الصفحات

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

لكي لا نستورد طـائفيـة الآخرين

   إما أنْ يُصَفِّي الشيعة السُنَّة، أو أنْ يُصَفِّي السُنَّة الشيعة. المطلب الجذري الأقل، إما أن يَهْدي  "يَقود"الشيعة السُنَّة إلى مذهبهم، أو أنْ يهدي السُنَّة الشيعة إلى مذهبهم. كلتا الحالتين تتطلَّب على الأقل حرباً تستمر أكثر من ألف سُنَّة مع نتائج غير مضمونة. من الجنون أو السُّخف أنْ يَضَع أي إنسان هدفاً من هذا النوع ويُقاتِلْ من أجله. ولكن من لا يملك هدفاً على هذا المستوى ويستمر في الشحن الطائفي ليس سوى إنسان معتوه. فهو يُشـعِلْ حرباً لا هدف لها ولا نهاية. ما الحل ؟
الحل في ظني أنْ نبدأ في التفريق الصريح والقانوني والعقلاني بين السعوديين وبين غيرهم من الشعوب العربية أو المسلمة، لا من حيث العقيدة بالطبع، ولكن من حيث المدى القانوني. يتوجب علينا أنْ نُفَرِّق بين السُنَّة السعوديين والسُنَّة غير السعوديين، والشيعة السعوديين والشيعة غير السعوديين. أي صراع بين السُنَّة والشيعة لا يكون له اعتبار إلا إذا كان بين سعوديين. إذا لم نضع حداً للخلطة الدولية سوف تبتلعنا الدوامة الصاعدة في المنطقة.
لماذا يتحمل شيعة السعودية أو سُنَّة السعودية شتائم شيعة أو سُنَّة البلدان الأخرى ؟ ما هي مسؤوليتي القانونية كمواطن سعودي عن رجل عراقي أو كويتي أو باكستاني أو من أي بلد آخر شَـتَمَ السُنَّة أو الشيعة، أو أساء لرمز من رموز أي من الطرفين ؟ لماذا نسمح لشيخ سعودي سنِّي أو شيعي بالرد على رجل أجنبي لا نملك عليه أي سلطة قانونية ؟ لماذا يُقحِمنا هذا الشيخ في صراع الآخرين ؟
الحدود السياسية بين الدول هي في الواقع حدود قانونية وجغرافية وثقافية وترقى أنْ تكون دينية أيضاً (ما يفتي به شيخ في السعودية لا يُلزِِم الآخرين في البلاد الإسلامية، حتى لو اتفقت في المذهب الرسمي).
ولنا في تقرير الصوم أو العيد دليل. لماذا لا يبقى من الوحدة بيننا وبين إخواننا المسلمين سوى وحدة المشاكل واستيراد الأزمات وتبادل التناحر وتكريس الكراهية ؟!
إذا كانت بعض الدول العربية أو الإسلامية تعيش فوضى، علينا ألاَّ نسمح لعدميينا وطائفيينا أنْ يسحبونا إلى هذه الفوضى.
علينا أنْ نتعلم من التجارب التاريخية كلها. لا فرق في القوة بين الأقلية والأكثرية في الصراعات والحروب الأهلية وفي نتائجها. صراع الطوائف ـــ وخصوصاً إذا انطوى على أقلية وأكثرية ـــ يجتذب أصحاب الأطماع من كل مكان. هو أفضل الأبواب لدخول الراغبين في تمزيق الأوطان. الحروب لها تجار ينتظرون إندلاعها بفارغ الصبر. تقاتل اللبنانيون طائفياً لتتحول حربهم حرب آخرين بالوكالة. اتخذت كل دولة من دول العالم طائفة من الطوائف اللبنانية جيشها لها، يُقاتِل من أجْل مصالحها على حساب الدماء اللبنانية. في الأخير لم ينتصر أحد. عادوا إلى النقطة التي بدأوا منها. كسبوا الخراب والكراهية والشك، حتى أصبح الشارع الذي يفصل بين حي وحي آخر حدوداً سياسية وخطاً لوقف إطلاق النار.
تقوم الحرب على ثلاثة عناصر لا تملك كل الدول وكل القبائل وكل الطوائف سوى واحد منها. الكل يملك حق البدء بالحرب، ثم لا يَملِكْ بعد ذلك الحقين الأساسيين الآخرين: حق إيقافها، أو ضمانة النصر فيها.
بلادنا يجب أنْ تكون بعيدة عن صراعات الآخرين مهما كانت عواطفنا. قرار الدخول في القضايا الدولية حق حصري للحكومة. وأي مواطن يستورد أزمات الآخرين، أياً كان شكلها، يُحاكَمْ في إطار قانون قاس وصارم.
عبدالله بن بخيت
صحيفة الرياض 10/11/2014م


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..