الصفحات

الخميس، 17 يوليو 2014

شرورة تفضح تراجعات الظواهري عن إيذاء بلاد الحرمين

ليس هذا المقال مهتماً بما إذا كان المخرّبون الذين نفذوا هجوم منفذ الوديعة الإرهابي يعترفون بالحدود الجغرافية لهذه الدول، ولا بما إذا كانوا يرون حكّامها وجيوشها كفاراً مباحي الدم أم لا، ولا بما إذا كانوا يعدّون ما فعلوه انتقاماً لما يجري لهم في طول العالم وعرضه من قتل ومطاردة.

لكن هذا المقال مهتم بثلاثة أمور أساسية:

الأمر الأول:
أن بعضاً من المتعاطفين مع "القاعدة" في مقابل وقوفهم موقفاً حاسماً وحازماً مما يسمى "الدولة الإسلامية"، هؤلاء المتعاطفون كانوا يزعمون أن "القاعدة" ممثلة في زعيمها الروحي (الظواهري) تراجعتْ عن فكرة الهجوم على بلاد الحرمين الشريفين في الآونة الأخيرة.

إن حادثة الوديعة قطعت الشك باليقين، وكذّبت خرص الخارصين، وأكّدتْ أن هؤلاء المخرّبين لم يتراجعوا عن التفجيرات في المملكة بلاد الحرمين، وإنما أجّلوها، إما لعجزهم، وإما لأنهم يرون أن وقتها لم يحن بعد وأن سياستهم ونظرتهم إلى مآلات الأمور الدنيوية جعلتهم يرجئونها إلى حين.

ومن هنا نستنتج أنه إن كان ثمة اختلاف بين "القاعدة" و"النصرة" و"داعش" في بعض الأصول والفروع فإنهم لا يختلفون في إباحة مهاجمة السعودية بلاد الحرمين ولا قتال دولتها ورجال أمنها من حيث الأصل، وإنما هو خلاف سائغ فيما بين هذه التنظيمات، يتعلق بمدى مناسبة الهجوم على المملكة للحال والمآل، ولهذا فإنّ هذا الحدث لم تستنكره "النصرة" ولا فروع "القاعدة" الأخرى، فضلاً عن أن يستنكره ما يسمى "الدولة الإسلامية"، وإلا فلماذا لا يخرج الظواهري أو أبو محمد الجولاني بتسجيل يصرّح فيه بتجريم الهجوم في السعودية بلاد الحرمين؟! لم ولن يحدث هذا في القريب العاجل، وهذا جرس إنذار يجب التنبه له كلّما عاد الواهمون للتشكيك في خطر هذه التنظيمات الضالّة على البلاد، التي قد يتعاطف معها المغيبون ، فهذا التعاطف قد يقود في آخر الأمر كحالهم بالأمس، عندما وقعت مواجهة بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، فراحوا يكيلون المديح والأعذار لحسن نصر الله وميليشياته ويدعون لهم بالنصر والتمكين. وما هي إلا أيام حتى تكشّفت الحال وكشر حزب الله عن أنيابه ووقع في المسلمين من أهل السنة في الشام فتكاً وإثخاناً، وإذا بهؤلاء يعضون أصابع الندم على انخداعهم الساذج.

الأمر الثاني: أن تنظيم "القاعدة" وأضرابه من التنظيمات يثبت قصوره وضعفه الاستراتيجي، وتخلفه الشديد في قراءة ردود أفعال المجتمعات المسلمة، ففي الوقت الذي كان فيه هذا التنظيم يعلن عداءه الشديد لإسرائيل وأمريكا ، وحتى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن موقف المجتمعات المسلمة منه موقفاً قاطعاً، بل كان بعض المتحمسين الشباب وحتى من بعض النخب مترددا بين الإنكار والتوجس، وبين الفرحة، بإثخانه في العدو الغازي المحتل سواء في أفغانستان أو في غيرها، لكن بعد أحداث مثل مبنى المحيّا، ومهاجمة مصفاة البترول، ومبنى الطوارئ، وبعد ذبح المعاهدين، بعد ذلك تغيّر الموقف الاجتماعيّ من هذا التنظيم تغيّراً جذريّاً لم يكن يحسب له أولئك المارقة الأغرار أي حساب. وكذلك الشأن عندما حصلت في اليمن فاجعة الهجوم القاعدي على مستشفى العرضي وإبادة من فيه من كوادر طبية وتمريضية وموظفين ومراجعين أمام مرأى ومسمع العالم. والشأن هو الشأن نفسه بعد مهاجمة هذا التنظيم لمنفذ الوديعة وما حدث في مواجهات شرورة.

ومما يدل على ضعف هذا التنظيم في التعامل مع هذه الفجائع الفاضحة أنهم إذا انتشر الأمر وذاع استنكاره من كل أطياف المسلمين فإنهم يكتفون بإصدار بيان بالبراءة منه، ويظنون أنهم بذلك يستطيعون أن يربتوا على ظهور المجتمعات المسلمة المصدومة بأفعالهم الشنيعة، وأن هذا الاستنكار وهذه البراءة تكفي للخلاص من تبعات الأمر.

فالحاصل أنه بمجرد أن وقع هذا التنظيم في هذا الفخ الاستراتيجي وأقدم على هجوم منفذ الوديعة فإنه خسر تلقائياً كل التعاطف الجزئي الجديد الذي اكتسبته "القاعدة" مؤخراً بعد وقوفها في وجه ما يسمى "الدولة الإسلامية" ومواجهات جبهة النصرة التابعة لها مع النظام السوري في سورية. بل وجرّ هذا التنظيم على نفسه أن أصبح كلّ من لديه انتماء إسلاميّ مطالباً بالبراءة منه علناً ومن فعله الشنيع هذا، وإلا دخل في دائرة الاتهام بمباركة العمليات الإرهابية، وهو ليس مطالباً بذلك على المستوى الرسمي فحسب، بل على المستوى الاجتماعي والشعبي .. فأي خسارة أوقع فيها هذا التنظيم الضال نفسه بهذه العملية الحمقاء؟

وأخيراً، وهو الأمر الثالث مما يهتم به هذا المقال ويسعى إلى تحقيق نوع من التأمل فيه: ثمة تساؤل مطروح: إذا كانت "النصرة" مشغولة بقتال النصيرية الباطنية في سورية، و"الدولة الإسلامية" مشغولة بقتال جيوش المالكي في العراق، ومن أجل هذين الأمرين تلقى "الدولة" بعض التعاطف من عشائر العراق ومن السنة المضطهدين فيه، وتلقى "النصرة" تأييد طيف واسع في سورية، فيا ترى: لماذا تحمي القاعدة ظهور الحوثيين بالهجوم على المملكة العربية السعودية، في الوقت الذي يزحفون فيه (الحوثيون) على عمران وصنعاء لاقتحامها، بعد أن نكّلوا بأهل السنة في صعدة ودمّاج؟ أليس خطاب "القاعدة" و"النصرة" و"داعش" في العراق والشام هو حماية أهل السنة وتخليصهم من الشيعة؟ فلماذا تنعكس الآية في اليمن؟

لا يحضر جواب يمكن أن يجيب به هؤلاء المخربون عن هذه السقطة الاستراتيجية سوى واحد من اثنين: الأول: أن الحوثيين وقاعدة اليمن في حال هدنة اتفقا عليها بسبب مواجهاتهم مع الحكومتين اليمنية والسعودية، وإذن فلماذا لا يخرجون إلى النور بإعلان هذه الهدنة؟ والجواب بالطبع معلوم، وهو أن الحوثيين والقاعديين كليهما لا يود أن يحرج نفسه أمام جمهوره والمتحمسين له بأنه يهادن ألدّ أعدائه العقائديين ويتصالح معهم، في سبيل انشغال كل فريق منهما بمواجهاته مع الحكومات العربية. وأما الجواب الثاني المحتمل: فهو أن القاعدة والنصرة والدولة الإسلامية، هؤلاء الثلاثة غير مهتمين بمواجهة الرافضة في بلاد الإسلام، وإنما هم مهتمون بمواجهات الحكومات والجيوش العربية والانتقام منها فحسب، فمتى كانت الحكومة رافضية أو باطنية أو نصيرية رفعوا في وجهها لواء قتال الروافض، ومتى كانت الحكومة غير ذلك رفعوا في وجهها لواء قتال المرتدين الموالين للكفار. وإذا كان الأمر كذلك فلا عجب أن تتحد القاعدة مع الحوثيين في الهجوم على حدود السعودية وقتال حكومة اليمن وجيشها، لأن ما يجمع بينهم هو كرههم لكل نظام او بلد يقف في طريقهم.


18-09-1435 06:31

موقع المثقف الجديد - عبدالواحد الأنصاري:

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..