الصفحات

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2014

الطيار: دعوا الثرثرة.. فرجال "الهيئة" ليسوا لصوصاً ولا مدمني مخدرات

21 ذو القعدة   1435-2014-09-16
قال: كان على أعضاء "الهيئة" ترك البريطاني وزوجته والاكتفاء بأخذ رقم السيارة
"الطيار" لـ"سبق": دعوا الثرثرة.. فرجال "الهيئة" ليسوا لصوصاً ولا مدمني مخدرات
- ملاحقة فساد الوزارات والمخالفات التجارية والغش ورفع الأسعار ليس من اختصاص رجال الحسبة.
- يحاربون رئيس هيئات الأمر بالمعروف والميدانيين، وتناسوا إنجازاتهم في الابتزاز والسحر.
- أقول للكاتب محمد آل الشيخ: التغريبيون سبب وجود الثقافة الدينية المتطرفة.
- مشهد قبض الجيش العراقي على شاب سعودي عمره 18عاماً ينتمي لـ"داعش" منظر مبكٍ.
- نواجه ثقافة دينية "متطرفة"، وفتنة مخيفة بسبب الصراعات في العراق والشام.
- ليس من السهل محاربة التنظيمات الإرهابية الضالة؛ فالمسألة فيها دين ووطن وأمن واستقرار.
- وجود رجال الهيئة في الأسواق والأماكن العامة أمر يرتاح له البال، ويطمئن له الخاطر، والكثير من الناس يفرحون بذلك.
 
 
أجرى الحوار/ شقران الرشيدي- تصوير/ عبدالله النحيط- سبق- الرياض: يقول الدكتور حمزة الطيار، الأستاذ المشارك بالمعهد العالي للحسبة والدعوة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وإمام وخطيب جامع الراجحي: إن "المحتسبين" لا يمارسون الوصاية على الناس، ولا يصادرون حرياتهم؛ إنما وضعتهم الدولة لتحقيق أوامر الشريعة، وضبط الناس بضوابط الشرع والنظام. ويؤكد في حواره مع "سبق" أن من يقول إن بعض رجال الهيئة كانوا من مدمني المخدرات واللصوص السابقين هو كلام مضحك، وتهمة يريد منها تشويه صورة رجال الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر؛ مشيراً إلى أنه ليس من اختصاص "محتسبي" الهيئة النظر في المخالفات التجارية، والغش، ورفع الأسعار، والفساد في الوزارات؛ بل هو من اختصاص جهات حكومية أخرى. وأن وجود رجال الهيئة في الأسواق والأماكن العامة أمر يرتاح له البال، ويطمئن له الخاطر، والكثير من الناس يفرحون بذلك؛ مطالباً بأن يكون من أولى اهتماماتنا محاربة التنظيمات الإرهابية الضالة؛
مؤكداً أن الأمر ليس بالسهولة التي يتصورها البعض؛ فالمسألة مسألة دين، ومسألة وطن، ومسألة أمن واستقرار. هذا ويتناول الحوار عدداً من المحاور المهمة في شؤون الحسبة والمحتسبين، والجماعات المتطرفة.. فإلى تفاصيله..
 
** ينتقد البعض رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "المحتسبين"، بأنهم أصبحوا يمارسون الوصاية على الناس، ومصادرة حرية الفكر والرأي، والإبداع.. ما رأيك في مثل هذا الطرح؟
 
هذا الكلام كلام باطل؛ فإذا قلنا هذا الكلام عن المحتسبين؛ فإنه ينصرف للدولة وينسحب عليها من جانبين: الأول: أن الذي كلف هؤلاء المحتسبين وأعطاهم الصلاحيات هي الدولة؛ فهل الدولة وضعت المحتسبين ليمارسوا الوصاية على الناس؟ بالتأكيد لا؛ إنما وضعتهم لتحقيق أوامر الشريعة، وضبط الناس بضوابط الشرع والنظام. والثاني: أنه حين يقوم المحتسبون بمهامهم الوظيفية، التي كلفهم بها ولي الأمر، فهل هم -والحالة هذه- يمارسون الوصاية على الناس؟ والمصادرة لحرية الفكر والرأي والإبداع لديهم؟ فإن قيل: لا، قلت: هذا هو الصحيح، وإن قيل: نعم يمارسون ذلك، قلت: إذاً على هذا النسق فإن هذه التهمة الباطلة تطال الدولة، وتطال كل أجهزتها ومؤسساتها؛ فلِمَ يُقال ذلك عن رجال الحسبة ولا يقال عن بقية رجال الدولة الآخرين؟ لأن الجميع ينفذون أوامر وأنظمة الدولة.
 
** يردد البعض أن قلة من أفراد هيئة الأمر بالمعروف كانوا في ماضيهم إما مدمني مخدرات أو من اللصوص.. إلخ، وأنهم عندما يلتزمون يريدون إزالة المنكرات بالطريقة القاسية التي يريدونها هم لا بالطريقة الشرعية.. ما تعليقك؟
 
هذا كلام مضحك، وتهمة يريد منها قائلها تشويه صورة هؤلاء الرجال الأكارم (رجال الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر)؛ فقد عرفت الكثير منهم وأنا صغير، فكانوا مثالاً للقدوة يحتذى، وعرفت الكثير منهم زملاء في مقاعد الدراسة؛ فكانوا أصحاب دين وسمت وخلق، وعرفت الكثير منهم عند تدريسي لهم في الجامعة فكانوا أهلاً لهذه المسؤولية؛ فكيف يأتي من يقول مدمني مخدرات أو لصوص؟ فهل يريد هذا المتقوّل أن نتخلى عن قناعاتنا، ونخضع لتُرّهَاته وأكاذيبه؟ أم يريدنا أن نجير عقولنا السليمة لعقله المضطرب؟ وعلى سبيل الافتراض والتسليم بأن هذا القول قول صحيح؛ فما هو اللازم بين وجود هذا الصنف وبين إزالة المنكر بالطريقة القاسية؟ هل يريد قائل هذا القول أن يجعل من لوازم تغيير المنكر بطريقة قاسية أن يكون المغير ممن له سابقة في المخدرات، أو السرقة؟ هذه ألاعيب وخداعات باتت مكشوفة، ومن الصعب أن تنطلي على الناس.
 
** في حادثة الاعتداء الذي تم بين رجال هيئة الأمر بالمعروف الأربعة والمقيم البريطاني وزوجته.. أين الخطأ فيما حصل؟
 
إن مما جاءت به شريعة الإسلام ألا يتحدث الإنسان إلا عن علم، يقول الحق جل وعلا: {ولا تقف ما ليس لك به علم}، ويقول الحق جل وعلا: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون}، أي شهادة قائمة على علم يقيني، لا مجرد شهادة ينطق بها اللسان، وهي مفتقرة للعلم اليقيني؛ فهل كل أؤلئك الذين تحدثوا عن هذا الحدث، وحكموا فيه لطرف على طرف، هل تحدثوا بعلم يقيني؟ وأن مما جاءت به شريعة الإسلام أن الإنسان إذا سمع أمراً ما لا بد أن يتبين ما يسمع، وأن لا يذيعه؛ هكذا شأن العاقل البصير؛ بخلاف أهل الثرثرة واللغو والخفة والطيش، الذين يرددون كل خبر يلقى إليهم، وينشرون كل شائعة ترد على سمعهم، دون تثبت أو روية، يقول الحق جل وعلا: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعو به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}، فهذا توجيه رباني يحكم مثل هذه الحالات؛ فهل يصح لنا أن نتكلم بلا علم؟ أو أن نتبع قول من يفقدون علم هذا الأمر وحقيقته؟ بالتأكيد لا؛ إنما الواجب أن نتبع قول أهل المسؤولية في ذلك الأمر، وقد تحدث أهل الشأن والمسؤولية عن ذلك، واتخذوا قرارهم بعد تحقيق وتمحيص؛ فهم -كما قلت- أبصر وأعلم من غيرهم في الحدث ومجرياته، وما يتطلبه العمل وفق ذلك؛ فإن أصابوا فهذا المرجو، وإن أخطأوا فليوضح من يرى ذلك بالحجة والبيان، لا بالتخمين والهذيان. وحسب ما فهمته من التعاميم والتوجيهات التي يتلقاها رجال الحسبة الميدانيين، أنه في مثل هذه الأحوال التي يستعصي فيها المخالف على رجال الحسبة، ولا يتجاوب معهم، أن يتركوه ويكتفوا بأخذ رقم لوحة السيارة، ومن ثم يتم استدعاؤه لاحقاً؛ خاصة في الأحوال التي ليس فيها جرم جنائي يستوجب الحسم والقبض حالاً؛ لأن مطاولته في ذلك والتجاذب معه في أمر لا يستدعي الحسم حالاً، يتولد منه مفاسد أكبر من تركه، والمنكر إذا ترتب على إنكاره منكر أعظم يُترك إنكاره؛ فكيف إذا كان الأمر سيتم التعامل معه لاحقاً بطريقة أهون وأيسر، ويتحقق منها الغرض المقصود دون أن يتولد منها مفسدة، وعلى هذا فالتصرف الذي تم من قِبَل رجال الهيئة الميدانيين في هذه الحادثة تصرف خاطئ من جانبين: الأول: أن لديهم توجيهاً مسبقاً في آلية التعامل مع مثل هذه الحالة، وهو الاكتفاء بأخذ رقم السيارة ورفع ذلك للمسؤول عنهم. الثاني: لو لم يكن لديهم ذلك التوجيه، لكان من الحكمة سلوك هذا النوع من الآلية؛ درءاً للمفسدة، ودرءُ المفسدة أولى من جلب المصلحة.
 
** قرار نقل أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأربعة إلى مناطق خارج الرياض وتحويلهم لإداريين.. هل هو منصف أم كان قاسياً في حقهم؟
 
قرار النقل تحدّث عنه الكثير والكثير، وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بهذا القرار وردود الأفعال تجاهه إيجاباً وسلباً، وفي نظري أن إصدار أي حكم لحادثة معينة، يفتقر إلى تصور تام وكامل عن المسألة والقضية التي سيتم إصدار الحكم عليها؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. ونقل أناس كثير في جهات أخرى، وفصل أناس كثير في أماكن عدة، بغض النظر عن نظامية ذلك من عدمه، فلِمَ التركيز فحسب على جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ولِمَ تُسَلّط عليه الأضواء دون سواه؟ وإن كل تصرّف لا بد له من مؤيدين ومعارضين؛ فإذا وقع خطأ من موظف فلم يعاقب انبرى فريق يطالب بعقوبته، وإن تمت معاقبته انبرى فريق آخر يدافع عنه، وبالتالي فالحكم في ذلك ليس رضى الناس؛ إنما الحكم في ذلك الشرع، والنظام المستمد من ذلك الشرع. وقرار النقل تم بعد حدث وواقعة تم التحقيق فيها من قِبَل مسؤولي الهيئة؛ حيث اطلعوا على مجريات الحدث بتفاصيله؛ فهم ألصق بالأمر من غيرهم، ومر هذا القرار عبر قنوات عدة، ومعلوم أن صاحب المسؤولية المباشر لها أبصر في عمله وأدرى بالمصالح والمفاسد من غيره، ويرى من المصلحة ما لا يراه غيره؛ فقد جاء أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، هل أكون كالحديدة المحماة في تنفيذ أمرك، أو أن الحاضر يرى ما لا يراه الغائب؟". قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "كنت كثيراً أذكره وأستشهد به في المناسبات؛ وإن كان ضعيفاً؛ ولكن مثله يحسن الاستشهاد به في وصية الأمراء والمبتعثين للدعوة وغيرها".
 
 
 
 
** هل في اعتقادك أن الرئاسة العامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عالجت هذه الحادثة إعلامياً ومهنياً بالطريقة الصحيحة؟ أم كان من المفترض أن يتم التعامل معها بشكل آخر؟
 
مؤلم حقاً النهج الذي تنتهجه بعض وسائل الإعلام المرئي والمقروء؛ حيث تنظر لتصرفات رجال الهيئة بعين واحدة؛ فنحن لا ينقصنا الإعلاميون المهنيون ولا الإعلاميون المتخصصون أصحاب الكفاءة؛ إنما ينقصنا تطبيق تلك الكفاءة والمهنية ونتائجهما ومخرجاتهما. ويزيد هذا الألم ألماً ما ينتهجه بعض المغرّدين في مواقع التواصل الاجتماعي، والذين هم الآخرون ينظرون لأعمال وتصرفات مسؤولي جهاز الهيئة بعين واحدة؛ فالفريق الأول يفتح عيناً على بعض الأحداث والوقائع التي يندر وقوعها، ثم ينفخون فيها بكل ما أوتوا من قوة، هذا على فرض أن الحادثة والواقعة محل نقدهم وكلامهم من قبيل الخطأ؛ لكنهم في المقابل يغمضون عيناً أخرى عن تلك المنجزات الطيبة والأعمال المشرفة التي يسطرها رجال الهيئة، والتي لا يمكن لأحد أن ينكرها. أما الفريق الثاني فيفتح عيناً على بعض قرارات معالي رئيس الهيئة معالي الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، التي قد لا يسلم لهذا الفريق بخطئها، ويغمض عينه الأخرى عن إنجازات قام بها عظيمة، وتطويرات قدمها للجهاز جليلة، اقتصر على ذكر جانب واحد من هذه الإنجازات؛ حيث أفرد بعض الإدارات الهامة وطورها والتي لها مسيس بمصلحة البلاد والعباد فمن ذلك:
1- وحدة مكافحة جرائم الابتزاز، التي جعل لها رئيساً ومساعداً، ودعمها بالموظفين الأكفاء، وخصص لها عشرة خطوط؛ حيث يستقبل موظفو هذه الإدارة البلاغات من خلالها على مدار الأسبوع.
2- وحدة مكافحة الجرائم المعلوماتية، والتي من مهامها متابعة المواقع المخالفة للعقيدة والأخلاق، وتقوم بدور رائد في ذلك.
3- وحدة مكافحة السحر، التي جعل لها رئيساً ومساعداً، وتعمل على محاربة السحر والشعوذة.
فكم قامت به هذه الإدارات من جهد مشكور، وكم سطرت من عمل مبرور، وكم أنقذت من شخص محزون ومغدور، ووالله حسب اطلاعي لو أفردت عمل كل إدارة على حدة لكتبت في ذلك أوراقاً كثيرة، ومقالات عديدة، هذا جزء يسير من أعمال كريمة، وإنجازات عظيمة، قام بها معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن يعمل معه، والتي لم نرها في كتابات كثير من المغرّدين في مواقع التواصل الاجتماعي؛ فهل تعامل هؤلاء مع هذا الرجل بالحق والعدل. وإننا إن لم نقم بتناول جميع تصرفاتنا وأقوالنا على أساس متين من العدل والإحسان، وإذا فقد الحق مكانه بيننا، واختلت موازين العدل عندنا؛ فلنأذن بتصدع بنياننا، وانهيار أخلاقنا.
 
** في الأسواق العامة تحدث الكثير من المخالفات التجارية، والغش، ورفع الأسعار، والفساد في الوزارات والجهات الحكومية.. إلخ.. فلماذا يُركّز المحتسبون على التجاوزات الأخلاقية دون غيرها؟
 
المخالفات التجارية، والغش، ورفع الأسعار، والفساد في الوزارات، ليس من الاختصاص النظامي لرجال الحسبة (الهيئة)؛ بل هو من اختصاص جهات حكومية أخرى.
 
** تنص المادة الثانية من نظام الإجراءات الجزائية السعودي على أنه: "يُحظر إيذاء المقبوض عليه جسدياً أو معنوياً، كما يُحظر تعريضه للتعذيب أو المعاملة المهينة للكرامة"، وهناك مَن يرى أن بعض محتسبي الهيئة يخالفون هذه المادة بشكل متواصل.. فكيف يمكن الالتزام بها قانونياً؟
 
هذه تهمة باطلة تفتقر إلى بينة، والمادة المذكورة لا تشمل فقط جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بل تشمل جميع جهات القبض؛ فمتى وُجِد هذا الأمر فهو خطأ، سواء صدر من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو من غيرهم.

** يتردد أن الكثير من المواطنين والمقيمين يتخوف من الاحتكاك برجال الهيئة في الأسواق والأماكن العامة؟
 
لم أفهم المقصود من الاحتكاك؛ لكن وجود رجال الهيئة في الأسواق والأماكن العامة أمر يرتاح له البال، ويطمئن له الخاطر، والكثير من الناس يفرحون بذلك؛ المواطنون والمقيمون على جميع فئاتهم سواء كانوا متسوقين أو بائعين أو ملّاكاً للأسواق ونحوهم، فوجود هؤلاء الرجال صمام أمان؛ فمن هذا الذي لا يرتاح لصمام الأمان؛ إلا اللهم من في قلبه مرض ممن يريد الفوضى الأخلاقية.
 
** ذكرت في ردك على الكاتب محمد آل الشيخ عن أسباب وجود ثقافة متطرفة أفرزت فتنة مكلفة، وكتبت أنها رد فعل على ما يمارس من ثقافة تغريب في المجتمع.. فهل التغريبيون هم سبب وجود المتطرفين؟
 
إذا وجد من يقول إن من أسباب وجود الثقافة الدينية المتطرفة هو ما يحصل في المجتمع من تغريب، فأقول: إن كان يريد حكاية الواقع، وأن التغريب أحد أسباب وجود هذه الثقافة الدينية المتطرفة، فهذا صحيح، لأن الشر في الغالب لا يولد إلا شراً. وإن كان يريد أن وجود التغريب، يبرر وجود الثقافة المتطرفة فهذا غير صحيح؛ لأن وجود المنكر لا يبرر وجود منكر آخر.

** قال الله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، وفسر كثير من الفقهاء هذه الآية بأن الحسبة لا تكون للعوام، ويشترط فيمن يقوم بها الكفاءة والعدالة والعلم والقدرة.. ما تعليقك؟
 
الحسبة كولاية دينية من واجبات الدولة المسلمة، يقوم بها ولي الأمر أو من ينوب عنه، ومعلوم أن من يتولى أمر الحسبة لا بد أن تتوافر فيه صفات عدة ذكرها أهل العلم ليس هذا مكان بسطها، وهي باختصار: الإسلام، والتكليف، والقدرة، والعلم والعفة، والورع، والذكورية، والفقه في الدين والعدالة، والعلم بالمصالح والمفاسد ونحو ذلك، هذا كولاية. وأما الدليل المذكور في السؤال وهو قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}؛ فهو من ضمن نصوص وأدلة أخرى اختلف العلماء فيها، هل تدل على أن الحسبة واجبة على العموم (فرض عين)، أم أنها فرض كفاية؟ على قولين: القول الأول: طائفة من أهل العلم قالوا إن (من) في قوله: {ولتكن منكم أمة} بيانية؛ فتكون دلالتها للأمة جميعاً، كقوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} فـ (من) في هذه الآية بيانية؛ لأنه من المحال أن نجتنب شيئاً من الأوثان دون شيء. القول الثاني: طائفة أخرى يرون أن (من) في قوله تعالى (ولتكن منكم أمة) تبعيضية؛ فيكون الوجوب خاصاً ببعض الأمة دون بعضها الآخر؛ فإذا قام البعض بالأمر والنهي سقط عن الباقين. وحاصل الكلام أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -والذي سنعبر عنه بلفظ "الاحتساب"- واجب على كل إنسان على حسب قدرته واستطاعته، وتتبُّع النصوص في ذلك وأقوال أهل العلم يطول به المقام.
 
** تعد ضمانات الحرية الشخصية من الحقوق المنصوص عليها في أنظمة الدولة السعودية، وهناك من يرى وجوب ترك الاحتساب في المجتمع بسبب تضاده مع الحرية الشخصية، كيف ترى مثل هذا التوجه؟
 
أولاً: ما مفهوم الحرية الشخصية عند أولئك؟ فإذا كان المفهوم لديهم أن لكل إنسان أن يقول ما شاء، وأن يفعل ما شاء، أين شاء، ومتى شاء، حتى لو خالف ذلك الشرع والنظام؛ فإن ذلك المفهوم مفهوم خاطئ؛ بل لا يستقيم ذلك لدى أهل العقل والعلم والمنطق؛ فإن مَن له أدنى مسكة من عقل لا يقول بذلك، وعلى هذا نفهم أن حرية الشخص لها حدود وضوابط، وله وفق هذه الحدود والضوابط الحرية التي لا يمكن لأحد أن يسلبها منه؛ فله على سبيل المثال أن يتملك بحر ماله ما يجوز له تملكه، وأن يتصرف فيه تصرف الملاك بأملاكهم، إن كان من أهل التصرف، ونحو ذلك من التصرفات وفق الضوابط الشرعية والنظامية.
ثانياً: أننا إذا فهمنا الحرية بالفهم الصحيح، وأنها محدودة بحدود الشرع والنظام، علمنا أنه ليس هناك تعارض بين وجود الاحتساب وهذه الحرية؛ خاصة أن السؤال يقول:(تُعَدّ ضمانات الحرية الشخصية من الحقوق المنصوص عليها في أنظمة الدولة السعودية)؛ وبالتالي فإن مما نُص عليه في أنظمة الدولة السعودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الاحتساب)، الذي وُضع له النظام جهاز مستقل يرتبط رئيسه برئيس مجلس الوزراء مباشرة، ويعين على مرتبة وزير، وينضوي تحت لوائه موظفون يعملون وفق لوائح وأنظمة وضعها النظام السعودي، وبالتالي فإن من لوازم قول من يقول: إن الاحتساب يضاد تلك الحرية التي كفلها النظام للأفراد، أن من لوازم قوله: أن هناك تناقضاً في النظام السعودي؛ لأنه لا يتصور أن يكفل النظام الحرية لشخص ثم يكلف آخر ليسلبه تلك الحرية عن طريق الاحتساب. ثالثاً: الاحتساب يكفل للفرد حريته؛ لأن مما جاء به الإسلام تحقيق العبودية لله، وتحريم الاعتداء على الغير في دينهم وأنفسهم وأعراضهم وأموالهم؛ بل شرع لذلك الحدود والعقوبات التي تناسب كل اعتداء، ومن مهام إمام المسلمين: نشر الفضائل، ودحر الرذائل، وإعطاء كل ذي حق حقه، فيكفّ الظالم عن ظلمه، ويأخذ للمظلوم حقه من الظالم مباشرة أو عن طريق من ينيبه في ذلك، وممن ينوب عن ولي الأمر في الأمر بإظهار الشعائر وإنكار الرذائل وحفظ الأعراض والحقوق والحرمات، أهل الاحتساب؛ لذا فإن الاحتساب من أعظم المقومات لتحقيق الحرية الشخصية وضمانها؛ لأنه عن طريق الاحتساب يتحرر المرء من عبادة غير الله تعالى، ويتحرر من الهوى والشيطان، ويتحرر من الجوْر والظلم والاعتداء الواقع عليه في دينه ونفسه وعقله وماله وعرضه.
 
** ما يحصل الآن من صراعات في العراق والشام وغيرها من المناطق.. هل يعني أننا نواجه ثقافة دينية "متطرفة"، وفتنة مخيفة؟
 
بالتأكيد، نحن نواجه ذلك، وعليه فلا بد من تكاتف الجهود على جميع الأصعدة، وأن نقوم بكل ما يسعنا لمحاربة تلك الثقافة المتطرفة، والفتنة المخيفة؛ وذلك بالتوجيه والتعليم، وتنفيذ قرارات ولي الأمر الصادرة بهذا الشأن وتفعيلها، والتي تكفل -بإذن الله تعالى- حمايتنا وحماية ديننا ووطننا وأمننا وأولادنا من تلك الثقافة والفتنة، ومما تجدر الإشارة إليه تلك القرارات التي صدرت من لدن حكومتنا المباركة لمنع الشباب من السفر لتلك المواطن لأجل المشاركة في القتال فيها؛ فهي قرارات رائعة وصائبة، يجب على الجميع مؤازرتها بكل ما أوتوا من قوة، كل بحسبه، وعلى قدر جهده واستطاعته.
 
 
 
 
** ما أسباب قفز تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" بهذا الشكل السريع في واجهة الأحداث في المنطقة؟ ومَن وراءها؟
 
الجواب على هذا يحتاج إلى تصور تام واطلاع كامل؛ لكن هناك أسباباً عامة تكون بمثابة أرض خصبة لوجود مثل هذه التنظيمات الضالة؛ من ذلك:
- عدم وجود دولة لها قوتها وهيمنتها وسيادتها يؤدي في الغالب إلى انتشار وخروج مثل هذه التنظيمات.
- بعض الدول لها أطماع سياسية في مثل هذه المناطق، وتريد أن تكون لها الكلمة هناك؛ وبالتالي تعمل مخابراتها على تكوين تنظيم، أو دعم تنظيم قام بنفسه، لأجل خلق اضطراب في هذه المناطق، لممارسة نوع من الضغط لتتوصل في ذلك إلى تحقيق إما هيمنتها، أو تنفيذ سياساتها، وقد تكون تصفية الحسابات الطائفية هي المقصود من ذلك.
- وقد تكون تلك التنظيمات قامت بنفسها نتيجة جهود فردية دُعمت من هنا أو هناك، وتقصد تلك التنظيمات دفع نظام ترى عدم صلاحيته، إلى غير ذلك من الافتراضات التي قد تصدق، وقد لا تصدق.
 
** كيف يمكن التعامل مع التنظيمات والجماعات التي تتخذ من الإسلام وسيلة للوصول لغاياتها السياسية؟ وتحاول استقطاب الشباب؟
 
التعامل يجب أن يكون بقوة وحزم، وأن نتخذ جميع التدابير الوقائية والعلاجية لوأد تلك التنظيمات والجماعات في مهدها، وترشيد المجتمع بضلالها وخطورتها، كي نحمي ديننا ووطننا وأنفسنا وفلذات أكبادنا، وما شاهدناه من قبض الجيش العراقي على شاب سعودي عمره ثمانية عشر عاماً ينتمي -حسب المصدر- لتنظيم "داعش"، مشهد والله يُبكي كل من لديه غيرة على أبناء دينه ووطنه، كيف لعاقل يترك بلده الآمن، ويترك أهله وأسرته، لتتلقفه تنظيمات ضالة، وأحزاب مجرمة، لا ترقب في مؤمن إلاً ولا ذمة.
 
** كيف ترى دور علماء السعودية وطلاب العلم والمشايخ في محاربة التكفير، وبيان الحجة والأدلة الشرعية ضد ما يقوم به التنظيم الإرهابي "داعش"؟
 
دور رائع؛ لكن نريد المزيد، وأن يكون من أولى اهتماماتنا محاربة تلك التنظيمات الإرهابية الضالة؛ فالأمر ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، المسألة مسألة دين، مسألة وطن، مسألة أمن واستقرار، لا بد من تخصيص برامج في الإعلام، وخطب في المساجد لأجل ذلك، وألا نغفل عنه لحظة واحدة.
 
** دعوت في إحدى اللقاءات الصحفية إلى ضرورة الالتزام بالستر في الدعوة إلى الله باعتبار أن الستر من أهم صفات الدعاة؛ لأنه يحفظ المجتمع من شيوع الفاحشة.. كيف ترى من يُصِرّ على كشف عيوب الناس، والتجسس عليهم؟
 
أرى أنه على خطر عظيم، ومنكر جسيم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو كان في جوف بيته"؛ فهذا عقاب من يتتبع عورات المسلمين ويصر على كشفها عياذاً بالله، أفلا يخاف من يتتبع عورات المسلمين مِن هذا الوعيد الشديد المؤذن بالعقاب والانتقام منه بفضحه عاجلاً؟ ناهيك عن العذاب الأليم في الآخرة؛ بل حري به أن يستر على المسلمين طمعاً في ستر الله جل وعلا عليه في الآخرة؛ وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا سَتَرَه الله يوم القيامة". ولكي يدرك الإنسان خطورة الأمر، عليه أن يجعل نفسه محل المذنب ليرى ما موقفه؟ هل يحب أن يتتبع الناس عورته ثم يكشفونها؟ أم يريدهم أن يستروا عليه؟ لا شك ولا ريب أنه يريد الستر؛ إذاً ألا يحب لإخوانه ما يحبه لنفسه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، هنا يعرف الإنسان مدى تأثير هتك الستر على المهتوك ستره، وعلى أسرته وأولاده وقبيلته وبيئته؛ فقد يؤدي هتك الستر إلى الطلاق، وقطيعة الرحم، وضياع الأولاد، وتشريد الأسرة؛ فإذا استحضر المسلم هذه الأمور، والتزم بأوامر الشرع الواردة فيه؛ فإنه لا شك سيتخلص من عادة هتك الستر، وتكون بمثابة موانع تمنعه من فضيحة الناس.

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

"الطيار" لـ "العوني": أخبرنا مَن مِن علماء السعودية "منخدع أو منتفع"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..