بطركية مستقلة..

ومع نجاح فرنسا في فرض حمايتها للاتين، تقدم القيصر ألكسندر الأول بمذكرة إلى الباب العالي، يطلب فيها إقرار حقوق روسيا في حماية الارثوذكس ومصالحهم في الدولة العثمانية.
توجست فرنسا وبريطانيا ريبة من الطلب الروسي فحرضتا السلطان على رفضه، فظهرت مشكلة الأماكن المقدسة إلى العلن بوصفها مشكلة لا تحل في الأستانة وبفرمانات الباب العالي، بل بوصفها مشكلة دولية، وجزءا مما سيعرف بالمسألة الشرقية.

انشغلت أوروبا الكاثوليكية بقيام الثورة الفرنسية والحروب النابليونية، والثورات والحروب القومية، والخلاف مع الفاتيكان حول سياسة فصل الدين عن الدولة، فاستغلت روسيا هذه الأوضاع، و أصبحت صاحبة اليد الطولى في شؤون الدولة العثمانية، وسيطر الروم الأرثوذكس على الأماكن المقدسة مدعمين بقرار من الباب العالي سنة ألف وسبعمائة وسبع وخمسين، ومع أن فرنسا واصلت حمايتها لللاتين، وبقيت لهم  حقوقهم في كنيسة القيامة إلا أن السيطرة الفعلية كانت للروم الأرثوذكس، رافضين التخلي عنها بتحريض روسيا القيصرية، التي أصبحت وفي أعقاب صلح كينارجي، الذي آذن بتفكيك الدولة العثمانية وتصفية ممتلكاتها في أوروبا، أصبحت تعتبر نفسها حامية لمصالح الكنيسة الأرثوذكسية وحقوقها في الأماكن المقدسة.

بذل القيصر نيقولا الأول كل جهده لمنع أي تدخل غير روسي في شؤون الدولة العثمانية، ورفض المؤتمرات الأوروبية الخاصة بالنظر في مسائل خاصة بالمسألة الشرقية.. ومع ذلك دعم تحركات محلية ضد السلطنة ما أدى إلى اندلاع حرب القرم أواسط القرن التاسع عشر.

كان السبب الظاهر للحرب، هو النزاع بين رهبان من الروم ورهبان من اللاتين حول حمل مفاتيح كنيسة بيت لحم، وحقهم في نجم فضي وضع حيث ولد السيد المسيح.

عملت روسيا على تأجيج هذا النزاع البسيط، بسبب رغبتها في شن الحرب ضد تركيا، وحاول القيصر نيقولا الأول استمالة بريطانيا إلى جانبه، على أن تتقاسم الدولتان التركة العثمانية، لكن بريطانيا رفضت الوضع الروسي.
اشتبك رهبان الطائفتين في كنيستي القيامة وبيت لحم. طلبت فرنسا تثبيت حقوق اللاتين فلبت السلطنة، واحتجت روسيا التي عرضت على الباب العالي بنود معاهدة تتيح لروسيا أن تكون حامية للرعايا الأرثوذكس وضامنة لحقوقهم، وأن يوقع السلطان مستندا يجعل من روسيا صاحبة اليد الطولى في الدولة العثمانية.
رفض السلطان فاندلعت حرب القرم التي شنتها روسيا،وانتهت بهزيمتها بعد أن حظيت تركيا بدعم أنجلترا وفرنسا وسردينيا.

أصدر السلطان خط هاميون سنة ألف وثمانمئة وست وخمسين، مع انتهاء الحرب، يضمن حقوق الطوائف المسيحية داخل الدولة العثمانية، والمساواة التامة بين الأديان والجنسيات المختلفة.
لكن الدول التي دعمت تركيا في حربها ضد روسيا ووقعت معهما على صلح باريس، أوضحت أهدافها الحقيقية.
فهمت الدولة العثمانية بداية أن الأمور قد استتبت، ووقعت سنة ألف وثمانمئة واثنتين وستين معاهدة مشتركة مع فرنسا وروسيا للحفاظ على قبر المسيح المقدس، ومنع اليهود من الاقتراب منه.

لكن الدول الأوروبية كانت في الواقع تفكر في أمر آخر، إذ اكتملت لديها فكرة تقاسم الدولة العثمانية، حيث وقع المشاركون في مؤتمر برلين سنة ألف وثمانمئة وثمان وسبعين على معاهدة أشارت وللمرة الأولى إلى "الوضع الراهن في الأماكن المقدسة" ولم تقصر المعاهدة حق الحماية في الأماكن المقدسة على دولة بعينها، وإنما أعطت لكل دولة من الدول الموقعة الحق في أن تجد لنفسها صالحا في ممارسة هذا الحق في الأماكن المقدسة ان تمارسه.

و تضمنت المعاهدة نصا يقول: يعترف للممثلين الدبلوماسيين و القنصليين لدى الدولة العثمانية بحق الحماية الرسمي للأشخاص المنوه عنهم وهم الحجاج والرهبان ورجال الدين، ولمؤسساتهم الدينية في الأماكن المقدسة بمدينة القدس وغيرها من المواضع".
بعد مؤتمر برلين ظهر النزاع بصورته الحقيقية كنزاع علماني لاديني في جوهره، سياسي استعماري في مبناه وحقيقته.

---
الصراع الروسى الأوكرانى حول الأسطول وشبه جزيرة القرم.
المصدر: السياسة الدولية
بقلم:   صلاح سالم


لم يحل الانهيار السوفيتى دون القلق الغربى من الأحلام الإمبراطورية الروسية منذ أغسطس 1991م فلا شك أن الإمبراطورية السوفيتية المنهارة كانت حلما ثم عملا روسيا جسدته ثم هدمته العقيدة الشيوعية ولا يمنع ذلك فى الإدراك الغربى إمكانية تجدد الحلم القومى الإمبراطورى الروسى فى لحظة أخرى وبأشكال مغايرة، وفى ظل دعاوى متباينة وخاصة مع احتفاظ روسيا بأرضية قانونية، وحجم من القوة والعلم والتسليح يجسد وضعتها كثانى قوة عظمى فى العالم المعاصر.
وعلى الجانب الأوكرانى يتبلور الفكر الإستراتيجى حول روسيا فى تيارين الأول يعتبرها المهدد الإستراتيجى الأول للأمن والصالح الأوكرانية، والتانى يؤكد على إمكانية صياغة علاقات مصالح مشتركة إن لم يكن تحالفا بين البلدين وقد نشأ فى الفكر الاستراتيجى الغربى امتدادات لهذين التيارين لاعتبارات أهمية علاقات الدولتين بالنسبة للمصالح الغربية وفى هذا السياق تفاعلت إمتدادات الفكر الإستراتيجى الغربى، مع الأوكرانى حول قضايا ثلاث محورية للعلاقات الروسية الأوكرانية، فتم حسم أولاها وهى التعلق بالسلام النووى، بينما بدت الأخريان وهما الأسطول، والقرم أكثر خصوصية واستقلالا عن المصالح الغربية بالنسبة للأسلحة النووية الأوكرانية والتى تحتل جزءا من الميراث لفردى الروسى السوفيتى السابق فقد تم السيطرة عليها عبر اتفاقيتين هامتين:
الأولى: وهى اتفاقية الحد من الأسلحة الإستراتيجية والتى عقدت بمدريد فى 23 مايو 1992م ووقعها زعماء روسيا البيضاء وأوكرانيا وكازاخستان، باعتبارهم هدفا لهذه الاتفاقية، ثم الولايات المتحدة وروسيا باعتبارهما الوجهتين الدوليتين والإقليميتين عل هذه الجمهوريات والأسلحة النووية لديهما وكانت أهم نتائج الاتفاقية هو أن تتحول الدول النووية الثلاث إلى دول غير نووية فى أقصر وقت ممكن وهو ما آخذته كازاخستان وروسيا البيضاء على عاتقها وأما أوكرانيا فقد أصرت آنذاك على الاحتفاظ بالقوى النووية الإستراتيجية لقاء أمنها واستقلالها وهو الأمر الذى أثار القلق الأمريكى والأوروبى حيث استمر الطرفان فى ممارسة ضغوطهما المباشرة على أوكرانيا سواء بالحفز أو بالإغراء للتخلص من أسلحتها النووية الإستراتيجية حتى أسفر ذلك الضغط مع مطلع العام الحالى عن الاتفاقية الثانية.
الثانية: وهى اتفاقية ثلاثية وقعتها الولايات المتحدة وروسيا مع أوكرانيا لتخرج الأخيرة بها من النادى النووى وتتعهد بتصفية ترسانتها النووية التى ورثتها عن الاتحاد السوفيتى السابق، وذلك بأيدى خبراء روس وتحت إشراف أمريكى فى مقابل مساعدات اقتصادية ومالية من ناحية، وضمانات أمنية تؤكد عدم تعرضها لهجوم نووى من ناحية أخرى وتقضى الاتفاقية بإزالة كافة الأسلحة النووية الأوكرانية التى تشكل ثالث أكبر ترسانة نووية عالمية، من خلال نقل حوالى 200 صاروخ عابر للقارات، 1800 رأس نووى لدى أوكرانيا إلى روسيا لتفكيكها على مدار السبعة أعوام القادمة وهكذا تم تصفية أو على الأقل احتواء إحدى المشكلات المتفجرة فى العلاقات الروسية الأوكرانية بمشاركة غربية فعالة، بينما تستمر مشكلتا الأسطول، وشبه جزيرة القرم بصبغتها الإقليمية كمحورين للصراع.
أولا الصراع حول الأسطول:
يعتبر أسطول البحر الأسود المتنازع عليه بين روسيا وأوكرانيا أحد الأساطيل السوفيتية السبعة السابقة وهى أسطول المحيط الهادى وأسطول بحر البلطيق وأسطول بحر الشمال، والأسطول الحربى البحرى وأسطول بحر قزوين، وأسطول الأنهار الكبرى فضلا عن أسطول البحر الأسود الذى ظل أمره معلقا بينما ألقت الأساطيل الستة الأخرى إلى روسيا باعتبارها الوريث الشرعى للاتحاد السوفيتى.
ويتكون أسطول البحر الأسود من 440 قطعة بحرية منها 45 سفينة كبرى عائمة 280 غواصة، وحاملتان للطائرات المروحية وقد زودت بعض قطع الأسطول بصواريخ كروز، بينما تقوم بعض قطعه الأخرى بالعمل الدولى فى البحر المتوسط وقد بدأ الخلاف الروسى الأوكرانى حول الأسطول.
قبل الانهيار السوفيتى فى نطاق محدود، ثم نما على نحو متزايد بعد الانهيار السوفيتى واستقلال أوكرانيا عن روسيا حيث بدأ نمطا جديدا للتنازل بين السيادة والاستقلال بين البلدين وفيما يلى نعرض بإيجاز مراحل الصراع حول الأسطول: ففى يناير 1991م كانت القوات المرابطة فى أرض أوكرانيا تؤدى قسم الإخلاص للشعب الأوكرانى تنفيذا لأمر الرئيس كرافتشوك وقد أثار ذلك تناقضا شديدا فى وحدات القوات البحرية ظهر بشكل واضح فى أسطول البحر الأسود ورفض الأميرال كاساتونوفا قائد الأسطول تنفيذ أمر الرئيس الأوكرانى، باعتبار أن ذلك عملا له محتواه ودلالاته السياسية ويحتاج إلى مفاوضات ذات طابع سياسى لتحسم إمكانيته من عدمها مما دفع الرئيس الأوكرانى إلى طلب عزل الأميرال كاساتونوفا من الرئيس الروسى وذلك بحجة تجاهله لأوامر السلطات الأوكرانية وهو الأمر الذى رفضه الرئيس الروسى مما أثار توترات جديدة زاد من حدتها قيام الرئيس الروسى بزيارة مفاجئة إلى مدينة وميناء توفودوسيك حيث أعلن هناك أن أسطول البحر الأسود إستراتيجى ويجب أن تكون تبعيته لكومنولث الدول المستقلة.
وفى إبريل 1991م أصدر الرئيس الأوكرانى قرارا بنقل بقية القوات المسلحة ووحدات أسطول البحر الأسود الموجودة على ارض بلاده إلى التبعية القانونية لأوكرانيا، وهو ما يعنى الاستيلاء على كل القوات البحرية والبرية والجوية بما فيها التابعة للقوات الموحدة للكومنولث مما دفع الرئيس الروسى للرد بعنف فى اليوم التالى من خلال مرسوم رئاسى يضع فيه أسطول البحر الأسود تحت التبعية القانونية لبلاده كما أصدر قرارا أخر برفع العلم الروسى التاريخى على سفنه مما دفع الوضع نحو التأزم وكادت تشب حرب بين البلدين لولا أن تمت تهدئة الأجواء عقب اتصالات متبادلة بين الرئيسين تمت على إثرها مباحثات لم تحرز تقدما يذكر ومع تقوض الاتحاد السوفيتى فى أغسطس 1991، والذى شارك فيه الطرفان مع روسيا البيضاء فى اجتماع منسك عاد التوتر حول الأسطول بين البلدين نابعا من تنازع مفهومى السيادة والاستقلال فبحكم كون تسليح الأسطول من روسيا فضلا عن وجود أغلب كوادره القيادية من الروس فهم يصرون على أحقيتهم فى التحكم فيه لأنهم الذين يمولونه ويتكلفون برعايته وبحكم أهمية الفوائد والموانئ البحرية لعمل الأسطول والتى تملك معظمها أوكرانيا وخاصة قائدة سيفاستوبول، وفضلا عن بعض القيادات البحرية تصر أوكرانيا على أحقيتها فى امتلاك نصف الأسطول مما يجعل حديث القيادة الروسية عن سيادتها حق الأسطول أمرا غريبا.
وفى هذا المناخ اتفق الرئيسان على تشكيل قيادة مشتركة تحت إدارتيهما لادارة الأسطول غير أن تنامى نزعة الاستقلال فى أوكرانيا قد فجر العديد من المشاحنات، وخاصة حول الرموز السيادية كتحديد نوعية الولاء، والقسم الوطنى ،وعلم الأسطول وربما كان استمرار رفع راية ورمز الاتحاد السوفيتى القديم على الأسطول رغم انهياره هو الحل المؤقت لتلاشى تفجر هذه الخلافات. وضمن الأجواء المستمرة للخلافات الباردة بين الطرفين، وتحت ضغط روسى مستمر وافق الأوكرانيون فى مرحلة تالية على بيع حصتهم فى أسطول البحر الأسود إلى روسيا مقابل إسقاط ديونها على أوكرانيا، ثم تسوية باقى المستحقات عن الأسطول لصالح أوكرانيا بالعملة الصعبة وهو الأمر الذى تعذر على روسيا فى ضوء أزمتها الاقتصادية القيام به، مما أدى إلى تجميد الوضع حول الأسطول فى ظل خلافات غير متفجرة زاد من حدتها مع نهاية 1993م وبداية 1994 م الإصرار الروسى على الانفراد الكامل بالقاعدة البحرية فى سيفاستوبول والموجودة فى شبه جزيرة القرم وتطل على البحر الأسود مباشرة وذلك لأن بها أكثر من 80% من معدات أسطول البحر السوفيتى السابق بينما طرح الأوكرانيون رغبتهم فى المشاركة فى القاعدة البحرية الرئيسية بكل وضوح وإصرار ودعوتهم لاجتماع ثلاثى بين رؤساء روسيا وأوكرانيا وأمريكا لحسم العقدة المستعصية فى تقسيم الأسطول وهو الأمر الذى زاد من تفجر الغضب الروسى حيث أعتبر الرئيس يلتسين أن مثل هذه الدعوة خروجا على رابطة الكومنولث وتدويلا للنزاع بين الجانبين دعاه للتحذير من أن روسيا لن تتسامح مع من يدعو لتوسط طرف ثالث.
وفى الثامن من أبريل الماضى حدثت أعنف أزمة حول الأسطول هى أزمة السفينة الروسية شيكلين والمخصصة لأعمال التصوير البحرى والمساحة والتى أرادت نقل بعض المعدات الخاصة بالتصوير البحرى والمساحة من ميناء أوديسا فأعترضها الأوكرانيون للتحقق من طبيعة الحمولة إلا أن قائدها رفض الانصياع لقيادة الميناء وأعلن حاله التأهب على السفينة فاضطرت إدارة الميناء لتركها تغادر، ولكنها دفعت سفينة حربية لمرافقتها، وثلاث طائرات سوخوى 15للتحليق فوقها حتى ميناء سينا ستوبول الذى أتت منه، ولولا ضبط النفس لحدثت أعمال قتال عنيفة.
وعلى أثر هذه الأزمة فنبهت قيادة البلدين لخطورة الخلافات الباردة المستمرة فتم عقد اجتماع بين رئيسى الدولتين فى أعقاب اجتماع قمة دول رابطة الكومنولث حيث تم الاتفاق على حل مشكلة الأسطول على مراحل وأن تكون قواعد الجانبين البحريين الروسى والأوكرانى منفصلة وأن حصة أوكرانيا من الأسطول تتراوح بين
15- 20 % كما سيتولى المسئولون فى الدولتين إعداد اتفاقية خلال عشرة أيام لتحديد الخطوات التنفيذية، بالإضافة لإعداد ومعاهدة جديده للصداقة والسلام بين الدولتين.
ورغم اتفاق الرئيسين على الخطوط العريضة للاتفاقية إلا أن المباحثات التنفيذية حولها قد انهارت بمجرد بدئها بعد عشرة أيام من اجتماع الرئيسين إثر مطالبة روسيا بالإبقاء على القاعدة الرئيسية للأسطول فى سيناستوبول مع استخدام أربع قواعد أخرى فى شبه جزيرة القرم هى بالاكلانا ، وفيودوزيا، كيرتسن، دونوزلات كما رفضت روسيا السماح للأوكرانيين بالاحتفاظ بقاعدة بحرية للسفن الأوكرانية فى قاعدة سينا ستوبول وإزدإدت الأزمة حدة عندما جدد وزير الدفاع الأوكرانى فى الدعوة للاحتكام إلى طرف ثالث هو الولايات المتحدة، مما أثار ردود فعل عنيفة فى موسكو التى ردت على ما أسمته التحدى الأوكرانى بالإيعاز إلى الأكثرية الروسية البالغة نحو75% من سكان شبه جزيرة القرم لتتصدى لأوكرانيا بطريقة ديمقراطية، وهو الأمر الذى حدث بالفعل منذ مايو الماضى وزاد من توتر وحدة مشكلة القرم داخليا وإقليميا وبالقدر الذى يؤكد مدى التشابك بين القضيتين فى علاقات البلدين.
ثانيا: الصراع حول شبه جزيرة القرم:
كانت شبة جزيرة القرم ضمن روسيا الاتحادية حتى 1954 م عندما قام الزعيم السوفيتى الأسبق نيكيتا خروشوف بضمها إلى أوكرانيا وضمها مدينة وميناء سيناستوبول على البحر الأسود وظلت شبه جزيرة القرم تتمتع بالحكم الذاتى داخل جمهورية أوكرانيا حتى تفض الاتحاد السوفيتى حيث تزايدت المطالب القومية للروس الذين يشكلون نحو75% من السكان فى شبه الجزيرة والتى تمحورت حول دعم العلاقات مع روسيا ومع تزايد المد القومى الروسى فى شبه الجزيرة توصل برمانها إلى إصدار دستور فى السادس من مايو عام 1992م يتضمن تنازلات هامة لصالح القوميين الروس إذ نص هذا الدستور على أن العلاقات بين القرم وجمهورية أوكرانيا تقوم على أساس تعاهدى واتفاقى فيما يعنى عدم جواز إرغام جبة من الجبهتين على قبول إجراءات لا تتفق ومصالح أحد الطرفين كما يتيح هذا الدستور لجمهورية القرم تشكيل قوات لحماية الأمن الداخلى وإمكانية الحصول لمواطن القرم على الجنسية المزدوجة الروسية والأوكرانية، لمن يرغب فيها وإمكانية عقد صفقات اقتصادية مع دول أخرى دون المساس بمصالح أوكرانيا وبناء على ذلك الدستور جرت انتخابات عامة للرئاسة والبرلمان القومى فاز فيها يورى يننشكوف بمنصب الرئيس وهو رائد التأيب بين القرم وروسيا، كما فاز أنصاره بمقاعد ورئاسة البرلمان وهو الأمر الذى أعتبر خطوة هامة على طريق الوحدة القومية مع روسيا والذى أثار أيضا ضجة كبرى فى برلمان أوكرانيا وخاصة منذ مايو 1994م وخاصة فى 20 مايو حينما عقد برلمان القرم اجتماعا أسفر عن قرار بالعودة إلى دستور مايو 1992م وإقرار قانون التعديلات الدستورية الروسية الذى يتضمن فى الحقيقة إمكانية الانفصال عن أوكرانيا، والانضمام إلى روسيا وقد دفع هذا التطور فى القرم لإثارة مخاوف عميقة لدى أوكرانيا بدت فى لهجة خطابها حيث صرح رئيسها السابق ليونيد كرافنشوك بأننا سنرد بكل حزم للحفاظ على وحدة أراضى أوكرانيا وتطورت الأزمة مع وصول قوات أوكرانية إلى شبه جزيرة القرم وأعلنت حالة الطوارئ فى قاعدة أوديسا وتم تجهيز المستشفيات الميدانية فى أجواء صراعية تعكس ما صرح به الرئيس الأوكرانى من أن بلاده لديها ما يكفى من القوة لحماية دستور أوكرانيا ووحدة أراضيها وأن العواقب ستكون سكان القرم والقيادة المحلية تتحمل المسئولية وهو ما دفع لإثارة التصريحات الروسية المضادة فقال يلستين إن القرم جمهورية تتمتع بالسيادة ضمن أوكرانيا ولها حق تطبيق سياسة خاصة بها.
وفى 23 مايو الماضى وعندما أنذرت الأزمة باحتمال تفجرها اجتمع رئيسا حكومتى البلدين فى موسكو وأسفر الاجتماع عن موافقة روسيا على عرض المشكلة أمام الأمم المتحدة، مع إمكانية لجوء أوكرانيا لمؤتمر الأمن والتعاون الأوروبى وهو الأمر الذى أدى إلى تهدئة مؤقتة للموقف وخاصة مع إعلان فيكتور تشيرنوميردين رئيس الوزراء الروسى بأن القرم تعد جزءا من أوكرانيا، إلا أنه بدا هدوء هن وخاصة مع عودة الرئيس الأوكرانى السابق للتصريحات العنيفة فى أوائل يونيو والتى حذرت القادة الروس من اللجوء للقوة، ومن الاستمرار فى دعاويهم بان القرم جمهورية ذات سيادة وأيضا مما ضاعفت من التوتر فى الفترة التى سبقت الانتخابات الأخيرة فى أوكرانيا هو تزايد المخاوف لدى الروس فى القرم ومطالبتهم لروسيا بعدم التخلى عن مساندتهم مما أكد عمق المطالب القومية بالانفصال عن أوكرانيا.
ثالثا: الانتخابات الرئاسية فى أوكرانيا ومستقبل الصراع الروسى الأوكرانى:
منذ بداية الحملة الانتخابية فى أوكرانيا للانتخابات الرئاسية النى أجريت فى 26 يونيو، وأسفرت المرحلة الثانية لها عن فوز الرئيس ليونير كوتشما برئاسة الجمهورية فى مواجهة الرئيس السابق ليونيد كرافتشوك بدت العلاقة الروسية، الأوكرانية والموقف حيال أهم قضاياها كأهم المحاور المحددة للرأى العام الأوكرانى إزاء خياراته الجديدة.
ويمكن القول أن المواقف القومية الحادة للرئيس السابق كرامتشوك كانت أهم أسباب فشله فى الجولة الثانية للانتخابات أمام كوتشما الذى تميز بمواقفه المرنة إزاء القرم، والداعية للتعاون والتقارب مع روسيا التى يبدو أنها دعمت كثيرا من مواقفه وخاصة فى ضوء إمكانية تحريك مؤيديها الروس فى الداخل الأوكرانى والذين يبلغ تعدادهم نحو 24% من سكان أوكرانيا، والذين يتمركز معظمهم فى جنوبها وشرقها وخاصة فى القرم والذين ساندوا الرئيس الجديد فى أعقاب سلسلة الأزمات حول الأسطول، وشبه جزيرة القرم، والتى بلغت ذروتها عل صعيدى المشكلتين معا فى إبريل ومايو الماضيين واللذين سبقا شهر يونيو الذى أجريت الانتخابات فيه مباشرة وهو الأمر الذى يعكس ويبلور رؤية الرئيس الجديد ليونير كوتشما الطبيعة ومستقبل الخلافات بين بلده روسيا، حيث تعهد بمجرد إعلان نجاحه بإقامة علاقات وثيقة مع روسيا، وعلاقات أوثق مع دول الاتحاد السوفيتى السابق. ويقول كوتشما أن تحسين العلاقات مع روسيا لا يعنى إعادة تأسيس أوكرانيا على النمط السوفيتى السابق ذات الرابطة الخاصة بموسكو كما أنها لن تكون علاقة تسىء بأى شكل من الأشكال إلى ألمانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية.
وفى هذا السياق جاءت زيارات الكسندر رموروز رئيس البرلمان والحزب الاشتراكى الأوكرانى إلى روسيا حيث اجتمع رئيس الحكومة تشيرنوميردين ورئيس البرلمان إبقاء ريبتليت، ووزير الخارجية كوزيريف مؤكدا على أهمية الدعم التقارب الروس الأوكرانى مع توقيع معاهدة للصداقة والتعاون بين البلدين مع زيادة يلستين لكييث فى عهدها الجديد.
ويؤسس السكندر موروز مفهومه للعهد الجديد على وحدة الثقافة والتاريخ المشترك وبالتالى أهمية وحدة المصير الذى يعيد صياغة رؤيته لمشكلتى الأسطول، والقرم انطلاقا من كون البحر الأسود منطقة مشتركة لمصالح الدولتين، والقرم إقليم أوكرانى يعيش عليه الروس أحرارا، وأيضا يعيد صياغة رؤية أوكرانيا للعلاقات الخارجية انطلاقا من أهمية التاريخ المشترك للدول السوفيتية القديمة، وبالتالى أهمية تعاونها دون الانسياج اللامشروط فى العلاقات مع الغرب والذى عبر عنه بلفظ عدم التسكع فى أروقة الناتو وفى هذا الإطار يمكن القول بأن الانتخابات الأخيرة قد تكون بداية عهد جديد يمكن فى ظله احتواء المشكلات المتفجرة بين البلدين وهو الأمر الذى تؤشر إليه الفترة السابقة ويؤكده حاله الاستقرار الملموس رغم أن خطوات عملية أو اتفاقيات حقيقية لم تحدث أو توقع حتى الآن.

---------------------
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :
نبذة عن شبه جزيرة القرم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..