الصفحات

السبت، 2 أغسطس 2014

دروس في شرح المنطق ( هل تريد أن تفهم المنطق وأنت جالس في بيتك ) تفضل بالدخول::

 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد...
فقد بدأت أكتب شرحا ميسرا في علم المنطق على متن إيساغوجي للشيخ أثير الدين الأبهري رحمه الله.
وسأضع ما أكتبه على شكل فقرات صغيرة بحسب ما يتيسر لي كتابته ثم يكون المجال مفتوحا للمناقشة والمباحثة بعد كل فقرة.
فإذا فرغت من الدرس الأول جمعته في ملف وأضفت عليه المخططات وهكذا أفعل إلى النهاية.
راجيا من الإخوة أن يساعدوني على تذليل هذا العلم بمناقشاتهم وإضافاتهم.
والله أسأل أن يعيننا على الإتمام على خير إنه هو السميع العليم.

( الفقرة الأولى )


بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة

المنطق: مسائل يبحث فيها عن أحوال التعريف والدليل. وفائدته: صون الذهن عن الخطأ في أثناء صياغة التعريف أو الدليل.
بمعنى أن التعريف والدليل لا غنى عنهما للإنسان إذْ هما الطريق للكشف عن أي مجهول ذلك أنه تارة يجهل الإنسان معنى شيء من الأشياء فيطلب العلم به وذلك بتعريفه كأن يجهل ما هو الغاز أو الماس أو الفيزياء أو الفقه أو المتواتر أو المنطق فيقال له هو كذا وكذا فهذا الجواب يسمى تعريفا لأنه يعَرِّفك بالشيء الذي تجهله.
وتارة لا يجهل معنى شيء من الأشياء ولكن يريد أن يعرف أهو صحيح أو لا كأن يجهل هل أن الابتعاد عن الدين سبب لنهوض الأمة أو هل أن الفاعل مرفوع أو هل أن الله واحد أو هل أن لمس المرأة ينقض الوضوء فيطلب ما يثبت له صحة تلك القضايا وهذا هو الدليل وسمي دليلا لأنه يدلك ويرشدك إلى المطلوب.
فعلم أنه تارة يواجه الإنسان مفردا يجهل معناه وتارة تواجهه قضية لا يعرف صحتها.
فالمجهول الأول يرتفع بالتعريف والثاني يرتفع بالدليل.

ثم إن التعريف والدليل كثيرا ما يتطرق إليهما الخطأ فلا يحصل معهما الإنسان على العلم فاحتيج إلى علم يبحث عن كيفية صياغة التعريف والدليل بشكل صحيح وتبيين الشروط اللازمة لذلك كي يتجنب الوقوع في الزلل فلذا وضعوا علم المنطق.
مثال: حينما تدرس المنطق فستعلم أن من مسائله هي: ( أن التعريف الصحيح للشيء لا بد أن يكون مانعا من دخول غير المعرّف في التعريف ).
فإذا قيل لك ما الصلاة ؟
فقلت هي: عبادة ذات وضوء، فقد صار التعريف قاصرا وغير مانع لأن الطواف بالبيت الحرام عبادة ذات وضوء أيضا مع أنها ليست من الصلاة فحصل الخلل وهو دخول غير المعرف في التعريف أي دخول الطواف في تعريف الصلاة مما يسبب للمخاطب الخطأ وهو أنه سيفهم أن الطواف صلاة مع أنها ليست كذلك لأن القصد من التعريف هو جعله علامة على المعرّف يعرف به ما يدخل في التعريف وما لا يدخل.

مثال آخر: حينما تدرس المنطق فستعلم أن من مسائله هي: ( أنه يشترط في الدليل أن لا ينتقض ) أي لا توجد صورة ومثال يوجد فيها الدليل ولا يوجد معها المدلول.
فإذا قال النصراني: إن عيسى إله والدليل عليه هو أنه خُلق من غير أب فدل على أنه ليس مثل البشر. قلنا فيلزم على دليلك هذا أن يكون آدم إلها أيضا لأنه خلق من غير أب بل ومن غير أم ولا قائل بإلوهيته فدل على أن خلق الإنسان من غير أب لا يدل على إلوهيته. فهنا أبطلنا الدليل ببيان تخلفه وهو المسمى بالنقض.
وهنا نصل إلى نقطة مهمة وهي ما حاجتنا لدراسة المنطق؟ والجواب: إن الحاجة تكمن في وضع ضوابط علمية للتعريف والدليل تمنع الزلل فيهما.
فإن قيل: فإذا كانت حاجته بهذه الأهمية فلم استغن عنه السلف؟ والجواب: لاستقامة عقولهم وصحة فطرهم وهذا بخلاف من جاء بعدهم فقد زاغت كثير من العقول عن النهج السليم في التفكير، وذلك نظير النحو فقد استغنى الصحابة عن تدوينه لاستقامة ألسنتهم فلمّا تطرق الخلل للنطق وضِع علم النحو.
فإن قيل: فلم ذمه كثير من السلف؟ قلنا: لاختلاطه في بدايته بمسائل فلسفية مبنية على عقائد اليونان التي تخالف عقيدة المسلمين.
فإن قيل: ولكنه أيضا بعد أن صفاه المسلمون واجه نقدا قويا من قبل بعض العلماء وألفوا كتبا في الرد على المنطق؟ قلنا: لم نجد عالما طعن في المنطق إلا وهو يعترف بأن بعض مباحثه ومسائله هي حق وإنما انتقد بعض أبحاثه ورأى أنها مجانبة للصواب فحينئذ نقول لهم: لا بأس ارفعوا المبحث الفلاني من المنطق وضعوا بدله المبحث الذي ترونه صوابا فكان ماذا!!.
والخلاصة هي أننا مع نقد المنطق اليوناني ولكننا لسنا مع هدمه من أساسه بل مع منطق إسلامي لا يستطيع أن ينقده حتى الكارهين له لاستقامة أبحاثه وتوافقها التام مع النقل والعقل.
فإن قيل: لا يوجد منطق إسلامي ومنطق يوناني المنطق هو المنطق وهو ضلال. قلنا: قد عرفت في المقدمة أن أبحاث هذا العلم تدور حول تصحيح الفكر في التعريف والدليل فهل يخالف واع حاجتنا إلى مثل هذه الأبحاث وهل يستغني عنها أحد وهل تجد علما من العلوم يستغني عن التعاريف والأدلة كل ما في الأمر أن بعض الأبحاث غير مستقيمة عندك فارفعها وضع بدلا عنها مبحثا مستقيما. فإذا تم هذا فحينئذ سيكون المنطق خادم العلوم كلها على وجه الحقيقة فتأمل يرحمك الله.
( مباحثات )

1- في ضوء ما قرأت أين تكمن أهمية المنطق؟
2- في ضوء ما مر عليك هل ترى أن الصواب في ترك دراسة هذا العلم؟ وهل ترى أن المناقشة المذكورة مقنعة؟
3- اذكر بعض التعاريف البديلة للمنطق وناقشها إذا أمكن؟

-----------------------
( الفقرة الثانية )

" التصور والتصديق "

قد علمتَ أن الإنسانَ تارةً يجهل مفردا لا يعرف معناه فيطلب تعريفا يشرحه له فيتصور حينئذ ذلك الشيء ويحصل له العلم به.
وتارة يجهل قضية لا يعرف صحتها فيطلب لها دليلا فيحصل له حينئذ التصديق بمضمونها والعلم بها.
أي أنك تارة تجهل تصور شيء ما فتطلب تصوره بالتعريف.
وتارة تجهل صدق قضية ما فتطلب التصديق بها بواسطة الدليل.

فما هو التصور، وما هو التصديق؟
التصور هو: إدراك المفرد.
والتصديق هو: إدراك القضية.
والإدراك هو: العلم والمعرفة بالشيء.

مثال: إذا أدركت أن الصلاة عبادة ذات أقول وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم فهذا تصور لأنك قد أدركت معنى ( الصلاة ).

مثال: إذا أدركت وجزمت وحكمت في نفسك أن الله واحد فهذا تصديق لأنك أدركت صحة مضمون هذه القضية ( الله واحد ).

مثال آخر: زيدٌ قائمٌ.
هنا إذا عرفتَ معنى زيد ما هو وهو شخص معين، وقائم ما هو وهو أنه واقف على رجليه فهذا يسمى تصوّرا.

فإذا حكمتَ بأن زيدا قائم أي صدقت بمضمون هذه القضية بأن علمت أن زيدا في الواقع هو قائم فعلا فهذا يسمى تصديقا.
وكذا إذا حكمتَ بأن زيدا ليس بقائم أي كذبت بمضمون هذه القضية فهذا يسمونه في المنطق تصديقا أيضا.
فالتصديق إما أن يكون بالإثبات لمضمون القضية، أو بالنفي لمضمونها.

وبعبارة أخرى نقول: إن التصور هو إدراك المعنى، والتصديق هو إدراك الصدق أو الكذب.
فإدراكك لمعنى مفرد يسمى تصورا، وإدراكك لصدق محتوى قضية أو كذبها هو التصديق.
فالتصديق هو إدراك وقوع مضمون القضية في الواقع أو إدراك عدم وقوعه.

فتلخص أن الإدراك ينقسم إلى قسمين:
1- تصور.
2- تصديق.
ومتى ما جهل الإنسان تصور شيء ما فيكون عنده مجهول تصوري ولكي يرفع هذا الجهل عن نفسه لا بد من معلوم تصوري وهو التعريف.
ومتى ما جهل الإنسان التصديق بقضية ما فيكون عنده مجهول تصديقي ولكي يرفع هذا الجهل عن نفسه لا بد من معلوم تصديقي وهو الدليل.

ثم إن القضية وهي الجملة الخبرية لها ثلاثة أجزاء هي:
1- الموضوع.
2- المحمول.
3- النسبة.

مثال: زيد قائم.
فزيد هو الموضوع.
وقائم هو المحمول.
وثبوت المحمول للموضوع أي ثبوت القيام لزيد هو النسبة.

فالموضوع هو المسند إليه أي الذي يسند إليه شيء وهو هنا زيد لأنه أسند ونسب إليه القيام.
والمحمول هو المسند أي هو الشيء الذي يسند إلى الغير كالقيام فقد أسند إلى زيد.
وأما النسبة فهي الارتباط الحاصل بين المحمول والموضوع فهي ليست أمرا لفظيا كما هو الحال في الموضوع والمحمول بل هي أمر عقلي لأنك حينما تقول: زيدٌ قائمٌ يفهم العقل أنك تثبت القيام لزيد فالنسبة إذاً هي ثبوت المحمول للموضوع، أو نفي ثبوت المحمول الموضوع.
لأن القضية قد تكون مثبتة وتسمى بالموجبة مثل زيد قائم وقد تكون منفية وتسمى بالسالبة مثل زيد ليس بقائم.

فإدراك زيد وفهم معناه تصور.
وإدراك قائم وفهم معناه تصور.
وإدراك ثبوت القيام لزيد تصديق أي حكمك بأن زيدا قائم هو التصديق، فالتصديق إذاً هو الحكم.

فالتصور= إدراك المفرد ( موضوع أو محمول ).
والتصديق= إدراك النسبة ( أي النسبة بين الموضوع والمحمول).

وإليك بعض الأمثلة كي يرسخ المعنى لديك:
الله أحدٌ.
هذه قضية موجبة فـ الله أي لفظ الجلالة موضوع، وأحد محمول.
فإدراك معنى الله تصور، وإدراك معنى أحد تصور وحكمك بثبوت الأحدية لله هو التصديق.

محمد رسول الله.
هذه قضية موجبة فـ محمد صلى الله عليه وسلم موضوع، ورسول الله محمول.
فإدراك معنى محمد هو الموضوع وإدراك معنى رسول الله محمول وإدراكك اليقيني بثبوت الرسالة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تصديق.

ليس كمثله شيء.
المعنى ليس شيء مثل الله.
فهي قضية سالبة فـ شيء موضوع وكمثله محمول، وليس هنا أداة دالة على السلب والنفي.
فإدراك معنى شيء تصور، وإدراك معنى كمثله تصور، وإدراك معنى ليس تصور، وحكمك بأنه ليس شيء كمثله سبحانه تصديق.

( مناقشات )

1- في ضوء ما مرّ عليك ما الفرق الواضح بين التصور والتصديق؟
2- هل يمكن أن يوجد التصديق بدون تصور ولم؟
3- كيف تميّز بين القضية الموجبة والقضية السالبة؟

( تمارين )

ميّز التصور من التصديق في الأمثلة التالية:
1- الإنسان.
2- غلام زيد.
3- الحمد لله رب العالمين.
4- إنما الأعمال بالنيات.

( الفقرة الثالثة )

" أقسام الإدراك "

الإدراك هو: وصول النفس إلى المعنى.
مثال: معرفتك وفهمك لمعنى الصلاة هو إدراك.
فتعقلك لأي معنى سواء أكان لمفرد كزيد، أو لجملة كـ قام زيد هو الإدراك أي سواء أكان المعنى المتعقل تصورا أو تصديقا.

والإدراك ينقسم إلى أربعة أقسام هي:
1- اليقين وهو: إدراك الشيء إدراكا جازما.
2- الظن وهو: إدراك الشيء إدراكا راجحا.
3- الشك وهو: إدراك الشيء إدراكا متساويا.
4- الوهم وهو: إدراك الشيء إدراكا مرجوحا.

مثال: ( زيد قائمٌ ) هذه قضية موجبة.
فإذا أدركت وحكمت في نفسك بشكل جازم بمضمون هذه القضية فهذا يقين.
وإذا كنت تجوز قيامه وعدم قيامه ولكن تجويزك للقيام هو الأقرب والأقوى والراجح فهذا التجويز يسمى ظنا، وحينئذ الطرف الضعيف والمرجوح وهو عدم قيامه يسمى وهما، وإذا تساوى عندك الأمران ولم ترجح شيئا فهذا يسمى شكا.

مثال: ( زيد ليس بقائم ) هذه قضية سالبة.
فإذا أدركت وحكمت في نفسك بشكل جازم بمضمون هذه القضية فهذا يقين.
وإذا كنت تجوز قيامه وعدم قيامه ولكن تجويزك لعدم القيام هو الأقرب والأقوى والراجح فهذا التجويز يسمى ظنا، وحينئذ الطرف الضعيف والمرجوح وهو قيامه يسمى وهما، وإذا تساوى عندك الأمران ولم ترجح شيئا فهذا يسمى شكا.

وإذا أردنا أن نقرب هذا الأقسام بذكر النسبة المئوية نجد أن:
اليقين = 100% .
والظن= 51 إلى 99 % .
والشك = 50% .
والوهم= 1 إلى 49 % .
وأما الصفر فيمثل الجهل وخلو الذهن.

مثال اليقين: إدراكك لمضمون ( لا إله إلا الله، محمد رسول الله ).
فنحن كمسلمين نحكم بصدق هاتين القضيتين بشكل جازم يقيني لا يقبل الشك إطلاقا.

ومثال الظن: أغلب قضايا الفقه يدركها الفقيه على وجه الظن نحو صلاة الوتر مستحبة.

ومثال الوهم: صلاة الوتر واجبة فالشخص إذا غلب على ظنه أن صلاة الوتر مستحبة فهذا يعني أنه يجعل وجوبها مرجوحا فيكون الإدراك المتعلق بها وهما.

ومثال الشك: إذا استوى الأمران عند المجتهد ولم يستطع أن يرجح أحد الأمرين فإنه يتوقف في المسألة ويقول الله أعلم.

وهنا سؤال وهو أن التصديق إدراك النسبة بأي قسم من هذه الأقسام؟
الجواب هو : إدراك النسبة على وجه اليقين أو الظن.

فإذا حكمت مثلا بقيام زيد بصورة يقينية أو صورة ظنية فهذا تصديق.
وأما إذا أدركت النسبة على وجه الشك بتحققها أو على وجه الوهم وهو أضعف من الشك فليس من التصديق بل من التصور.
لأنك إذا ترددت في نفسك في قيام زيد أو عدم قيامه في الواقع فلا تكون مصدقا بالنسبة لأنك لم تحكم بمضمونها كما هو واضح.

فتلخص أن التصديق هو: إدراك النسبة على وجه اليقين أو الظن.
وأن التصور هو: إدراك ليس فيه حكم.
سواء أدركت الموضوع فقط مثل زيد.
أو أدركت المحمول فقط مثل القيام.
أو أدركت نسبة المحمول إلى الموضوع مثل القيام لزيد على وجه الشك ومثله الوهم فهذا كله من أمثلة التصور.

فالتصديق لا يتعلق إلا بالنسبة.
وأما التصور فتارة يتعلق بالمفرد، وتارة يتعلق بالنسبة.

( مناقشات )

1- كيف تفرق بين الظن والوهم؟
2- إذا كان التصور قد يتعلق بالنسبة مثل التصديق فما الفرق بينهما في هذه الحالة؟
3- إذا قرأت معلومة في كتاب فارتبت منها ثم بعد 6 أشهر علمت أنها صحيحة فما الفرق بين الإدراك الأول والثاني؟

( تمارين )

ما نوع إدراكك للقضايا الآتية:
1- الله نور السموات والأرض.
2- صلاة الجماعة فرض كفاية.
3- لمس المرأة ينقض الوضوء.
4- دراسة المنطق مفيدة.

( الفقرة الرابعة )


" أقسام التصور والتصديق "


قد علمتَ أن التصديق هو: إدراك النسبة على وجه اليقين أو الظن.
وأن التصوّر هو: ما ليس كذلك أي سواء أدركت مفردا أو نسبة على وجه الشك والوهم.
ونريد أن نبين هنا أن كلا منهما ينقسم إلى قسمين: ضروري، ونظري.

فالضروري: ما لا يحتاج إلى تفكر.
والنظري: ما يحتاج إلى تفكر.

مثال التصور الضروري: كل ما يدرك بالحواس الظاهرة وهي السمع والبصر والذوق والشم واللمس كإدراك معنى الحرارة والبرودة والحلاوة والمرارة والخشونة والنعومة وغيرها.

وكذا ما يدرك بالحس الباطن أي ما نعلمه من أنفسنا من صفات وأحوال كعلم الإنسان بجوعه وشبعه وخوفه وفرحه وألمه ونحو ذلك.
فلا نحتاج إلى فكر كي نتصور تلك المعاني أي أننا نستغني عن تعريفها.

ومثال التصور النظري إدراك معنى النبي والمبتدأ والقياس والمرسل وغيرها مما يحتاج إلى فكر وطلب تعريف يشرح لنا هذه الكلمات.

ومثال التصديق الضروري الواحد نصف الاثنين والنار حارقة والسماء فوقنا والأرض تحتنا فهذه لا تحتاج إلى دليل كي يثبت صحتها.

ومثال التصديق النظري: محمد رسول الله والأمر يدل على الوجوب والنهي يدل على التحريم فهذه تحتاج إلى دليل يثبت صحتها.

وبعبارة أخرى إن الضروري من التصور أن يجد الإنسان في نفسه تصورا ومعرفة بالشيء من غير حاجة إلى شخص يعرّفه به.
والضروري من التصديق أن يجد الإنسان في نفسه معرفة بصحة القضية أو عدم صحتها من غير حاجة لدليل.
أما النظري من التصور والتصديق فيحتاجان إلى فكر ونظر.

فالحاصل هو أربعة أقسام:
1- تصور ضروري.
2- تصور نظري.
3- تصديق ضروري.
4- تصديق نظري.
ويسمى الضروري بالبديهي أيضا.

ثم إن كون الشيء بديهيا لا يعني بالضرورة معرفة جميع الناس به لأنه قد يحول بينهم وبين معرفته سبب من الأسباب.

مثال: من فقد حاسة البصر - نسأل الله العافية - لا يتصور الألوان ولا يعرف المرئيات فلا يعرف طلوع الشمس ولا إقبال الليل بينما يعرفها بالضرورة من يملك حاسة البصر وكذا قل في فقد حاسة الذوق والشم وغيرهما.
ولذا قالوا: من فقد حسا فقد علما.

مثال: النصارى حينما يقولون إن الله ثلاثة: الأب والابن وروح القدس ولكنهم واحد في نفس الوقت.
فهذا مما يعلم بالضرورة وببداهة العقل استحالته ولكن قيام الشبهة في أذهانهم حال بينهم وبين إدراك البديهي.
فانتفاء الشبهة شرط في إدراك الضروري.

وبما تقدم نعلم أن البحث المنطقي إنما هو على التصور والتصديق النظريين لأنهما اللذان يحتاجان للتعريف والدليل.

وأبحاث المنطق قسمان: قسم في التصور، وقسم في التصديق.
ومبحث التعريف في القسم الأول، ومبحث الدليل في القسم الثاني.

( مناقشات )

1- في ضوء ما تقدم ما هي أقسام التصور والتصدق وتعريفاتها؟
2- هل حصل وإن قامت في نفسك شبهة منعتك من معرفة ما هو بديهي ثم انكشف الأمر عنك ؟
3- إذا ذهبت إلى طبيب تصف له ألمك فأخذ يسألك ثم كشف عليك وعرف سبب المرض فما الفرق بين علمك بمرضك وألمك وعلم الطبيب به؟

( تمارين )

عين الضروري من النظري في الأمثلة الآتية:
1- إدراك الجن.
2- إدراك الكهرباء.
3- إدراك الهواء.
4- الأرض تدور حول نفسها.
5- القرآن كلام الله.
6- الكل أكبر من الجزء.


( الفقرة الخامسة )

" أقسام الدلالة "

قد علمتَ أن أبحاثَ المنطقِ منحصرةٌ في قسمين: قسمٍ في التصورات، وقسمٍ في التصديقات.
وقبل أن ندخلَ في مبحث التصوراتِ نحتاجُ إلى ذكر بعض الأمور المتعلقةِ باللفظ تعرف بمباحث الألفاظ وذلك لأن ذكر التعريف والدليل للناس يكون بواسطة ألفاظ فاحتجنا إلى ذكر تلك الأمور اللفظية تمهيدا لدراستنا مباحث التصورات والتصديقات.

ومن هنا يجاب على سؤال يذكره البعض وهو لم ندرس مباحث الألفاظ في المنطق مع أنه يهتم بالمعاني لا بالألفاظ؟

والجواب: لأن تلك الألفاظ هي الواسطة في نقل المعاني فاحتجنا إلى دراسة قليلة فيها تساعدنا على النقل الصحيح للمعنى.
وسنذكر فيها مبحثين:
الأول: أقسام الدلالة.
الثاني: أقسام اللفظ.

فالدلالة هي: فهم شيء من شيء آخر.
مثال: إذا كنت في بيتك فسمعت طرقا على الباب فسوف ينتقل ذهنك مباشرة إلى أنه يوجد شخص عند الباب فتذهب لتخرج إليه.
فهنا الطرقة أرشدتك إلى وجود شخص.
فالطرقة تسمى دالا.
ووجود شخص عند الباب يسمى مدلولا.
والارتباط الحاصل بين الدال والمدلول هو الدلالة أي أن انتقال ذهنك من الطرقة إلى الشخص هو الدلالة.
فليست الدلالة هي الدال أو المدلول بل هي النسبة والانتقال الذهني من الدال إلى المدلول.

والدلالة تنقسم إلى قسمين:
دلالة لفظية وهي: التي يكون الدال فيها لفظا.
دلالة غير لفظية وهي: التي يكون الدال فيها غير لفظ.

مثال اللفظية: لفظ زيد يدل على شخص معين، ولفظ نخلة يدل على الشجرة ذات التمر.
فلفظ نخلة دال والشجرة ذات التمر مدلول، وفهم المعنى من هذا اللفظ هو الدلالة اللفظية.

ومثال غير اللفظية: إذا نظرت إلى السماء فرأيت دخانا أسود فستعلم أنه توجد نار تشتعل في مكان ما.
فالدخان دال والنار مدلول وانتقال ذهنك من الدخان إلى النار هو الدلالة.
ولا شك أن الدخان ليس لفظا.

وكل من الدلالة اللفظية وغير اللفظية ينقسمان إلى ثلاثة أقسام هي: ( وضعية- طبعية- عقلية )
أولا: الدلالة الوضعية وهي: الدلالة الحاصلة من الوضع والاصطلاح أي جرى اتفاق على أن هذا الشيء قد وضع علامة على هذا الشيء فمتى أطلق فهم منه ذلك الشيء.

مثال الدلالة اللفظية الوضعية: اللغات فكلها من باب الدلالة الوضعية فإذا نطقت بكلمة سيارة فهم السامع تلك الآلية المعروفة.
ولكل قوم لغتهم الخاصة بهم.

ومثال الدلالة غير اللفظية الوضعية: إشارات المرور فأنت إذا رأيت اللون الأحمر ستوقف سيارتك وإذا رأيت الأخضر سرت، وهذه دلالة وضعية لأن النظام الدولي قد اصطلح على جعل هذه الألوان دلالة على التوقف أو السير وهي ليست لفظا كما هو واضح.

ثانيا: الدلالة الطبعية وهي: التي يكون منشأها طبع الإنسان أو عاداته.

مثال الدلالة اللفظية الطبعية: لفظة أخ إذا توجعت من شيء كأن تمشي وتدوس على مسمار فتجد بغير شعور تقول أخ فتجد صديقك يفهم من هذه اللفظة مباشرة أنك تتألم.
وهذه اللفظة لم توضع لتدل على الألم ولكن اعتاد كثير من الناس أن ينطقوا بها حين الشعور بالألم.

ومثال الدلالة غير اللفظية الطبعية: إذا رأيت شخصا اصفر وجهه فجأة فستعلم مباشرة أنه خائف من شيء ما وهذه دلالة طبعية لأن الإنسان بطبعه وبغير إرادته يصفر عند الخوف.

ثالثا: الدلالة العقلية وهي: الدلالة التي تنشأ بسبب العقل وهي تكون محكومة بقواعد عقلية مثل أن الأثر يدل على المؤثر والفعل يدل على الفاعل فهي لا تنشأ من وضع الإنسان واصطلاحه ولا بسبب طبعه وعاداته بل بسبب اللزوم العقلي بين الدال والمدلول.

مثال الدلالة اللفظية العقلية: دلالة اللفظ على اللافظ لأن اللفظ أثر فلا بد له من فاعل.
فإذا سمعت نحنحة من خلف الجدار فأنت ستعلم بلا شك أنه هناك منحنح أي إنسان موجود لأن هذا الصوت يستحيل أن يوجد من غير شخص يقوم به.

ومثال الدلالة غير اللفظية العقلية: دلالة الدخان على النار لأن هذا أثر ومؤثر فالدخان أثر والنار مؤثر.

والحاصل أن الدلالة ستة أقسام هي:
1- الدلالة اللفظية الوضعية.
2- الدلالة غير اللفظية الوضعية.
3- الدلالة اللفظية الطبعية.
4- الدلالة غير اللفظية الطبعية.
5- الدلالة اللفظية العقلية.
6- الدلالة غير اللفظية العقلية.

بقي أن نقارن بين هذه الدلالات فنقول:
الدلالة الوضعية منشأها الوضع والاصطلاح.
والطبعية منشأها جبلة الإنسان أو عاداته ولا علاقة لها بالوضع.
والعقلية منشأها الدليل العقلي.

والوضعية تختلف من وضع إلى آخر لاختلاف الأوضاع واللغات.
والطبعية قد تختلف باختلاف عادات الناس.
والعقلية لا تختلف من قوم إلى آخرين.

( مناقشات )

1- في ضوء ما تقدم كيف تفرِّقُ بين الدال والمدلول والدلالة؟
2- ما الفرق بين الدلالات الثلاث: الوضعية والطبعية والعقلية؟
3- من أي الدلالة تصنف قول الأعرابي حين سئل بما عرفت ربك فقال: الأثر يدل على المسير والبعرة تدل على البعير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على العليم الخبير؟
والبروج هي الكواكب العظيمة، والفجاج جمع فجٍّ وهي الطريق الواسع بين الجبلين.

( تمارين )

عيّن نوع الدلالة في الأمثلة التالية ؟
( ارتفاع النبض على الحمى- صهيل الفرس على طلب الماء- المحراب على جهة القبلة- الأنين على المرض- التثاؤب على النعاس- عقرب الساعة على الوقت- صوت المؤذن على دخول الوقت- جرس المدرسة على انتهاء الاستراحة - الله لا إله إلا هو الحي القيوم على معناها ).

( الفقرة السادسة )

( أقسام الدلالة اللفظية الوضعية )

قد علمتَ أن الدلالةَ تنقسم إلى ستة أقسام قد مرّ ذكرها، ثم إن الدلالةَ اللفظيةَ الوضعيةَ تنقسمُ بدورها إلى ثلاثة أقسام هي:
1- مطابقة وهي: دلالة اللفظ على تمام ما وضع له.
2- تضمن وهي: دلالة اللفظ على جزء ما وضع له.
3- التزام وهي: دلالة اللفظ على الخارج عن معناه الموضوع له.

بمعنى أن اللفظ إذا وضع ليدل على معنى فدلالته على كل المعنى مطابقة وعلى بعض المعنى تضمن وعلى خارج عن المعنى الموضوع له ولكنه لازم له التزام.

مثال: لفظ الكتاب معناه هو مجموعة صحائف مكتوبة على أوراق، فدلالته على هذا المعنى بتمامه هو دلالة مطابقة.
ودلالته على جزء معناه مثل دلالة لفظ الكتاب على الورق فقط، أو على المكتوب فقط هو دلالة تضمن.
ودلالته على خارج عن معناه وتعريفه ولكن يوجد بينهما ارتباط والتزام مثل دلالة لفظ الكتاب على الكاتب الذي كتبه هو التزام.
فالكاتب ليس بداخل في تعريف معنى الكتاب، ولكن لا يمكن أن توجد تلك الصحائف المكتوبة بدون كاتب يكتبها فلذا سميت بدلالة التزام لأن الكتاب يستلزم وجود الكاتب.
مثال: الصلاة هي مجموعة من الأقوال والأفعال تفتح بالتكبير وتختتم بالتسليم.
فدلالة لفظ الصلاة على جميع هذه الأقوال والأفعال مطابقة.
وعلى بعضها كالركوع أو السجود أو التشهد تضمن.
وعلى المصلي والوضوء التزام.

فالملزوم هو الدال واللازم هو المدلول والنسبة بينهما التزام.
فلفظ الكتاب دال على الكاتب فيكون الكتاب ملزوما، والكاتب لازما والانتقال من الكتاب إلى الكاتب التزام.

ونقول: إذا نزل المطر فستبتل الأرض أي أن نزول المطر دال على ابتلال الأرض.
فالملزوم هو نزول المطر واللازم هو ابتلال الأرض.
والنسبة بينهما أي الربط والانتقال من الأول للثاني يسمى ( التزاما وملازمة ولزوما وتلازما ).

واللازم قسمان لازم أعم ولازم مساو.
مثال الأعم: لزوم الزوجية للأربعة
فالزوجية - ومعناها قبول الانقسام على 2 بلا كسر - لازمة للأربعة لأنه كلما وجدت الأربعة وجدت الزوجية.
ولكنها ليست مختصة بالأربعة فهي لازمة للستة والثمانية والعشرة وغيرها.
فلذا يقال على الزوجية إنها لازم أعم لأنها توجد في الملزوم ( الأربعة ) وغيره.

ومثال المساوي: لزوم النهار لطلوع الشمس.
فكلما طلعت الشمس وجد النهار، وكلما وجد النهار كانت الشمس قد طلعت.
فهنا توجد ملازمة من الجانبين.

فإذا كان اللازم أعم فهنا قاعدتان:
1- كلما وجد الملزوم وجد اللازم.
2- وليس كلما وجد اللازم وجد الملزوم.
كما في الأربعة والزوجية فكلما وجدت الأربعة وجدت الزوجية.
وليس كلما وجدت الزوجية وجدت الأربعة إذْ قد توجد في غيرها كالثمانية.

وإذا كان اللازم مساويا فهنا قاعدتان أيضا.
1- كلما وجد الملزوم وجد اللازم.
2- وكلما وجد اللازم وجد الملزوم.
فكلما وجدت الشمس وجد النهار وكلما وجد النهار وجدت الشمس.

( مناقشات )

1- في ضوء ما تقدم عبر عن الفرق بين المطابقة والتضمن والالتزام بعبارة من عندك؟
2- ما الفرق بين الملزوم واللازم والملازمة؟
3- كيف تفرق بين اللازم والأعم واللازم المساوي؟


( تمارين )

أولا: بين نوع الدلالة اللفظية الوضعية في الأمثلة التالية؟
1- السيارة على محركها.
2- السقف على الجدران.
3- الدار على غرفه.
4- الحج على العبادة.
5- العقد على الإيجاب والقبول.

ثانيا: ما هو نوع اللازم في الأمثلة التالية من حيث العموم والمساواة ؟
1- الفردية للثلاثة.
2- الحرارة للنار.
3- السواد للغراب.
4- الحدوث للمخلوق.
والحدوث معناه أن يكون الشيء في زمن ما غير موجود ثم وجد بعد ذلك.

( الفقرة السابعة )

( شرط الدلالة الالتزامية )

قد علمتَ أن الدلالة اللفظية الوضعية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مطابقة، وتضمن، والتزام.
ولدلالة الالتزام شرط رئيسي في المنطق هو أن يكون التلازم ذهنيا بين الملزوم واللازم.
لأن اللازم ثلاثة أقسام:
1- لازم ذهني فقط. ( معتبر )
2- لازم خارجي فقط. ( غير معتبر )
3- لازم ذهني وخارجي معا. ( معتبر )

فاللازم الذهني: ما كانت الملازمة بينه وبين الملزوم في التصور وعالم الذهن.
واللازم الخارجي: ما كانت الملازمة بينه وبين الملزوم في الواقع الخارجي دون التصور الذهني.
واللازم الذهني والخارجي معا: ما كانت الملازمة بينه وبين الملزوم في التصور وفي الواقع الخارجي معا.

( فضابط اللازم الذهني فقط يتحقق في العدم والملكة أي في عدم الصفة ووجود تلك الصفة )
مثال: العمى فهو عدم البصر فهذا عدم، والبصر مَلَكَة أي وجود.
فمن تصور معنى العمى في عقله وهو ( عدم البصر ) فيلزم أن يحصل في ذهنه تصور البصر بلا شك لأن العمى معناه أن هنالك بصرا قد ذهب فصار أعمى - نسأل الله العافية - فحيث تصور الذهنُ العمى تصور معه البصر.
والعمى ملزوم والبصر لازم، وهذا التلازم في الذهن فقط وإلا فبينهما في الخارج تعاند وتنافي فكيف تصير العين عمياء ومبصرة بنفس الوقت هذا محال.
والقصد أن معنى العمى المطابق هو عدم تلك الحاسة ومعناه اللازم له هو البصر وهذا التلازم بين العمى والبصر تلازم في داخل العقل فقط وإلا فيستحيل اجتماعهما في خارج العقل في محل واحد.

مثال: الخرس وهو عدم النطق وملكته النطق.
فمتى تصور واستحضر شخص في عقله الخرس سيستحضر معه النطق لأنه عدم النطق.
والخرس ملزوم والنطق لازم والتلازم في الذهن فقط إذْ كيف يجتمع النطق وعدمه في محل واحد.

مثال: الجهل وهو عدم العلم وملكته العلم.
فمتى تصور شخص الجهل سيتصور معه العلم لأنه عدم العلم.
والجهل ملزوم والعلم لازم والتلازم في الذهن فقط، إذْ كيف يجتمع الجهل بالشيء والعلم به في محل واحد في وقت واحد.
وهكذا ففي كل هذه الأمثلة يوجد تلازم بين العدم والملكة وهو تلازم داخل الذهن فقط ويستحيل وجوده في الخارج.

( وضابط اللازم الخارجي والذهني معا يتحقق في دلالة الفعل على الفاعل والمفعول ).
مثال: الضرب فهو فعل وهو يدل بلا شك على مَن صدر منه الضرب وهو الضارب وعلى من وقع عليه الضرب وهو المضروب لأن الضرب معناه وقوع شيء على شيء فالشيء الأول فاعل والشيء الثاني مفعول.
فإذا تصورت في ذهنك معنى الضرب استحضرت معه ضاربا ومضروبا فدلالة الضرب عليهما بالالتزام.
ونوع اللزوم هو لزوم ذهني وخارجي معا لأنه كما أنه في الذهن يوجد تلازم ففي خارج الذهن يوجد تلازم أيضا فهل تجد في الواقع ضربا يصدر من دون ضارب ومحل يقع عليه الضرب!!.

مثال: الخلق يدل على الخالق والمخلوق.
فإذا تصورت في ذهنك الخلق فستتصور معه الخالق والمخلوق.
وهذا التلازم في الذهن وفي الخارج أيضا.

مثال: الإكرام يدل على المكرِم والمكرَم.
فإذا تصورت الإكرام تصورت معه مكرِما ومكرَما.
وهكذا ففي كل هذا الأمثلة يوجد تلازم بين الملزوم واللازم في الذهن والخارج معا.

وهذان اللازمان أعني الذهني فقط والذهني والخارجي معا هما المعتبران في المنطق لأنه ينتقل الذهن فيهما بسهولة من الملزوم إلى اللازم وأما اللازم الخارجي فغير معتبر عندهم.

( وضابط اللازم الخارجي فقط يتحقق فيما يحتاج إلى دليل أو مشاهدة ).
مثال: الحدوث للعالم.
فثبوت الحدوث للعالم يفتقر إلى دليل.
فالعالم ملزوم والحادث لازم.
فهل إذا تصورت العالم - وهو كل ما عدا الله سبحانه - في ذهنك تصورت معه الحدوث؟
الجواب: كلا لأن ثبوت الحدوث للعالم يفتقر إلى برهان عقلي يثبت ذلك فليس مجرد تصور العالم كاف لتصور الحدوث معه.

مثال: الوحدانية للإله.
فثبوت الوحدانية له يحتاج إلى دليل.
فالإله ملزوم والوحدانية لازمة.
فهل إذا عرفت وتصورت الإله في ذهنك لزم أن تتصوره واحدا أحد؟
والجواب: كلا وإلا لما أشرك به أحد ولكان المشركون بمجرد أن يتصوروا معنى الإله في اللغة يحكمون بوحدانيته واستحالة التعدد.

مثال: السواد للغراب.
فثبوت السواد للغراب لازم له ولكن هذا اللزوم يحتاج إلى مشاهدات مسبقة فالناس رأوا أن كل غراب أسود فصاروا كلما ذكروا الغراب استحضروا السواد معه.
فالغراب ملزوم والسواد لازم.
ولو أن شخصا لم ير الغراب لأمكن أن يتصوره أبيض أو على لون آخر.
فلا توجد ملازمة عقلية بين الغراب والسواد وإنما شاء الله سبحانه أن يجعله أسود.

مثال: البياض للثلج.
فثبوت البياض للثلج يتوقف على المشاهدة.
ولو أن شخصا لم ير الثلج لأمكن أن يتصوره أسود أو على لون آخر.
فلا توجد ملازمة عقلية بين الثلج والبياض وإنما شاء الله سبحانه أن يجعله أبيض.
ففي كل هذه الأمثلة لا يوجد تلازم ذهني عقلي بل هو إما أن يفتقر إلى دليل وإما أن يكون بينهما توافق في العالم الخارجي مثل السواد والغراب ولا يوجد تلازم ذهني.

والخلاصة هي: أن المنطقيين يشترطون لقبول الدلالة الالتزامية وجود التلازم الذهني بين الملزوم واللازم فلذا لا يعتدون بالسواد للغراب ونحوه.

وهذا مجرد اصطلاح لهم قد لا تنفعنا مراعاته في العلوم الشرعية وغيرها فالأولى هو التعميم.
قال الشيخ السنوسي رحمه الله: وأما في فن الأصول أو في البيان فإنهم لا يشترطون في دلالة الالتزام أن يكون اللزوم ذهنيا بل مطلق اللزوم بأي وجه كان، وبذلك كثرت الفوائد التي يستنبطونها بدلالة الالتزام من ألفاظ القرآن والسنة وألفاظ أئمة المسلمين. اهـ شرح المختصر في فن المنطق مع حاشية الباجوري. مطبعة التقدم العلمية ص 37.

( مناقشات )

1- في ضوء ما تقدم كيف تفرق بين أنواع اللازم؟
2- كيف يدل العمى على البصر مع أنهما لا يجتمعان ؟
3- ما هو الفرق بين المناطقة وغيرهم في دلالة الالتزام؟

( تمارين )

ما هو نوع اللازم في الأمثلة التالية :
1- الصمّ على السمع.
2- القتل على المقتول.
3- العسل على الشمع.
4- الطماطة على الحمرة.
5- الرمي على الرامي.

( الفقرة الثامنة )

" أقسام اللفظ "

اللفظ هو: صوت مشتمل على بعض الأحرف.
مثل زيد فإنه صوت مسموع بالأذن ويشتمل على الزاي والياء والدال.

وينقسم إلى مفرد ومركب.
فالمفرد: ما لا يدل جزئه على جزء معناه.
والمركب: ما يدل جزئه على جزء معناه.

مثال: ( غلام زيد ) هذا لفظ مركب لأن معناه غلام تابع ومملوك لزيد، فلفظ ( غلام ) يدل على شطر هذا المعنى، ولفظ ( زيد ) يدل على الشطر الثاني فيكون مركبا لأنه قد دل جزء اللفظ على جزء المعنى.

وأما لفظ غلام أو لفظ زيد فهو مفرد لأنه لا يدل جزء اللفظ على جزء المعنى، فمثلا لفظ زيد متكون من ( الزاي- والياء- والدال ) فهل الزاي مثلا تدل على يد زيد والياء تدل على رأسه والدال تدل على الباقي؟
الجواب: كلا فهذا اللفظ ( زيد ) كوحدة كاملة يدل على زيد وليست أجزائه تدل على جزء معناه.

والمركب متى ما صار علما صار مفردا.
فعبد الله يراد به اسما لشخص هو مفرد لأنه لا يدل جزء اللفظ حينئذ على جزء المعنى.
أما إذا أريد به غير العلمية كقوله تعالى: ( قال: إني عبد الله) فهو مركب.

وهكذا أصول الفقه، ومصطلح الحديث، وأصول الدين إذا أريد بها أسماء علوم مخصوصة فهي مفردة وهي في الأصل مركبة من كلمتين.

والمفرد ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
1- كلمة وهي تسمى بالفعل عند النحاة مثل ضرب.
2- اسم وهو الاسم عند النحاة مثل زيد.
3- أداة وهو الحرف عند النحاة مثل في.
فالمناطقة يسمون الفعل كلمة ويسمون الحرف أداة.

والمركب ينقسم إلى قسمين:
1- مركب ناقص وهو: ما لا يحسن السكوت عليه.
مثل غلام زيدٍ، وشجرة جميلة.
لأن من قال غلام زيد وسكت لم يذكر كلاما مفيدا لأنه موضوع ولا محمول له.

2- مركب تام وهو: ما يحسن السكوت عليه.
مثل زيد قائم، وقام زيد.

والمركب التام قسمان:
أ- خبر وهو: كلام يحتمل الصدق والكذب.
ب- إنشاء وهو: كلام لا يحتمل الصدق والكذب.

مثال: قامَ زيدٌ فهذا الكلام يسمى خبرا لأنه يحتمل الصدق والكذب لأنك إما أن تكون صادقا فيما قلته ويكون زيد قد قام فعلا، أو تكون كاذبا ويكون زيد لم يقم.

مثال: إذا قلتَ لشخص قمْ فهذا كلام مركب من فعل وفاعل مستتر تقديره أنت و يسمى إنشاءً وهو لا يحتمل الصدق والكذب لأنه طلب، وهو ليس فيه صدق أو كذب؛ فلا يصح أن يقال لك: صدقت أو كذبت لأنك لم تخبر عن حدوث شيء بل أنت تنشأ أمرا وطلبا لشيء تريده فلا معنى للصدق والكذب، بل إما أن تطاع ويقوم الشخص الذي تخاطبه أو تعصى ولا يقوم من مكانه.

فإذا علم هذا فالتصديق هو: إدراك النسبة التامة الخبرية على وجه اليقين أو الظن.
وكل إدراك عدا هذا فهو من التصور، وحينئذ يكون للتصور عدة مصاديق هي:
1- إدراك المفرد مثل زيد، وضرب، وفي.
2- إدراك المركب الناقص مثل غلام زيد.
3- إدراك المركب التام الإنشائي مثل قم لأن الإنشاء لا يتعلق به إخبار عن الواقع وبالتالي يحكم بوقوعه أو عدم وقوعه فلا يتعلق به سوى تصور المعنى دون التصديق.
4- إدراك النسبة التامة، أي مجرد تصور معنى الجملة الخبرية فقط.
5- إدراك النسبة التامة على وجه الشك.
6- إدراك النسبة التامة على وجه الوهم.
وباختصار التصور إدراك بلا حكم.
وقد مرت أمثلة التصور مرارا.

( مناقشات )

1- في ضوء ما تقدم ما الفارق بين أصول الفقه في حال العلمية وفي غير العلمية؟
2- لم كان المركب الناقص لا يحسن السكوت عليه؟
3- لم كانَ إدراك الإنشاء تصورا لا تصديقا؟

( تمارين )

أولا: ميّز بين المفرد والمركب فيما يلي:
( المسجد الحرام- المدينة المنورة- محمد المختار- تصديق- تصور ).

ثانيا: ميّز بين المركب الناقص والمركب التام خبرا أو إنشاءً فيما يلي:
( اتقوا الله - لا تقربوا الزنا- أقيموا الصلاة- الله أكبر- لا إله إلا الله- يوم القيامة ).

( الفقرة التاسعة )

" الجزئي والكلي "

قد علمتَ أن اللفظَ إما مفردٌ وإمّا مركبٌ، ثم إن اللفظ المفرد ينقسم بحسب معناه إلى قسمين:
أولا: كليّ.
ثانيا: جزئيّ.

فالكلي هو: الذي لا يمنع تصور مفهومه من وقوع الشِركة فيه.
مثال: رجل، إذا تصورت مفهومه أي معناه في عقلك وهو الذكر البالغ فستجده ينطبق على كثيرين مثل زيد وعمرو وبكر وغيرهم، فمعناه ومفهومه لا يمنع الشركة فيه أي الاشتراك بل يشمل كثيرين.

مثال: الصلاة، إذا تصورت مفهومها ومعناها في عقلك وهو عبادة ذات أقول وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم فستجد أنها تتناول كل صلاة ولا تختص بصلاة واحدة فمعنى الصلاة لا يمنع الشركة.

مثال: كتاب، إذا تصورت مفهومه ومعناه في عقلك وهو صحائف مكتوبة فستجد أنه يشمل كل كتاب ولا يقتضي الحصر بكتاب واحدـ فمفهوم هذا اللفظ لا يمنع الشركة والتعدد.

وأما الجزئي فهو: الذي يمنع تصور مفهومه من وقوع الشركة فيه.
مثال: زيد، إذا تصورت مفهومه ومعناه في عقلك وهو إنسان معين فيستحيل حينئذ أن يصدق وينطبق على أكثر من واحد لأن مفهومه يأبى الشركة فيه فهو لا يدل إلا على واحد.

مثال: هذه الصلاة، إذا تصورت مفهومها في عقلك وهي صلاة معينة مشخصة فيستحيل حينئذ أن تنطبق على غير تلك الصلاة.

مثال: هذا الكتاب، إذا تصورت مفهومه في ذهنك وهو كتاب مشخص مشار إليه فيستحيل حينئذ أن يقبل الشركة بل لا يدل إلا على كتاب واحد بعينه.

ثم إن الكلي يشمل ما له كثرة حقيقية في الخارج وما ليس كذلك.
فمثال ما له كثرة ما تقدم من الرجل والصلاة والكتاب.
ومثال ما ليس له كثرة كشمس فإن معناها كوكب مشتعل مضيء، فهذا المعنى ليس فيه قيد يمنعه من قبول الشركة، فكل كوكب مشتعل مضيء هو شمس.

فإن قلت ولكن لا توجد سوى شمس واحدة فكيف تكون كلية؟
قلنا: لأن معناها ومفهومها غير منحصر فهو عام قابل للشمول لكثيرين، أي أننا لا ننظر إلى الواقع بل ننظر إلى نفس المعنى المتصور في العقل فإن كان عاما يشمل كثره فنعتبره عاما ولا ننظر للواقع لأن المصحح لكونه كليا أو جزئيا هو المفهوم الذهني وليس الواقع الخارجي.
ولهذا فقد اكتشف العلم الحديث وجود كواكب مشتعلة مضيئة غير شمسنا هذه فسموها شموسا، ولو فرضنا أنه ليس في الكون إلا شمسنا لكانت كلية أيضا، وكذا قل مثل هذا على القمر.
مثال: الغول: هذا لفظ لمعنى خيالي لا وجود له في الواقع ويعنون به حيوانا مخيفا بهيئة أسطورية لا واقع له.
فهذا المعنى كلي أيضا وإن لم يوجد له أي فرد في الواقع لأن المصحح للكلية هو المفهوم بغض النظر عن الواقع.
وبعبارة أخرى إن الكلي هو ذلك المفهوم الذي لا يمنع انطباقه على كثيرين ولو بالفرض، أي بافتراض أن له أفرادا متعددة.

فتلخص أن المفهوم الذهني تارة يصدق على كثيرين وتارة لا يصدق إلا على واحد فما يصدق على كثيرين هو كلي، وما لا يصدق إلا على واحد هو جزئي.

ثم إن المعنى الذهني يسمى مفهوما وما ينطبق عليه ذلك المعنى في الخارج يسمى مصداقا.
فمعنى الرجل وهو الذكر البالغ يسمى مفهوما، وما ينطبق عليه هذا المفهوم في الخارج من زيد وعمرو وبكر وغيرهم يسمى مصداقا وأفرادا.

ومعنى القلم وهو آلة الكتابة يسمى مفهوما وما ينطبق عليه هذا المعنى من الأقلام المحسوسة يسمى مصداقا وأفرادا.

ومعنى زيد في الذهن وهو إنسان معين مشخص يسمى مفهوما، والشخص الخارجي الحقيقي يسمى مصداقا.
وعلى هذا فقس.

( مناقشات )

1- في ضوء ما تقدم كيف تفرق بين الكلي والجزئي عبّر عن ذلك بعبارة من عندك؟
2- ما الفراق بين المفهوم والمصداق؟
3- كيف يكون الغول كليا مع أنه شيء خيالي لا حقيقة له؟

( تمارين )

ميّز بين الكلي والجزئي فيما يلي:
( مكة- بغداد - محمد- صيام- رسل- الكعبة - سعيد علما- سعيد وصفا- المؤمنون- بيت ).

نهاية الدرس الأول في المرفقات.
وقد تضمن:
1- المخططات.
2- خلاصة الفقرات كلها.
3- شرح عبارة إيساغوجي للشيخ أثير الدين الأبهري.
ثم إني أدعو الإخوة إلى أن يعيدوا قراءة ما في المرفق مرة ومرتين وثلاثة قبل أن ندخل في مباحث يتوقف فهمها على ما سبق شرحه.
فلعلي أترككم مدة يومين أو ثلاثة أيام للقراءة والضبط. ثم نستأنف بعدها إن شاء الله.
مع التقدير.
الملفات المرفقة
نوع الملف: pdf الدرس الأول من شرح إيساغوجي.pdf‏ (186.7 كيلوبايت,
( الفقرة العاشرة )

" الماهية "

إذا نظرت إلى الواقع فستجد أشياء كثيرة تتمايز فيما بينها كالإنسان والفرس والكلب والشجر والحجر والذهب والفضة والماء والتراب والنار وغيرها، فكلها لها وجود خاص بها ومعان تستقل بها.

فحينئذ يرد سؤال إلى الذهن وهو بأي شيء صار الإنسان إنسانا والفرس فرسا والماء ماء وهكذا؟
بعبارة أخرى ما هي الأشياء التي إذا وجدت وجد الإنسان والفرس والماء وغيرها؟

فإذا نظرنا إلى أفراد الإنسان مثلا كزيد وعمرو وبكر فنجد لكل واحد منهم أوصافا خاصة به كالعمر والشكل واللون والطول والوزن والعلم والجهل والكرم والشجاعة وغيرها.
ولهم أيضا أوصاف مشتركة تجمعهم في الإنسانية فزيد إنسان وعمرو إنسان وبكر إنسان مع اختلاف الصفات التي تميز كل واحد من هؤلاء.

فهنا نطرح هذا السؤال لم كان زيد وعمرو وبكر من أفراد الإنسان؟
أي بم صار هؤلاء الأفراد من فئة الإنسان ولم يصيروا من فئة أخرى؟

والجواب هو: لوجود أوصاف مشتركه فيما بينهم جعلتهم ينتمون إلى هذه الفئة دون غيرها.
فهذه الأوصاف التي إذا وجدت وجد الشيء نسمها بالماهية.
فالإنسان له ماهية أي حقيقة خاصة به وكذا الفرس والكلب والشجر والذهب والماء وغيرها.

فإذا أردنا أن نعرف الماهية نقول هي: ما به يكون الشيء نفسه.
فبها صار الإنسان إنسانا والفرس فرسا والشجر شجرا وهكذا.
فعلمنا من ذلك أن للموجودات ماهيات وحقائق خاصة بها لولاها لما كان ذلك الشيء نفسه

مثال: الإنسان ماهيته وحقيقته هي: حيوان ناطق، فمجوع الحيوانية مع الناطقية تجعل الشيء إنسانا ولا تجعله فرسا أو شجرا أو ذهبا أو غيرها.
فالحيوانية والناطقية بها صار زيد إنسانا.

مثال: الفرس ماهيته وحقيقته هي: حيوان صاهل، فمجموع هذين الوصفين هو الذي يجعل الشيء فرسا لا شيئا آخر.

مثال: الخمر ماهيتها وحقيقتها هي: شراب مسكر، فمجموع هذين الوصفين هو الذي جعل الشيء خمرا ولم يجعله ماء أو عسلا أو شيئا آخر.

وإذا أردنا أن نسلط الضوء على الماهيات ونحلل صفاتها نجد الآتي:
أولا: تكون أوصافا مشتركة بين جميع الأفراد.
فالحيوانية والناطقية مشتركة بين زيد وعمرو وبكر وغيرهم.

فلا يصح إذاً أن تشتمل الماهية على أوصاف خاصة ببعض الأفراد، لأنها حينئذ لن تكون ماهية وحقيقة كل الأفراد بل ستمثل تعريفا قاصرا على البعض.

مثل أن نقول في بيان ماهية الإنسان هو: حيوان ناطق ذكي جدا، فهذا لن يشمل الإنسان البليد، أو تقول هو حيوان ناطق ذو طول كذا، أو لون كذا أو يحب الخير أو غيرها من الأوصاف التي لا تشمل كل الأفراد.
والخلاصة هي أن الماهية لا تبين صفات زيد أو عمرو بل تبين القدر المشترك المنطبق على جميع الأفراد.

ثانيا: تكون ذات أوصاف أساسية بها يكون الشيء نفسه.
أي أننا حينما نريد أن نبين ماهية شيء ما فلا نختار أي وصف مشترك بين الأفراد بل نختار أوصافا معينة فقط وهي تلك الصفات التي بها يكون الشيء نفسه.

مثال: إذا أردنا أن نجمع أوصاف الإنسان الخاصة به نجد منها: الضحك، انتصاب القامة، النطق باللسان التفكير.

ولكن هذه الأوصاف ليست على درجة واحدة في القوة ولا نقدر أن نقول أن جميع هذه الصفات هي التي تشكل حقيقة الإنسان بحيث لو فرضنا أن الله سبحانه وتعالى لم يهبه كل هذه الصفات لما كان إنسانا، فلو قدر أن الإنسان غير ضاحك، أو غير منتصب القامة فهل سيكون من فئة وحقيقة أخرى أو يبقى إنسانا ولا يضر ذهاب تلك الصفات في إنسانيته؟

الجواب: لا تضر في إنسانيته ويمكن أن نتعقله إنسانا وهو غير ضاحك أو غير منتصب القامة.
بل الصفة الأساسية الجوهرية التي لها مدخل في حصول حقيقة الإنسان هو التفكير دون ما ذكرنا من صفات.

والخلاصة هي أننا لا نكتفي في تبيين الماهية باختيار أوصاف مختصة بحقيقة وفئة معينة دون غيرها، فهذا القدر غير كاف في التحصل على الماهية بل لا بد من وضع اليد على الصفة الجوهرية الأساسية وهي تلك الصفة التي لو فرضناها ذهبت وفقدت من الشيء لم يكن هو نفسه بل سينتمي إلى حقيقة أخرى لا محالة.

ثالثا: تكون تلك الصفات الجوهرية بعضها أعم منه وبعضها مساو له.
أي تحتوي الماهية في تركيبها على وصف أعم، ووصف مساو للشيء، فالوصف الأول هو القدر الجامع بين هذه الحقيقية التي نحن بصدد تعريفها وبين غيرها من الحقائق، والوصف الثاني يمثل الوصف الخاص بتلك الحقيقة الذي يفصل تلك الحقيقة عن غيرها.

مثال: الإنسان هو حيوان ناطق.
فالحيوان هو: جسم نام حساس متحرك بالإرادة، فهذا وصف عام لأنه يشمل الإنسان وغير الإنسان كالفرس والكلب والأسد وغيرها فكلها أجسام نامية حساسة تتحرك بإرادتها.
والناطق هو المفكر أي له قوة التفكير، فهذا وصف خاص بالإنسان ومساو له به فصلنا الإنسان عن بقية الحيوانات لأنها لا يوجد حيوان مفكر ذو عقل سوى الإنسان.

مثال: الخمر شراب مسكر.
فالشراب وصف عام يشمل الخمر وغيرها كالماء والعسل.
والمسكر وهو المذهب للعقل وصف خاص بالخمر، به تحصلنا على حقيقة الخمر لأنه به فصلنا وميزنا الخمر عن غيرها من الأشربة.

فذلك الوصف العام هو الِجنْس.
وذلك الوصف الخاص هو الفَصْل.

فالجنس هو: وصف جوهري عام.
والفصل هو: وصف جوهري خاص.
ونقصد بالجوهري هو ما بيناه من قبل وهو أن يكون وصفا أساسيا به يتحقق الشيء ولو تصورنا زواله من الشيء فستتغير حقيقته وينتمي إلى فئة أخرى.
فالماهية= الجنس+ الفصل.

( مناقشات )

1- في ضوء ما تقدم ما هي الماهية ؟
2- ما هي شروط الماهية؟
3- لمَ لا نعد الضحك من ماهية الإنسان؟

( الفقرة الحادية عشر)

" الذاتي والعرضي "

قد علمتَ أن الماهية هي: ما به يكون الشيء نفسه، ولكي نحصل على ماهية الشيء لا بد من معرفة الأوصاف الجوهرية الأساسية التي بها يتحقق الشيء.
فتلك الأوصاف الجوهرية تسمى بالذاتيات، وبقية الأوصاف غير الذاتية تسمى بالعرَضيات.

فالذاتي هو: الوصف الأساسي الذي لو فقد فقدت الماهية.
والعرضي هو: الوصف الثانوي الذي لو فقد لم تفقد الماهية.
فلا تحقق للماهية بدون الذاتي.

ولكن يبقى السؤال المهم كيف نفرق بين الوصف الأساسي، وغير الأساسي؟
وقد أجابوا عن ذلك بأن الذاتي لا يمكن تصور الشيء بدونه.
والعرضي يمكن تصور الشيء بدونه.

مثال: الإنسان لا يمكن تصوره إلا بالحيوانية والناطقية فيكونان وصفين ذاتيين.
فلا يمكن أن نتصوره وهو غير حيوان أي غير جسم حي فحينئذ يكون ماذا هل هو صوت أو رائحة تشم أو لون يقوم بجسم، وكذا لا يمكن تصوره بدون أن يكون مفكرا عاقلا لأنه سينتمي إلى حقيقة وفئة أخرى.

بينما يمكن تصور الإنسان في الذهن من دون أن يخطر على ذهنك أنه ضاحك، أو منتصب القامة.
لأن ماهية الإنسان لا تتصور إلا بالذاتي، بينما العرضي لا دخل له في ذلك التصور.
فمع كون التفكير والضحك لازمين للإنسان لا ينفكان عنه في الواقع الخارجي، إلا أنهم قالوا إن الذهن يفرق بين النطق فيجعله وصفا ذاتيا لا يتعقل الإنسان بدونه، ويجعل الضحك وصفا عرضيا لأنه يتأتى تعقل الإنسان في الذهن بدون تعقل كونه ضاحكا.

مثال: الأربعة هي وحدات حاصلة من ضم 1+1+1+1.
فحينئذ لا يتأتى تعقل الأربعة دون تعقل تلك الوحدات المضاف بعضها إلى بعض فتكون ذاتية جوهرية أساسية وبالتالي تكون جزء من ماهية الأربعة.

بينما يمكن تعقل الأربعة بدون أن يخطر على الذهن أنها زوج.
فمع كون الأربعة لازمة لزوما ذهنيا وخارجيا للأربعة إلا أنها تعتبر صفة عرضية ثانوية خارجة عن ماهية الأربعة.

فتلخص من ذلك أن الماهية تضم مجموعة من الذاتيات، فما كان جزء من الماهية فهو ذاتي، وما خرج عن الماهية فهو عرضي.

( تعقيب )

إن التفرقة بين الذاتي والعرضي ليست بالمفيدة لطالب العم في العلوم الشرعية وغيرها، بل عليه أن يركز في استخراج الأوصاف الخاصة بالشيء لكي يحصل له التمييز بينها وبين غيرها من الحقائق.

أما إشغال الذهن بالتفريق بين الشيء اللازم والذاتي فعقيم فإن القصد هو حصول المعرفة والتمييز بين الأشياء والمصطلحات وهو حاصل بغير هذه التفرقة.
هذا مع اعتراف حذاق المناطقة بعسر التفرقة بين الذاتي واللازم الذهني الخارجي معا.

وتعقب كثير من العلماء المناطقة في هذه التفرقة وقالوا:
إنها لا دليل عليها وليس عندكم مقياس سليم للتفرقة بينهما.

وما يتصوره بعض الأذهان على أنه ذاتي يمكن أن يتصوره غيره على أنه عرضي، وأدل دليل على ذلك كثرة الاختلافات في التعاريف بل حتى في تعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق لم يسلم من اعتراضات المناطقة أنفسهم دع عنك غيرهم.

ثم إن حقائق الأشياء الخارجية لا تكون تبعا لتصوراتنا الذهنية إن تصورناها كذا، كانت في الواقع كذا بل لها وجود مستقل عن إدراكنا وتصورنا لها.

وأقوى من تعقبهم في ذلك هو الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.


( مناقشات )

1- في ضوء ما تقدم كيف تفرق بين الذاتي والعرضي عند المناطقة؟
2- من أين جاء عسر التفرقة بين الذاتي والعرض اللازم عند المناطقة؟
3- ما هو رأيك في الخلاف الدائر بين مثبتي الذاتيات ونفاتها؟

( الفقرة الثانية عشر )

( أنواع الذاتي )

قد علمتَ أن الذاتي هو الوصف الجوهري للماهية، ولا تتحقق الماهية بدون ذاتياتها، وهذه الذاتيات ثلاثة هي:
أولا: الجنس.
ثانيا: الفصل.
ثالثا: النوع.

فالجنس هو: جزء الماهية الأعم منها.
ومعنى كونه أعم من الماهية أنه يصدق عليها وعلى غيرها من الماهيات والحقائق.

مثال: الحيوان بالنسبة للإنسان.
هو ذاتي له لا قيام للإنسان بدون الحيوانية.
والحيوانية كما تحمل على الإنسان تحمل على غيره من الماهيات.

نقول: الإنسان حيوان، فهنا حملنا الحيوانية على الإنسان.
ونقول الفرس حيوان، والحمار حيوان، والكلب حيوان وغيرها، فهنا حملنا الحيوانية على غير ماهية الإنسان.
فالحيوان جنس لأنه يحمل على ماهيات مختلفة كالإنسان والفرس والحمار والكلب والأسد والفيل والنسر والصقر والسمك والتمساح فهو لذلك أعم من الإنسان لأنه كما أن الإنسان جسم نام حساس متحرك بالإرادة، فكذلك بقية الحيوانات.

مثال: المعدن بالنسبة للذهب.
هو ذاتي له لا قيام للذهب بدون المعدنية.
والمعدنية كما تحمل على الذهب تحمل على غيره من بقية المعادن.

نقول: الذهب معدن، فهنا حملنا المعدنية على الذهب.
ونقول: الفضة معدن، والرصاص معدن، والحديد معدن وغيرها، فهنا حملنا المعدنية على غير ماهية الذهب.
فالمعدن جنس لأنه يحمل على ماهيات مختلفة كالذهب والفضة والرصاص والحديد والنحاس فهو لذلك أعم من الذهب.

مثال: النبات بالنسبة للقمح. هو ذاتي له لا قيام للقمح بدون النباتية. والنباتية كما تحمل على القمح تحمل على غيره.

نقول: القمح نبات، فهنا حملنا النباتية على القمح.
ونقول: الشعير نبات، والرز نبات، والبرسيم نبات، والذرة نبات، فهنا حملنا النباتية على غر ماهية القمح.
فالنبات جنس لأنه يحمل على ماهيات مختلفة كالقمح والشعير والرز والبرسيم والذرة فهو لذلك أعم من القمح.

وأما الفصل فهو: جزء الماهية الخاص بها.
ومعنى كونه خاصا بها أنه لا يصدق إلا عليها، فلا توجد ماهيات أخرى تتصف بهذا الفصل.

مثال: الناطق بالنسبة للإنسان.
هو ذاتي له لا قيام للإنسان بدون الناطقية.
والناطقية مختصة بالإنسان فلا يشترك معه فيها بقية الماهيات التي تشترك معه بالجنس.
أي أن الإنسان والفرس والأسد ونحوها تشترك مع الإنسان في الجنس الذي هو الحيوان ولا تشارك الإنسان في الناطق فهو قد انفرد عنها بالناطقية فلذا سمي فصلا لأنه يفصل كل ماهية عن الأخرى.

مثال: الصاهل بالنسبة للفرس.
هو ذاتي له لا قيام للفرس بدون الصاهلية.
والصاهلية مختصة بالفرس فلا يشترك معه فيها بقية الحيوانات التي تشترك معه بالجنس.

مثال: المسكر بالنسبة للخمر.
هو ذاتي له لا قيام للخمر بدون الإسكار.
والإسكار مختص بالخمر فلا يشترك معه فيها بقية الأشربة كالماء واللبن والخل والعسل التي تشترك معه بالجنس الذي هو الشراب.


وأما النوع فهو: تمام الماهية.
فهو مجموع الذاتيات الجنس والفصل.

مثال: الإنسان هو نوع لأن ماهية الإنسان هي حيوان ناطق، أي أن الماهية تتم بهذين الوصفين فإذا وجدا وجد النوع الإنساني.

مثال: الفرس هو نوع لأن ماهية الفرس هي حيوان صاهل، أي أن الماهية تتم بهذين الوصفين فإذا وجدا وجد النوع الفرسي.

مثال: الخمر هي نوع لأن ماهيتها هي شراب مسكر، أي أن الماهية تتم بهذين الوصفين فإذا وجدا وجد نوع هو الخمر.

ثم إن النوع يشتمل على الأفراد.
فالجنس تحته النوع وتحت النوع الفرد.

مثال: الحيوان جنس، والإنسان نوع، وزيد وعمرو وهند أفراد للإنسان.
مثال: الحيوان جنس، والفرس نوع، وهذا الفرس وتلك الفرس أفراد. مثال: المعدن جنس، والذهب نوع، وهذا الذهب أو ذاك أفراد. مثال: النبات جنس، والقمح نوع، وهذا القمح أو ذاك أفراد.
مثال: الشراب جنس، والعسل نوع، وهذا العسل أو ذاك أفراد.
وعليه فقس.

وهنا سؤال وهو: أن الجنس يشتمل على كثرة، والنوع أيضا يشتمل على كثرة فكيف نميز بينهما؟
مثال: الحيوان يشتمل على الإنسان والفرس والأسد ونحوه، والإنسان يشتمل على زيد وعمرو وهند ونحوهم.

والجواب: إن الجنس تحته كثرة مختلفة في الماهية والحقيقة، والنوع تحته أفراد متفقة في الماهية والحقيقة.
مثال: الحيوان تحته الإنسان والفرس والأسد وكلها مختلفة في الحقيقية، إذْ أن الإنسان: حيوان ناطق، والفرس حيوان صاهل، والأسد حيوان زائر.

فالاختلاف في الفصل يعني الاختلاف في الحقيقة.
أما النوع مثل الإنسان فيوجد تحته كثرة متفقة في الحقيقة فزيد وعمرو وهند كلهم حيوانات ناطقة فلا يختلفون في الماهية والذاتيات وإنما يختلفون في العرضيات ككون فلانا ذكرا والآخر أنثى وذاك ولد في عام كذا وذاك عربي وهذا فارسي ونحو ذلك.
( مناقشات )

1- في ضوء ما تقدم كيف تفرق بين الجنس والفصل والنوع؟
2- كيف نميّز بين الأشياء المشتركة في الماهية والأشياء المختلفة فيها؟
3- لماذا لم يجعل الذكر والأنثى أنواعا للإنسان ؟

( تمارين )

رتب الأجناس والأنواع والأفراد فيما يأتي:
1- ( الصلاة- الصوم- العبادة – هذه الصلاة - الحج - هذا الصوم العبادة- هذا الحج ).
2- ( الاسم – اللفظة المفردة- ضرب- الأداة- شجرة- الكلمة- في ).

( الفقرة الثالثة عشر )

( أقسام الجنس والفصل )

قد علمتَ أن الذاتي ثلاثة أنواع: جنس وفصل ونوع، وأن الجنس هو جزء الماهية الأعم منها ثم إن الجنس والفصل قسمان:
1- قريب.
2- بعيد.

فالجنس القريب هو: ما تحته نوع.
والجنس البعيد هو: ما تحته جنس آخر.

مثال: الحيوان تحته أنواع هي الإنسان والفرس والأسد ونحوه، وتحت هذه الأنواع أفرادها فهنا الحيوان يسمى جنسا قريبا، لأنه أقرب جنس للإنسان وبقية الحيوانات.

مثال: الجسم النامي هو جنس تحته أجناس هي الحيوان والنبات فكلاهما أجسام حية نامية ولهذا نقول في تعريف الحيوان جسم نام حساس متحرك بالإرادة، فالحساس والمتحرك بالإرادة يفصلان الحيوان عن النبات لأنه ليس حساسا ولا يتحرك بالإرادة.
فيكون الجسم النامي جنسا بعيدا للإنسان ولبقية الحيوانات، وهنا ما تحت الجسم النامي أجناس وليست أنواعا، لأن الحيوان يحتوي على كثرة مختلفة في الماهية وكذا النبات.

وبعبارة أخرى إن الجنس القريب هو أقرب الأجناس إلى النوع، وما فوق هذا الجنس يسمى جنسا بعيدا لأن النوع كالإنسان يتحقق وتتقوم ذاته بالحيوان والناطق، والحيوان تتقوم ذاته بالجسم النامي وما يدخل في ماهية الجنس يدخل في ماهية النوع بلا شك.

وللتقريب نشبه ذلك بالإنسان وأبيه وجده، فالأب كالجنس القريب لابنه لأنه أصل له والجد هو أيضا جنس للحفيد ولكنه جنس بعيد، وجد الجد كذلك وما فوقه كذلك هم كالأجناس البعيدة.

مثال: الجسم هو جنس تحته أجناس هي الجسم النامي، والجسم غير النامي كالجمادات مثل الحجر والخشب والمعادن فكلها أجسام ولكنها أجسام غير نامية إذْ هي جماد.
فحينئذ يكون الجسم جنسا بعيدا للإنسان وبقية الحيوانات ولكنه أبعد من الجسم النامي.

فترتيب الأجناس هكذا:
جسم ....... جسم نام ....... حيوان ....... إنسان.
جنس بعيد - جنس بعيد - جنس قريب - نوع.
والجنس البعيد يكون ذاتيا للنوع أي يكون الجسم ذاتيا للإنسان.

مثال: الصوت جنس تحته أجناس وهي اللفظ والصوت الخالي من الأحرف، ثم اللفظ يكون جنسا أيضا وتحته أجناس هي المستعمل والمهمل ثم اللفظ المستعمل المفرد والمركب، ثم المفرد جنس تحته ثلاثة أنواع هي الاسم والفعل والحرف وتحت هذه أمثلتها.

فترتيب الأجناس هكذا:
الصوت ....... اللفظ ....... المستعمل ....... اللفظ المفرد ....... الاسم.
جنس بعيد - جنس بعيد - جنس بعيد - جنس قريب - نوع.
والجنس البعيد يكون ذاتيا للنوع أي يكون الصوت ذاتيا للاسم.

وأما الفصل القريب فهو: فصل النوع.
والفصل البعيد هو: فصل الجنس الذي فوقه.

مثال: الإنسان نوع وماهيته هي حيوان ناطق، فالحيوان جنس قريب له، والناطق فصل قريب لأنه فصله عن بقية الأنواع التي تشاركه في الحيوانية كالفرس والأسد.

مثال: الحيوان جنس وماهيته هي جسم نام حساس متحرك بالإرادة، فالجسم النامي جنس له والحساس المتحرك بالإرادة فصل للحيوان فصله عن النبات التي تشاركه في الجنس الذي هو الجسم النامي.
وحينئذ يكون الحساس المتحرك بالإرادة فصلا بعيدا للإنسان يفصله عن النبات ولا يفصله عن أنواع الحيوانات.
والفصل البعيد يكون ذاتيا للنوع أي يكون الحساس المتحرك بالإرادة ذاتيا للإنسان.

ولهذا لو أردنا أن نختصر قلنا الإنسان حيوان ناطق.
ولو أردنا أن نفصل بحيث نذكر جميع ذاتيات الإنسان نقول هو جسم نام حساس متحرك بالإرادة ناطق، فهذه جميع ذاتياته.
مثال: الجسم منه نام وهو النبات والحيوان وغير نام من الجمادات.
فحينئذ يكون النامي فصلا للنبات والحيوان عن الجمادات.
وهو فصل بعيد للإنسان يفصله عن الجمادات.

مثال: الاسم نوع وماهيته هي كلمة دلت على معنى في نفسها ولم تقترن بزمن, مثل رجل.
فالكلمة جنس الاسم ودلت على معنى في نفسها ولم تقترن بزمن فصل له يفصله عن الفعل والحرف، وهذا فصل قريب.

مثال: اللفظ المستعمل المفرد الذي يسمى في النحو بالكلمة هو جنس تحته أنواع هي الاسم والفعل والحرف، فجنس الكلمة اللفظ المستعمل وفصلها هو المفرد.
فحينئذ يكون المفرد فصلا بعيدا للاسم يفصله عن المركب.
وعليه فقس.

تنبيه: ذكرنا أن النوع هو الذي تحته كثرة متفقة في الحقيقة مثل الإنسان فتحته زيد وهند وهم متفقون في الحقيقة التي هي الحيوان الناطق، ويختلفان في العرضيات التي هي الذكورة والأنوثة
فهذا يسمى بالنوع الحقيقي.

وهنالك مصطلح آخر وهو النوع الإضافي وهو الجنس إذا قسناه إلى ما فوقه.
مثال: الحيوان جنس للإنسان والفرس وهو نوع للجسم النامي.
مثال: الجسم النامي هو جنس للحيوان والنبات، وهو نوع بالإضافة إلى ما فوقه وهو الجسم.
مثال: اللفظ هو جنس للمستعمل والمهمل، وهو نوع بالإضافة إلى الصوت، وهكذا.

( مناقشات )

1- في ضوء ما تقدم كيف تميز بين الجنس القريب والجنس البعيد ؟
2- ما الفرق بين الفصل القريب والفصل البعيد؟
3- ما علاقة الجنس البعيد والفصل البعيد للنوع؟

( تمارين )

ميز بين الذاتي والعرضي مع ترتيب الأجناس والفصول من القريب إلى البعيد فيما يلي:
( الخمر جسم مائع مضر بالصحة مسكر شراب محرم شرعا فيه تبذير للمال ).


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..