مقال تعثر نشره في نافذتي بصحيفة المدينة ليوم الأحد: 02 فبراير، 2015
أكثر ما يؤلم المسؤول السابق أن يعلم أن من استعان بهم وأئتمنهم علي قضاء مصالح الناس لم يكونوا
علي قدر الأمانة، هذا إذا سلمنا بأن المسؤول نفسه كان يتوخي هذه الصفة في نفسه وفي معاونيه! فمعاوني أي مسؤول مهما كانت مستوي مسؤوليته هم عينه التي يري بها، وأذنه التي يسمع بها، ويده التي تمتد بالعون أو بالعقاب وفق الموقف. لذا فإن دقة اختيار المساعدين لها الأهمية القصوي في حسن أداء المسؤول لمسؤولياته.
***
وإذا كان هذا صحيح مع المسؤولين في الإدارات الحكومية علي مختلف مستويات المديرين ودرجاتهم، فإن معاوني الحاكم، أو بطانته يقع عليهم عبء أكبر ومسؤولية أضخم، ولذلك يقال «إذا صلحت البطانة، صلح الأمر كله، وإن هي فسدت، أفسدت من حولها، وبها تفسد الأمة»… فلا عجب أن يكون دعاء الناس للحاكم علي الدوام هو «اللهم ارزقه البطانة الصالحة».
***
أدرك الحدب الذي يحمله من يحاول التعرض لمظاهر قصور أو فساد يحيطون بهذا المسؤول أو ذلك، بل وأقدر كثيراً تسليطهم الإضاءة علي هذا القصور .. ولكن الأحري لو تم ذلك خلال حياة، أو فترة تولي المسؤول مسؤوليات وظيفته لا بعدها، وإلا كان في ذلك إساءة للمسؤول نفسه قبل أن تكون إساءة لمعاونيه. فالمسؤول الراحل مضي إلي وجه ربه، والسابق لا يملك سوي الحسرة والتألم دون أن يمتلك القدرة علي تغيير ما كان. لكن الأسواء أن تُنتقد البطانة للخشية من انتقاد صاحب القرار نفسه، فتكون البطانة هي الدرع الواقي الذي يستتروخلفه من يهدف للنيل من المسؤول نفسه !؟
***
وأذكر كم آلمني رسالة وردت علي بريدي الاليكتروني، بعد أن تركت موقعي الوظيفي، من أحد المحبين الذي لم يُعرفني بنفسه، وكان سبق وأن كتب لي رسالة طويلة عند بداية تسلمي المسؤولية ألقي فيها الضوء علي دواخل العمل في الجهة التي كُلفت بمسؤوليتها شرح فيها بعض السلبيات، وأستفدت منها كثيرا خلال فترة عملي. فقد أثني في رسالته الجديدة علي كثير من الخطوات التي قمت بها، إلا أنه أشار إلي أن بعض معاوني لم يكونوا علي قدر المسؤولية! وقد كتبت له بأنه كان أمامه، كما كتب لي بداية، أن ينبهني حينها حتي أقوم بالتحقق بنفسي ... أما بعد أن تركت موقعي فإن أي حديث يُصبح غير ذي معني، ولا يؤدي سوى إلي التحسر والألم دون القدرة علي فعل أي شىء، ولا حتي تنبيه خلفي لأنه قد يظن بي الظنون!
***
وأخيراً... إذا كانت البطانة الفاسدة خطراً ماحقاً علي المسؤول، فإن طول البقاء في أي سلطة كبرت أو صغرت هو خطر أكبر، فقد يصيب المسئول بانتفاخ في الذات ويؤدي إلي تهميش إنسانيته ويشعر أنه مبعوث العناية الإلهية للإنقاذ.. ولا ينطبق ذلك علي الحاكم وحده بل علي كل مسئول يجلس في منصبه لمدة طويلة. وتعمل البطانة الفاسدة هنا علي نفخ ذات الحاكم أو المسؤول، وتأليهه حتي يقتنع في نهاية الأمر أن أي نقد يوجه إليه هو بمثابة خيانة وليس مجرد رأي آخر.. وهنا يُصبح فساد البطانة من فساد المسؤول والعكس صحيح. فهما مرتبطان بحبل سُري لا ينفصل.
د. عبدالعزيز حسين الصويغ
الأحد: 02 فبراير، 2015
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
أكثر ما يؤلم المسؤول السابق أن يعلم أن من استعان بهم وأئتمنهم علي قضاء مصالح الناس لم يكونوا
علي قدر الأمانة، هذا إذا سلمنا بأن المسؤول نفسه كان يتوخي هذه الصفة في نفسه وفي معاونيه! فمعاوني أي مسؤول مهما كانت مستوي مسؤوليته هم عينه التي يري بها، وأذنه التي يسمع بها، ويده التي تمتد بالعون أو بالعقاب وفق الموقف. لذا فإن دقة اختيار المساعدين لها الأهمية القصوي في حسن أداء المسؤول لمسؤولياته.
***
وإذا كان هذا صحيح مع المسؤولين في الإدارات الحكومية علي مختلف مستويات المديرين ودرجاتهم، فإن معاوني الحاكم، أو بطانته يقع عليهم عبء أكبر ومسؤولية أضخم، ولذلك يقال «إذا صلحت البطانة، صلح الأمر كله، وإن هي فسدت، أفسدت من حولها، وبها تفسد الأمة»… فلا عجب أن يكون دعاء الناس للحاكم علي الدوام هو «اللهم ارزقه البطانة الصالحة».
***
أدرك الحدب الذي يحمله من يحاول التعرض لمظاهر قصور أو فساد يحيطون بهذا المسؤول أو ذلك، بل وأقدر كثيراً تسليطهم الإضاءة علي هذا القصور .. ولكن الأحري لو تم ذلك خلال حياة، أو فترة تولي المسؤول مسؤوليات وظيفته لا بعدها، وإلا كان في ذلك إساءة للمسؤول نفسه قبل أن تكون إساءة لمعاونيه. فالمسؤول الراحل مضي إلي وجه ربه، والسابق لا يملك سوي الحسرة والتألم دون أن يمتلك القدرة علي تغيير ما كان. لكن الأسواء أن تُنتقد البطانة للخشية من انتقاد صاحب القرار نفسه، فتكون البطانة هي الدرع الواقي الذي يستتروخلفه من يهدف للنيل من المسؤول نفسه !؟
***
وأذكر كم آلمني رسالة وردت علي بريدي الاليكتروني، بعد أن تركت موقعي الوظيفي، من أحد المحبين الذي لم يُعرفني بنفسه، وكان سبق وأن كتب لي رسالة طويلة عند بداية تسلمي المسؤولية ألقي فيها الضوء علي دواخل العمل في الجهة التي كُلفت بمسؤوليتها شرح فيها بعض السلبيات، وأستفدت منها كثيرا خلال فترة عملي. فقد أثني في رسالته الجديدة علي كثير من الخطوات التي قمت بها، إلا أنه أشار إلي أن بعض معاوني لم يكونوا علي قدر المسؤولية! وقد كتبت له بأنه كان أمامه، كما كتب لي بداية، أن ينبهني حينها حتي أقوم بالتحقق بنفسي ... أما بعد أن تركت موقعي فإن أي حديث يُصبح غير ذي معني، ولا يؤدي سوى إلي التحسر والألم دون القدرة علي فعل أي شىء، ولا حتي تنبيه خلفي لأنه قد يظن بي الظنون!
***
وأخيراً... إذا كانت البطانة الفاسدة خطراً ماحقاً علي المسؤول، فإن طول البقاء في أي سلطة كبرت أو صغرت هو خطر أكبر، فقد يصيب المسئول بانتفاخ في الذات ويؤدي إلي تهميش إنسانيته ويشعر أنه مبعوث العناية الإلهية للإنقاذ.. ولا ينطبق ذلك علي الحاكم وحده بل علي كل مسئول يجلس في منصبه لمدة طويلة. وتعمل البطانة الفاسدة هنا علي نفخ ذات الحاكم أو المسؤول، وتأليهه حتي يقتنع في نهاية الأمر أن أي نقد يوجه إليه هو بمثابة خيانة وليس مجرد رأي آخر.. وهنا يُصبح فساد البطانة من فساد المسؤول والعكس صحيح. فهما مرتبطان بحبل سُري لا ينفصل.
د. عبدالعزيز حسين الصويغ
الأحد: 02 فبراير، 2015
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..