الصفحات

الاثنين، 21 ديسمبر 2015

تطوير التعليم ومطاعم المضغوط!؟

   عزيزي السيد مكروري:قرأنا مقالا في الفصل بأن أكياس البلاستك تنتهي في المحيط. وأنا لا أريد استخدام أية أكياس بلاستك في ولاية نورث كارولينا. أنا أعرف بأن ولاية كاليفورنيا وولاية هاواي
منعتا أكياس البلاستك، فلنكن ثالث ولاية تمنعها.إن ســبب إيماني بذلك هو احتمال اختناق الحيوانات البحرية بأكياس البلاستك وموتها إذا تناولتها. ومعروف أن أكياس القماش يعاد استخدامها عدة مرات. ومع ذلك، فإذا رغبتم استخدام أكياس البلاستك، فآمل إعادة استخدامها.هل أعجبتك فكرتي؟إني أتطلع لسماع رأيك. أرجوك الرد علي.المخلصة/جودي التويجريلو سألت القراء الكرام في أي مرحلة تعليم تدرس كاتبة هذا الخطاب، فأجزم بأن الغالبية ستقول في المرحلة الثانوية، أو على أقل تقدير في نهاية المرحلة المتوسطة، وبعضهم سيقول لا، بل في المرحلة الجامعية. والسبب في ذلك أن أمور البيئة وتأصيل الاهتمام والعناية بها في النشء يقبع في ذيل اهتمامات الأجهزة الحكومية لغالبية المجتمعات النامية التي نحن إحداها، فكيف نتوقع وجودها ضمن العملية التعليمية لتلك الدول !؟الحقيقة التعليمية والتربوية المؤلمة للخطاب أعلاه (وهو ترجمة حرفية من خطاب جودي باللغة الإنجليزية)، أن كاتبته هي الحفيدة الغالية جدا جودي بنت يوسف التويجري، وهي تلميذة في السنة الثانية ابتدائي بمدرسة حكومية بولاية نورث كارولينا الأمريكية، حيث ترافق والدتها ابنتي الطبيبة عذا التي في مراحلها النهائية لدرجة الدكتوراه بجامعة نورث كارولينا، وفقها الله وبقية مبتعثينا.لماذا هذا الخطاب يشكل حقيقة تعليمية وتربوية مؤلمة !؟ الألم في هذا الخطاب، من وجهة نظري، يعود لسـببين:السبب الأول: واقع حالنا البيئي المؤلم في المملكة، وذلك حينما نرى النفايات ترمى من السيارات التي تسير على الطرق العامة، وانتشار النفايات على الطرق العامة والمنتزهات والأراضي القفار، بل وفي فصول المحاضرات والردهات بالجامعات !؟السبب الثاني: وهو الأكثر ألما، حينما يعلم القارئ الكريم من هو السيد مكروري؟ السيد مكروري هو حاكم ولاية نورث كارولينا الأمريكية ذات العشرة ملايين نسمة، والحفيدة جودي تدرس في مدرسة ابتدائية حكومية بهذه الولاية بقرية لا يتجاوز عدد سكانها ستين ألف نسمة ! وبالتالي، كيف لطفلة في ثاني ابتدائي وعمرها لم يتجاوز سبع سنوات وشهرين تعرف اسم حاكم الولاية، ونحن البالغين من دكاترة وموظفين الذين احتفلنا قبل أيام قليلة بكرنفال انتخابات المجالس البلدية لا نعرف حتى أسماء المرشحين لتلك المجالس، ناهيك عن برامجهم الانتخابية !؟الإجابة على تلك الأسئلة المؤلمة موجودة في «صناعة» التعليم، التي أحد وجهيها المعلم، والوجه الآخر المنهج والبيئة التعليمية، من إدارة ومبنى وتجهيزات. فالحفيدة جودي لم تكتسب معرفة جزئية دقيقة جدا عن البيئة والاهتمام بها والغيرة عليها من المنزل، وذلك بدلالة قولها في خطابها اللطيف: «قرأنا مقالا في الفصل». أي أن بداية الاهتمام بالبيئة لدى الآنسة جودي كانت في الفصل الدراسي ثاني ابتدائي. ومن جانب آخر، فمن المؤكد أن معلمة جودي، أثناء تعريف تلاميذ السنة الثانية ابتدائي بالبيئة والممارسات الضارة عليها وكيفية حمايتها، قد تطرقت إلى تعريف التلاميذ بمن تقع عليه المسؤولية النظامية لحماية البيئة والمحافظة عليها في ولاية نورث كارولينا، ذلكم هو حاكم الولاية (أو أمير المنطقة عندنا)؛ وهو الذي وجهت الآنسة جودي خطابها إليه.باختصار شديد، فإن تطوير التعليم هو بمثابة «صناعة» تحتاج عملا دؤوبا لسنوات طويلة جدا، على الأقل جيل كامل (16 سنة)، وليس سنتين أو أربعا، كما اعتقد البعض حين أوهمنا الإعلام الأكاديمي قبل سنوات بتطور تعليمنا العالي ومنافسته الجامعات العالمية بدلالة قفز بعض جامعاتنا على سلالم التصنيفات العالمية للجامعات من ترتيب 3000 إلى أقل من 200 خلال أقل من ثلاث سنوات !؟والجانب الآخر في صناعة التعليم، يمكن تشبيهه بجزئية ترميم المنزل، مقارنة ببناء منزل جديد. حيث في أحيان كثيرة جدا يمكن بناء منزل جديد خلال فترة زمنية أقصر من الفترة اللازمة لترميم منزل قديم، بل وبتصميم أجمل وأحدث وبتكاليف أقل. وبالتالي، لا أعتقد ستواجه وزارة التعليم صعوبات كثيرة في تطبيق أي خطة أو إستراتيجية تعليمية على تلاميذ السنة الأولى ابتدائي، وهي بمثابة بناء منزل جديد؛ في حين ستكون الصعوبات التي ستواجه عملية «ترميم» التلاميذ والطلبة الذين تجاوزوا السنة الأولى ابتدائي، كثيرة وكبيرة. وستزداد صعوبة وتكاليف «الترميم» بتقدم المرحلة التعليمية، بالضبط مثل تزايد صعوبة وتكاليف ترميم المنزل بتزايد عدد أدواره.إن فكرة الكتابة عن الخطاب اللطيف للحفيدة الغالية جودي التويجري لحاكم ولاية نورث كارولينا الأمريكية كانت موجودة قبل أسبوعين، ومن حسن الحظ تأخر كتابة المقال بعد وصول الدكتور أحمد العيسى لمقعد وزير التعليم، أعانه الله. حيث يوضح خطاب تلميذة ثانية ابتدائي لحاكم الولاية أن العملية التعليمية المتميزة تبدأ «صناعتها» من السنة الأولى ابتدائي، بل إن كثيرا من الدراسات التربوية والتنموية تؤكد على أن صناعة التعليم تبدأ في مرحلة الروضة، وهي المرحلة التي ينظر لها كثيرون في العالم النامي على أنها مرحلة ترفيهية لأطفال الأغنياء، ولا علاقة لها بالعملية التعليمية أو بناء شخصية الطفل. ومن أهم الكتب التي تؤكد على الأهمية الكبيرة لمرحلة رياض الأطفال كتاب روبرت فولجم:
«كل ما أحتاج معرفته تعلمته في رياض الأطفال»
All I Really Need to Know I Learned in Kindergarten, by Robert Fulghum.
ختاما، أكرر ما قاله بعض الكتاب والمهتمين بالتعليم من ضرورة إعطاء وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى الوقت الكافي للعمل على «ترميم» قطاع التعليم الحالي، وفي نفس الوقت إعطاؤه مزيدا من الوقت «لصناعة» تعليم جديد يبدأ من رياض الأطفال، حيث لن نرى نتائج هذه «الصناعة» إلا بعد 12 سنة على الأقل. ومن يعتقد بإمكانية تسريع عملية تطوير التعليم العام والجامعي وإنهائها خلال أربع أو ثمان سنوات، فهو لا محالة يتحدث عن عملية تطوير مطاعم المضغوط !؟


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
توعية المستهلك: «تفرّجوا» على تطوير المقاصف المدرسية!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..