الصفحات

الاثنين، 1 يونيو 2015

. كوثر الأربش.. أي شجاعة ونبل تحملين!؟

قلة من أولئكم المثقفين الذين يترجمون ما يحملونه من فكر وثقافة إلى سلوك يتمثلونه في حياتهم، بل ويضحون في سبيل ما آمنوا بأغلى ما يملكون.
كنت وجلا جدا عندما تداخلت الزميلة كوثر الأربش معي في برنامجي "حراك"، وقبل استشهاد ابنها بساعات، وهي تعلن عن مواقفها ورؤيتها بكل صراحة وجرأة، وتهاجم الجمود والتخلف، وتشنع على المثقفين أنهم باتوا أسرى للعامة والجماهير، وتقول لي بالنص: "تعرضت لكثير من الظلم الذي لا يتحمله رجل بسبب مواقفي. يجب على المثقف أن يعرف دوره الحقيقي في قياده العامة".
بعدما انتهت من الحديث، وجدتني أقول لها بكل عفوية ووجل: "أعانك الله على تحمل تبعات ما قلته اليوم، فأنت تواجهين لوبيا قويا جدا". ولم أدر أن تلك المرأة المناضلة ستدفع بابنها ثمنا في سبيل ما آمنت وضحت به.
طالبت في تغريدة كتبتها مباشرة في يوم الحادث بأن على الوطن تكريم هذه المرأة الوطنية، ومن الضروري على نخب المثقفين، وعلى رأسهم وزير الثقافة والاعلام، الالتفات لهذا الجانب المهم، فلا أعرف سوى القلة ممن ترجموا مواقفهم بهذا السلوك الوطني الرائع، وجابهوا مجتمعهم العائلي الصغير، ومجتمع الطائفة في سبيل أطروحاتهم الوطنية والفكرية، وكوثر الأربش تستأهل منا هذه اللفتة والتكريم.
من تكريم هذه الزميلة الشجاعة؛ أن ينبري بعض الباحثين أو حتى طلبة الدراسات الجامعية بالتنقيب في مقالات وأطروحات هذه الكاتبة المثيرة للجدل، وتقديمها في رسالة جامعية عالية، فأزعم –وأنا المتابع للساحة الفكرية- أنه لم يكتب مثلها أحد في القضية المذهبية، بتلك الجرأة والشجاعة ووضع النقاط على الحروف، وقامت بنقد علمي وموضوعي للتراث الشيعي لدى إخوتنا في الضفة الشرقية. هناك بعض الكتاب المثقفين من أمثال محمد الصادق وبدر الإبراهيم اللذين أصدرا الكتاب النفيس: "الحراك الشيعي في السعودية"، بيد أن الأربش تفننت في جانب رصد زوايا الخلل في ذلك الحراك بصراحتها المتناهية.
في آخر مقالة لها في زاويتها بصحيفة "الجزيرة"، قالت الأربش: "الغريب أن أغلب المطالبين بتجريم الطائفية كتبوا بياناتهم بلغة تفوح بالكراهية!. يطالبون بالإصلاح بأدوات الفساد!. فلا أدري كيف نبني بيتاً على أرض رخوة؟. كيف نحمي تماسكنا بالمزيد من التفكيك والتصنيف؟!".
ووقتما سألتها أن تفصح أكثر في الذي تعنيهم في فقرتها الآنفة، أجابتني: "هناك نفر من المثقفين يستغل هذه الأحداث لجلب مزيد من الأضواء والمتاجرة بالقضايا، ويطالبون بنقد الطائفية، ويناقضون فيه أنفسهم، ويكتبون هم أنفسهم بيانات تعج بالطائفية، وفيها تجييش للمجتمع. للأسف أن هؤلاء ركبوا موجة الجماهير، وانساقوا خلف أطروحاتهم. يجب على المثقف أن يقود الرأي العام، لا أن ينساق خلفه، ويكتب ما يريده الجمهور".
ما لا يعلمه أغلب المثقفين عن هذه المرأة المكافحة، أنها تعرضت لكثير كثير من الحصار المجتمعي بسبب أفكارها، ودفعت أكلافا باهضة لتمسكها بآرائها الخاصة، الفكرية والمذهبية منها والوطنية، وها هي اليوم تدفع فلذة كبدها فداء لما آمنت به، وتأملوا معي كيف يذهب بها الخلق والتربية والفكر الحقيقي الذي تمتثله سلوكا؛ لتعزي ابن القاتل، وتقول لها في بيانها الذي أصدرته عقب الحادثة:
"لقد ذهب محمد حُرًا، اختار أن يكون درعا للمصلين. ترك لأمهات أصدقائه أن يحتضن أبنائهن كل يوم، وترك حضني فارغا منه. فأحمد الله أنه لم يكن لي ابنا كارهاً، محرضا، طائفيا مؤذيا للناس. بل افتدى الناس وذهب هو. كما أعزي أم قاتل ابني وأعظم لها الأجر. لقد اختار ابنك خيرة الشباب وأنقاهم، ولو بذل جهده لينتقي لم يكن انتقاؤه بكل هذه الدقة، وأنا على معرفة تامة أن قلبكِ الآن كقلبي.. حزين وباكٍ".
أي قلب لهذه المرأة، وأي روح حديدة تمتلك، وأي نبل هذا الذي كتبت به مواساتها لأم قاتل ابنها!!
"شكرا كبيرة" لزميلتنا الشاهقة، لقد تعلمنا منك ومن مواقفك كيف تكون الوطنية الحقة، وكيف يكون المثقف حرا، وغير مرتهن للجماهير، وعزاؤك هو هذا التعاطف الشعبي الجارف من أعلى القمة لآخر فرد في المجتمع، كلهم وقفوا لك ليحيوك أيتها المواطنة الحرة.
لا ندري كيف يكون الغد، ولكن بالتأكيد أن كوثر الأربش اسم سيبقى طويلا في ذاكرة الوطن.
مقالتي اليوم خصصتها عن المرأة التي أذهلت الوطن من أقصاه لأقصاه. .وهي حديث المجتمع برمته اليوم. .
--------
  بقلم :عبدالعزيز قاسم  

-------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..