الصفحات

الأربعاء، 17 ديسمبر 2014

. "الحرية المسؤولة" يا وزير الاعلام

كنت أحد الذين سعدوا جدا بتعيين معالي الدكتور عبدالعزيز الخضيري وزيرا للثقافة والاعلام لسببين، أولاهما أن معاليه من الجيل الشاب، وضرب الوزراء الشباب للمجتمع نموذجا رائعا في تحريك الوزارات العتيدة، التي تعشعش البيروقراطية في صميمها، وتصبغ كل مفاصلها، وها هو وزير التجارة مثالا حاضرا، عبر رجاله الفرسان الذين يجوبون الأسواق والمتاجر لحمايتنا من هوامير التجار، بل تعدى ذلك إلى تثقيفنا بحقوقنا كمستهلكين، وأشعرنا بأن المواطن ومصلحته هم همهم الأول لا أولئك الهوامير الذين بدأوا يتململون منه.
أما السبب الثاني، فلأن معاليه جاء من منطقة غير الحجاز، وبالتأكيد نحن بحمد الله في وطن واحد، بيد أن الوزراء الذين تعاقبوا من أربعة عقود تقريبا هم من هذه المنطقة الغالية، حتى بات أصدقائي من باقي مناطق المملكة يعتبرون الوزارة ملكية للمنطقة، ويسألونني عن الشخصيات الحجازية التي ستتسنم وزارة الاعلام، فكان هذا التغيير الذي نرجو أن يوصل رسالة القيادة بأن الكفاءة لا المنطقة هي التي تحدد الوزير.
وقبل أن نبث ما يعتورنا من هموم للوزير، أهتبلها فرصة بتوجيه شكر خاص لمعالي وزير الاعلام السابق د. عبدالعزيز خوجه على كل ما قدمه للإعلاميين وساحة الاعلام. وبحقّ، فقد عشنا فترة ذهبية، عنوانها : "الحرية المسؤولة" التي لطالما كرّرها في مجالسه الخاصة، أو تصريحاته، بل حتى في عتاباته الأبوية لنا –نحن الاعلاميين- إن تجاوزنا، وكان بإمكانه تطبيق النظام وايقافنا، بيد أنه لم يلجأ أبدا لذلك إلا في حالات نادرة تكون فوق صلاحياته.
الزميل الخلوق علي الحازمي رئيس تحرير "سبق" قال لي بأن: "معالي الدكتور عبدالعزيز خوجه كان يتصل بي أحيانا بعد منتصف الليل ليعاتبني -بأبوّة خالصة- في موضوع نشر بصحيفتنا، وبأسلوب يجعلنا نتصاغر حياء منه وخجلا". وبالطبع هذا أسلوبه مع باقي الزملاء، ما يجعلني هنا أن أتقدم باسمي وكثير من زملائي الاعلاميين، بشكرنا وامتنانا للدكتور خوجه على كل ما قدمه لساحة الاعلام، ونشكر له هذا التعامل المثالي الخليق بوزير وبنخب مثقفة، ولا شك أن من يعمل لا بد له أن يعثر، وكفي بالمرء نبلا أن تعد معايبه، التي تضيع في بحار حسناته.
أتمنى من وزيرنا الجديد د. الخضيري أن يبني على ما تحقق من انجاز في مجال "الحرية المسؤولة" التي ارتبط اسمها بالدكتور عبدالعزيز خوجه، وألا تنتكس تلك الحرية أو تتقلص مساحتها بما حصل في منتصف التسعينيات من القرن الفارط، ونحن –كإعلاميين- شهود على تلك الفترات التي "تعسكر" فيها الاعلام، فيما "تأدلج" في حقبة لاحقة، وفي عهد وزير ثالث كان الاعلام يعاني الترهل والجمود، ويقينا أن د. الخضيري سيحاول جهده أن يرسم بصمة تليق بحيويته وتأريخه المشرق في المواقع التي عمل بها، وهو أحد تلامذة مدرسة إدارية تقول أيضا بالحرية المسؤولة.
أتمنى من معالي وزير الاعلام الجديد أن يسعى كل سعيه في حماية حرية الكلمة، ليس من المؤسسات الرسمية فحسب، بل من تلك الشركات العملاقة التي تبتز بإعلاناتها مدراء عموم الصحف، الذين يضجون –بدورهم- ويرفعون عقائرهم على رؤساء التحرير، ويمارسون الضغوط عليهم حول ما ينشر وما يحذف، ولي خمسة وعشرون عاما في بلاط صاحبة الجلالة، وأعلم خفاياها، وما يدور في دهاليزها ومكاتبها، وتلك المقولة الشهيرة التي نتناقلها بأن "الاعلان مقدس ومقدم على أية مادة تحريرية لأن رواتبنا منها".
سأسرد شواهد على ما تقوم به الشركات الكبرى، وأحددها هنا بشركات ومؤسسات الطيران، وشركات الاتصالات العملاقة والبنوك والمصارف الشهيرة، والمؤسسات التجارية الكبرى، فكل هؤلاء يهددون صراحة بقطع اعلاناتهم فورا؛ إن كتب أي كاتب ينقدهم، أو ثمة تقرير ينال من أدائهم، في ابتزاز فاضح يطعن في مهنية المؤسسة الاعلامية للأسف الشديد.
وكنت شاهدا وأنا أعمل في مؤسسة "عكاظ" عندما تولى قبل سنوات قلائل الزميل د. أيمن حبيب رئاسة التحرير في الصحيفة، وأتاح لتقرير ينتقد الخطوط السعودية التي سارعت -بعقلية التاجر لا المؤسسة الواثقة من نفسها- بإيقاف اشتراك الصحيفة في طائراتها بدلا من الاعتراف بأخطائها أو تصحيح ما تراه مغلوطا في التقرير، ما اضطر مدير عام المؤسسة لبذل مساعي كبيرة عبر اجتماعات مضنية مع مسؤولي الخطوط، حتى تفضلت بالسماح بتوزيع الصحيفة في طائراتها، ونعلم بقية "الحدوتة" بأن الزميل حبيب أبعد لاحقا من رئاسة التحرير، وكانت هذه الحادثة أحد أسباب الإبعاد.
في صحيفة "البلاد" التي كنت أعمل مديرا للتحرير فيها إبان رئاسة أستاذي الراحل د. عبدالقادر طاش، كتب الزميل محمد عبدالواحد مقالة انتقد فيها احدى الشركات التجارية الكبرى، التي –ومرة أخرى- بدلا من تصحيح ما تراه مغلوطا، حجبت اعلاناتها، واشترطت على مدير عام الصحيفة أن يتوقف الكاتب ويطرد من الصحيفة، وحضرت ذلك الاجتماع بين المدير العام وأستاذي الذي ضرب مثالا رائعا في حمايته لكتّابه، ورفض رفضا قاطعا أن يقوم بهذا العمل المخلّ بشرف المهنة، وقال: "أفضّل أن أطرد أنا من رئاسة التحرير، على أن أقوم بهذا الفعل المشين تجاه كاتب لديّ، ومن حقّ الشركة أن تعترض وتصحّح، لا أن تملي هكذا املاءات تقدح في سياسة التحرير".
وبالطبع أجبر على الاستقالة لاحقا، وكانت هذه الشركة واعلاناتها المحجوبة أحد الأسباب التي جعلت من مجلس الادارة يضغط عليه كي يستقيل، بيد أن أستاذي يرحمه الله خرج مرفوع الرأس، ضاربا مثالا نادرا في حمايته لحرية الكلمة .
العاملون في دهاليز الصحافة يعرفون جيدا كيف تمارس هذه الشركات الكبرى نفوذها وابتزازها الفاضح للصحف والاعلام، وعلى وزيرنا الجديد أن يشيع ثقافة جديدة في حماية حرية الكاتب والصحافيين، وألا نرضخ لهذا الابتزاز الحقير على حساب الحقيقة وحرية الكلمة، وحادثة "موبايلي" الأخيرة والتشهير بالشركات التي تقوم بهذا الفعل وفضحهم؛ يجلعهم يرتدعون من أن يلجأوا لهذا الأسلوب الذي مارسوه أحقابا طويلة في ساحتنا الاعلامية، وثمة قوانين تحفظ حقوق هذه الشركات إن كان ثمة مغالطة أو تحريف للحقيقة.
"الحرية المسؤولة" عنوان رقّي وتحضّر المجتمعات، فاحمها أيها الوزير.

مقالتي اليوم بعد إضافات قمت بها، وجهت عبرها رسالة لوزير إعلامنا الجديد أن يزيد في مساحة الحرية الإعلامية ويحمينا من ابتزاز الهوامير والشركات وخطوط الطيران والبنوك . .
---------------------------

  
      بقلم: عبدالعزيز قاسم
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..