الصفحات

الثلاثاء، 30 يونيو 2015

تفسير الآية : (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].
سبب نزول الآية الكريمة:
روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: نزلتْ في عبدالله بن حُذافة بن قيس الأنصاري البدري،
وكان به دعابة؛ إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية، فأمرهم يومًا أن يجمعوا حطبًا ويوقدوا نارًا ففعلوا، ثم أمرهم أن يدخلوها محتجًّا عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أطاع أميري فقد أطاعني، ومَن عصى أميري فقد عصاني))، فلم يستجيبوا له، وقالوا له: إنما آمنا وأسلمنا لننجوَ من النار، فكيف نُعذِّب أنفسنا بها؟! وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((لو دخلوها ما خرجوا منها؛ إنما الطاعة في المعروف)).

وقال صلى الله عليه وسلم: ((السمع والطاعة حق على المرء المسلم فيما أحب وكرِه، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أُمِر بمعصية، فلا سمع عليه ولا طاعة))[1].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَن رأى من أميره شيئًا يكرهه، فليصبر عليه؛ فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرًا فيموت إلا مات ميتة جاهلية))[2].

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، قال: ((إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان))[3].

قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾؛ يعني: أهل الفقه والدين، وكذا قال مجاهد وعطاء.

﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾؛ يعني العلماء، والظاهر - والله أعلم - أنها عامَّة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ ﴾؛ أي: اتبِعوا كتابه، ﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾؛ أي: خذوا بسنته، ﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾؛ أي: فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما تقدم في الحديث الصحيح: ((إنما الطاعة في المعروف)).

وقوله: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]، قال مجاهد: (أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله)، وهذا أمر من الله - عز وجل - بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يردَّ التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 10]، مما حكم به الكتاب والسنة وشهد له بالصحة والحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟!

ولهذا قال تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾؛ أي: ردُّوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم، فدل على أن مَن لم يتحاكم في محل النزاع إلى كتاب الله والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنًا بالله ولا باليوم الآخر.

وقوله: ﴿ ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾؛ أي: التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله، والرجوع إليهما في فصل النزاع: خير.

﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾؛ أي: وأحسن عاقبةً ومآلاً، كما قال السدي، وقال مجاهد: وأحسن جزاءً، وهو قريب[4].

ولهذا أنكر الله - عز وجل - في الآية التي تليها على مَن يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من القوانين الوضعية التي ما أنزل الله بها من سلطان، والله المستعان، فقال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 60].

قال سهل بن عبدالله: لا يزال الناس بخير ما عظَّموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين، أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفُّوا بهذين، فسَدَت دنياهم وأخراهم.

فصل في وجوب طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

وقال سبحانه: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].

وقال - عز وجل -: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].

وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

وقال صلى الله عليه وسلم: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا مَن أبى))، قالوا: ومَن يأبى يا رسول الله؟! قال: ((مَن أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى))[5].

وقال: ((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريُّون وأصحاب، يأخذون بسُنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تَخلُف من بعدهم خُلُوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل))[6].

قالت عائشة رضي الله عنها: صنع رسول الله شيئًا ترخَّص فيه وتنَزَّه عنه قوم، فبلغ ذلك النبيَّ، فحمد الله ثم قال: ((ما بال أقوام يتنَزَّهون عن الشيء أصنعه؟ فو الله، إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية))[7].

عن العِرْباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظَنا رسول الله يومًا بعد صلاة الغداة موعظةً بليغةً، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودِّع، فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ فقال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن أُمِّر عليكم عبد حبشي، فإنه مَن يَعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديِّين الراشدين، تمسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومحدَثاتِ الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))[8].

فصل في وجوب الاحتكام إلى الكتاب والسنة في كل ما وقع من الخلاف:
فكل ما وقع فيه الخلاف بين الصحابة فمَن بعدهم يجب ردُّه إلى الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]، فالرد إلى الله تعالى هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته بعد انقطاع الوحي، فما وافقهما قُبِل، وما خالفهما رُدَّ على قائله كائنًا مَن كان.

وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أرجح الخلائق عقلاً، وأَوْلاهم بالصواب: ﴿ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 105]، ولم يقل: بما رأيتَ، وهو صلى الله عليه وسلم لا يقول في التشريع إلا عن الله عز وجل؛ ولهذا لم يُجِبِ اليهودَ في سؤالهم عن الروح، ولا جابرًا في سؤاله عن ميراث الكلالة، ولا المجادِلةَ في سؤالها عن حكم الظهار، حتى نزل القرآن بتفصيل ذلك وبيانه[9].

وقال علي بن أبي طالب: لو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخف أَولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفَّيه[10].

وقد أفتى عمر بن الخطاب السائل الثقفي في المرأة التي حاضت بعد أن زارت البيت يوم النحر ألا تنفر، فقال الثقفي: إن رسول الله أفتاني في مثل هذه المرأة بغير ما أفتيتَ به، فقام عمر إليه وضربه بالدِّرة[11]، ويقول له: لم تستفتيني في شيء قد أفتى فيه رسول الله؟

وقال عمر بن عبدالعزيز: لا رأيَ لأحدٍ مع سنة سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال الشافعي: أجمع الناس على أن مَن استبانت له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن له أن يدَعَها لقول أحد من الناس.

وقال - رحمه الله -: ما من أحد إلا وتذهب عليه سنةٌ لرسول الله وتعزُبُ عنه، فمهما قلتُ من قولٍ وأصَّلت، فيه عن رسول الله خلافُ ما قلتُ، فالقول ما قال رسول الله، وهو قولي، وجعل يردد هذا الكلام[12].

وقال الشيخ حافظ حكمي في منظومته "سلم الوصول، إلى علم الأصول، في التوحيد":
وكلُّ ما خالف للوحيينِ
فإنه ردٌّ بغيرِ مَيْنِ[13]
وكلُّ ما فيه الخلاف نُصِبا
فردُّه إليهما قد وَجَبا
فالدِّين إنما أتى بالنقلِ
ليس بالَاوهام وحَدْس[14] العقلِ

ويأتي قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 64].

قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -:
"أي فُرِضت طاعته على مَن أرسله إليهم، وقوله: ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾، قال مجاهد: أي: لا يطيع أحد إلا بإذني؛ يعني: لا يُطِيعه إلا مَن وفَّقه لذلك.

﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾، يريد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا رسول الله فيستغفروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم؛ ولهذا قال: ﴿ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾".

وقد استدل بعض الجهال الضُّلال من الصوفية وغيرهم بهذه الآيةِ أنه يجوز الذَّهاب إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويستغفرون الله تعالى عند قبره ويتوسَّلون به، وهذا غير مشروع ولم يفعله أحد من الصحابة ولا التابعين، لكن المراد بذلك من الآية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وليس بعد موته.

وقوله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ... ﴾ [النساء: 65] الآيةَ.

قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -:
"يُقسِم الله بنفسِه الكريمة المقدَّسة أنه لا يؤمن أحد حتى يُحكِّم الرسول في جميع الأمور، فما حكَم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا؛ ولهذا قال: ﴿ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]؛ أي: إذا حكَّموك يطيعونك من بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيُسلِّمون لذلك تسليمًا كليًّا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة".

وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].

قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -:
"أي: مَن عمِل بما أمره الله به ورسوله، وترك ما نهاه الله عنه ورسوله، فإن الله - عز وجل - يُسكِنه دار كرامته، ويجعله مرافقًا للأنبياء، ثم لمن بعدهم في الرتبة، وهم الصدِّيقون، ثم الشهداء، ثم عموم المؤمنين، وهم الصالحون من الذين صلَحت سرائرهم وعلانيتهم، ثم أثنى عليهم تعالى، فقال: ﴿ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾.

وروى البخاري عن عائشة قالت: سمعتُ رسول الله يقول: ((ما من نبيٍّ يمرض إلا خُيِّر بين الدنيا والآخرة))، وكان في شكواه التي قبض فيها أخذته بحة شديدة، فسمعتُه يقول: ﴿ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ﴾، فعلمتُ أنه خُيِّر، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: ((اللهم الرفيق الأعلى)) ثلاثًا".

سبب نزول هذه الآية الكريمة:
ثبت في صحيح مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه قال: كنت أبيت عند النبي صلى الله عليه وسلم فآتيه بوَضوئه وحاجته، قال لي: ((سل))، فقلت: يا رسول الله، أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: ((أَوَغير ذلك؟))، قلت: هو ذاك، قال: ((فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود)).

وثبت في الصحيح والمسانيد وغيرهما، من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يحب القوم ولَمَّا يلحق بهم، فقال: ((المرء مع من أحب))، قال أنسٌ: فما فرِح المسلمون فرحَهم بهذا الحديث.

وفي رواية عن أنس أنه قال: إني لأحبُّ رسول الله، وأحب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وأرجو أن يبعثني الله معهم، وإن لم أعمل كعملهم[15].


[1] رواه أحمد والبخاري ومسلم - رحمهم الله - عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
[2] رواه أحمد والبخاري ومسلم - رحمهم الله - عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.
[3] رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.
[4] تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى.
[5] رواه البخاري - رحمه الله تعالى - عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[6] رواه مسلم - رحمه الله تعالى - عن ابن مسعود رضي الله عنه.
[7] رواه البخاري - رحمه الله تعالى - عن عائشة رضي الله عنها، وانظر: مختصر معارج القبول، الشيخ/ هشام عقدة.
[8] رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم رحمهم الله تعالى؛ ص.ج رقم 2549.
[9] فكان الجواب على سؤال اليهود في سورة الإسراء: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي... ﴾ [الإسراء: 85].
والجواب على سؤال جابر في ميراث الكلالة وبيان المراد بها في سورة النساء في آخر آية من السورة: ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ... ﴾ [النساء: 176]، وكلاهما صحيح.
وكان الجواب على سؤال المجادِلة عن حكم الظهار، وهو قول الرجل لامرأته: (أنتِ عليَّ كظهر أمي)، في صدر سورة المجادلة الآيات: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ... ﴾ [المجادلة: 1].
[10] حديث صحيح؛ انظر: المشكاة بتحقيق الألباني رحمه الله تعالى، حديث رقم 525 ج1.
[11] الدرة: السوط يضرب به، جمعها درر؛ (المعجم الوجيز).
[12] مختصر معارج القبول - هشام عقدة.
[13] مان فلان مَينًا: كذَبَ، فهو مائن، مين: كذِب؛ (المعجم الوجيز).
[14] الحدس: الفراسة (المعجم الوجيز).
[15] تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى.

-----------------------------------
التحليل الموضوعي
( ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ( 59 ) )

قال البخاري : حدثنا صدقة بن الفضل ، حدثنا حجاج بن محمد الأعور ، عن ابن جريج ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) قال : نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي ; إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية .

وهكذا أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من حديث حجاج بن محمد الأعور ، به . وقال الترمذي : حديث حسن غريب ، ولا نعرفه إلا من حديث ابن جريج .

وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن سعيد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار ، فلما خرجوا وجد عليهم في شيء . قال : فقال لهم : أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى ، قال : اجمعوا لي حطبا . ثم دعا بنار فأضرمها فيه ، ثم قال : عزمت عليكم لتدخلنها . [ قال : فهم القوم أن يدخلوها ] قال : فقال لهم شاب منهم : إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار ، فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها . قال : فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، فقال لهم : " لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا ; إنما الطاعة في المعروف " . أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش ، به .

وقال أبو داود : حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن عبيد الله ، حدثنا نافع ، عن عبد الله بن عمر ، [ ص: 343 ] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ، ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " .

وأخرجاه من حديث يحيى القطان .

وعن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة ، في منشطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا ، وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله . قال : " إلا أن تروا كفرا بواحا ، عندكم فيه من الله برهان " أخرجاه .

وفي الحديث الآخر ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة " . رواه البخاري .

وعن أبي هريرة قال : أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع ، وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف . رواه مسلم .

وعن أم الحصين أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول : " ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله ، اسمعوا له وأطيعوا " رواه مسلم وفي لفظ له : " عبدا حبشيا مجدوعا " .

وقال ابن جرير : حدثني علي بن مسلم الطوسي ، حدثنا ابن أبي فديك ، حدثني عبد الله بن محمد بن عروة عن هشام بن عروة ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة ; أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سيليكم بعدي ولاة ، فيليكم البر ببره ، ويليكم الفاجر بفجوره ، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق ، وصلوا وراءهم ، فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساؤوا فلكم وعليهم " .

وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ، كلما هلك نبي خلفه نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وسيكون خلفاء فيكثرون " . قالوا : يا رسول الله ، فما تأمرنا ؟ قال : " أوفوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم " أخرجاه .

وعن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر ; فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية " . أخرجاه .

[ ص: 344 ]

وعن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من خلع يدا من طاعة ، لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " . رواه مسلم .

وروى مسلم أيضا ، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال : دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة ، والناس حوله مجتمعون عليه ، فأتيتهم فجلست إليه فقال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ، ومنا من ينتضل ، ومنا من هو في جشره إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة جامعة . فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، وينذرهم شر ما يعلمه لهم ، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها ، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها ، وتجيء فتن يرفق بعضها بعضا ، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ، ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه هذه ، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر " . قال : فدنوت منه فقلت : أنشدك بالله أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه وقال : سمعته أذناي ووعاه قلبي ، فقلت له : هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، ونقتل أنفسنا ، والله تعالى يقول : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) [ النساء : 29 ] قال : فسكت ساعة ثم قال : أطعه في طاعة الله ، واعصه في معصية الله .

والأحاديث في هذا كثيرة .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن الحسين ، حدثنا أحمد بن المفضل حدثنا أسباط ، عن السدي : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عليها خالد بن الوليد ، وفيها عمار بن ياسر ، فساروا قبل القوم الذين يريدون ، فلما بلغوا قريبا منهم عرسوا ، وأتاهم ذو العيينتين فأخبرهم ، فأصبحوا قد هربوا غير رجل . فأمر أهله فجمعوا متاعهم ، ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل ، حتى أتى عسكر خالد ، فسأل عن عمار بن ياسر ، فأتاه فقال : يا أبا اليقظان ، إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا ، وإني بقيت ، فهل إسلامي نافعي غدا ، وإلا هربت ؟ قال عمار : بل هو ينفعك ، فأقم . فأقام ، فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدا غير الرجل ، فأخذه وأخذ ماله . فبلغ عمارا الخبر ، فأتى خالدا فقال : خل عن الرجل ، فإنه قد أسلم ، وإنه في أمان مني . فقال خالد : وفيم أنت [ ص: 345 ] تجير ؟ فاستبا وارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأجاز أمان عمار ، ونهاه أن يجير الثانية على أمير . فاستبا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال خالد : يا رسول الله ، أتترك هذا العبد الأجدع يسبني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا خالد ، لا تسب عمارا ، فإنه من يسب عمارا يسبه الله ، ومن يبغضه يبغضه الله ومن يلعن عمارا يلعنه الله " فغضب عمار فقام ، فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه ، فرضي عنه ، فأنزل الله عز وجل قوله : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )

وهكذا رواه ابن أبي حاتم ، من طريق عن السدي ، مرسلا . ورواه ابن مردويه من رواية الحكم ابن ظهير ، عن السدي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، فذكره بنحوه والله أعلم .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وأولي الأمر منكم ) يعني : أهل الفقه والدين . وكذا قال مجاهد ، وعطاء ، والحسن البصري ، وأبو العالية : ( وأولي الأمر منكم ) يعني : العلماء . والظاهر - والله أعلم - أن الآية في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء ، كما تقدم . وقد قال تعالى : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت ) [ المائدة : 63 ] وقال تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [ النحل : 43 ] وفي الحديث الصحيح المتفق عليه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصا أميري فقد عصاني " .

فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء ، ولهذا قال تعالى : ( أطيعوا الله ) أي : اتبعوا كتابه ( وأطيعوا الرسول ) أي : خذوا بسنته ( وأولي الأمر منكم ) أي : فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله ، كما تقدم في الحديث الصحيح : " إنما الطاعة في المعروف " . وقال الإمام أحمد :

حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، عن أبي مراية ، عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا طاعة في معصية الله " .

وقوله : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) قال مجاهد وغير واحد من السلف : أي : إلى كتاب الله وسنة رسوله .

وهذا أمر من الله ، عز وجل ، بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة ، كما قال تعالى : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) [ الشورى : 10 ] فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهدا له بالصحة فهو الحق ، وماذا بعد الحق إلا الضلال ، ولهذا قال تعالى : ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) أي : ردوا الخصومات والجهالات [ ص: 346 ] إلى كتاب الله وسنة رسوله ، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )

فدل على أن من لم يتحاكم في مجال النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك ، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر .

وقوله : ( ذلك خير ) أي : التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله . والرجوع في فصل النزاع إليهما خير
( وأحسن تأويلا ) أي : وأحسن عاقبة ومآلا كما قاله السدي وغير واحد . وقال مجاهد : وأحسن جزاء . وهو قريب .



مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..