الصفحات

الأربعاء، 25 نوفمبر 2015

سعد الشثري. . من "كاوست" إلى "داعش"

    بمجرد أن أنهيت سماعي لحديث الشيخ سعد الشثري، وهو يفتي بحرمة تفجيرات باريس، ويقول عن "داعش" أنها ليست من الاسلام، في موقف قوي وصريح من هذا التنظيم المتطرف، قلت لصديقي: "سيغض الاعلام الغربي عن هذا الموقف الممثل لعلماء السعودية والعالم الاسلامي عموما، وسيبُرز المغمورين من المتطرفين، ليظهرهم أنهم ممثلو الاسلام، وسيتبعهم الجوقات من إعلامنا".
لم يكن حديث الشيخ الشثري الذي قاله في برنامج "حراك" قبل أيام عن تنظيم "داعش" هو الأول، بل كان له بيان وفتوى شهيرة فيهم العام الماضي، وتوّعده القوم هناك بالاغتيال جرّاء قوة خطابه ومتانة استشهاداته، وتفنيده لكل شبهاتهم، وبيان تغريرهم الشباب للالتحاق بهم، إلا أن حديثه الأخير أخذ بُعدا عريضا بسبب أحداث باريس.
الشيخ سعد الشثري ربما كان ممثلا أصيلا للمدرسة السلفية المحلية، وابنا للمؤسسة الدينية السعودية، التي لطالما وصمها بعض أخصامها –كثير من الحقوقيين واللبراليين وبعض دعاة "الاسلام السياسي" و"القاعدة" و"داعش" - بأنهم: "علماء سلطان" و فقهاء "الحيض والنفاس"، وأنهم بعيدون عن الواقع، وغير ملمّين بالحراك الفكري والسياسي، وجملة من الاتهامات التي طالتهم، بسبب مواقفهم التى ترى درء الفتنة ابتداء، وطاعة الامام في المنشط والمكره، وإلتزامهم بأدبيات المدرسة السلفية في عمومها.
مما يميّز علماءنا هؤلاء أنهم أصحاب مبادئ حقيقية، لا ينقلبون عليها إن سارت الرياح بما لا يشتهون، كجماعة :"إن أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون"، وعاصر الكثير منا محنة معالي الشيخ سعد الشثري إبان نصيحته في منع الاختلاط في جامعة "كاوست" عام 2009 م، وكيف أن الصحافة السعودية قامت بتوجيه من بعض مسؤولي الديوان وقتذاك بهجوم شخصي لا يليق على الرجل، وأتذكر أن أزيد من 250 مقالة في الصحف السعودية هاجمت الشيخ بشكل سافر ومهين، وسفّهت رأيه وموقفه دون أن يُعطى حق الرد، والمقالة الوحيدة التي نشرت دفاعا عن حقه في إبداء رأيه، كانت مقالة لي في صحيفة "الوطن"، وجاء توجيه بعدها بحذفها من الموقع الالكتروني للصحيفة.
كانت حقبة داكنة في الاعلام السعودي -أنوى رصدها في كتاب إن شاء الله- في هذه الجزئية التي طالت مواقف المؤسسة الدينية، كتوسعة الحرمين وهيئة الأمر بالمعروف وملاحقة كل ما هو ديني، على ذهبيتها في جانب هامش الحرية الذي أتيح في نقد الوزرات الخدمية وحرية الرأي.
    ما يعنيني هنا ليس اقصاء الشيخ سعد الشثري، واعفائه من هيئة كبار العلماء، وشماتة الكتبة اللبراليين به بسبب موقفه الصريح من الاختلاط، ولكن في موقف هذا الشيخ الذي تسامى عن كل ما حصل له، وقام بالدعوة الى الله، يجوب مدن المملكة من أقصاها لأقصاها، يحاضر ويخطب ويؤلف الكتب، ولم يؤثر كل ما حصل له على موقفه، أقول هذا وقد أكرمني الله بمرافقته في احدى جولاته، وسافرت معه بالسيارة من صلاة الفجر، ولم أعد لبيتي إلا الساعة الثانية بعد منتصف الله، وأنا لا أرى من فرط الاعياء الذي نالني من مرافقته، والرجل في محاضرات ودروس وكلمات في المساجد، ولقاءات مع أئمة وطلبة تحفيظ قرآن، حتى أنه قال لي عند توديعي بأنه سيمرّ بعد صلاة الفجر لنكرّر جولة جديدة، وصحت مفجوعا بعدم استطاعتي مرافقته، ومعتذرا منه.
   في كل تلك الدروس، كان يدعو لولاة الأمر، وينصح الشباب بالالتفاف حول العلماء والقادة، وعندما تنادى بعض أصحاب التيارات واستبشروا بالربيع العربي، ونادوا حينها بتظاهرة "حنين"، كان الشيخ سعد الشثري في طليعة العلماء الذين تصدّوا لذلك، وظهر عندي في برامجي الفضائية وغيري من الزملاء، وهو يحذر منها، ويستشرف  المصير الذي ستؤول له أمثال هذه الدعوات، وها هي الأيام أثبتت صوابية مواقفهم، وأنهم كانوا أكثر عمقا سياسيا لمآلات أمثال هذه الدعوات التي تقفز على التاريخ والواقع، في درس فاقع لكل من نال منهم وجهّلهم.
   
     قارنوا موقف الشثري، مع اعلامي ليبرالي أقيل من رئاسة تحرير احدى المجلات السعودية، فتحوّل لمعارض سياسي، يقدح في دولته وولاة أمره عبر الفضائيات، وباع قلمه اليوم لدولة تخالف سياستها سياسة قادتنا.
قارنوا موقف الشثري يا سادة بموقف بعض الدعاة الذين أوقفوا وتحولت أقلامهم لنقد الدولة واصلاحاتها، وهم قبل ذلك ممسكين.
هنا يتجلى الفرق بين أصحاب المبادئ الحقيقية التي يدينون بها تعبدا لله، وبين أولئك الذين ينالهم شيئا من حظوظ النفس،
    وبالتأكيد أن معالي الشيخ الشثري وبقية العلماء الكبار، ليسوا في وارد عدم النقد وتبيين العيوب والأخطاء، والدعوة للاصلاح بما يتوهمه كثير من العامة، وما غرز في ذهنيات بعض الشباب للأسف الشديد، بل هو من صميم الأمانة التي حمّلوها، وقد أخذ الله عليهم الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه، ولكن بتلك النصيحة الذهبية التي تقول بتحققها دون أن تنعكس سلبا، وتسبب فتنة أكبر من محاولة الاصلاح.
سيعتب كثيراالشيخ سعد الشثري عليّ جراء هذه السطور، ولكن حسبي أن أردّ شيئا من حقه كعالم رباني ولا أزكيه على الله، وهو حسيبه، والرجل بات اليوم مستشارا في الديوان الملكي،
ولأخلص للدرس الكبير من محنته: أصحاب المبادئ الحقيقية الذين يخلصون لها، الله معهم مهما نالهم من أذى، والتأريخ لا يخلد إلا أمثالهم، فيما يرمي غيرهم من المرتزقة لمزبلته.
مقالتي اليوم. .
بقلم: عبدالعزيز محمد قاسم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..