الصفحات

الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

"صبان": النفط سيواصل الانخفاض.. ولا بد أن نبني الميزانية على سعر 55 دولاراً

"صبان": النفط سيواصل الانخفاض.. ولا بد أن نبني الميزانية على سعر 55 دولاراً 4 صفر 1436-2014-11-2601:56 PM
الخبير المعروف قال لـ"سبق": لا بد من صندوق سيادي.. و"الصخري" هوالخطر
- النفط يمر بدورة اقتصادية جديدة.. وسعر المائة دولار صار شيئاً من الماضي
- 85 دولاراً للبرميل لن يسبب عجزاً للميزانية السعودية للعام الجاري
- لا بد من إنشاء صندوق سيادي أسوة بـ 25 دولة نفطية.. فزمن الفوائض الذهبي لن يدوم
- توماس فريدمان اخترع قصة ربط انخفاض البترول بلعبة سياسية.. والنفط الصخري الخطر القادم
- منظمة أوبك هشة.. والمملكة لن تتحمل العبء الأكبر من تخفيض حصص الإنتاج

محمد حضاض- سبق- جدة: أكد الدكتور محمد سالم سرور صبان، الخبير النفطي المعروف وكبير المستشارين الاقتصاديين السابق لوزير البترول والثروة المعدنية، في حوار مع "سبق"، أن ما تشهده أسواق النفط العالمية حالياً هو بداية لدورة اقتصادية جديدة لسلعة النفط، تتسم بانخفاض الأسعار لسنوات قادمة؛ حتى مع محاولات الأوبك إجراء تخفيضات متتابعة في الإنتاج، وقد يكون سعر مائة دولار وأكثر للبرميل شيئاً من الماضي.
 
وعن المستوى السعري الذي قد يسبب عجزاً للميزانية السعودية لهذا العام، أردف قائلاً: حسب تقديرات صندوق النقد الدولي ومؤسسة أبيكورب؛ فإن سعر تعادل الميزانية السعودية مبنيّ على 85 دولاراً للبرميل. وحتى مع انخفاض سعر النفط عن هذا المستوى واستمرار إنفاقنا عند المستوى المخطط له؛ فإن العام المالي الحالي 2014 لن يشهد عجزاً في الميزانية، وعلى المعنيين بالأمر أن يقدّروا سعر البرميل العام المقبل ما بين 50-60 دولاراً للبرميل، وبافتراض إنتاجنا اليومي من النفط في حدود تسعة ملايين برميل يومياً أو أقل.
 
وطالَبَ الدكتور "صبان" بإنشاء صندوق سيادي مستقل عن وزارة المالية ومؤسسة النقد، ومرتبط برئيس المجلس الاقتصادي الأعلى، ويتمتع بشفافية وكفاءات إدارية متميزة؛ مؤكداً أن عصر الفوائض الذهبي الذي نعيشه حالياً لن يستمر إلى ما لا نهاية، ولا بد أن نترك للأجيال القادمة ما يمكّنهم من تحقيق مستوى معيشة مُرْضٍ بإذن الله.
 
وفيما يلي نص الحوار:
 
• هبط سعر برميل النفط هبوطاً مفزعاً وبشكل سريع؛ حتى لامس الـ 80 دولاراً تقريباً، وانخفض عنه حالياً، بعد أن كان سعره 115 دولار قبل أربعة أشهر.. برأيك، ماهي أسباب الهبوط؟
 
الهبوط لم يكن مفاجأة لمن يعرف حقيقة ما يجري في سوق النفط العالمية؛ فأسواق النفط بدأت منذ أربع سنوات تشهد على أرض الواقع تغيرات هيكلية غير مسبوقة، تعكس بداية حدوث التأثيرات الفعلية لسياسات وإجراءات طبّقتها مختلف دول العالم لتخفيض استهلاكها من النفط. والأمثلة على ذلك عديدة تتراوح بين معايير الكفاءة في استخدام الوقود ووصوله الآن في الولايات المتحدة إلى حدود ال 50 ميلاً للجالون من البنزين، والمواصفات الأكثر تشديداً لمختلف الأجهزة المستخدمة؛ بهدف التوفير في استخدام الوقود في مختلف القطاعات.
 
كما ساهمت هذه السياسات في إحداث احلال تدريجي لبدائل لتحتل أجزاء متزايدة كمصدر طاقة على حساب النفط في مختلف القطاعات؛ وعلى الأخص قطاع النقل. ونجد أن العديد من الدول الصناعية قد فصل العلاقة القديمة القائمة بين معدل النمو الاقتصادي وزيادة الطلب على النفط، وتجاوز ذلك أن بعض هذه الدول أصبح الطلب فيها على النفط يتناقص؛ بينما هي تحقق معدلات إيجابية في نموها الاقتصادي. وهذا حال العديد من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
 
كما أن ضعف الاقتصاد العالمي، وخاصة اقتصاد كل من الاتحاد الأوروبي والصين وبقية اقتصادات الدول النامية الصاعدة، قد أضاف مزيداً من الضعف في معدلات نمو الطلب العالمي على النفط.

• وهل لتسارع الإنتاج وظهور بدائل أخرى دور في الانخفاض؟
 
يمكن القول بأن بقاء أسعار النفط مرتفعة فوق مستوى المائة دولار للبرميل، لما يزيد على أربع سنوات مضت، مع اعتقاد الكثيرين أن "أوبك" ستدافع عن هذا المستوى السعري لفترات طويلة، لم يؤدِ فقط إلى إحداث ضعف في معدلات نمو الطلب العالمي على النفط؛ بل أدى أيضاً إلى تسارع الإنتاج من النفط التقليدي من مختلف المناطق بما فيها المغمورة في أعماق البحار والمحيطات.
 
وتزامن ذلك مع التطورات التقنية المتلاحقة التي فتحت الأبواب على مصراعيها لثورة إنتاج النفط والغاز الصخرييْن، وتمكّنت الولايات المتحدة بسبب هذه التقنيات، من إحداث طفرة كبيرة في إنتاجها من النفط الصخري متزامنة مع أسعار مرتفعة للنفط تغطي أية تكاليف إنتاج أولية مرتفعة؛ لذا فقد بدأ العالم يعيش في وفرة من النفط المستخرج سواء التقليدي أو الصخري. وبلغ إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري أكثر من 3.5 مليون برميل في اليوم، وسيصل إلى أكثر من 4 ملايين برميل يومياً مع بداية العام القادم 2015، و6 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2020.
 
هذه التغيرات الهيكلية التي طالت كلاً من جانب العرض من النفط والطلب عليه، أدت إلى وجود فائض كبير في المعروض النفطي في الأسواق؛ الأمر الذي أحدث ضغوطاً متزايدة على الأسعار نحو الانخفاض؛ لذا نرى -وكما ذكرت- تدهور الأسعار خلال فترة قصيرة من مستويات 115 دولاراً للبرميل إلى حدود 80 دولاراً للبرميل.
 
وباختصار؛ فإن ما نشهده حالياً في سوق النفط العالمية هو بداية لدورة اقتصادية جديدة لسلعة النفط، تتسم بانخفاض الأسعار لسنوات قادمة حتى مع محاولات "الأوبك" إجراء تخفيضات متتابعة في الإنتاج، وقد يكون سعر مائة دولار وأكثر للبرميل شيئاً من الماضي.
 
 
 
خطر النفط الصخري
• هل تعتقد أن النفط الصخري سيؤثر بطريقة أو أخرى على الأسعار، وهل سيستمر تدفقه في الأسواق على الرغم من تكلفته العالية؟
 
ما حدث أنه نتيجة للطفرة التقنية في كيفية حفر الصخور، إضافة إلى تقنية ما يسمى بـ "الحفر الأفقي" (HORIZENTAL DRILLING)؛ فقد أصبح بالإمكان ظهور هذا النوع من الإنتاج وبمعدلات متسارعة حوّلت حلم الولايات المتحدة بتحقيق ما يُعرف بـ"استقلالية الطاقة" إلى حقيقة قادمة في منتصف العقد المقبل على أكثر تقدير. الولايات المتحدة الأمريكية تُنتج منه حالياً في حدود 3.5 مليون برميل يومياً، وسيزيد إلى 4 ملايين برميل يومياً بنهاية العام، و6 ملايين برميل يومياً بنهاية العقد. وإذا ما بدأت الدول الأخرى التي تمتلك احتياطيات كبيرة من النفط الصخري في استكشافه وإنتاجه؛ فإن طفرة هذا النوع من النفط ستتفاقم، وستكون على حساب إنتاج النفط التقليدي؛ ما لم تتسع الأسواق بزيادة طلبها بنفس الكمية، وهذا الأمر الذي لم يحدث إلى الآن على الأقل.
 
أيضاً ثبت خطأ اعتقادنا أن انخفاض أسعار النفط إلى حدود ثمانين دولاراً، سيعمل على إخراج النفط الصخري من السوق؛ فالإنتاج الحالي من النفط الصخري لن تخرجه الأسعار المنخفضة حتى ولو بلغت مستويات أقل من 60 دولاراً للبرميل. وفي تقرير للجنة الاقتصادية لمنظمة "الأوبك"، أوضح أن تكلفة معظم النفط الصخري لا تزيد على 53 دولاراً للبرميل؛ مما قد يؤثر على القادم من إنتاج النفط الصخري وبالذات من خارج الولايات المتحدة الأمريكية؛ لكن لن نستغرب فعالية وسرعة التطور التقني في إحداث مزيد من التخفيض في تكاليف الإنتاج؛ وبالتالي لا يجب على الدول المنتجة للنفط التقليدي الاعتماد على أرقام التكلفة غير الواقعية؛ حتى لا نكرر ما اعتقدنا خطأ في ثمانينيات القرن الماضي، بخروج نفط بحر الشمال إذا ما هبطت أسعار النفط عن 20 دولاراً للبرميل، وهو الأمر الذي لم يحدث على الرغم من انخفاض الأسعار إلى أقل من 10 دولارات للبرميل في عام 1986.
 
تأثير حرب "داعش"
• لماذا لم تُسهم حرب داعش في العراق وسوريا وأزمات ليبيا واليمن السياسية في رفع الأسعار؛ خصوصا وأن التوترات السياسية والحروب تقفز عادة بمعدلات الأسعار للأعلى؟
 
هنالك العديد من التوترات السياسية والعسكرية التي تعيشها بعض الدول المنتجة؛ مثل: العراق، وليبيا، واليمن، وجنوب السودان، ونيجيريا، وهي عوامل جيوسياسية تؤثر عادة في الأسعار ارتفاعاً. والسبب في ذلك خشية الأسواق من حدوث نقص في إنتاج هذه الدول المنتجة نتيجة لأي توقف في إنتاج بعض الحقول بفعل قصف تتعرض له أو ابتزاز يسيطر عليها.
 
أما وقد أخضعت هذه المناطق للاختبار، ولم يحدث ما تخوّفت منه الأسواق؛ بل زاد إنتاج بعضها أثناء القلاقل السياسية التي تعيشها؛ فقد تم تحييد هذا العامل إلى حد كبير؛ فالعراق على سبيل المثال زاد إنتاجه من حوالى 2.5 مليون برميل يومياً في 2013، إلى حوالى 3.5 مليون برميل يومياً العام الحالي 2014؛ كون معظم الإنتاج النفطي العراقي هو من مناطق الجنوب، وزاد الإنتاج الليبي في نفس الفترة من حوالى 100 ألف برميل يومياً إلى حوالى 900 ألف برميل يومياً.
 
إلا أنه لو تغير الوضع، وطالت الاصطدامات العسكرية مناطق الإنتاج، وأدى ذلك إلى انقطاع فعلي في إنتاج هذه الدول المنتجة؛ فان الأسعار ستقفز إلى أعلى.
 
• لماذا تستبعد دائماً علاقة السياسة بما حدث من هبوط؛ في ظل وجود العديد من المؤشرات التي تؤكد ذلك؟
 
تعوّد بعضنا دائماً وأبداً، إرجاع كل صغيرة وكبيرة تحدث في سوق النفط إلى أن السياسة هي التي حرّكت هذه التغيرات؛ حتى لو كانت الأسباب الاقتصادية واضحة للعيان؛ وبالتالي فقد شغلنا أنفسنا بنظرية المؤامرة عن تفهم الأسباب الحقيقية لهبوط أسعار النفط العالمية، والتي ناقشناها سابقاً؛ بل وقد استغلها بعض الكتّاب -ومنهم الكاتب المعروف توماس فريدمان وغيره- في اختراع تصورات لا أساس لها، وبعضها يحمل بذوراً خبيثة لزرع وإشعال الفتنة هنا أو هناك.
 
ولقد أوضحت السعودية -الأربعاء الماضي- أن اتهامها بقيادة حرب أسعار، لا أساس له من الواقع، ويدل على سوء فهم بما يجري في الأسواق. وأعتقد أن هذا التوضيح كان ضرورياً، ولو أنه لن يقفل باب شائعات "استخدام النفط كأداة لتحقيق أهداف سياسية".
 
عجز الميزانية السعودية
• برأيك، ما هو السعر الذي سيؤثر على اقتصاد المملكة في حال هبوط أسعار النفط أكثر؟ وهل تعتقد أن سعر برميل النفط الحالي سيسبب عجزاً في ميزانية العام الجاري؟
 
أي انخفاض في أسعار النفط لا بد أن يكون له تأثير على اقتصاد المملكة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ لكن إذا كنت تقصد السعر الذي يؤثر على ميزانيتها، فيحول الفائض إلى عجز عند مستويات الإنفاق الحالية؛ فحسب تقديرات صندوق النقد الدولي ومؤسسة "أبيكورب"؛ فان سعر تعادل الميزانية السعودية مبنيّ على 85 دولاراً للبرميل.. وحتى انخفاض سعر النفط عن هذا المستوى واستمرار إنفاقنا عند المستوى المخطط له؛ فإن العام المالي الحالي 2014 لن يشهد عجزاً في الميزانية؛ وذلك كون انخفاض أسعار النفط عن مستوى التعادل لم يحدث سوى خلال الأشهر القليلة المتبقية من العام المالي، ولا أستبعد أن الميزانية قد تحقق بعض الفائض؛ إلا لو أرادت المالية إخفاءه وإظهار عجز في الميزانية لتمهّد لاحتمالات حدوث مثل هذا العجز في الأعوام القادمة، وضرورات التأقلم من الآن على أن شاشة الميزانية قد أصبحت "حمراء".
 
• كم هو السعر الذي يُفترض أن تبني المملكة ميزانياتها عليه العام المقبل؟
 
لا بد أن يكون السعر متحفظاً جداً نظراً للتقلبات المتلاحقة في سوق النفط العالمية، ولو كنت مسؤولاً عن تقدير سعر النفط لاستخدامات الميزانية؛ فلن أقدره بأكثر من 50- 60 دولاراً للبرميل، وبافتراض إنتاجنا اليومي من النفط في حدود تسعة ملايين برميل يومياً أو أقل.
 
• ما هي توقعاتك للسعر الذي سيصل إليه النفط خلال المرحلة المقبلة؟
 
يكتنف سوق النفط العالمية الكثير من الشكوك وعوامل عدم التأكد بما ستكون عليه أسعار النفط بقية هذا العام والأعوام القادمة؛ فبالنسبة لبقية هذا العام، والربع الأول من العام القادم 2015؛ فان زيادة الطلب على النفط الموسمية قد تؤدي إلى تحسّن نسبي في أسعار النفط؛ لتعكس هذه الزيادة في الطلب. ومع هذا فلن تكون زيادة كبيرة، وقد تصل الأسعار إلى مستوى 85- 90 دولاراً للبرميل، ولا بد لهذا المستوى السعري من أمرين:
 
1- عدم اشتعال إحدى مناطق الإنتاج النفطي التي تعاني من الاضطرابات السياسية والعسكرية، وبالذات مناطق مثل العراق على سبيل المثال.
2- عدم توصل "الأوبك" إلى اتفاق لتخفيض إنتاجها بما يتناسب ومستوى الفائض في المعروض النفطي في الأسواق.
 
• ماذا لو لم يتوفر هذان الشرطان؟
 
في حالة عدم حدوثهما، ومع قدوم فصل الربيع للعام القادم 2015؛ فإن تراجع أسعار النفط إلى ما دون الثمانين دولاراً للبرميل، هو احتمال قوي، وقد ينخفض سعر سلة الأوبك عند مستويات 60- 70 دولاراً للبرميل.
 
 • هل تعتقد أن منظمة أوبك لا تزال تمسك بزمام سوق النفط العالمي مع ظهور منتجين جدد؟
 
منظمة الأوبك هي منظمة للدول المصدّرة للنفط من الدول النامية، وتحاول أن تدافع عن مصدرها الرئيس وهو النفط، في محاولة لتعظيم عائداتها منه في الأمد القصير والمتوسط والطويل، وقد انخفض نصيب المنظمة من الإنتاج العالمي؛ ليصل إلى أقل من 40% من الإجمالي، وبالتالي فهي لا تسيطر على النسبة العظمى كما كانت في القرن الماضي. كما أن مصالح الدول الأعضاء في "أوبك" متفاوتة، بين من يمتلك احتياطيات نفط محدودة وأخرى تمتلك احتياطيات كبيرة، وبين من لديه أعباء مالية كبيرة، وأخرى لديها احتياطيات مالية وصناديق سيادية تغطي أية عجوزات محتملة في ميزانياتها، وغير ذلك من الاختلافات؛ الأمر الذي يؤثر في طبيعة ما يمكن أن يُتخذ من قرارات.
 
وعلى الرغم من كل هذه الاختلافات؛ فإنها استطاعت -عبر العقود الماضية منذ تأسيسها- أن تحقق نوعاً من الاستقرار لسوق النفط العالمية، وستستمر في أداء هذا الدور في الفترة القادمة، وإن كانت الأمور صعبة جداً في ظل بداية دورة جديدة لسوق النفط لم تشهدها من قبل.
 
 
 
هشاشة "أوبك"
هل سياسة منظمة أوبك العملية لا تزال مناسبة لتوجهات المملكة؟
 
المملكة هي القائد الفعلي للمنظمة؛ لما تمتلكه من احتياطيات من النفط ومعدلات إنتاج مرتفعة وطاقة إنتاجية فائضة، والمملكة حريصة على بقاء الأوبك برغم هشاشة وضعها الحالي، وتدفع على الدوام لتبنّي ما يخدم مصالح جميع الأطراف.
 
• وماذا تتوقع من نتائج لاجتماع الأوبك غداً الخميس؟
 
لا نتوقع منها عمل الكثير، وفي ظني أنها لن تكون قادرة على فعل شيء سوى التأكيد على العمل بسقف الإنتاج الحالي، مع إيجاد آلية للتأكد من الالتزام به، وهو سقف الـ 30 مليون برميل يومياً. وصدور مثل هذا القرار، والالتزام به يعني عملياً تخفيض إنتاج المنظمة بما لا يقل عن 600 ألف برميل يومياً. وهذه تُعتبر كمية مناسبة من تخفيض الإنتاج في الوقت الحالي، وقد يمنع أسعار النفط من الانزلاق إلى مستويات أقل؛ على أن تؤكد المنظمة على أنها جاهزة للتدخل العام القادم 2015 لاتخاذ مزيد من إجراءات تخفيض الإنتاج لو لزم الأمر.
 
• ولماذا تتحمل السعودية دائماً العبء الأكبر من تخفيض الإنتاج؟
 
هنالك رسالة بالغة الوضوح بعثت بها المملكة للمنتجين من داخل وخارج الأوبك، بأن عبء تخفيض الإنتاج لا يمكن أن تتحمله السعودية وحدها؛ بل على الجميع الاستعداد لتحمّل نصيبه العادل من هذا العبء سواء الدولة المنتجة هي من داخل الأوبك أو من خارجها؛ كونها لا تود أن تكرر ما حدث في الثمانينيات من القرن الماضي، حينما تدهور إنتاجنا إلى أقل من 2.5 مليون برميل يومياً انخفاضاً من 10.5 مليون برميل يومياً؛ وذلك في عام 1985 برغبة الدفاع عن السوق، وهو الأمر الذي اضطر المملكة إلى تعطيل العمل بالحصص الرسمية والسعر الرسمي في عام 1986.
 
• كيف ترى علاقة المملكة بالدول المنتجة خارج منظمة أوبك، مثل روسيا والنرويج وغيرهما، وهل تعتقد أننا نحتاج لعلاقة قوية معهم من أجل مصالحنا الاقتصادية؟
 
روسيا والنرويج والمكسيك وغيرها هي دول منتجة ومصدّرة للنفط والغاز، وتحتل أجزاء هامة من سوق الطاقة العالمي. والتعاون مع هذه الدول حدث في الماضي، ولا بد أن يستمر حاضراً ومستقبلاً، ومع تزايد العبء على منظمة الأوبك من جراء الدفاع وحدها عن السوق؛ فإنه قد آن الأوان أن تشارك الدول من خارج "أوبك" وعلى رأسها الدول الثلاث المذكورة في خفض إنتاجها متى لزم الأمر في تنسيقها غير الرسمي مع "أوبك"، ولا يمكن لهذه الدول أن تستمر بنفس معدلات إنتاجها وتستفيد في نفس الوقت من تماسك أسعار النفط نتيجة تخفيض الأوبك لمعدلات إنتاجها. وحدث هذا الأمر في الماضي، وعلى المملكة التي قادت هذه الجهود في القرن الماضي الاستمرار في هذا التنسيق؛ حماية لمصالح الجميع.
 
 
• لكم موقف قوي ومعروف تجاه أهمية إنشاء صناديق سياديـة للمملكة كيف تحلل هذا الموقف وما هي الأسباب في التخوف من ذلك؟
 
طالبت منذ عام ٢٠٠٤ من خلال العديد من المقالات وأوراق عمل ألقيتها في بعض المؤتمرات المحلية والدولية، بضرورة إنشاء المملكة لصندوق سيادي يقوم باستغلال الفوائد النقدية التي بدأت المملكة في تحقيقها وبالذات في السنوات الخمس الأخيرة.
 
تمتلك المملكة الآن فوائض نقدية تزيد على ثلاثة تريليونات ريال، تقوم مؤسسة النقد بإيداع معظمها على هيئة سندات في الخزينة الأمريكية بفائدة لا تزيد على ١%؛ وذلك ما يعني تآكل قيمتها الحقيقية تدريجياً؛ نظراً لأن معدل التضخم العالمي يزيد على ٥%، وحاجة المملكة لإنشاء صندوق سيادي هي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى؛ نظراً للتغيرات التي لحقت بسوق النفط العالمية، وعوامل عدم التأكد، والشكوك حول مستقبل مصدر إيراداتنا شبه الوحيد.
 
هناك دول نفطية عديدة أنشأت منذ فترة صناديق سيادية، وهي الآن أكثر ارتياحاً تجاه تطورات أسواق النفط؛ حيث إنه لو حدث لها عجز في ميزانيتها؛ فستتمكن من تغطيته بجزء من عائدات صندوقها السيادي، ولن تضطر لاستخدام أصل الفوائض التي هي مودعة على هيئة شبه سائلة في بعض الدول المنتجة الأخرى.
 
هناك أكثر من ٢٥ دولة لديها صناديق سيادية، وتحقق عوائد كبيرة بكل المقاييس العالمية؛ نظراً لوجود فرص سهلة ورخيصة نسبياً؛ بسبب الأوضاع الاقتصادية العالمية، كما تعطي المشاركة في شراء حصص في بعض الشركات قدرة تصويتية للمملكة فيها، تؤثر إيجاباً على قرارات الاستثمار في هذه الشركات لصالح المساهمة في مشروعات محلية.
 
• لكن ماذا عن معارضة البعض مطالب باستثمار الفوائض محلياً؟
 
البعض يعارض من منطلق أن هذه الفوائض من الأوْلى استغلالها محلياً؛ متناسياً أن هنالك مبالغ ضخمة يتم استثمارها محلياً ليست جزءاً من الثلاثة تريليونات التي نتحدث عنها؛ فصندوق الاستثمارات العامة لديه رأس مال لا يقل عن نصف تريليون ريال، وكذلك الأمر بالنسبة لصناديق التقاعد، والتأمينات الاجتماعية، والصناديق المتخصصة الأخرى؛ عدا ما تُخَصّصه الميزانية كل عام من بلايين للمشروعات الرأسمالية داخل المملكة.
 
ما نتحدث عنه هنا هو الفائض عن كل هذه الاستثمارات المحلية، ولا يمنع البتة أن يقوم الصندوق السيادي -إذا تم إنشاؤه- بالاستثمار أيضاً في السوق المحلية؛ باختصار فإن إنشاء صندوق سيادي مستقل عن وزارة المالية ومؤسسة النقد ومرتبط برئيس المجلس الاقتصادي الأعلى ويتمتع بشفافية وكفاءات إدارية متميزة، هو ضرورة ملحة؛ فعصر الفوائض الذهبي الذي نعيشه حالياً لن يستمر إلى ما لا نهاية، ولا بد أن نترك للأجيال القادمة ما يمكّنهم من تحقيق مستوى معيشة مرضٍ بإذن الله.
 
ولنا في سورة نبينا يوسف من العبر الكثير في هذا المجال، وهي أول درس في الادخار في السنوات السمان لاستغلالها في السنوات العجاف.. حمى الله بلدنا من كل مكروه.
هدر الطاقة.
 
• يدور الحديث منذ فترة عن الهدر الكبير في استهلاك المملكة للطاقة، وما يتبع ذلك من استنزاف لمواردنا، وضرورات ترشيد الاستهلاك وبناء قاعدة من مختلف مصادر الطاقة.. هل بإمكان المملكة أن تنجح في تحقيق هذا الهدف؟
 
أظهرت الدراسات المختلفة أن استهلاك المملكة للطاقة قد تجاوز متوسط المعدلات العالمية، وأن هنالك هدراً وإسرافاً كبيرين في هذا المجال، وإذا عرفنا أنه نتيجة للدعم الكبير الذي تقدمه الحكومة السعودية للوقود، والذي يجعل من أسعار الوقود الأرخص عالمياً بعد فنزويلا؛ فإن هذا الهدر لا يقتصر فقط على استهلاك الطاقة؛ وإنما يتمثل أيضاً في المبالغ الضخمة التي تخصص كإعانات لهذا القطاع.
 
وبإمكان المملكة أن تحقق تقدماً كبيراً في تخفيض استهلاكنا من الطاقة عن طريق:
1- التوسع في برامج ترشيد استهلاك الطاقة محلياً، وتبني القواعد الإلزامية لتحقيق ذلك.
 
2- التخفيض التدريجي للدعم الحكومي المقدم للوقود، مع مراعاة تقليص الأعباء عن الفئات الوطنية المتضررة.
 
3- التوسع في مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة في المملكة مثل الطاقة الشمسية.
 
• وهل بدأت الدولة فعلياً في إيقاف الهدر؟
 
أعتقد أن المملكة قد بدأت تخطو في تبني هذه الإجراءات جميعها، وإن كانت تسير بخطوات بطيئة نوعاً ما.
 
• كيف تنظرون لمستقبل الثروة المعدنية في هذه البلاد؟ وألا تعتقدون أنها تسير ببطئ على الرغم من الإمكانيات المادية والخبرة العملية الطويلة التي تتمتع بها المملكة؟
 
تمتلك المملكة احتياطيات كبيرة من مختلف المعادن، وبدأت جهود استكشافها واستغلالها تؤتي ثمارها، ولا شك أن وجود شركة متخصصة مثل "معادن"، دفع بالاستثمار في هذا المجال خطوات كبيرة، ونجد أن استغلال خامات الفوسفات والحديد والبوكسايت، قد مكن المملكة من بناء صناعات تحويلية تعتمد على هذه الخامات في مدن مثل: (الجبيل، ورأس، الخير)، ومستقبلاً في مدينة وعد الشمال، كما تستغل سابك خامات الحديد لإنشاء صناعات تحويلية، وهنالك خامات الذهب والإسمنت يتم استغلالها بشكل جيد وخاصة الذهب الذي استفدنا من ارتفاع أسعاره عالمياً بتصدير كميات كبيرة منه، كما نمتلك مورداً هاماً وهو اليورانيوم، الذي لم يُستغل بعد؛ ولكن ربما بتطوير الطاقة النووية لدينا يمكن أن يتم استغلاله، وزيادة قيمته المضافة.
 
بشكل عام مجال التعدين يسير بخطوات واثقة، وإن كانت بطيئة نوعاً ما؛ إلا أننا بدأنا في هذا الطريق الطويل، وفتحنا المجال للقطاع الخاص لأن يشارك في مختلف الاستثمارات المعدنية الأولية واللاحقة.
 
 

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..