الصفحات

الأحد، 23 مارس 2014

اهـزم الفقـر على طريقـة (إمباني)

الأحد، 23 مارس، 2014

الهندي الذي هاجر لليمن ليصبح "عامل محطة وقود" ثم عاد لوطنه ليشارك مئة عائله في "دورة مياه" واحدة، وكافح إلى أن حقق حلمه الذي وعد به أصدقاءه في اليمن.. 
نقلا عن صحيفة مكة
قبل أن تظهر نتائج الثانوية العامه في الهند عام 1949 استدعى معلم القرية العجوز ابنه (دهيروبهاي أمباني) وقال له: "أنت تعلم أننا أسرة فقيرة وأنا أصبحت ضعيفاً ولا أقوى على العمل وكسب المال، وأعلم أنك تريد أن تكمل تعليمك أنت وأخيك وشقيقتيك، ولكني لا أستطيع تحمل تكلفة ذلك بعد الآن, فأنا أريدك أن تكسب أنت المال من أجل العائلة، ورتبت لك عملاً في اليمن وعليك الذهاب إلى هناك".

والدة (أمباني) كانت امرأة مقتصدة وتعرف كيف تدخر القرش وتستفيد منه لفترة طويلة بسبب الحياة الصعبة، لذلك كانت تضغط باستمرار على ابنها المحبوب دهيروبهاي الذي كان شقياً وعنيداً للغاية؛ أن يعمل ويساعد والده لأنه يمتلك طاقه هائلة وقلباً حنوناً وذكاءً حاداً، إلى درجة أنه انفعل في يوم من إصرارها وصراخها وقال لها: "لماذا تستمرين في الصراخ من أجل المال، سوف أجمع أكواماً من المال يوماً ما". لذلك قال أمباني لوالده حينما طلب منه الرحيل لليمن وبعدما ذبلت رغبته في إكمال تعليمه من أجل والده المريض وأسرته الفقيرة وإصرار والدته: "سأفعل ذلك.. وسأرحل فوراً لليمن".

حصل أمباني على جواز السفر ثم ركب السفينةً وهو ابن السابعة عشرة وغادر مصدوماً من سرعة ما حصل ومما سيواجهه في البحار والبلاد البعيدة، وهو الذي لم يغادر قريته في يوم من الأيام. وحينما وصل إلى عدن زار مكتب الشركة التي سيعمل بها صباح اليوم التالي وسكن في غرف العمال مع 25 شخصاً وكان يتقاضى 300 روبية مقابل عمله كعامل محطة وقود.
صورة من جواز سفر دهيروبهاي حينما غادر لليمن

عدن في تلك الأيام، كانت ثاني أهم ميناء في العالم بعد لندن؛ لتداول النفط وتزويد السفن بالوقود، وهذا ما دفع أمباني إلى الاحتكاك بشعوبٍ وأعراق مختلفة، وأصبح يجيد عدة لغات بالشكل الذي يجعله يستطيع التفاهم معهم لكنه أحب اللغتين العربية والإنجليزية وأجادهما إلى درجة أنه حفظ الأمثال العربية والحكم والمقولات وحرص على قراءة خطابات وكلمات المشاهير واقتباساتهم باللغة الإنجليزية، ومن حبه في اليمن كان يردد دائماً مقولة الإمام أحمد بن حنبل الشهيرة التي قالها حينما غادر العراق: "لا بد من صنعاء وإن طال السفر".

بدأ يعمل أعمال أخرى بجانب وظيفته ليصبح منظم أعمال مكتبية لأنه أجاد اللغة الإنجليزية وأصبح يكتب رسائل الشركة للموردين العالميين، واستفاد من فترات الغداء التي كان يقضيها في التجول بين أسواق عدن حيث العديد من تجار العالم الآتين بالسفن إلى عدن. كان يستمع جيداً للحوارات في السوق وينصت للمفاوضات وسبل التسويق التي تحدث بين التجار، حينها شعر بأنه يميل للتجارة ولكنه لم يكن يملك المال، فأصر أن يدخر مالاً أكثر وأن يضاعف عمله لساعاتٍ أطول حتى يتمكن من دخول عالم التجارة. وحينما نضجت خبرته التجارية بين أهم تجار، كان قد ادخر مبلغاً بسيطاً لا يكفي لعقد الصفقات التجارية، فاضطر إلى أن يقترض من أصدقائه وعرض عليهم، "أنه في حالة الربح ستشاركوني الأرباح، وفي حالة الخسارة سوف أتحملها بمفردي" ليقنعهم بإقراضه.

وبدأ أمباني يتاجر في الأشياء البسيطة (منخفضة الخطورة) وبدأ يربح ويحقق نجاحاً له ولشركائه من المقرضين، فلاحظ من حوله موهبته في مثل هذه الصفقات وكان نادراً ما يخسر في أي صفقة، ولكن في آواخر الخمسينات أصبح واضحاً أن الحكم البريطاني في عدن لن يستمر طويلاً في مواجهة تزايد الحركة اليمنية من أجل استقلالها، فبدأت جاليات كبيرة بمغادرة اليمن وكان من بينهم دهيروبهاي الذي اضطر إلى أن يعود للهند وفي داخله حسرة أنه لم يقضي وقتاً أطول في مهنته الأخيرة مع شركة (شل) العالمية كعامل تزويد وقود في محطات الشركة. وقال لأصدقائه وهو يودعهم: "سأمتلك يوماً شركة للنفط، وسأعود لألتقي بكم مجدداً"، حينها ظن الجميع أنه يمازحهم ليخفف عن نفسه وعنهم دموع الوداع ببعض الضحك.
صورة "دهيروبهاي" وزوجته في الهند بعد عودتهما

عاد هو وزوجته وابنه الأكبر (موكيش) لقريته والتقى بأسرته قبل أن يتوفى والده بأسابيع، ثم قرر أن ينتقل إلى بومباي ليبدأ تجارته الخاصة بالمبلغ البسيط الذي ادخره في اليمن، فسكن في شقة صغيرة من غرفتين في عمارة متهالكة وبحمام مشترك مع مئات الأسر، وانطلق يستكشف الأعمال التي يستطيع أن يعمل بها وفق ميزانيته، فقرر أن يعمل في تجارة التوابل والبهارات، ومنذ اليوم الأول بدأ يرسل رسائل باللغة العربية إلى أصدقائه في عدن والخليج عارضاً عليهم توريد السلع بجودة عالية وأسعار منخفضة، وبدأت فعلاً تنهال عليه الطلبات في غضون أسابيع، وكان يوفي إليهم طلباتهم على وجه السرعة حتى قبل أن يصله المبلغ، وفي بعض المرات كان يعرض عليهم عدم دفع قيمة أي إرسالية تصلهم إن لم تكن بالجودة المطلوبة لضمان ثقتهم ولكي يكون دوماً خيارهم الأول لأنه أمين وصادق.

ثم بدأ يوسع عمله وأنواع السلع التي يصدرها للخليج إلى أن طلب منه تاجر خليجي كمية سماد للتربة السطحية وعرض عليه مبلغاً كبيراً مقابلها في حال توفيرها عاجلاً، حينها لم يكن أحد من التجار يوفر مثل هذه النوعية، وخلال هذه الفترة، ولكنه كان عاشقاً للتحدي والإيفاء بوعوده، فجمع الأولاد الصغار العاطلين عن العمل وطلب منهم أن يخرجوا إلى جميع أنحاء المدينة ويشتروا جميع أكوام السماد والروث الذي يجدونه واستطاع بذلك أن يتم الطلبية وأرسلها في الوقت المحدد، ومن هذا المبلغ بدأ شراكة مع أحد أقربائه في تجارة الغزل والنسيج وأسس مقراً من مكتب صغير جداً يحتوي على طاولة وكرسيين، وبدأ يعمل بجهد أكبر ويجني أموالاً أكثر دون أن يصرف على الشكليات التي لا تفيد نشاطه التجاري إلى أن استطاع إنتاج نوع جديد من النسيج يدعى "بامبير" كان يتميز بلمعانه ونعومته، فلاقى استحسان التجار اليابانيين وبدأت تتدفق عليه الأموال وهو مازال في مكتبه الصغير.

ثم اختلف الشريكان وقرر أمباني الانفصال وتأسيس مصنع صغير للنسيج خاص به، وأصبح ينتج قرابة 5 آلاف متر في اليوم الواحد، ثم بدأ تجار الجملة يقاطعون منتجاته لإسقاطه وبدأت منتجاته تتكدس لمدة أشهر إلى أن شعر بالخطر فأصبح يأخذ كميات النسيج بنفسه ويعرضها على محال البيع بالتجزئة في المدن الكبرى بمساعدة الكثير من الرجال العاطلين عن العمل وأصبح يتجول بين تجار التجزئه ويقول لهم: "أنا أمباني، رجلٌ من الشارع ولكني أريد أن أصبح كبيراً يوماً ما وأريدكم أن تكبروا معي"، ثم يحكي لهم عن مصنعه ومنتجاته، وبذكاء بالغ كان يسوق عليهم منتجاته دون مقابل ويقول لهم: "إذا ولدنا فقراء فهذا ليس خطأنا، لكن إن متنا فقراء فإنه خطأنا.. لذلك بيعوا بضاعتي وإن حصلتم على أي مبالغ منها فأعطوني نصيبي.. والآن وقبل أن أغادركم اسقوني كوباً من الشاي".

نجحت طريقته في التسويق، وعادت عجلة الإنتاج تعمل بشكل أفضل مما كانت عليه، وأصبح صغار التجار يتسابقون نحوه ليكبروا معه ولأنه صادق في وعوده والتزاماته ومرنٌ في التعامل ويحب أن يمنح غيره الأرباح كما يحبها، وزاد من توسيع صادراته للتوابل والأسمدة والدخول في مجالات جديدة، وأصبح يزرع استثماراته في كل مكان حتى يحصدها مستقبلا، وبدأ يحلق عالياً بنجاحاته وسمعته. وفي عام 1980 استدعى ابنه (موكيش) الذي كان يدرس الماجستير في جامعة ستانفورد بأمريكا للعمل معه فوراً وليكون سنداً له في تحقيق بعض الأهداف التي طالما تمنى تحقيقها.


عاد الابن وعمل إلى جوار والده على تنويع مصادر الدخل والدخول في استثمارات جديدة وطبق كل سبل تنمية الموارد والأعمال بشكل محترف إلى أن ساند والده على تحقيق حلمه بتأسيس أكبر مصنع بترول في العالم وكانت هذه الشركة هي من صنعت له الثروة الحقيقية التي استمرت لليوم، ثم أنشأ واحدة من أكبر شركات الاتصالات في الهند وشركة كبرى للعمل في البنى التحتية وأخرى في مجال البتروكيماويات، إلى أن أصبح (دهيروبهاي أمباني) وعائلته أثرى عائلة في الهند وآسيا، حتى قدرت ثروتهم حينما توفي عام 2006 وهو في الـ 69 من عمره بأكثر من 70 مليار دولار، وتوظف شركاته أكثر من 90 ألف موظف، ويدفع ما نسبته 5% من إجمالي ضرائب دولة الهند، واليوم يدير هذه الإمبراطورية ابنه موكيش وشقيقه آنيل.

دهيروبهاي أمباني، الذي هزم الفقر بإصراره وعزيمته وصدقه في البيع والوعود وقدرته على كسب الآخرين من خلال منحهم فرصةً للربح معه وليس استغلالهم، له مقولاتٍ أصبحت خالدة في الثقافة الهندية، تقول: "فكر فيما هو كبير، فكر بسرعة، فكر في الأمام؛ فالأفكار ليست حكراً لأحد".

يقول أمباني: إذا عملت بعزيمة واتقان.. فسيتبعك النجاح


على اليمين ابنه الأصغر آنيل، وعلى اليسار إبنه الأكبر موكيش

مع زوجته المخلصة التي ساندته طوال سنوات عمره

---------------------
التعليق :
الفقر .. شبح  ضعيف  هزيل ، هو كالذباب ، يخيم على رأس من لا يستطيع "هشه"
وبعضهم لايكتفي بالهش ، بل ..  بقاتلة الذباب  :)
تحية لك يا مفيد ،

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..