الصفحات

الأحد، 7 سبتمبر 2014

حين تتداخل المعايير..

 في تغريدة لدكتور سعودي فاضل، تعليقا على حادثة اعتداء أعضاء من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الرياض على مقيم بريطاني وزوجته السعودية، قال مقللا من شأن هذا الاعتداء، أو لنقل محاولا التقليل من أهميته: “مزقت طالبة سعودية في بريطانيا بالسكين ولم يجلد البريطانيون أنفسهم وحصلت مشادة مع بريطاني في الرياض فجلد بعض السعوديين أنفسهم وتاريخهم وثقافتهم”.
مع كل الاحترام المستحق لوجهات النظر المختلفة في هذا الشأن، إلا أني أظن، بل إني أكاد أكون من الموقنين بأن هذه الحادثة، وحوادث أخرى مشابهة قبلها، ومن المرجح أخرى بعدها، ليست بذاك الشكل الذي حاولت التغريدة تبسيطه.
قتل طالبة سعودية أو بريطانية أو أي شخص من أي جنسية أخرى في بريطانيا، هو جريمة يُعاقب عليها قانون واضح ومعمول به، وتتحدد العقوبة في ظل ذلك القانون، وأمام محاكم مقيدة بذلك القانون ولا تفرّق بين ما هو بريطاني وغير بريطاني، طالما كانت الجريمة واحدة، حتى لو كان المجرم هو الأمير تشارلز وليّ العهد البريطاني، أو حتى الملكة إليزابيث الثانية، وكانت الضحية مهاجرا بنغاليا، من رعايا الإمبراطورية البريطانية القديمة، قادم لتوه من أزقة دكا، خالي الوفاض، يستجدي العابرين في أنفاق أندرغراوند لندن.
قد تكون دوافع قاتل الطالبة السعودية عنصرية أو دينية أو أية دوافع أخرى، ولكن الدوافع هنا ليست مهمة بقدر ما أن الجريمة هي محل الاعتبار، وعليها يكون العقاب والحساب. لماذا لم يجلد البريطانيون أنفسهم وثقافتهم وتاريخهم؟ لأنهم يعلمون أنه في بلادهم يسود قانون يتساوى في ظله الجميع، المواطنون منهم وغير المواطنين، حتى لو كره ذلك بعض المواطنين أو أغلبهم أو حتى كلهم، فالقانون هو القانون، والجريمة هي الجريمة، وبغض النظر عن دوافع هذا القاتل أو ذاك، فإنه في النهاية سينال جزاءه، بغض النظر عن جنسيته أو جنسه أو موقعه الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي أو حتى لو كان أسقف كنتربري نفسه.
ما حدث في السعودية لا شك في أنه جريمة، منظورا إلى ذلك قانونا، وإن لم يكن الأمر كذلك حين تؤدلج الأمور، وتكون زاوية النظر والتقويم مختلفة، وهنا تكمن المعضلة.
رجل وزوجته يقومان بفعل عادي جدا، يتبضعان في سوق عام، ويذهب الرجل لدفع الحساب لمحاسبة تقوم بعملها وفق النظام، بل ومفروضة من ذات النظام، يتعرضان لاعتداء من قبل أشخاص هم جزء من جهاز من أجهزة الدولة، أي أن الجريمة مضاعفة في هذه الحالة، دون أن تفعل الضحية ما يمكن أن يبرر هذا الاعتداء، فكل جريمته أنه كان يريد دفع الحساب لمحاسبة، بل ودون أن تخالف الضحية نظاما واحدا من أنظمة الدولة التي يعيش في ظل حمايتها، بل إن أولئك الأفراد هم من استفز الضحية ومن بعد ذلك اعتدوا عليه.
صحيح أن الحادثة بحد ذاتها قد تحصل في أي مكان من العالم، فكثيرا ما نسمع ونشاهد حوادث العنف الممارسة من قبل جهاز الشرطة في أميركا مثلا تجاه شخص قاوم الاعتقال، أو استفز فاستفز وقام بما كان مستفزا له، ولكن مثل تلك الحوادث لا تمر بسلام إذا اكتُشفت، بل إن ذات أفراد الشرطة يخضعون لذات القانون الذي ينفذونه في مثل هذه الحالات، فليس لهم ميزة دون الآخرين، أو اعتبار أنهم خارج المنظومة القانونية التي يخضع لها الجميع، كما أنهم في دواخل أذهانهم منسجمون مع النظام العام حتى لو خالفه البعض.
   
   
تناقض بين معيارين
في الحالة السعودية، تم عقاب المعتدين من قبل ذات المؤسسة التي يعملون فيها، وليس في أروقة المحاكم أو من قبل الجهاز الأمني الرسمي المنوط به التعامل مع مثل هذه الأمور، وبعيدا عن مناقشة فحوى هذا العقاب ومدى عدالته، أو الجهة المخولة في التعامل مع الحادث، فتلك قضية أخرى، القضية هنا هي أعمق من كونها مجرد جريمة وعقاب وجهة مسؤولة، بقدر ما أنها تجسيد لمعضلة يعيشها المجتمع السعودي، ولا أريد أن أقول أزمة، بل والدولة بشكل عام.
ولكن أولا، وقبل كل شيء، أود أن أقول إنه رغم أن ما قام به فتية الهيئة من اعتداء على مقيم يتمتع بحماية الدولة التي يعيش على أرضها، ورغم أن ما قاموا به هو جريمة بكل المعايير القانونية والإنسانية والأخلاقية، ورغم أن مثل هذه الجريمة يُفترض أن تكون مضاعفة كون هؤلاء الفتية يعملون في جهاز رسمي يُفترض فيه وفي أفراده الحماية وعدم تجاوز أنظمة الدولة وقوانينها، إلا أنني أتفهّم فعلتهم وما سبقها من أفعال وتجاوزات، وأجد لها الكثير من المبررات، بل وحتى أميل لعدم لومهم أحيانا كأفراد، وهذا لا يعني عدم شجبهم كمؤسسة وكيان وإيديولوجيا محركة، بعيدا عن الدوافع وما كانت أنفسهم تسوّل لهم ساعة التحرش بالضحية وساعة الاعتداء عليه، فهم في النهاية ضحايا بقدر ما أنهم من المعتدين، وهذا ما يُذكرني حقيقة بصرخة كمال الشناوي في فيلم “الكرنك”، حين اعتُقل وقد كان هو الذي يعتقل: كلنا ضحايا، كلنا مجرمين. نعم، كلنا ضحايا وكلنا مجرمون حين لا نملك تقرير مصيرنا، أو حين نكون في حالة من الأسر الذهني أو البدني الذي يجعلنا نعتقد أننا نقرر مصير أنفسنا، مع أننا في الحقيقة مقيدون بسلاسل ذهنية في المقام الأول تجعلنا نستمرئ الأسر، ونعتقد أننا عن الحق منافحون.
القضية في ظني ليست مثل قضية عنف مفرط قام به شرطي أميركي تجاه مواطن أو مقيم لدوافع شخصية معينة مثلا، بقدر ما أنها تعبير عن تناقض بين معيارين، وتضارب بين مرجعيتين تتنافسان على الهيمنة على السلطة داخل أنسجة الدولة، وعلى توجيه السلوك والفعل، سواء بالنسبة إلى أجهزة الدولة الرسمية، أو حتى المجتمع وأفراده ومكوناته، في الحالة السعودية، وهنا يقبع قلب المعضلة.
فمن ناحية، فإنه يُفترض أن الدولة السعودية الحالية هي دولة حديثة أو معاصرة، وهي كذلك، بمعنى أنها تقوم على ذات الأسس التي تقوم عليها الدولة الحديثة، أو ما أُصطلح على تسميتها بالدولة القومية The Nation State، أي الدولة التي تقوم على إقليم معين هو الوطن، بشعب معين هم المواطنون، وحكومة ذات سيادة تدير الشأن العام وفق مؤسسات وقوانين معينة لصالح المواطن وخير الوطن، على خلاف الدولة التقليدية السابقة للدولة القومية المعاصرة، أي تلك التي تقوم على حدود مفتوحة خاضعة في تحديدها لعلاقات القوة المجردة، وبرعايا ليس من الضروري أن يتمتعوا بصفة المواطنة طالما كانت فكرة الوطن غائبة، وسلطة تعبّر عن نفسها وهيمنتها الذاتية، وليس كمعبر عن شعب معين ووطن محدد، وذلك مثل الإمبراطورية الرومانية والساسانية والعثمانية، والإمبراطوريات البريطانية والفرنسية والروسية، بل وحتى ما يُعرف في التاريخ بالدولة السعودية الأولى، التي تختلف كثيرا عن الدولة السعودية المعاصرة في كثير من الجوانب، أو هكذا يجب أن يكون الأمر، إذا كانت المعاصرة والتعايش مع عالم متداخل هو واقع الحال.
هذه هي الأساسات الأولى، أو لنقل الأعمدة التي تقوم عليها الدولة الحديثة منذ معاهدة وستفاليا في القرن التاسع عشر، حتى هذه اللحظة، وما التطورات اللاحقة إلا إضافات لتلك الأسس، ولكنها لا تمس مضمونها. أما التكوين الداخلي للدولة المعاصرة، من حيث المأسسة وفقرها أو غناها، أو نظام الحكم ومدى تفاعله مع محيطه الاجتماعي، وفق مختلف أنواع نظم الحكم من ديمقراطية أو دكتاتورية أو شمولية أو غيرها، أو مدى قدرة القوانين على التعبير عن حركية المجتمع والمساواة القانونية بين أفراده في ظل قانون مجرد، ومن ثم القدرة على تحقيق التعايش السلمي بين مكونات المجتمع المختلفة، فذاك أمر يختلف من دولة إلى أخرى، وهو معيار مدى “حداثة” الدولة “الحديثة” في الكثير من الجوانب، وليس كل الجوانب.
المعضلة السعودية
قد تكون الدولة السعودية المعاصرة فقيرة في الحداثة الداخلية من نواح كثيرة، ولكنها حديثة الشكل والبنيان والتكوين، فهي دولة ذات حدود معترف بها دوليا، كما أنها عضو في منظمة الأمم المتحدة، وموقّعة على مواثيق تلك المنظمة ومعاهداتها، وغير ذلك من أمور تجعلها منتمية إلى العالم المعاصر، ومشتركة مع بقية دول العالم في هذا الأمر، وهو ما يجعلها مع غيرها من دول، ذات مسؤولية تجاه نفسها وتجاه العالم في آن معا. وفي الداخل، فإن ما يحدد علاقات الأفراد بعضهم ببعض، وكذلك المؤسسات، المدني منها على فقره والرسمي على تشعبه، هو القانون الذي يسنّه الملك، بصفته رئيس الدولة وصاحب السيادة الفعلية، بمراسيم وأوامر لها صفة التشريع وقوته، أو هكذا هو الوضع كما يحدده النظام الأساسي للحكم، الذي يمكن اعتباره الدستور المكتوب للمملكة العربية السعودية، بصفتها دولة معاصرة أو حديثة.
من ناحية أخرى، فإن المعضلة السعودية، كما يمكن لها أن تُسمّى، أن هذه المعاصرة وكل جوانب الحداثة التي تُشكل الدولة السعودية الحديثة، وباختلاف جذري كامل مع الدولة السعودية الأولى، سعودية القرن الثامن عشر، تسري في عروقها دماء لا تنتمي إلى المعاصرة بأي شكل من الأشكال، بل هي دماء تنتمي إلى أيام تلك الدولة السعودية الأولى وإيديولوجيتها التي تقف على طرفي نقيض للمعاصرة التي تنتمي إليها الدولة السعودية الحديثة، وإيديولوجيا زمن التأسيس، أو لنقل أيام “أخوان من طاع الله”، وهي تلك الأيام التي حسمها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، حين وضع حدا فاصلا بين ما ينتمي إلى الكيان السعودي الأول، وبين ما يجب أن يكون منطلقا للكيان السعودي المعاصر، فأنهى مرحلة الأحلام الإيديولوجية لصالح مرحلة الإنجازات الواقعية، وهي ذات المهمة التي في ظني على الدولة السعودية أن تكملها في هذه المرحلة، مرحلة الصراخ الإيديولوجي بعودة الإمامة والخلافة، ورجوع “أخوان من طاع الله”، وصيحات إنْ الحُكم إلا لله.
كون دماء تقليدية تسري في عروق أفراد دولة حديثة ليس بالأمر الشاذ أو المستهجن أو غير المعتاد، فالحنين إلى الماضي جزء من شخصية الإنسان، أي إنسان وكل إنسان. لا شك في أن البريطاني لديه حنين إلى أيام الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبلير نفسه يقول ما معناه إنه فخور بماضيه، ولكنه لا يريد العيش فيه. ولا شك في أن الفرنسي يشعر بذات الشيء، وكذلك الفرد التركي حين تطوف في الذهن ذكريات الدولة العلية العثمانية أيام قوتها وجبروتها، أيام سليم الأول ومحمد الفاتح وسليمان القانوني، ولكن الحنين إلى الماضي، أو النستولوجيا كما تُسمّى، لا يعني أن تكون قيدا على الحاضر، أو أن تتحول إلى هاجس لن يعيد الماضي ولكنّه لا شك دمار للواقع، وهذا هو ما يكاد يقع فيه أردوغان وحزب العدالة اليوم في تركيا، بعد تجربة عشر سنوات في الحكم غاية في النجاح، ولكن “المطب” الإيديولوجي الذي أخذ ينسج خيوطه حول حزب العدالة والتنمية اليوم، هو الذي في ظني سيجهض في النهاية التجربة التركية الجميلة، وما يفعله أردوغان اليوم في تركيا، بعد أن أصبح رئيسا لها، هو بث الشعور العثماني بالتفرد والسيادة، وأظن أن هذه سوف تكون كبوة أردوغان في تركيا: ضخ الدماء القديمة في الجسد الجديد، اعتمادا على وجدانيات وطوباويات، وليس انطلاقا من أن التاريخ لا يعيد نفسه، ولا يمكن أن يفعل، ولكن حديث تركيا وأردوغان قضية أخرى.
وعودة إلى الحديث عمّا أسميناه “المعضلة السعودية”، يمكن القول إن لبّ هذه المعضلة، وهي المعضلة التي تقف في طريق تطور الدولة والمجتمع في السعودية، هو ربط النظام السياسي نفسه بشرعية سياسية تاريخية انتهت، عندما انهارت الدولة السعودية الأولى، وسقطت الدرعية تحت ضربات جيوش محمد علي باشا، والي العثمانيين على مصر.
سعودية اليوم
صحيح أن الدولة السعودية المعاصرة، أو ما أصطلح على تسميته بالدولة السعودية الثالثة، هي امتداد تاريخي لتلك الدولة، ولكن من الضروري أن يبقى هذا الامتداد تاريخيا وحسب، وليس من الضروري، بل ولا من الواجب، أن تكون الدولة السعودية المعاصرة تكرارا إيديولوجيا لتلك الدولة المنهارة، أو لتلك التجربة السياسية التي أخذت فرصتها وانتهت، وإذا كانت الظروف الدولية أيام الدولة السعودية الأولى، أدت في النهاية إلى سقوط التجربة السعودية الأولى، فإن الظروف الدولية الحالية لن تسمح بتكرار تلك التجربة، أي قيام دولة ذات إيديولوجيا مناقضة للأسس التي تقوم عليها الدولة القومية المعاصرة، ونحن نرى اليوم قيام تحالف دولي للقضاء على “داعش” وفكرها، وسعودية اليوم دولة محورية في مثل هذا التحالف، رغم أن إيديولوجيا “داعش” وفكرها هو ذات الفكر والإيديولوجيا اللذين قامت على أسسهما الدولة السعودية الأولى، أو لنقل سعودية القرن الثامن عشر، ومن الواضح أن سعودية اليوم هي غير سعودية الأمس، رغم الامتداد التاريخي. كانت شرعية الدولة السعودية الأولى تقوم على تحالف سياسي ديني، مثله الاتفاق بين الشيخ والإمام، الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والإمام محمد بن سعود، أما سعودية اليوم فتقوم شرعيتها السياسية الحقيقية على الإنجاز التاريخي الذي حققه الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود بالتحالف مع شعبه، وهو إنجاز يقوم على توحيد البلاد ومبدأ المواطنة، وتحقيق العدل والأمن والازدهار، وهي مبادئ وغايات لا وجود لها في الإيديولوجيا السياسية للدولة الأولى، وما عدا ذلك هو مجرد إضافات للمنطلقات الأساسية.
صحيح أن الشرعية الدينية تشكل رافدا من روافد الشرعية السياسية للدولة التي أسسها الملك عبدالعزيز، وهنا يتضح الامتداد والتواصل التاريخي مع الدولة السعودية الأولى، ولكن الخطاب الديني الذي سار الملك عبدالعزيز على خطاه، وخاصة بعد موقعة السبلة، التي كانت نقطة الفصل بين القديم والحديث، وتأسيس الدولة الحديثة تحت اسم المملكة العربية السعودية، الذي هو اسم حديث لا علاقة له بالإمامة أو الخلافة، وإلاّ لكان اسم الدولة منسجما مع مثل هذه المصطلحات السياسية الدارسة ذات المضمون الديني، أو الإيحاء الديني حقيقة.
لقد كانت المسألة واضحة في ذهن الملك المؤسس كما أرى: بناء دولة حديثة بكل المعايير، وإحداث نوع من القطيعة السياسية مع التجربة السعودية الأولى، رغم الامتداد التاريخي لها. هل معنى ذلك أنه لا دور ولا مكان للدين في ذهن الملك المؤسس، أو خلال مرحلة التأسيس؟ بالطبع لا، فالملك نفسه كان رجلا متدينا جدا، كما أن سنوات التأسيس، وخاصة بعد تأسيس فرق الإخوان بعد أكثر من عشر سنوات من استعادة مدينة الرياض، كانت حافلة بتسييس الدين، ولكن ذلك التسييس، أو لنقل الأدلجة المفرطة للدين، انتهى مع القضاء على حركة الإخوان بعد معركة السبلة. كما أن المجتمع السعودي مجتمع متدين، ولكنه لم يكن مؤدلجا دينيا، حتى جاءت “الصحوة”، وقضت على ذلك التدين الفطري أو الطبيعي، ليتأدلج المجتمع دينيا، وكانت الدولة خير معين على ذلك خلال تلك الفترة، لأسباب وظروف سياسية يمكن فهمها في وقتها، حين لجأت إلى إيديولوجيا سعودية القرن الثامن عشر، على حساب الشرعية الحقيقية لسعودية القرن العشرين، وكانت النتيجة في النهاية هي ما أسميناه اليوم بالمعضلة السعودية، أو هيمنة إيديولوجيا تجربة دارسة على سلوك مؤسسات وأفراد دولة حديثة، ومن هنا يُمكن فهم الأبعاد العميقة لحادثة اعتداء أفراد الهيئة على المقيم البريطاني، فهم في النهاية مغذون ومنشأون على إيديولوجيا دولة دارسة لا تعترف بالخضوع للقانون، بالرغم من أنهم مواطنون في دولة حديثة يُفترض فيهم الخضوع للقانون، وهنا تكمن المفارقة.
لذلك قلت منذ البداية إنني أتفهم مثل هذا السلوك، وأنهم ضحايا بدورهم بقدر ما أنهم من المعتدين. لقد كان الملك عبدالعزيز واضحا وحاسما حين تعلق الأمر بالخيار بين التشبث بفكر دولة وتجربة دارسة، وبين تأسيس دولة حديثة بفكر حديث، فاختار المستقبل، وإن بقي الماضي بحلوه ومره للذكرى والعظة، لأن المستقبل يبقى في النهاية سر الوجود والبقاء.. هذا ويبقى الأمر دائما لله من قبل ومن بعد.
 تركي الحمد
صحيفة العرب
[7 / 9 / 2014 العدد: 9672، ص(6)]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..