الصفحات

الخميس، 26 فبراير 2015

المجتمع ضد الأسرة = القصيبي مقابل بيجوفيتش

 كتب – ذات تغريدة – أو ذات حوار أننا في حاجة إلى عمل دراسة جادة عن التغيرات التي تحصل لعقولنا حين نعيش في الغرب،أو تلك التي تحصل للمبتعث ... أقصد الدفعة الأولى من المبتعثين – قبل
الفضائيات – الرجل الذي كان يغضب إذا سئل عن اسم زوجته . . فجأة أصبح يسمح لها بالجلوس مع زملائه ولعب الورق معهم!!
ثم قرأت (الزهامير) للدكتور غازي القصيبي – رحم الله والديّ ورحمه – فصدمتني فكرة طرحها :
(هل لاحظت،يا عزيزتي،أننا نشعر بالحرج في وجود من يعاني إعاقة عقلية أو بدنية؟ هل لاحظت كيف تحمر وجوهنا إذا اضطررنا إلى رفع أصواتنا ليسمعنا المعوقون سمعيا؟ (..) هل لاحظت أن البشر الطبيعيين لا يعودون طبيعيين عند التعامل مع إنسان يعتبرونه غير طبيعي؟ (..) لا تنكري و تخجلي! هذه صفات بشرية تنتظم الناس أجمعين. هذه هي الطبيعة البشرية القاسية. آه! أعرف ماذا ستقولين. ستقولين أن الأمر يختلف حين نتعامل مع أشخاص نحبهم ويحبوننا،مع زوجاتنا أو أولادنا أو أخواتنا. بإمكانك أن تؤمني بذلك،بإمكانك أن تكوني أكثر نبلا وأرق إحساسا من بقية البشر. لن أجادل. أقول،ببساطة،أن المشكلة التي لا يمكن أن تهربي منها : هي أن الإنسان الذي تحبينه تغير بشكل جوهري جذري حتى لم يبق فيه شيء من الأشياء التي تحبينها.(..) يمكن أن تبقى الشفقة،ولكن الشفقة عاطفة رقيقة يصعب أن تدوم إذا تعرضت لهجوم يومي سوف تتطاير حبيبتي،أشفق على الأعمى ولكن شفقتي سوف تتطاير لو طلب مني أن أعتني به عناية يومية. قد أتمكن من الصمود شهرا أو شهرين أو حتى سنة،أما بعد ذلك فلن يبقى سوى النقمة المخفية تحت قناع الشفقة. (..) كل الأمل معقودا على"المهنيين المحترفين"الممرضين والممرضات وأمثالهم،أولئك المدربين تدريبا خاصا يجعلهم قادرين على العناية بالخضروات البشرية. والله وحده يعلم ما يدور في نفسيات هؤلاء المحترفين. أحسبك قرأتِ،كما قرأتُ،عن الفضائح التي تدور في مراكز الرعاية العقلية. سمعتِ كما سمعتُ عن الفتيات المتخلفات عقليا اللواتي يغتصبهن"المهنيون المحترفون" بانتظام.سمعتِ كما سمعتُ،عن الضرب المبرح الذي لا يكاد يسلم منه مصاب بمرض عقلي في أي مكان.
حتى هنا في أمريكا!){ ص 123 – 126 ( ألزهايمر "أقصوصة" ) / غازي القصيبي / بيروت / بيسان للنشر / الطبعة الرابعة 2014}.
خطر في بالي هذه الفكرة،وأنا أرى رجلين – في الحرم النبوي الشريف،على صاحبه الصلاة والسلام – أحدهما يقود شقيقه الضرير .. ربما قدما من أقصى المغرب .. أو من أقصى المشرق .. وهكذا كان الحال دائما تعتني الأسرة بمن ابتلاه الله – سبحانه وتعالى – ويحتسب الجميع .. فمن أين جاءت كل هذه القسوة التي يتحدث عنها الدكتور القصيبي؟!!
بعد قراءتي للأقصوصة .. قرأت – ولا زلت – كتاب (الإسلام بين الشرق والغرب) للمفكر البوسني علي عزت بيجوفيتش – رحم الله والديّ ورحمه – فوجدته بتحدث عن المجتمع بصفته مضادا للأسرة ... فتذكرت مرة أخرى كتاب"ألزهايمر".
يقول بيجوفيتش :
(إن الأسرة ليست هي الخلية الأساسية للمجتمع كما تعلن بعض الدساتير القديمة. فالأسرة والمجتمع متنافران،ذلك لأن المبدأ الرابط في الأسرة هو الحب والعاطفة،وفي المجتمع هو المصلحة أو العقل أو كلاهما معا. (..) ويذهب "ماركس"إلى أن القضاء على الأسرة"وذبولها"،يعني تكييف الإنسان لمجتمع،أو تحويله إلى"كائن اجتماعي بكليّته"،وبذلك تتحول جميع أساسيات الوجود الإنساني ،من اجتماعية ومادية ومعنوية،من الأسرة إلى المجتمع)
أما "سيمون ديبفوار" (..) فهي صريحة قاطعة في رأيتها،حيث تقول :"ستظل المرأة مُستعبدة حتى يتم القضاء على خرافة الأسرة وخرافة الأمومة والغريزة الأبوية"){ ص 248 – 249 ( الإسلام بين الشرق والغرب ) / علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : محمد يوسف عدس / القاهرة / مكتبة الشروق / الطبعة الخامسة 2014}.
ويؤكد بيجوفيتش المعنى نفسه مرة أخرى .. فيقول : (لا تقضي الحضارة على الأسرة فقط من الناحية النظرية ،وإنما تفعل ذلك في الواقع أيضا. فقد كان الرجل أو من هجر الأسرة ثم تبعته المرأة وأخيرا الأطفال. ونستطيع أن تتبع القضاء على الأسرة في كثير من الجوانب .. فعدد حالات الزواج في تقهقر متصل،مع تزايد في نسبة الطلاق،وازدياد عدد النساء العاملات،والزيادة المطردة في عد المواليد غير الشرعيين،وازدياد مستمر في عدد الأسر التي تقوم على أحد الوالدين فقط وهو الأم . ويجب أن نضيف هنا أيضا ،عدد ربات البيوت الأرامل صغار السن،بسبب شيوع الحوادث وارتفاع عدد ضحايا السكتة القلبية وأمراض السرطان ،وهي جميعا شديدة الصلة بأسلوب الحياة الحضرية.
(..) وطبقا لبعض الدارسات المسحية في أمريكا،وُجد أن عدد الأطفال الهاربين من بيوت أسرهم قد تضاعف خلال السنوات الخمس الأخيرة،إلى 2 مليون سنة 1976. في مثل هذه الأوضاع المتردية يجد المُسنون أنفسهم في أسوأ حال.إن كبار السن لهم حقوق الشباب نفسها في هذا العالم،ولكن حضارة ،قد خلت من المعايير الأخلاقية،لا تعرف سوى الدوافع العقلانية (..) وفي استبيان أجري فرنسا بين طالبات المدارس ،كانت الرغبة في الاستقلال والحياة السائبة،تأخذ المحل الأول بين الرغبات،بينما جاءت الرغبة في الزواج في آخر القائمة. وقد نشر معهد استوكهولم للبحوث الاجتماعية"دراسة مسح أجراه سنة 1972 نعلم منه أن النساء اللاتي يذهبن إلى دور الدعارة في أكثر الحالات ،نساء ميسورات الحال،وإنما أصبحن مدمنات للدعارة فقط لأنهن يستعذبن هذا الأسلوب من أساليب الحياة السائبة. (..) لقد كرست جميع الأديان الأسرة باعتبارها عُش الرجل،واعتبرت الأم المعلم الأول الذي لا يمكن استبداله بغيره. أما الطويبا،فتتحدث دائما عن بابتهاج عن التعليم الاجتماعي ومدارس الحضانة،وبيوت الأطفال وأمثال ذلك. وبصرف النظر عن رأينا الخاص في هذه المؤسسات ،فإن هناك شيئا واحدا مشتركا فيما بينها جميعا،ألا وهو غياب الأم ووضع الأطفال في رعاية الموظفين. (..) الأم تلد الإنسان وتربيه،أما الحضانة فإنها تُهيئ عضوا في مجتمع،تُصمم مواطنا يسكن الطوبيا. الحضانة مصنع أو آلة تعليمية.){ص 250 – 252 (الإسلام بين الشرق ..}.
لفت نظري،بشدة،هذا التعبير الذي استعمله "بيجوفيتش"أعني "الحياة السائبة" .. كان غيره ليستعمل لفظة "الحرية" تلك العبارة التي تحمل الكثير من الأوجه.
بالنسبة لهروب الأطفال .. نذكر ما كتبه الأستاذ أنيس منصور،في مقالة عنوانها "المرأة في مقعد القيادة"حيث قال :
(وقد حدث في بريطانيا وفي أستراليا أن حكمت المحكمة لصالح الأطفال الذين يعيشون بين أبوين دائمي الخصومة){ مجلة أكتوبر / العدد 877 في 15 / 8 / 1993}.
وفي زاوية الحياة السائبة .. نذكر بخبر مفاده أن "واشنطنية" توفيت في حادث سير .. فاتضح أنها متزوجة بثلاثة رجال، ثم أكدت الشرطة (بأن الرجال الثلاثة كانوا أزواجا حقا لامرأة واحدة هي لندا){ جريدة الرياض العدد 10245 في 26 / 2 / 1417هـ = 12 / 7 / 1996}.
من باب التنبيه إلى تلاقح الحضارات،أو تأثير سطوة الحضارة الغربية المادية،ننقل هذا الخبر :
(اتهمت سيدة مصرية جمعت بين ستة رجال في وقت واحد){ جريدة الجزيرة العدد 8745 في 24 / 4 / 1417هـ = 7 / 9 / 1996}.
لن يفوت على فطنتكم فائدة،وتأثير نقل مثل هذه الأخبار ،في صحفنا السعودية!!
على كل حال .. نختم تأكيد الحياة السائبة ... بما كتبه الأستاذ عبد الله الحفري :
(في القطار إلى واشنطن كنت أتأمل سيدة في حوالي السبعين من العمر متعجبا وهي تلتهم رواية من روايات (..) الكاتب الأمريكي الشهير الذي يقال أنه يكسب كل يوم نصف مليون دولار،من تصويره الرجل كساحر لا يعرف التعب وهو مستعد دائما أن يصحب المرأة إلى عشاء في باريس،وأن يحتضنها إلى حد الإنهاك (..) يقال أن النساء في أمريكا : يعشقن روايات هذا الكاتب لأنه يخلق من الرجل مجرد"آلة"تجد المرأة عندها كل رغباتها){ جريدة الحياة العدد 11746 في 19 / 11 / 1415هـ = 19 / 4 / 1995}.
نعود إلى كتاب أخينا"بيجوفيتش" .. (لقد حولت الحضارة النساء إلى موضوع إعجاب أو استغلال،ولكنها حرمت المرأة من شخصيتها ،وهي الشيء الوحيد الذي يستحق التقدير والاحترام. هذا الوضع مشهود بشكل مطرد،وقد أصبح أكثر وضوحا في مواكب الجَمال أو في بعض مهن نسائية معينة مثل"الموديلات"في هذه الحالة لم تعد المرأة شخصية ولا حتى كائنا إنسانيا،وإنما هي لا تكاد تكون أكثر من "حيوان جميل".
لقد ألحقت الحضارة الخزي بالأمهات بصفة خاصة،فهي تفضل على الأمومة أن تحترف الفتاة مهنة البيع،أو أن تكون"موديلا"أو معلمة لأطفال الآخرين،أو سكرتيرة أو عاملة نظافة. إنها الحضارة التي أعلنت أن الأمومة عبودية،ووعدت بأن تحرر المرأة منها. وتفخر بعدد النساء اللاتي نزعتهن ( تقول حررتهن ) من الأسرة والأطفال لتلحقهن بطابور الموظفات. (.. ) تسير "بيوت المسني"جنبا إلى جنب مع "بيوت الأطفال"المحرومين،فهما ينتميان معا إلى النظام نفسه،وهما في الحقيقة حالتان للنوع نفسه من الحلول. فبيوت المسنين وبيوت الأطفال تذكرنا بالميلاد والموت الصناعيين.) {ص 255 – 256 (الإسلام بين الشرق .. }.
ننتقل إلى حديث "بيجوفيتش"عن الزواج .. ( كذلك ترفض المادية الزواج ولكن لسبب مختلف تماما"فالزواج الفردي منظور إليه باعتباره إخضاع جنس للجنس الآخر"،أو كما قيل : لقد ظهر أول عداء طبقي بتطور الخصومة بين الرجل والمرأة بسبب الزواج الفردي. وبتحويل وسائل الإنتاج إلى الملكية العامة تتوقف الأسرة كوحدة اقتصادية للمجتمع. وتتحول إدارة المنزل الخاص إلى صناعة اجتماعية،ويصبح الأطفال والعناية بهم من الشئون العامة. ويُعنى المجتمع بجميع الأطفال على المستوى واحد سواء كانوا أطفال شرعيين أو غير شرعيين . وبذلك يزول القلق من النتائج التي تعتبر أهم عامل اجتماعي أخلاقي واقتصادي يمنع الفتاة من أن تمنح نفسها بالكلية للرجل الذي تحبه. ألا يُعتبر هذا كافيا تيسير النمو التدريجي لإباحة الجماع الجنسي الحر،وظهور تساهل عام أكثر فيما يتعلق بشرف العذراء وعار المرأة){ص 341 – 342 ( الإسلام بين الشرق .. }.
قبل الختام نقل مشاركة مجلة علمية هي "طبيبك" حيث كتبت :
( غشاء البكارة هو الشغل الشاغل لكل بنت شرقية (..) ويسمى باللغة الإنجليزية بلفظ لاتيني هو"فلورا"ويعني زهرة رمزا لجمال المرأة وشبابها المزدهر (..) ورغم هذه التسمية الجميلة فقد سقطت أهمية هذا الغشاء في نظر الغرب منذ مدة وأصبحت الفتاة التي تحتفظ به فتاة متخلفة غير مرغوبة تحتاج للعلاج النفسي للتغلب على نظرتها القاصرة حتى لا يهرب منها الشباب ولا ينصرف عنها الخطاب){ مجلة"طبيبك" العدد رقم 319 / يوليو 1995}.
لعل أطرف ما في هذا التحريض على"الفاحشة"هو الحديث عن "هروب الشباب" و"انصراف الخطاب"!! وهذا السجع في العتاب!!
نختم بهذه الملاحظة التي أوردها أخونا بيجوفيتش ،بعد أن ساق عددا من إحصائيات عدد النساء العاملات :
(ونلاحظ أن نسبة تشغيل النساء أكبر في الدول الشيوعية من الدول الأخرى،رغم أنها ليست الأكثر تقدما بين الدول التي ذكرناها){ص 251 ( الإسلام بين .. }.
وبعد .. ما أسعدنا إذا أرسلنا الأطفال إلى الحضانة .. وإذا عملت المرأة خارج منزلها .. وخصوصا إذا زاد عدد النساء العاملات .. فهل تتسلل الفلسفة المادية إلى عقولنا في جنح الظلام .. أو تحت سطوة الأضواء المبهرة للحضارة الغالبة ؟!
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..