الصفحات

الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

عمان تتجهز للحياة بدون السلطان قابوس

أصبحت السلطنة تحت حكم قابوس لاعبا مستقلا وهادئا في السياسة الخارجية في المنطقة، وغالبا ما توسطت عمان بين القوى الغربية وبين طهران. وفاة قابوس ربما لن تؤدي إلى تدهور سريع للدولة العمانية، لكنه سيمثل نهاية حقبة من إدارة واعية وحكومة يحترمها القطاع الأكبر من مواطنيها.
ترجمة وتحرير نون بوست
الاستقرار والأمان الذي تعيشه سلطنة عمان على مدى العقود الأربعة الماضية يمكن أن يُعزى إلى حد كبير إلى حكم رجل واحد، هو السلطان الحالي قابوس بن سعيد. لكن المخاوف بشأن صحة قابوس، إلى جانب عدم وجود خطة لمن يخلفه، واستمرار الاستقرار في السلطنة تتزايد مع احتمالات وفاة السلطان.
السلطنة تقع الآن في خضم حملة من الإصلاحات التدريجية الاجتماعية والسياسية المتعمدة، ردا على مطالب المواطنين العمانيين بقدر أكبر من المساءلة للحكومة.
ذكرت وسائل الإعلام اللبنانية في 17 أغسطس الجاري أن الحالة الصحية للسلطان وصلت إلى حد بالغ السوء، السلطات العمانية سارعت بالنفي، لكن السلطان قابوس يقيم في مستشفى في ألمانيا منذ 10 يوليو الماضي إذ يخضع للعديد من الفحوصات الطبية، وهذا يلقي بظلال من الشك على مستقبل قابوس الذي يبلغ من العمر 73 عاما.
أصبحت السلطنة تحت حكم قابوس لاعبا مستقلا وهادئا في السياسة الخارجية في المنطقة، وغالبا ما توسطت عمان بين القوى الغربية وبين طهران. وفاة قابوس ربما لن تؤدي إلى تدهور سريع للدولة العمانية، لكنه سيمثل نهاية حقبة من إدارة واعية وحكومة يحترمها القطاع الأكبر من مواطنيها. يحتمل أن تتأثر دول الجوار بانتقال السلطة في عمان كذلك، خاصة السعودية التي تطلع لتأمين موقفها في الخليج، وإيران التي تحرص على تطوير علاقتها بحلفائها الإقليميين.
عمان غالبا ما يتم تجاهلها في التغطية الإخبارية للشرق الأوسط، والتي تركز دوما على الاضطرابات أو المواقف المتشددة، إذ أن موقف مسقط غالبا ما يكون مستقرا وعقلانيا. لكن موقعها الجغرافي يضع عمان في قلب التجارة البحرية بين البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي. فلعدة قرون، سيطر الحكام في سلطنة عمان على شبكة التجارة التي تربط أفريقيا والهند بأوروبا وآسيا. ولذلك بقيت مسقط حليفا مستقرا في المنطقة، كما تحوي المياه العمانية على القنوات الصالحة للملاحة في مضيق هرمز، وكذلك القدرة على استضافة أكبر قوات بحرية أجنبية في المنطقة.
تأسيس حكم حديث
تاريخيا، استفاد سلاطين عمان من تجارة الحرير والتوابل والعبيد، وكفلت تلك التجارة لعمان درجة من التنمية والثروة كانت غائبة في معظم شبه الجزيرة العربية فقيرة الموارد حتى القرن التاسع عشر. وعقب التطور الكبير في النقل البحري وانهيار تجارة الرقيق، تضاءلت حظوظ عمان المالية، ما أتاح لقوى خارجية مثل إيران والمملكة المتحدة والولايات المتحدة أن تمارس نفوذا أكبر على مسقط. كان الهدف الرئيسي لعمان هو حاجتها الاحتفاظ باستقلالها وسط جيران أكبر كثيرا وأقوى كثيرا، وعادة كان ذلك يتم من خلال دبلوماسية متأنية وبمساندة قوة بحرية أجنبية، يُفضل لو كانت لدولة بعيدة. أما الاستقرار الداخلي فكان الحفاظ عليه يمثل تحديا آخر لعمان، البلد الذي شهد في القرن الماضي ثورات دينية وماركسية نابعة من مواطنيها الذين يعيشون في الصحراء أو مستلهمة من الانتفاضة اليمنية.
وفي أوائل القرن العشرين، قامت السعودية بدعم حركات التمرد المختلفة في عمان في محاولة لإضعاف السلطنة، لكن السلطان قابوس كان قادرا على الاحتفاظ بسلطته بدعم بريطاني وفارسي، وهو ما عززه الارتفاع في إنتاج النفط والغاز العماني عقب صعوده إلى العرش في 1970. كان قابوس أيضا قادرا على دمج المناطق الصحراوية المحافظة مع المجتمعات القبلية شرق صلالة والمناطق الساحلية المحيطة بمسقط ما جعله أحد أفضل الحكام في السلطنة خلال عدة أجيال. لقد رُسم تاريخ عمان بواسطة نجاح قابوس في الحفاظ على التوازن بين جيرانه الأقوياء: السعودية وإيران. ولاحقا أسهم تأسيس المملكة العربية السعودية واكتشاف احتياطيات النفط في المملكة، أسهم في تعزيز موقف الأخيرة مقارنة بإضعاف موقف عمان.
انبعاث عمان
إدارة قابوس المتأنية للسياسة الخارجية سمحت لمسقط بتحقيق توازن دقيق وللتصرف بشكل مستقل. يشارك السلطان بشكل مباشر في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والأمنية في السلطنة، كذلك يقبض على السلطة وصنع القرار في كل القطاعات. تعليم قابوس الغربي ساعده على علاج الانقسامات الداخلية التي عانت منها عمان قبل حكمه، كما أنشأ شخصية وطنية فريدة للسلطنة. مفتقرا إلى ثروات الجيران العرب، تبنى قابوس الحداثة مع الحفاظ على التقاليد من العمل واللباس والهوية. استفادة عمان من ثروة النفط والغاز ومن التجارة مع شركائها في جنوب آسيا وما وراءها، لكن الكثير من العمانيين لا يزالون يعملون في الصناعات التقليدية مثل صيد الأسماك والتجارة المحلية. يشكل المغتربون أقل من 40٪ من القوى العاملة في سلطنة عمان، مقابل 80٪ في الإمارات و90٪ في قطر.
ولذلك لا تواجه عمان نفس التحديات الهيكلية التي يواجهها جيرانها في توظيف القوى العاملة، إذ لا حاجة فيها لتحقيق توازن بين احتياجات مواطنيها وتدفق الأجانب.
لكن لأن هذا التطور يعزى بشكل مباشر إلى حكمة قابوس وقيادته، على الأقل هذا ما يؤكده الخطاب الرسمي العماني، فإن إدارة الدولة بعد وفاة السلطان تشكل مصدر قلق لعمان ولجيرانها. يكاد يكون من المؤكد أن انتقال السلطة لن يكون سلسا. ربما يظهر مستقبل عمان غائما، لكن من المرجح أنه سيتضمن بعض عناصر الملكية الدستورية أو التمثيل الديمقراطي، على غرار المملكة المغربية. وقد تم بالفعل إجراء بعض التغييرات الهيكلية، ما يسمح للمواطنين بانتخاب المحليات وتعيين هيئة استشارية عقب اضطرابات اجتماعية حدثت في 2011.
ارتفاع الاحتجاجات العمالية وزيادة المطالب بتعليم أفضل وبعمل للشباب يعكس التوقعات المختلفة للجيل القادم من العمانيين، الذين لن يرضوا بسهولة بالقيم التقليدية أو بالفرص التي يتمتع بها آباءهم.
آفاق المستقبل
جيران عمان سيضعون في اعتبارهم الفرص المحتملة لتشكيل مستقبل البلاد، وستسعى السعودية لتعزيز موقفها الإقليمي من خلال تقريب مسقط أو جلبها داخل دائرة نفذها، اعتمادا على ثروة النفط والغاز باعتبارها حصنا ضد الاضطرابات المستقبلية المحتملة.
شهدت عمان سلسلة من المشاريع الكبرى المتعلقة بتطوير البنية التحتية مثل الأنفاق، أملا في زيادة الرضا المجتمعي والحفاظ عليه وتعزيز موقف السلطة. الأهم من ذلك أن الرياض تأمل في الحد من فرص إيران من التنسيق الإقليمي، خاصة بالنظر إلى التوترات بين المملكة وقطر، ومخاوف المملكة من الاضطرابات في الكويت والبحرين واليمن.
انضمت عمان إلى مجلس التعاون الخليجي في أعقاب الثورة الإيرانية، مما ساعد على تقوية العلاقات بين مسقط والرياض. لكن عمان استمرت في التمتع بعلاقات قوية مع طهران رغم التنافس السعودي الإيراني، واستغلت مسقط هذه العلاقة من خلال استضافة محادثات سرية بين إيران والغرب. إن إيران ترغب أيضا في أن تستمر علاقتها مع مسقط، نظرا للفائدة من وجود محاور عماني، وهذا يعني أن تلك الفائدة تنطبق على الغربيين من حلفاء عمان كذلك.
بالإضافة إلى جهود عمان في التوسط مع الإيرانيين، يقال إن سلطان عمان قام بالتوسط لإطلاق سراح ثلاثة جوالة أمريكيين تم القبض عليهم واحتجازهم في إيران من 2009-2011، وساعد في تأمين إطلاق سراح البحارة البريطانيين الذين احتجزتهم إيران في 2007.
القيادة القوية والرؤية الواضحة للمستقبل كانت تسم حكم قابوس لأكثر من أربعة عقود في الحكم. وفي الوقت الذي ازدهرت فيه عمان، يتخوف الكثيرون من عدم قدرة مسقط لمواصلة تلك النجاحات دون توجيه قابوس بشكل مباشر، الذي يحترمه الجمهور العماني بشكل كبير حتى مع الأزمات الاجتماعية، لكن ذلك من غير المرجح أن يتمتع به خليفته الذي لا يزال شخصية مجهولة.
بالنظر إلى التحديات الاقتصادية التي تواجهها مسقط، والاحتماليات الكبيرة للتدخل الخارجي، على عمان أن تواجه الاضطرابات الاجتماعية وأن تركز على وضعها الداخلي في السنوات التي تعقب وفاة قابوس.
المصدر: ستراتفور

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..