الصفحات

الثلاثاء، 15 مارس 2016

ذى أتلانتيك| عقيدة أوباما..الرئيس الأمريكى يتحدث عن سياسته الخارجية حول العالم




153
الرئيس الأمريكي يتحدث عن أصعب قراراته حول دور أمريكا في العالم
في اليوم الذي عجَّل فيه باراك أوباما الرئيس الضعيف بنهاية مبكرة لعهد أمريكا باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم التي لا غنى عنها – أو ، بدلا من ذلك،
في اليوم الذي نظر  فيه الحكيم باراك أوباما إلى هاوية الشرق الأوسط وتراجع عن استهلاك الفراغ – بدأ بخطاب هادر ألقاه نيابة عنه وزير خارجيته، جون كيري، في واشنطن العاصمة . وكان موضوع خطاب كيري الذي ألقاه بطريقة تشرشل على نحو غير معهود منه، والذي ألقاه  في قاعة المعاهدات في وزارة الخارجية، حول ضرب الرئيس السوري، بشار الأسد  للمدنيين بالغاز.
إن أوباما – الذي خدمه وزير خارجيته كيري بإخلاص ولكن ببعض السخط –  اندفع هو نفسه إلى الخطابة، ولكن ليس من ذلك النوع القتالي المرتبط بتشرشل. يعتقد أوباما أن المانوية والعدوانية البليغة، المرتبطة عادة مع تشرشل كان لها ما يبررها خاصة مع وصول هتلر للحكم، وكان يمكن الدفاع عنها – في بعض الأحيان – في النضال ضد الاتحاد السوفيتي. لكنه يعتقد أيضا أن الخطاب يجب أن يتميز بحالة من الحرص في الساحة الدولية التي أصبحت أكثر غموضا وتعقيدا اليوم. يعتقد الرئيس أن الخطاب التشرشلي وعادات تشرشل في التفكير ساهمت فى دفع  سلفه، جورج بوش،نحو الدخول إلى حرب مدمرة في العراق.
دخل أوباما البيت الأبيض عازمًا على الخروج من العراق وأفغانستان. وكان شديد الانتباه عندما وعد بالنصر في الصراعات التي يعتقد أنه لا يمكن النصر فيها. وقال لي بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي لأوباما، وأمين سر السياسة الخارجية، منذ وقت ليس ببعيد:   “إذا أمكنك القول، على سبيل المثال، إننا ذاهبون إلى تخليص أفغانستان من طالبان وبناء ديمقراطية مزدهرة هناك، فإن الرئيس يدرك أن شخصا ما، بعد سبع سنوات، سيجعلك تفي بهذا الوعد”.
لكن التصريحات المثيرة التي أدلى بها كيري في ذلك اليوم من أغسطس، والتي صاغ رودس جزءًا منها، كانت مترابطة بالغضب الحق والوعود الجريئة، بما في ذلك التهديد السافر من هجوم وشيك. لقد صعق كيري، مثل أوباما نفسه، من الجرائم التي ارتكبها النظام السوري في محاولة لاخماد الثورة المستمر منذ عامين. ففي ضاحية الغوطة في دمشق، قتل جيش الأسد أكثر من 1400 مدني بغاز السارين. كان الشعور القوي داخل إدارة أوباما أنه يجب معاقبة الأسد بشدة. ولكن في اجتماعات غرفة العمليات التي تلت الهجوم على الغوطة، حذر رئيس موظفي البيت الأبيض، دينيس ماكدونو، صراحة من مخاطر التدخل. في حين طالب جون كيري بالتدخل.
وقال كيري في خطابه: “كما تجمع العواصف السابقة في التاريخ، عندما كان في وسعنا إيقاف الجرائم التي لا توصف، وقد حذرنا من إغراءات النظر في الاتجاه الآخر” وأضاف “التاريخ مليء بالقادة الذين حذروا من التراخي واللامبالاة، وخصوصا ضد الصمت.”
وعد كيري الرئيس أوباما بين هؤلاء القادة.
 وقبل ذلك بعام، عندما اشتبهت الإدارة أن نظام الأسد كان يفكر في استخدام الأسلحة الكيميائية، أعلن أوباما: “لقد كنا واضحين جدا لنظام الأسد … وهذا خط أحمر بالنسبة لنا أن نبدأ برؤية مجموعة كاملة من أسلحة الكيميائية  يجري نقلها أو استخدامها. و ذلك سيغير حساباتي وبالتالي سأغير معادلتي”.
وعلى الرغم من هذا التهديد، بدا للعديد من النقاد أن أوباما انفصل ببرود عن معاناة السوريين الأبرياء، وفي وقت متأخر من صيف عام 2011، دعا إلى رحيل الأسد من أجل الشعب السوري، حيث قال أوباما: ” حان الوقت لأن يتنحى الرئيس الأسد” ولكن أوباما لم يبدأ بشيء ليعجل بنهاية الأسد.
كما رفض مطالب بالعمل منفردًا؛ لأنه يفترض، استنادا إلى تحليل من الاستخبارات الأمريكية، أن الأسد سيسقط دون مساعدته. وأضاف ” إنه يعتقد أن الأسد سيذهب كما ذهب مبارك”،  وقال لي دينيس روس، مستشار أوباما السابق لشئون الشرق الأوسط، في اشارة الى خروج الرئيس المصري حسني مبارك السريع في أوائل عام 2011، تلك اللحظة التي مثلت ذروة الربيع العربي. ولكن مع تشبث الأسد بالسلطة، زادات مقاومة أوباما للتدخل المباشر.
بعد عدة أشهر من المداولات، قال انه أذن لوكالة الاستخبارات المركزية بتدريب وتمويل المعارضة السورية، لكنه يشترك أيضا في وجهة النظر التي تبناها وزير دفاعه السابق، روبرت جيتس، الذي كان يطالب بشكل روتيني في الاجتماعات، “ألا ينبغي أن ننهي الحربين اللتين نخوضهما قبل أن نبحث عن أخرى؟ “
ودعت سفيرة الولايات المتحدة الحالية لدى الأمم المتحدة، سامانثا باور، التي كانت أكثر كبار مستشاري أوباما تدخلا، في وقت مبكر لتسليح المتمردين في سوريا. وباور التي  خدمت خلال تلك الفترة في مجلس الأمن القومي، هي مؤلفة كتاب ينتقد بشدة عددًا من رؤساء الولايات المتحدة لفشلهم في منع الإبادة الجماعية. وكان الكتاب الذي نشر في عام 2002 تحت عنوان: “مشكلة من الجحيم” ، قد لفت انتباه أوباما إلى باور حينما كانت في مجلس الشيوخ الأمريكي، على الرغم من أن الاثنين لم يكونا متفقين  أيديولوجيًّا. حيث إن باور متحزبة للمذهب المعروف باسم “مسئولية الحماية”، الذي يقول بأن السيادة قد تنتهك عندما يقوم نظام ما بذبح مواطنيه. كما أنها ضغطت عليه لتأييد هذا المذهب في كلمة ألقاها عندما حصل على جائزة نوبل للسلام في عام 2009، لكنه رفض. لا يعتقد أوباما أن الرئيس يجب ان يضع الجنود الأمريكيين في خطر كبير من أجل منع الكوارث الإنسانية، ما لم تكن تلك الكوارث تشكل تهديدا أمنيا مباشرًا للولايات المتحدة.
جادلت باور أحيانا مع أوباما أمام مسئولي مجلس الأمن القومي، لدرجة أنها لم تعد قادرة على إخفاء خيبة أملها. وكان قد قاطعها ذات مرة قائلاً “سامانثا، كفى، لقد قرأت كتابك بالفعل “.
إن أوباما، على عكس أنصار التدخل الليبراليين، معجب بواقعية السياسة الخارجية للرئيس بوش الأب، وعلى وجه الخصوص، تلك التي ينتهجها برنت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي للرئيس بوش، حيث ألمح لي  أوباما ذات مرة ” أحب هذا الرجل”. أخرج بوش وسكوكروفت جيش صدام حسين من الكويت في عام 1991، وتمكنا بمهارة من التخطيط لتفكيك الاتحاد السوفيتي. كما التقى سكوكروفت أيضا، نيابة عن بوش، بالقادة الصينيين بعد أيام قلائل من مذبحة ساحة تيانانمين. وحين كان أوباما يكتب برنامج حملته الانتخابية “جرأة الأمل” في عام 2006، شعرت سوزان رايس، التي كانت حينها مستشارا غير رسمي، أنه من الضروري أن نذكره بإضفاء بعض الثناء على السياسة الخارجية للرئيس بيل كلينتون، لتوازن جزئيًّا الثناء يكيله على بوش وسكوكروفت.
في بداية الانتفاضة السورية، في أوائل عام 2011، جادل باور بأن المتمردين، الذين جاءوا من صفوف المواطنين العاديين، يستحقون الدعم الأمريكي. فيما أشار آخرون إلى أن المتمردين كانوا مزارعين وأطباء ونجارين، مقارنين هؤلاء الثوار بالرجال الذين انتصروا في حرب الاستقلال الأمريكية.
إلا أن أوباما قلب هذا الطلب رأسا على عقب. فقد قال لي ذات مرة: “عندما يكون لديك جيش محترف ، ويكون مسلحًا بشكل جيد ومدعومًا من دولتين كبرتين” – إيران وروسيا –  ” لديهما مصالح كبيرة في هذا، وهم يقاتلون ضد مزارع ونجار ومهندس الذين بدأوا كمحتجين وفجأة وجدوا أنفسهم الآن في خضم حرب أهلية … ” وتوقف هنيهة  “إن فكرة أننا يمكن أن نغير –  بوسيلة نظيفة لم تستخدمها القوات الأمريكية –  المعادلة العسكرية على أرض الواقع ليست فكرة حقيقية” وهي الرسالة التي أبرقها أوباما في خطاباته وكان في جميع المقابلات واضحًا:  أنه لن ينتهي مثل الرئيس بوش الثاني، الرئيس الذي أصبح إفراطه مأساويًّا في الشرق الأوسط، والذي ملأ ردهات مستشفى والتر ريد العسكري بالجنود الجرحى، الرئيس الذي لم يتمكن من إنقاذ سمعته ، حتى عندما عمل على تعديل سياساته في فترة ولايته الثانية. إن أوباما يقول سرا أن المهمة الأولى للرئيس الأمريكي في الساحة الدولية بعد بوش هي “لاتقم بأشياء غبية”.
أحبط تحفظ أوباما باور وآخرين في فريق الأمن القومي الذي كان يفضل التدخل. دعت هيلاري كلينتون، عندما كانت وزيرة خارجية  أوباما ، من أجل الاستجابة المبكرة والحازمة لعنف الأسد. في عام 2014، قالت كلينتون لي بعد أن تركت منصبها إن “فشل المساعدة في بناء قوة قتالية موثوقة ممن أشعلوا الثورة ضد الأسد … ترك فراغا كبيرا، شغله الجهاديون الآن”، وعندما نشرت أتلانتيك هذا التصريح، ونشرت أيضًا تقييم كلينتون أن (الدول الكبرى بحاجة لمبادئ تنظيمية،  وأن “لا تقم بأشياء غبية” ليس مبدأ تنظيميًّا)  أصبح أوباما ” شديد الغضب”، وفقا لأحد كبار مستشاريه. لم يفهم الرئيس كيف “لا تقم بأشياء غبية” يمكن أن يعد شعارًا مثيرًا للجدل. يتذكر بن رودس أن “الأسئلة التي كنا نطرحها في البيت الابيض هي ” من هو بالضبط الذي غرق في التجمع الحزبي؟ من هو الموالي للغبي؟ ” . يعتقد أوباما أن غزو العراق  كان ينبغي أن يعلم أنصار التدخل من الديمقراطيين أمثال كلينتون، الذين صوتوا لتفويضه، وخطورة القيام بأشياء غبية. ( واعتذرت كلينتون بسرعة لأوباما على تعليقاتها، وأعلن متحدث باسم كلينتون أنهما  قد أنهوا المسألة عندما تقابلا في مارثا فينيارد لاحقًا). 
بالنسبة لأوباما، تمثل سوريا منحدر زلق ربما يكون مثل العراق. حيث وصل – في فترة ولايته الأولى – إلى الاعتقاد بأن هناك عدد من التهديدات في الشرق الأوسط تبرر التدخل العسكري الأمريكي المباشر. ومن ضمنها التهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة. والأخطار التي تهدد استمرار وجود إسرائيل (قال لي ذات مرة ” سيكون فشلاً أخلاقيًّا بالنسبة لي كرئيس الولايات المتحدة إن لم أدافع عن إسرائيل )  وتلك التي علاقة لها بأمن إسرائيل، مثل التهديد الذي يشكله السلاح النووي الإيراني. وقال إن الخطر الذي يشكله نظام الأسد على الولايات المتحدة لا ترقى إلى مستوى هذه التهديدات.
ونظرًا لتحفظ أوباما حول التدخل، فقد كان الخط الاحمر  البراق الذي رسمه للأسد في صيف عام 2012 ملفتًا للنظر. حتى أن مستشاريه كانوا مذهولين. قال لي ليون بانيتا، وزير دفاعه آنذاك، “لم أكن أعرف أنه كان قادمة”. كما قيل لي أن نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن حذر أوباما كثيرًا من رسم خط أحمر على الأسلحة الكيميائية، خوفا من أن يجبروا في يوم من الأيام.
اقترح كيري، في تصريحات له يوم 30 أغسطس 2013،  أن الأسد يجب أن يعاقب جزئيا؛ لأن “مصداقية للولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها المستقبلية”  كانت على المحك. وكانت “ترتبط ارتباطا مباشرا بمصداقيتنا وما إذا كانت البلدان لا تزال تصدق الولايات المتحدة عندما تقول شيئا، إنهم يراقبون لمعرفة ما إذا كان بإمكان سوريا أن تفلت من العقاب، لأن وضع العالم حينذاك سيكون في خطر أكبر”.
وبعد تسعين دقيقة، في البيت الأبيض، عزز أوباما رسالة كيري في بيان علني: “من المهم بالنسبة لنا أن ندرك أن عند يلقى أكثر من ألف شخص مصرعهم، من بينهم مئات الأطفال الأبرياء، باستخدام سلاح حظره 98 أو 99 % من البشر حتى في حالة الحرب، ولا يكون هناك أي إجراء، فبذلك نقوم بإرسال إشارة إلى أن هذا المعيار الدولي لا يعني الكثير. وهذا يشكل خطرًا على أمننا القومي”. 
ويبدو كما لو كان أوباما قد توصل إلى نتيجة أن الأضرار التي لحقت بمصداقية الولايات المتحدة في منطقة واحدة من العالم سوف تتسلل إلى مناطق أخرى، وكانت مصداقية الردع الأمريكية فعلا على المحك في سوريا. و يبدو أن الأسد قد نجح في دفع الرئيس إلى مكان لم يسبق له الاعتقاد بأنه سيذهب إليه. و يعتقد أوباما أن مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن، التي يزدريها سرا، خلقت صنمًا من “مصداقية” –  وخاصة هذا النوع من المصداقية التي تشترى بالقوة. و يقول إن الحفاظ على المصداقية أدى إلى فيتنام. ومن داخل البيت الأبيض، يرى أوباما أن “إسقاط القنابل على شخص لإثبات أنك على استعداد لإسقاط القنابل على شخص ما هو أسوأ سبب لاستخدام القوة”.
مصداقية الأمن القومي الأمريكي، كما هو المفهوم عرفا في وزارة الدفاع ووزارة الخارجية ومجموعة من مؤسسات الفكر والرأي والتي تقبع على مسافة قريبة من البيت الأبيض، هي قوة غير مادية شديدة  وتكون فعالة عندما يتم رعايتها بشكل صحيح، وتوفر لأصدقاء أمريكا شعورًا بالأمن ، كما أنها تحافظ على نظام دولي مستقر.
في اجتماعات البيت الأبيض فى ذلك الأسبوع الحاسم من أغسطس، أكد بايدن، الذي عادة ما يشارك أوباما مخاوفه حول التجاوز الأمريكي،  أن “الدول الكبرى لا تخادع”. يعتقد أقرب حلفاء أمريكا في أوروبا والشرق الأوسط أن أوباما يهدد بالقيام بعمل عسكري، وكذلك فعل مستشاروه. وفي مؤتمر صحفي مشترك مع أوباما في البيت الأبيض في مايو السابق، قال ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، ” يتم كتابة تاريخ سوريا بدماء شعبها، وهذا يحدث على مرأى ومسمع منا “. وكان بيان كاميرون – كما قال لي أحد مستشاريه –  من المفترض أن يشجع أوباما باتجاه عمل أكثر حسمًا. وأضاف أن “كان رئيس الوزراء بالتأكيد تحت تأثير انطباع بأن الرئيس سيطبق الخط الأحمر”. وأخبر عادل الجبير، السفير السعودي في واشنطن آنذاك، أصدقاءه ورؤساءه في الرياض، إن الرئيس أصبح أخيرًا مستعد للضرب. وقال الجبير، الذي أصبح الآن وزير خارجية السعودية، لأحد  محاوريه إن أوباما “يحسب مدى أهمية هذا الأمر” وأضاف أنه “سيضرب بالتأكيد”.
وكان أوباما قد أمر البنتاغون بوضع قوائم المستهدفين. وكانت هناك خمسة مدمرات في البحر الأبيض المتوسط على استعداد لاطلاق صواريخ كروز على أهداف النظام. كذلك كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أكثر زعماء أوروبا تأييدًا للتدخل، على استعداد للضرب أيضًا. وفي كل أسبوع، كان مسئولون في البيت الأبيض يؤكدون أن الاسد ارتكب جريمة ضد الإنسانية. وجاءت كلمة كيري لتمثل تتويجًا لهذه الحملة.
وازداد اضطراب الرئيس. ففي الأيام التي تلت ضرب الغوطة بالغاز، قال لي أوباما في وقت لاحق إنه وجد نفسه يتراجع عن فكرة هجوم لم يصرح به القانون الدولي أو يوافق عليه الكونجرس. ويبدو أن الشعب الأمريكي غير متحمس للتدخل في سوريا. وكذلك فعل أحد الزعماء الذين يحترمهم أوباما، أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية. حيث قالت له إن بلادها لن تشارك في حملة عسكرية في سوريا. وفي تطور مذهل، يوم الخميس، 29 أغسطس، رفض البرلمان البريطاني السماح لديفيد كاميرون  بالهجوم على سوريا.  
إضافة إلى ذلك، ساهمت زيارة مفاجئة قام بها  جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية ، في تردد أوباما في ضرب سوريا، عندما أخبره بأنه على الرغم من أن المعلومات الاستخباراتية حول استخدام غاز السارين في سوريا تعتبر ضخمة، إلا أنها لا تشكل “ضربة قاضية”. وقد اختار هذا المصطلح بعناية. حيث إن كلابر، رئيس مجتمع الاستخبارات المصابين بصدمات نفسية بسبب فشلهم في الفترة التي سبقت حرب العراق، لن يفرط في في الوعود، على طريقة مدير وكالة الاستخبارات المركزية جورج تينيت، الذي ضمن لجورج دبليو بوش “الضربة القاضية “في العراق.
في حين أن وزارة الدفاع الأمريكية ما زالت تتجه نحو والرئيس قد حان للاعتقاد بأنه كان يسير في فخ واحد وضعت على حد سواء من حلفاء وخصوم،
في الوقت الذي كان فيه البنتاجون وأجهزة الأمن القومي في البيت الأبيض يستعدان للحرب (قال لي جون كيري إنه يتوقع ضربة اليوم بعد خطابه)،، كان الرئيس قد توصل إلى اعتقاد بأنه كان يسير نحو فخ ــ يقوده إليه حلفاؤه وأعداؤه”، إضافة إلى التوقعات التقليدية التي  يفترض أن يقوم بها الرئيس الأمريكي. 
لم يفهم العديد من مستشاريه شكوكه العيمقة. وكان مجلس وزرائه وحلفائه بالتأكيد على علم بها. ولكن شكوكه تتزايد يوميًّا. وفي وقت متأخر بعد ظهر يوم الجمعة، قرر أوباما أنه ببساطة لم يكن مستعدا للضربة العسكرية. طلب من ماكدونو، رئيس أركانه، أن يتمشى معه في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض. لم يختر أوباما ماكدونو عشوائيا: فهو مساعد أوباما الأكثر نفورا إزاء أي تدخل عسكري أمريكي، كما أنه شخص يعتقد –  بحسب تعبير أصدقائه – “بوجود الفخاخ” ومن جهة كان أوباما، وهو الرجل الواثق بنفسه، يبحث عن التصديق ومحاولة ابتكار طرق جديدة لشرح تغيير رأيه  لمساعديه وللجمهور. ومكث هو وماكدونو في الخارج لمدة ساعة. وقال أوباما إنه يشعر بالقلق من أن يضع الأسد المدنيين ك “دروع بشرية” حول أهداف واضحة. وأشار أيضا إلى وجود ثغرة أساسية في الضربة العسكرية  المقترحة: لن تطلق الصواريخ الامريكية على مستودعات الأسلحة الكيميائية، خوفا من تصاعد أعمدة السموم في الهواء. ربما تستهدف الضربة الوحدات العسكرية التي سلمت هذه الأسلحة، ولكن ليس الأسلحة ذاتها.
يشترك أوباما أيضًا مع ماكدونو في استياء طويل الأمد: فقد كان متعبا من مراقبة واشنطن وهي تنجراف نحو حرب بدون تفكير في الدول المسلمة. قبل أربع سنوات، اعتقد الرئيس أن البنتاجون “ورطه” في زيادة القوات الأمريكية إلى أفغانستان. والآن، ظهرت الأزمة السورية، وبدأ في الشعور بالتورط مرة أخرى.
وعندما رجع الرجلان الى المكتب البيضاوي، أخبر الرئيس مساعديه للأمن القومي أنه يعتزم التراجع. لن يكون هناك هجوم في اليوم التالي. أراد أن يحيل المسألة إلى الكونجرس للتصويت عليها. وصدم مساعديه في الغرفة. قالت سوزان رايس،  التي أصبحت مستشارة الأمن القومي لأوباما ، إن الضرر بمصداقية أمريكا سيكون خطيرًا ودائمًا. فيما وجد آخرون صعوبة في فهم كيف يتراجع الرئيس قبل يوم من الضربة المقررة. ومع ذلك، كان أوباما هادئا تماما. وقال لي بن رودس “اذا كنت معه، كنت  علمت متى يكون مترددا حول شيء ما، خاصة عندما يكون قرار 51 – 49”.  مضيفًا “لكنه كان مطمئنًا تمامًا “.
منذ وقت ليس ببعيد، طلبت من أوباما أن يصف كيف كان يفكر في ذلك اليوم. فسرد هموم العملية التي شغلت باله. فقال:  “كان لدينا مفتشو الأمم المتحدة على الأرض يستكملون عملهم، ولا يمكن أن نخاطر بالهجوم وهم هناك. وكان العامل الرئيسي الثاني هو فشل كاميرون في الحصول على موافقة من البرلمان”.
أما العامل الثالث، وهو الأهم،  كان “تقديراتنا أنه في حين قد نلحق بعض الضرر بقوات الأسد، فلن نتمكن، من خلال هجوم صاروخي، من القضاء على الأسلحة الكيميائية نفسها، وسيكون ما أواجهه  هو احتمال نجاة الأسد من الضربة ويدعي أنه تحدى الولايات المتحدة بنجاح، وأن الولايات المتحدة تصرفت بشكل غير قانوني في غياب تفويض من الأمم المتحدة، وهو ما سيعزز قوته بدلا من إضعافها “. 
أما العامل الرابع، فقال: كان ذو أهمية فلسفية أعمق. وهو ما جعلني أطيل التفكير لبعض الوقت. وقال وصلت إلى مكتبي باعتقاد قوي أن نطاق السلطة التنفيذية في قضايا الأمن القومي واسع جدا، ولكن له حدود.”
يدرك أوباما أن قراره بعدم قصف سوريا أغضب حلفاء أمريكا. وقال لي رئيس وزراء فرنسا، مانويل فالس، إن حكومته كانت قلقة بالفعل من عواقب التقاعس عن التدخل في سوريا من البداية، “لقد خلقنا وحشا بعدم التدخل في وقت مبكر” وأضاف “كنا على يقين بأن الإدارة الأمريكية ستوافق. إلا أن التراجع كانت مفاجأة كبيرة. وإذا قصفنا كما كان مقررًا، أعتقد أن الأمور كانت ستختلف اليوم”.
وقال ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان لزائريه الأمريكيين إن “الولايات المتحدة يقودها رئيس غير جدير بالثقة”، كذلك شعر ملك الأردن عبد الله الثاني باستياء بسبب ما اعتبره رغبة أوباما غير المنطقية للابتعاد عن حلفائه التقليديين من العرب الستة وينشئ تحالفاً جديداً مع إيران الداعم الشيعي للأسد. وقال لأحد المقربين منه : “أؤمن بقوة أمريكا أكثر مما يفعل أوباما”. والسعوديون أيضاً غضبوا من العدول عن الضربة، حينها عاد الجبير وقال للمسئولين في الرياض “إيران هي القوة الكبرى الجديدة في الشرق الأوسط، والولايات المتحدة هي القوة القديمة”.
أحدث قرار أوباما  اضطرابات في واشنطن كذلك. جون ماكين وليندسي جراهام، وهما من صقور الجمهوريين البارزين في مجلس الشيوخ، اجتمعا مع أوباما في البيت الأبيض في وقت سابق من الأسبوع و وعدهم بالهجوم. وقد كانوا غاضبين. ولحق الضرر بقلب الإدارة. لم يكن  تشاك هيجل، وزير الدفاع آنذاك، ولا جون كيري في المكتب البيضاوي عندما أبلغ رئيس فريقه بما يفكر فيه. لم يكن كيري يعلم بأمر التغيير حتى وقت لاحق من ذلك المساء. وقال لأحد أصدقائه بعد فترة وجيزة من التحدث إلى الرئيس في تلك الليلة:  “لقد خدعني أوباما”. ( عندما سألت كيري عن تلك الليلة الصاخبة، قال: “لم أتوقف عن التحليل. وأنا أقدر أن الرئيس لديه سبب وجيه لاتخاذ مثل هذا القرار، وبصراحة، فهمت فكرته”. )
ووسط هذا الارتباك، لاحت طريقة الخروج أمام أوباما في قمة العشرين التي عقدت في سانت بيترسبرغ، والتي عقدت بعد أسبوع على النقاش حول سوريا. يومها انفرد أوباما بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين جانباً، وقال له “إذا أجبرت الأسد على التخلص من الأسلحة الكيميائية، فإن هذا الأمر يلغي الحاجة لعمل عسكري”. وخلال أسابيع، كان كيري يعمل مع نظيره الروسي سيرجي لافروف من أجل التخطيط لـ “إزالة” ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية، التي رفض الأسد الاعتراف بوجودها. 
و مدح الرئيس أوباما الترتيب الذي قدمه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي كان له علاقة مثيرة للجدل على الدوام. وقال لي نتنياهو ، بعد الاعلان عن الصفقة، إن إزالة مخزون الأسلحة الكيميائية السورية يمثل “شعاع ضوء واحد في منطقة مظلمة جدًا.” 
لا يطيق جون كيري اليوم صبرًا عند مناقشة من يجادلونه بأن أوباما كان يجب أن يقصف مواقع نظام الأسد لدعم قوة الردع الأمريكية.  وقال ” لا يزال هناك  أسلحة، وربما  تقاتل داعش للسيطرة على الأسلحة،  وكل هذا لا معنى له.  ولكن لا أستطيع أن أنكر أن فكرة الخط الأحمر اخترقت وولم يكن قي وسع [أوباما] إحيائها”.
يدرك أوباما أن قرار التراجع عن الضربة الجوية، والسماح بانتهاك الخط الأحمر الذي وضعه بنفسه دون عقاب، سينتقده المؤرخون بلا رحمة ولكن اليوم هذا القرار هو مصدر ارتياح عميق بالنسبة له.
وقال لي ذات مرة “إنني فخور جدا بهذه اللحظة”   لقد ذهب عني العبء الثقيل للحكمة التقليدية وآلية أجهزة أمننا الوطني.  إن فكرة تعرض مصداقيتي للخطر، وأن مصداقية أمريكا كانت على المحك. ولذا كان علي أن أضغط على زر التوقف في تلك اللحظة، كنت أعرف أن هذا سيكلفني سياسيا. وحقيقة أنني كنت قادرا على التراجع بعيدًا عن الضغوط المباشرة والتفكير في مصلحة أمريكا، وليس فقط في ما يتعلق بسوريا ولكن أيضا فيما يتعلق بديمقراطيتنا، كان أصعب قرار اتخذته، وأعتقد أنه كان في نهاية المطاف قرارًا صحيحًا”.
في تلك اللحظة كان الرئيس يعتقد أنه تمكن في النهاية من الانفصال عما يسميه ، بسخرية، “كتاب قواعد واشنطن.”
وقال: “أين أكون مثيرًا للجدل؟ عندما يتعلق الأمر باستخدام القوة العسكرية”، وأضاف “هذا هو مصدر الجدل. هناك كتاب قواعد في واشنطن من المفترض أن يتقيد به الرؤساء. إنها قواعد اللعبة التي أصدرتها مؤسسة السياسة الخارجية. ويصف كتاب قواعد اللعبة  كيفية الردود على أحداث مختلفة، وهذه الردود تميل إلى أن تكون ردود عسكرية. وعندما تهدد أمريكا مباشرة، يعمل كتاب قواعد اللعبة. لكنه أيضًا يمكن أن يكون فخًا يؤدي إلى قرارات سيئة. وفي خضم التحديات الدولية مثل سوريا، فإنك تحاكم بقسوة إذا لم تتبع كتاب القواعد، حتى لو كانت هناك أسباب وجيهة لعدم الأخذ به”.
لقد وصلت إلى اعتقاد بأن –  بحسب أوباما –  يوم 30 أغسطس 2013 كان بمثابة يوم التحرير له ، فهو اليوم الذي لم يتحدى فيه مؤسسة السياسة الخارجية وقواعد لعبة صواريخ كروز فقط، ولكن أيضًا مطالب حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط  المحبطي – تلك الدول  التي تسعى لاستغلال “العضلات” الأمريكية لأغراض ضيقة وطائفية بحسب ما أسر به لأصدقائه ومستشاريه –   وبحلول عام 2013، تطور استياء أوباما بشدة. استاء من القادة العسكريين الذين يعتقدون أنه بإمكانهم إصلاح أي مشكلة إذا كان أعطاهم القائد العام ما أرادوا، وكان ايضًا مستاء من مجمع مؤسسات السياسة الخارجية. حيث كان هناك شعور سائد داخل البيت الأبيض بأن العديد من أبرز مؤسسات الفكر والرأي في السياسة الخارجية في واشنطن يمولها عرب وموالين لإسرائيل. لقد سمعت أحد مسئولي الادارة يشير إلى جادة ماساتشوستس، مقر العديد من هذه المؤسسات، ويقول “المنطقة التي يحتلها العرب”
بالنسبة لبعض الخبراء في السياسة الخارجية، وحتى داخل إدارته، فإن تغير رأي أوباما على فرض الخط الأحمر كان لحظة محبطة حيث أظهر ترددًا وسذاجةً، وألحق أضرارًا بالغة بمكانة أمريكا في العالم. و مؤخرا قال لي ليون بانيتا، الذي شغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية ثم وزيرًا للدفاع في ولاية أوباما الأولى، “بمجرد أن يرسم القائد العام ذلك الخط الأحمر فإنني أعتقد أن مصداقية القائد العام ومصداقية هذه الأمة على المحك إذا لم يتم تنفيذه”  وعقب نكوص أوباما، قالت هيلاري كلينتون في حديث خاص” إذا قلت بأنك ستضرب، فعليك أن تضرب، لا يوجد أي خيار”.
وكتب شادي حميد، باحث في معهد بروكينجز، في صحيفة أتلانتك في ذلك الوقت : “يكافأ الأسد على استخدامه الأسلحة الكيميائية، بدلا من أن يعاقب كما كان مقررًا.  لقد خطط لإزالة التهديد العسكري الأمريكي دون أن يعطي شيئًا في المقابل”.
حتى المعلقون الذين كانوا متعاطفين مع سياسات أوباما رأوا ان هذا القرار كارثيًّا. حيث كتب جدعون روز، المحرر في مجلة الشئون الخارجية،  كان تعامل أوباما في هذه الأزمة – في البداية أعلن عن التزام كبير،  ثم تدرج نحو التخلي عن ذلك، ثم يرمي بالكرة إلى الكونجرس لاتخاذ القرار –  دراسة حالة عن ارتجال هواة محرج.”
فيما يدحض المدافعون عن أوباما ذلك  بقولهم إنه لم يضر بمصداقية الولايات المتحدة، مشيرين إلى اتفاق الأسد لاحقا لإزالة أسلحته الكيميائية. وأخبرني تيم كين، سيناتور ديمقراطي من ولاية فرجينيا، أن “التهديد باستخدام القوة موثوق بما يكفي لهم لكي يتخلوا عن أسلحتها الكيميائية”، وأضاف:” هددنا بعمل عسكري وهم استجابوا. هذا هو مصداقية الردع”.
ربما يسجل التاريخ 30 أغسطس 2013، بأنه اليوم الذي منع فيه أوباما الولايات المتحدة من الدخول في حرب أهلية وخيمة بين المسلمين، واليوم الذي أزال تهديد بالهجوم الكيماوي على إسرائيل وتركيا والأردن. أو ربما يتذكره باعتباره اليوم الذي ترك الشرق الأوسط يفلت من قبضة أمريكا، ليقع في أيدي روسيا وإيران وداعش.
تحدثت في المرة الأولى مع أوباما حول السياسة الخارجية عندما كان عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي في عام 2006. في ذلك الوقت، كنت على دراية بنص خطاب كان قد ألقاه قبل أربع سنوات، في تظاهرة في شيكاغو ضد الحرب. كان خطابًا غير عادي لمسيرة مناهضة الحرب. تحدث أوباما، الذي كان آنذاك عضو مجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي، ضد موضوع محدد وكان ، في ذلك الوقت، لا يزال نظريا، وهو موضوع الحرب. وقال “أنا غير مضلل عن حقيقة صدام حسين .. إنه رجل وحشي .. رجل لا يرحم … لكنني أعرف أيضا أن صدام لا يشكل تهديدا وشيكا ومباشرا للولايات المتحدة أو لجيرانه .. أعرف أن غزو العراق من دون منطق واضح وبدون دعم دولي قوي سيؤدي إلى تأجيج النيران من منطقة الشرق الأوسط، وتشجيعًا للأسوأ  وليس الأفضل، دفعات من العالم العربي، وتعزيز ذراع التجنيد في تنظيم القاعدة”.
جعلني هذا الخطاب  متشوقًا لمعرفة صاحبه. أردت أن أعرف كيف لسيناتور في ولاية إلينوي، وأستاذ القانون بدوام جزئي الذي قضى أيامه متنقلا بين شيكاغو وسبرينجفيلد، له مثلا هذه البصيرة لفهم المستنقع القادم أكثر  من مفكري السياسة الخارجية الأكثر خبرة في حزبه، بما في ذلك شخصيات مثل هيلاري كلينتون وجو بايدن وجون كيري، ناهيك، بطبيعة الحال، عن معظم الجمهوريين وكثير من محللي السياسة الخارجية.
ومنذ ذلك الاجتماع الأول في عام 2006، قابلت أوباما بشكل دوري، لنتناقش حول القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط. ولكن على مدى الأشهر القليلة الماضية، قضيت عدة ساعات نتحدث معه حول مواضيع أوسع حول “لعبة السياسة الخارجية الطويلة”، بما في ذلك الموضوعات التي كان أكثر حرصا على مناقشتها وأعني تلك التي لها علاقة بالشرق الأوسط.
وقال لي في إحدى هذه المحادثات: “إن داعش لا تمثل تهديدا وجوديا للولايات المتحدة، فيما يشكل تغير المناخ تهديدا وجوديا محتملا على العالم بأسره إذا لم نقم بشيء حياله”. وأوضح أوباما أنه يقلق من تغير المناخ على وجه الخصوص لأنه ” مشكلة سياسية مصممة تماما لمواجهة التدخل الحكومي. فهي تشمل جميع الدول.  كما أنها حالة طوارئ تسير بخطى بطيئة”.
في هذه اللحظة، وبطبيعة الحال، كانت  القضية الأكثر إلحاحا هي القضية السورية. ولكن في أي لحظة، يمكن أن تنهار رئاسة أوباما بأكملها بسبب عدوان كوريا الشمالية، أو هجوم روسي على إحدى دول حلف الناتو، أو هجوم  يتنفذه تنظيم داعش على الأراضي الأمريكية. ولم يواجه
كثير من الرؤساء مثل هذه التجارب المتنوعة على الساحة الدولية كما فعل أوباما. 
كان هدفي من محادثاتنا الأخيرة هو رؤية العالم من خلال عيون أوباما، وفهم ما يؤمن به والدور الأمريكي المنشود في العالم. وعززت هذا المقال بسلسلة المحادثات الأخيرة التي أجريت في المكتب البيضاوي. خلال مأدبة غداء، وعلى متن طائرة الرئاسة، وفي كوالالمبور خلال زيارته الأخيرة إلى آسيا في نوفمبر. وشمل المقال  أيضًا مقابلاتي السابقة معه وخطاباته وتأملاته العامة، فضلا عن حوارات مع كبار مستشاريه للسياسة الخارجية والأمن القومي، والزعماء الأجانب والسفراء في واشنطن، وأصدقاء الرئيس وآخرين ممن تكلموا معه حول سياساته وقراراته، إضافة إلى خصومه ومنتقديه.
على مدار حديثنا، رايت في أوباما رئيسًا  صار – بثبات – أكثر جبرية  حول القيود المفروضة على قدرة الولايات المتحدة على توجيه الأحداث العالمية، وحتى في وقت متأخر من رئاسته حيث تراكمت عليه مجموعة من إنجازات تاريخية مثيرة للجدل في السياسة الخارجية، إضافة إلى الإنجازات المؤقتة، ومن هذه الإنجازات: الانفتاح على كوبا، واتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، واتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، وبطبيعة الحال، الاتفاق النووي الإيراني. هذه هي إنجازاته على الرغم من شعوره المتنامي بأن هناك قوات أكبر كثيرا ما تتآمر ضد أفضل النوايا الأمريكية. لكنه أيضا أدرك – كما أخبرني – أن هناك القليل مما تم إنجازه في الشئون الدولية من دون قيادة الولايات المتحدة.
أوباما تحدث إلي من خلال هذا التناقض الواضح، حيث قال: “أريد الرئيس الذي لديه شعور بأنه لا يمكنه إصلاح كل شيء”، ولكن من ناحية أخرى فسر ما يعنيه قائلاً : “إذا لم نقم بتحديد جدول الأعمال ، فلن يحدث شيء”. وقال أيضًا :”الحقيقة أنه لا توجد قمة حضرتها منذ أن توليت الرئاسة لم نضع لها جدول أعمال، لأننا لسنا مسئولين عن النتائج الأساسية”، مضيفًا : “هذا صحيح سواء كنت تتحدث عن الأمن النووي، أو عن إنقاذ النظام المالي العالمي، أو عن المناخ.”
وفي أحد الأيام، وعلى مأدبة غداء في غرفة الطعام في المكتب البيضاوي، سألت الرئيس كيف يعتقد أن يفهم المؤرخين سياسته الخارجية. بدأ بشرح شبكة المدارس الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية والمكونة من أربعة مربعات. أطلق على أحدها اسم “الانعزالية”، وهو ما رفضه جملة وتفصيلا ، لأن “العالم في تقلص مستمر”، وقال: “إن الانسحاب يعد ضعفًا ولا يمكن الدفاع عنه” والمربعات الأخرى أسماها : “الواقعية” و”التدخل الليبرالي” ، و”الأممية” ، وأضاف ” يمكنك أن تصنفني كـ “واقعي” في الاعتقاد بأننا لا نستطيع، في أي لحظة، أن ننهي جميع البؤس في العالم” ، مضيفًا:  “علينا اختيار المكان الذي يمكن أن يكون لنا فيه  تأثير حقيقي”. كما أشار إلى أنه يمكن أن يصنف على أنه أممي، فقد كرس نفسه لتعزيز المنظمات المتعددة الأطراف والأعراف الدولية.
قلت له كان انطباعي بأن الصدمات المختلفة خلال السنوات السبع الماضية عززت التزامه بالقيود التي تفرضها الواقعية. فهل دفعته فترتا ولايته في البيت الأبيض إلى التدخل؟
رد أوباما قائلاً : “بالنسبة لجميع المشاكل الصغيرة لدينا، كانت الولايات المتحدة بوضوح هي قوة الخير في العالم” وأضاف: “إذا قارنت بيننا وبين القوى العظمى السابقة، فإننا نعمل أقل منها على أساس المصلحة الذاتية المجردة، وكان اهتمامنا منصبًا على وضع القواعد التي يستفيد منها الجميع. وإذا كان من الممكن فعل الخير بتكلفة محتملة، لإنقاذ الأرواح، سنقوم بذلك “.
ويقول أوباما:  إذا لم تتوافق أي أزمة أو كارثة إنسانية مع معاييره الصارمة لما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، فهو لا يعتقد أنه مجبر على السكوت. فهو ليس ذلك واقعيًّا بهذا القدر، وأضاف أنه لن يصدر حكما على غيره من القادة. ورغم أنه استبعد استخدام القوة الأمريكية المباشرة للإطاحة بالأسد، فقد اصر على أنه لم يكن مخطئا، داعيًا الأسد إلى الرحيل. “في كثير من الأحيان عندما تلتقي منتقدي سياستنا بشأن سوريا، فأحد الأشياء التي سيقولونها : ‘أنت طالبت الأسد بالرحيل، ولكنك لم تجبره على ذلك. ولم تغزو سوريا”.  والفكرة هي إذا كنت لا تخطط للاطاحة بالنظام، يجب ألا تقول أي شيء. وهذه حجة غريبة بالنسبة لي، فإن فكرة أننا  إذا أردنا استخدام سلطتنا الأخلاقية بأن نقول هذا نظام وحشي، وهذه ليست الطريقة التي ينبغي أن يتعامل بها زعيم مع شعبه، وحالما تفعل ذلك، تصبح مضطرًا لغزو البلاد وتنصيب الحكومة التي تفضلها”.
وقال أوباما في حديث آخر: “إنني أممي بقدر أكبر” وأنا أيضا مثالي حيث أعتقد أننا يجب تعزيز القيم، مثل الديمقراطية والحقوق والمعايير والقيم الإنسانية، ليس لأنها تخدم مصالحنا فقط – فكلما زاد عدد من يتبنى قيمنا ،  وبنفس الطريقة اقتصاديا، إذا اعتمد الناس سيادة القانون وحقوق الملكية وهكذا دواليك، فهذا يصب في صالحنا – ولكن لأنه يجعل العالم مكانا أفضل.
وتابع: “أما وقد قلت ذلك .. أعتقد أيضا أن العالم أصبح صعبًا ومعقدًا وفوضوىًّا، ومليء بالمصاعب والمآسي. ومن أجل المضي قدما في تحقيق مصالحنا الأمنية والالتزام بتلك المثل والقيم التي نهتم بها، فقد أصبحنا واقعيين وفي نفس الوقت نحمل قلبًا كبيرًا، ونتخير مواقعنا، وندرك أننا حين  نذهب هناك سنقوم بأفضل ما يمكننا القيام به لتسليط الضوء على الفظائع هناك، ولكن لا أعتقد أننا يمكننا  أن نحلها تلقائيا. وستأتي أوقات تتعارض فيها مصالحنا الأمنية مع اهتماماتنا بحقوق الإنسان. وستأتي أوقات يمكننا أن ننقذ فيها الأبرياء الذين يقتلون، ولكن هناك أوقات أخرى لن يمكننا ذلك”.
وإذا كان أوباما يتساءل فيما مضى عما إذا كانت أمريكا حقا إحدى الأمم التي لا غنى عنها للعالم ، فإنه لم يعد يتساءل الآن. لكنه هو الرئيس النادر الذي يبدو له في بعض الأحيان أن الاستياء لا غنى عنه، بدلا من يتغلب عليه.  وقال لي: “المتسلقون غاضبون مني”. ومؤخرا، حذر أوباما من أن بريطانيا لن تكون قادرة على الادعاء بأن لها “علاقة خاصة” مع الولايات المتحدة اذا لم تلتزم بإنفاق ما لا يقل عن 2 % من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. وقال أوباما لديفيد كاميرون “يجب أن تدفع حصتك العادلة” ، ومن ثم رفع كاميرون النسبة إلى
2 %.
أوضح أوباما أن جزءاً من مهمته كرئيس هو تحفيز الدول الأخرى لإتخاذ الإجراءات اللازمة بنفسها, بدلاً من إنتظار الولايات المتحدة لكي تقودها. إن الدفاع عن النظام الدولي الليبرالي ضد الإرهاب الجهادي, والمغامرية الروسية, والتنمر الصيني يعتمد بشكل جزئي, كما يعتقد, على إستعداد الدول الأخرى لمشاركة العبء مع الولايات المتحدة. لهذا السبب الجدل المحيط بالتأكيد – الذي صدر من مسئول في الإدارة مجهول الهوية لصحيفة نيويوركر خلال أزمة ليبيا في 2011 – بأن سياسته هى  “القيادة من الخلف” . لقد أخبرني, “ليس علينا أن نكون دائماً في المقدمة. في بعض الأحيان سنحصل على ما نريد بالضبط لإننا نشارك الأجندة. المفارقة هي إنه كان بالضبط من أجل منع الدول الأوروبية والعربية من الإستفادة من نجاحنا بينما قمنا نحن بجميع القتال الذي صممنا عليه, عمداً” أن يقودونه أثناء المهمة الخاصة بعزل معمر القذافي عن السلطة في ليبيا. “لقد كان جزءاً من حملة مناهضة المنتفعين بالمجان.”
يبدو أن الرئيس أيضاً يؤمن بأن مشاركة القيادة مع الدول الأخرى هي طريقة لردع دوافع أمريكا الأكثر جموحاً. لقد أوضح, “أحد الأسباب التي تجعلني أركز بشدة على التصرف بشكل متعدد الأطراف عندما لا تكون مصالحنا المباشرة في خطر هو أن تعددية الأطراف تضبط العجرفة.” إنه يستشهد بصورة مستمرة بإخفاقات أمريكا الماضية في الخارج كوسيلة للتحقق من الإستقامة الذاتية الأمريكية. قال, “نحن لدينا تاريخ. لدينا تاريخ في إيران, لدينا تاريخ في إندونيسيا وأمريكا الوسطى. لذلك يجب أن نكون منتبهين لتاريخنا عندما نبدأ في التحدث عن التدخل, ونفهم مصدر شكوك الأشخاص الآخرين.”
في مساعيه لتحميل بعض مسئوليات السياسة الخارجية التي تتحملها أمريكا إلى حلفاءها, يبدو أوباما رئيساً يتبع سياسة التقشف الكلاسيكية على طريقة دوايت آيزنهاور وريتشارد نيكسون. التقشف, في هذا السياق, يُعرّف على إنه “التراجع, خفض النفقات, الحد من المجازفة, ونقل الأعباء إلى الحلفاء,” هذا ما شرحه لي ستيفن سيستانوفيتش, الخبير في السياسة الخارجية الرئاسية في مجلس العلاقات الخارجية. لقد قال, “إذا كان تم إنتخاب جون ماكين في 2008, كنت سترى درجة من التقشف. هذا هو ما أرادته الدولة. إذا توليت المنصب في وسط حرب لا تسير بشكل جيد, فأنت مقتنع بأن الشعب الأمريكي وظفك لكي تؤدي بشكل أقل.” قال سيستانوفيتش أن أحد الإختلافات بين آيزنهاور ونيكسون, من ناحية, وأوباما, من الناحية الأخرى, هو أن أوباما “يبدو وإنه كان لديه إلتزاماً شخصياً وأيدولوجياً بفكرة أن السياسة الخارجية قد استهلكت الكثير من إهتمام وموارد الدولة.”
لقد سألت أوباما عن التقشف. قال, “تقريباً كل قوة عالمية عظمى خضعت” للتوسع المفرط. “ما اعتقد إنه ليس فكرة ذكية هو إنه في كل مرة تكون هناك مشكلة, نرسل جيشنا لفرض النظام. نحن لا يمكننا فعل ذلك.”
لكن حالما يقرر أن تحدياً معيناً يمثل تهديداً مباشراً على الأمن القومي, أظهر إستعداداً للعمل بشكل منفرد. هذه واحدة من أكبر المفارقات في رئاسة أوباما: لقد شكك بإستمرار في فاعلية القوة, لكنه أيضاً أصبح أكثر صائدي الإرهابيين نجاحاً في تاريخ الرئاسة, رئيساً سوف يسلم لخليفته مجموعة من الأدوات التي سيحسده عليها قاتل بارع. يقول بن رودز, “إنه يطبق معايير مختلفة على التهديدات المباشرة للولايات المتحدة. على سبيل المثال, بالرغم من هواجسه حول سوريا, لم يتردد حول الطائرات بدون طيار.”يجادل بعض النقاد إنه كان يجب عليه أن يعيد التفكير في ما يرونه إستخدام مفرط للطائرات بدون طيار. لكن جون برينان, مدير السي آي إيه في عهد أوباما, أخبرني مؤخراً عن نفسه والرئيس “لدينا أراء متشابهة. أحدهم هو إنك في بعض الأحيان يكون عليك أن تُزهق روحاً لكي تُنقذ أرواحاً أكثر. لدينا نفس الرأي عن نظرية الحرب العادلة. يحتاج الرئيس لشبه يقين بعدم حدوث أضرار تبعية. لكن إذا كان يعتقد إنه من الضروري التصرف, فإنه لا يتردد.”
إن أولئك الذين يتحدثون مع أوباما عن الفكر الجهادي يقولون إنه يمتلك فهماً واضحاً للقوى التي تدفع العنف المروع بين المسلمين المتطرفين, لكنه كان حذراً من الإفصاح عن ذلك علناً, بدافع القلق من زيادة حدة الخوف من المسلمين. إنه يمتلك فهماً واقعياً للإثم والجُبن والفساد, وتقديراًعلى طريقة هوبز لكيف يشكل الخوف سلوك الإنسان. ومع هذا, فإنه على الدوام, وبإخلاص واضح, ينادي بالتفاؤل بأن العالم سينحني بإتجاه العدالة.إنه, بطريقة ما, متفائل على طريقة هوبز. 
التناقضات لا تنتهي هناك. على الرغم من إنه يشتهر بالإحتراز, إلا إنه كان حريصاً على التشكيك في بعض الإفتراضات طويلة الأمد التي تسند تفكير السياسة الخارجية الأمريكية التقليدي. بدرجة كبيرة, إنه مستعد للتشكيك في السبب الذي يجعل أعداء أمريكا أعداءها, ويجعل بعض أصدقاءها أصدقاءها. لقد أسقط نصف قرن من إجماع الحزبين من أجل إعادة إقامة علاقات مع كوبا. لقد تشكك لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تتجنب إرسال قواتها إلى باكستان لقتل قادة القاعدة, ويتشكك سراً لماذا يجب إعتبار باكستان, التي يعتبرها دولة مختلة وظيفياً, حليفاً للولايات المتحدة. بحسب ليون بانيتا, فإنه تشكك لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تحافظ على ما يُسمى التفوق العسكري النوعي لإسرائيل, الذي يمنحها إمكانية الحصول على أنظمة أسلحة أكثر تطوراً من تلك التي يحصل عليها حلفاء أمريكا العرب؛ وتشكك أيضاً في الدور الذي يلعبه الحلفاء العرب السنة لأمريكا في تحريض الإرهاب المُعادي لأمريكا. إنه غاضب بصورة واضحة من أن العقيدة التقليدية للسياسة الخارجيةترغمه على معاملة السعودية كحليف. وبالطبع قرر في وقت مبكر, في وجه الإنتقادات الواسعة, إنه يريد التواصل مع خصم أمريكا اللدود في الشرق الأوسط, إيران. إن الإتفاق النووي الذي أبرمه مع إيران يثبت أن أوباما ليس متجنباً للمخاطر. لقد راهن الأمن العالمي وإرثه الخاص على أن واحدة من أكبر الدول الراعية للإرهاب في العالم سوف تلتزم بإتفاقية لتحجيم برنامجها النووي.
“إن إلقاء القنابل على شخص ما من أجل إثبات إنك مستعد لإلقاء القنابل على شخص آخر يكاد يكون أسوأ سبب لإستخدام القوة.”
يُفترض, على الأقل بين ناقديه, أن أوباما سعى لإتفاق إيران لإنه يملك رؤية عن التقارب الأمريكي-الفارسي التاريخي. لكن رغبته في الإتفاقية النووية نبعت من التشاؤم بقدر ما نبعت من التفاؤل. أخبرتني سوزان رايس, “لم يكن إتفاق إيران يدور بشكل رئيسي حول محاولة بدء عهد جديد من العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. لقد كان أكثر براجماتية وإعتدالاً. كان الهدف ببساطة هو جعل دولة خطيرة أقل خطورة بشكل كبير. لم يتوقع أي أحد أن إيران ستصبح فاعلاً أكثر إعتدالاً.”
لقد ذكرت لأوباما من قبل مشهداً من فيلم The Godfather: Part III, والذي يتذمر فيه مايكل كورليوني بغضب من فشله في الهروب من قبضة الجريمة المنظمة. لقد أخبرت أوباما أن الشرق الأوسط بالنسبة لرئاسته مثل العصابة بالنسبة لكورليوني, وبدأت في الإستشهاد بعبارة آل باتشينو: “فقط عندما ظننت إنني هربت –”
قال أوباما, مُكملاً الفكرة, “تسحبك مرة أخرى.”
إن قصة إصطدام أوباما مع الشرق الأوسط تتبع أحداثاً من خيبة الأمل. في أول فورة ممتدة له من الشهرة, كمرشح رئاسي في 2008, كان أوباما يتحدث بأمل عن المنطقة. في برلين ذلك الصيف, في خطاب أمام 200 ألف مواطن ألماني, قال, “هذه هي اللحظة التي يجب علينا أن نساعد في تلبية النداء من أجل فجر جديد في الشرق الأوسط.”
العام التالي, بصفته رئيساً, ألقى خطاباً في القاهرة والذي هدف لإعادة ضبط العلاقات الأمريكية مع مسلمي العالم. لقد تحدث عن المسلمين في عائلته, وسنوات طفولته في إندونيسيا, وأعترف بأخطاء أمريكا في الوقت الذي انتقد فيه أولئك في العالم الإسلامي الذين شيطنوا الولايات المتحدة. مع ذلك, أكثر ما لفت الإنتباه كان وعده بمعالجة الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني, الذي كان يُعتقد وقتها إنه الشاغل الرئيسي للمسلمين العرب. إن تعاطفه مع الفلسطينيين أثار الجمهور, لكنه عقّد علاقاته مع بنيامين نيتنياهو, رئيس الوزراء الإسرائيلي – خاصة لأن أوباما قرر أيضاً تجاهل القدس في أول زيارة رئاسية له إلى الشرق الأوسط.
عندما سألت أوباما مؤخراً عما كان يأمل في إنجازه بخطابه في القاهرة, قال إنه كان يحاول – دون جدوى, كما أعترف – إقناع المسلمين أن يفتشوا عن كثب عن جذور تعاستهم.
لقد أخبرني, “كانت حُجتي هي: دعونا جميعاً نتوقف عن التظاهر بأن سبب مشاكل الشرق الأوسط هو إسرائيل. نحن نريد العمل على المساعدة في تحقيق دولة وكرامة للفلسطينيين, لكنني كنت آمل في أن يؤدي خطابي إلى حوار, أن يخلق مساحة للمسلمين لكي يعالجوا المشاكل الحقيقية التي يواجهوها –مشاكل الحوكمة, وحقيقة أن بعض تيارات الإسلام لم تمر بعملية إصلاح تساعد الناس على تكييف عقائدهم الدينية مع الحداثة. كان تفكيري هو: سوف أنقل أن الولايات المتحدة لا تقف في طريق هذا التقدم, وإننا نريد المساعدة, بأي طريقة ممكنة, لتحقيق أهداف أجندة عربية ناجحة وعملية والتي توفر حياة أفضل للأشخاص العاديين.”
خلال المرحلة الأولى للربيع العربي, في 2011, واصل أوباما التحدث بتفاؤل عن مستقبل الشرق الأوسط, مُقترباً بأكبر قدر من تبني ما يُعرف بأجندة الحرية الخاصة بجورج دبليو بوش, التي اتسمت جزئياً بالإعتقاد أن القيم الديموقراطية يمكن غرسها في الشرق الأوسط. لقد ساوى المتظاهرين في تونس وميدان التحرير بروزا باركس و”وطنيو بوسطن.”
لقد قال في خطاب في ذلك الوقت, “بعد عقود من قبول العالم كما هو في المنطقة, لدينا فرصة لكي نتابع العالم كما يجب أن يكون. الولايات المتحدة تدعم مجموعة من الحقوق العالمية. وهذه الحقوق تشمل حرية التعبير, حرية التجمع السلمي, حرية العقيدة, المساواة بين الرجل والمرأة بموجب القانون, والحق في إختيار الحكام … إن دعمنا لهذه المبادئ ليس إهتماماً ثانوياً.”
لكن على مدار الثلاث سنوات التالية, بينما تخلى الربيع العربي عن وعده في وقت مبكر, وإجتاحت الوحشية والإختلال الوظيفي الشرق الأوسط, ازدادت خيبة أمل الرئيس. إن بعض أعمق إحباطاته تتعلق بالحكام الشرق أوسطيين أنفسهم. بنيامين نيتنياهو يقع في نفس الفئة: لقد آمن أوباما لوقت طويل أن نيتنياهو يستطيع تنفيذ حل الدولتين الذي سيحافظ على وضع إسرائيل كديموقراطية ذات أغلبية يهودية, لكنه خائف وعاجز سياسياً عن فعل ذلك. أوباما أيضاً لم يمتلك الكثير من الصبر على نيتنياهو والقادة الشرق أوسطيين الآخرين الذين يتشككون في فهمه للمنطقة. في واحد من إجتماعات نيتنياهو مع الرئيس, شرع رئيس الوزراء الإسرائيلي في ما يشبه محاضرة عن مخاطر المنطقة الوحشية التي يعيش فيها, وشعر أوباما أن نيتنياهو يتصرف بطريقة بها تفضُّل, ويتجنب الموضوع القائم: مفاوضات السلام. أخيراً, قاطع الرئيس رئيس الوزراء: لقد قال, “بنيامين, يجب أن تفهم شيئاً. أنا الابن الأمريكي من أصل أفريقي لأم عازبة, وأنا أعيش هنا, في هذا البيت. أنا أعيش في البيت الأبيض. لقد نجحت في أن أصبح الرئيس المنتخب للولايات المتحدة. أنت تظن إنني لا أفهم ما تتحدث عنه, لكنني أفهم.” بعض القادة الآخرين أيضاً يحبطونه بشدة.
 في وقت سابق, رأى أوباما رجب طيب أردوغان, رئيس تركيا, على إنه شكل القائد المسلم المعتدل الذي سيعالج الإنقسام بين الشرق والغرب – لكن أوباما يعتبره الآن فاشلاً ومستبداً, شخصاً يرفض إستخدام جيشه الضخم من أجل جلب الإستقرار إلى سوريا. وعلى هامش قمة الناتو في ويلز في 2014, أخذ أوباما ملك الأردن عبد الله الثاني جانباً. قال أوباما إنه سمع أن الملك عبد الله شكى لأصدقائه في الكونجرس الأمريكي من قيادته, وأخبر الملك إنه إذا كان لديه شكاوى, عليه أن يقدمها مباشرة. أنكر الملك إنه تحدث عنه بسوء.
في الأيام الأخيرة, إتجه أوباما إلى المزاح سراً, “كل ما أحتاجه في الشرق الأوسط هو قليل من المستبدين الأذكياء.” لطالما أمتلك أوباما ولعاً بالمساعدين المعبرين التكنوقراط البراجماتيين والمضبوطين عاطفياً, “فقط إذا استطاع الجميع أن يصبحوا مثل الإسكندنافيين, سيصبح كل هذا سهلاً.”
إن تكشف الربيع العربي عن منظر الرئيس عما تستطيع الولايات المتحدة تحقيقه في الشرق الأوسط, وجعله يدرك إلى أي مدى كانت الفوضى هناك مُشتتة عن الأولويات الأخرى. جون برينان, الذي عمل كبير مستشاري مكافحة الإرهاب في فترة أوباما الأولى, أخبرني مؤخراً, “أدرك الرئيس أثناء الربيع العربي أن الشرق الأوسط يستنزفنا.”
لكن ما اختتم نظرة أوباما القدرية هو فشل تدخل إدارته في ليبيا في 2011. ذلك التدخل كان يهدف إلى منع الديكتاتور حينذاك, معمر القذافي, من ذبح شعب بنغازي, حيث كان يهدد بذلك. لم يرغب أوباما في الإنضمام للقتال؛ لقد أشير عليه من جو بايدن ووزير دفاعه في فترة الولاية الأولى روبرت جيتز, من ضمن آخرين, أن ينأى بنفسه. لكن فصيل قوي داخل فريق الأمن القومي – وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وسوزان رايس, التي كانت وقتها سفيرة في الأمم المتحدة, إلى جانب سامانثا باور, بن رودز, وأنتوني بلينكن, الذي كان وقتها مستشار الأمن القومي لبايدن – ضغطوا بقوة من أجل حماية بنغازي, وانتصروا. (بايدن, الساخط على تقييم السياسة الخارجية لهيلاري كلينتون, قال سراً, “هيلاري تريد فقط أن تصبح جولدا مائير.”) سقطت القنابل الأمريكية, ونجا شعب بنغازي مما كان قد يصبح أو لا يصبح مذبحة, وتم القبض على القذافي وإعدامه.
لكن أوباما يقول اليوم عن التدخل, “إنه لم ينجح.” إنه يعتقد أن الولايات المتحدة خططت عملية ليبيا بعناية – ومع هذا لا تزال الدولة في وضع كارثي.
لماذا وافق على نصيحة مستشاريه الأكثر نشاطاً بالتدخل, بالنظر إلى ما يبدو إنه إحتراز الرئيس الطبيعي تجاه التورط عسكرياً حيثما لا يكون الأمن القومي الأمريكي في خطر؟
قال أوباما, موضحاً تفكيره في ذلك الوقت, “لقد إنهار النظام الإجتماعي في ليبيا. أنت لديك إحتجاجات ضخمة ضد القذافي. ولديك إنقسامات قبلية داخل ليبيا. بنغازي نقطة محورية لنظام المعارضة. والقذافي زحف بجيشه في إتجاه بنغازي, وقال ’سوف نقتلهم مثل الجرذان.‘
“الآن, الخيار الأول هو عدم فعل شيء, وكان هناك البعض في إدارتي ممن قالوا, بقدر ما هو الوضع مأساوي في ليبيا, إنها ليست مشكلتنا. إن الطريقة التي نظرت بها للأمر هي إنها ستكون مشكلتنا إذا, في الواقع, إندلعت الفوضى العارمة والحرب الأهلية في ليبيا. لكن هذا ليس في قلب المصالح الأمريكية لدرجة تجعل من المنطقي أن نشن ضربات بشكل منفرد ضد نظام القذافي. عند تلك النقطة, أنت لديك أوروبا و عدد من الدول الخليجية التي تحتقر القذافي, أو التي تشعر بالقلق لأسباب إنسانية, وتطالب بالتدخل. لكن العادة التي جرت في العقود العديدة الماضية في مثل هذه الظروف هي أن يدفعنا الناس للتدخل ثم يُظهرون بعد ذلك إحجاماً عن تقديم أية مجازفات.”
قاطعته, “المنتفعين مجاناً؟”
قال, “المنتفعين بالمجان,” وواصل قوله, “لذلك ما قلته عند تلك النقطة كان, يجب أن نعمل كجزء من تحالف دولي. لكن لأن هذا لا يقع في صميم مصالحنا, نحتاج للحصول على تفويض من الأمم المتحدة؛ نحتاج أن يكون الأوروبيون ودول الخليج مشتركين بفاعلية في هذا التحالف؛ سوف نستخدم القدرات العسكرية الفريدة بالنسبة إلينا, لكننا نتوقع من الآخرين أن يكون لهم ثقلهم. وقد عملنا مع فرقنا الدفاعية للتأكد من إننا نستطيع تنفيذ إستراتيجية بدون النزول إلى الأرض وبدون إلتزام عسكري طويل الأمد في ليبيا.
“وهكذا نفذنا الخطة مثلما توقعت: حصلنا على تفويض من الأمم المتحدة, قمنا ببناء تحالف, كلفنا الأمر   مليار دولار – وهو, عندما يتعلق الأمر بالعمليات العسكرية, رخيص جداً. لقد تفادينا الخسائر المدنية على نطاق واسع, لقد منعنا ما كان سيصبح بالتأكيد حرباً أهلية مطولة ودموية. وبالرغم من كل هذا, ليبيا في حالة فوضى.”
الفوضى هو المصطلح الدبلوماسي للرئيس؛ سراً, هو يدعو ليبيا بإنها “غارقة في الفوضى,” جزئياً لإنها أصبحت ملاذاً لداعش – التي استهدفها بضرباته الجوية. يعتقد أوباما إنها أصبحت غارقة في الفوضى لأسباب لا تتعلق بالعجز الأمريكي بقدر ما تتعلق بسلبية حلفاء أمريكا وبالقوة المتعنتة للقبلية.
قال أوباما, “عندما ارجع للماضي وأسأل نفسي ما الخطأ, هناك مجال للإنتقاد, لإنني آمنت بأن الأوروبيين, بالنظر إلى قربهم من ليبيا, سيُستفاد منهم في المتابعة.” لقد ذكر أن نيكولا ساركوزي, الرئيس الفرنسي, خسر منصبه في العام التالي. وقال أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون توقف سريعاً عن الإهتمام, حيث أصبح “مُشتتاً بمجموعة من الأمور الأخرى.” وقال عن فرنسا, “أراد ساركوزي الإعلان عن الطلعات الجوية التي يشارك بها في الحملة الجوية, بالرغم من حقيقة إننا كنا قد محونا جميع الدفاعات الجوية وشيدنا البنية التحتية الكاملة” الخاصة بالتدخل. قال أوباما أن هذا النوع من التفاخر كان جيداً لإنه سمح للولايات المتحدة أن “تشتري مشاركة فرنسا بطريقةجعلت الأمر أقل تكلفة وخطورة بالنسبة لنا.” بعبارة أخرى, منح فرنسا فضلاً إضافياً مقابل خطورة وتكلفة أقل على الولايات المتحدة كانت مبادلة نافعة – بإستثناء أن “من وجهة نظر الكثير من الأشخاص في مؤسسة السياسة الخارجية, كان هذا مريعاً. إذا كنا سنفعل شيئاً, يجب أن نكون في الواجهة, ولا يشاركنا أحد في دائرة الضوء.”
ألقى أوباما باللوم أيضاً على الحركيات الليبية الداخلية. “إن مستوى الإنقسام القبلي في ليبيا كان أكثر مما توقعه محللونا. وقدرتنا على إمتلاك أي نوع من البنية هناك والتي يمكننا التفاعل معها وبدء تدريبها وتوفير الموارد لها إنهارت بسرعة كبيرة.”
لقد أثبتت ليبيا له أنه من الأفضل تجنب الشرق الأوسط. لقد أخبر زميل سابق من مجلس الشيوخ مؤخراً, “من المستحيل أن نلتزم بحكم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. سيكون هذا خطأ جوهري.”
لم يتولى الرئيس أوباما منصبه وهو منشغل بالشرق الأوسط. إنه أول ابن من منطقة المحيد الهادئ الذي يصبح رئيساً – لقد وُلد في هاواي, ونشأ هناك و عاش لأربعة أعوام في إندونيسيا – وهو مركز على تحويل إهتمام أمريكا إلى آسيا. بالنسبة إلى أوباما, آسيا تمثل المستقبل. أفريقيا وأمريكا اللاتينية, في رأيه, يستحقان من إهتمام الولايات المتحدة أكثر بكثير مما يحصلان عليه. أوروبا, الغير رومانسي تجاهها, مصدراً للإستقرار العالمي والتي تحتاج للتكاتف الأمريكي, رغم ما يسببه له ذلك من إزعاج في بعض الأحيان. والشرق الأوسط منطقة يجب تجنبها – منطقة, بفضل ثورة الطاقة في أمريكا, قريباً لن يكون لها أهمية تُذكر بالنسبة إلى الإقتصاد الأمريكي.
ليس النفط هو ما يشكل فهم أوباما لمسئولياته في الشرق الأوسط لكن أحد الصادرات الأخرى, ألا وهو الإرهاب. في أوائل 2014, أخبره مستشارو المخابرات أن داعش ذات أهمية هامشية. وفقاً لمسئولين في الإدارة, الجنرال لويد أوستن, الذي كان وقتها قائد القيادة المركزية التي تُشرف على العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط, أخبر البيت الأبيض أن تنظيم الدولة الإسلامية كان مثل “لمع السراب.” هذا التحليل جعل أوباما, في حوار مع صحيفة نيويوركر, يصف كوكبة الجماعات الجهادية في العراق وسوريا على إنها “فرق مبتدئة” في الإرهاب.  
لكن بأواخر ربيع 2014, بعد أن استولى تنظيم داعش على مدينة الموصل في شمال العراق, أصبح يصدق أن المخابرات الأمريكية قد فشلت في تقدير خطورة التهديد وعدم أهلية الجيش العراقي, وتبدل رأيه. بعد أن قامت داعش بقطع رؤوس ثلاثة مواطنين أمريكيين في سوريا, أصبح واضحاً لأوباما أن هزيمة الجماعة ضرورة مُلحة للولايات المتحدة أكثر بكثير من إسقاط بشار الأسد.
يتذكر المستشارون أن أوباما كان يستشهد بلحظة محورية من فيلم The Dark Knight, من سلسلة أفلام باتمان لعام 2008, لكي يوضح كيف فهم دور داعش, وكيف فهم النظام البيئي الأكبر الذي نشأت فيه. كان يقول, “هناك مشهداً في البداية حيث يلتقي زعماء عصابة جوثام. هؤلاء الرجال لديهم مدينة منقسمة. لقد كانوا سفاحين, لكن كان هناك نوع من النظام. كل شخص كان لديه بستانه الخاص. ثم يظهر الجوكر ويشعل النيران في المدينة. داعش هي الجوكر. إنها تمتلك القدرة على إشعال النيران في المنطقة. لهذا السبب علينا محاربتها.”
إن صعود تنظيم الدولة الإسلامية رسّخ إقتناع أوباما بأن الشرق الأوسط لا يمكن إصلاحه – ليس في عهده, ولا لجيل قادم.
في يوم أربعاء ممطر في منتصف نوفمبر, ظهر الرئيس أوباما على المسرح في قمة منتدى التعاون الإقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في مانيلا مع جاك ما, مؤسس شركة علي بابا الصينية للتجارة الإلكترونية, ومخترعة فليبينية في الواحد والثلاثين من عمرها تُدعى عائشة مايجينو. كانت القاعة مزدحمة بالمدراء التنفيذيين الآسيويين, ورواد الأعمال الأمريكيين, ومسئولين حكوميين من جميع أنحاء المنطقة. أوباما, الذي قوبل بحرارة, ألقى في البداية كلمة غير رسمية من وراء منصة, بشكل رئيسي عن خطر تغير المناخ.
لم يذكر أوباما الموضوع الذي كان يشغل معظم بقية العالم – هجمات داعش في باريس قبلها بخمسة أيام, والتي قتلت 130 شخصاً. كان أوباما قد وصل إلى مانيلا قبلها بيوم قادماً من قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في أنطاليا, تركيا. كانت هجمات باريس موضوعاً رئيسياً للحوار في أنطاليا, حيث عقد أوباما مؤتمراً صحفياً جدلياً حول هذا الموضوع.
كان الصحفيون المسافرون المعتمدون لدى البيت الأبيض يسألون بلا هوادة: “ألم يحن الوقت لكي تتغير إستراتيجيتك؟” ثم أعقب هذا السؤال, “هل لي أن أطلب منك أن توجه كلمة لمنتقديك الذين يقولون أن إحجامك عن الدخول في حرب جديدة في الشرق الأوسط, وتفضيلك للدبلوماسية على إستخدام الجيش, يجعل الولايات المتحدة أكثر ضعفاً ويشجع أعدائنا؟” ثم جاء السؤال الأبدي من مراسل سي إن إن: “لا تؤاخذني على اللغة – لماذا لا يمكننا القضاء على هؤلاء الأوغاد؟” والذي أعقبه سؤال “هل تعتقد إنك حقاً تفهم هذا العدوبما يكفي لهزيمته وحماية أرض الوطن؟”
بينما انهمرت الأسئلة, أزداد إنزعاج أوباما تدريجياً. لقد شرح إستراتيجيته الخاصة بداعش بإسهاب, لكن المرة الوحيدة التي أظهر فيها شعوراً غير الإزدراء كانت عندما خاطب الجدل الناشئ حول سياسة اللاجئين الأمريكية. حكام الولايات والمرشحون الرئاسيون الجمهوريون اتجهوا فجأة للمطالبة بمنع اللاجئين السوريين من دخول الولايات المتحدة. أقترح تيد كروز قبول السوريين المسيحيين فقط. كريس كريستي قال أن جميع اللاجئين, بما فيهم “الأيتام دون الخمس سنوات,” يجب منعهم من الدخول حتى يتم تفعيل إجراءات تدقيق مناسبة.
بيد أن هذه اللغة أحبطت أوباما بشدة. أخبر أوباما الصحفيين المجتمعين, “عندما أسمع الناس يقولون ربما يجب أن نسمح للمسيحيين فقط بالدخول, وليس المسلمين؛ عندما أسمع قادة سياسيين يقترحون بعمل إختبار ديني للشخص الذي يهرب من دولة مزقتها الحرب, هذا ليس أمريكياً. هذا ليس ما نحن عليه. نحن ليس لدينا إختبارات دينية لعطفنا.”
سلاح الجو واحد غادر أنطاليا ووصل بعدها بعشر ساعات إلى مانيلا. إنه الوقت الذي فهم فيه مستشارو الرئيس, بكلمات أحد المسئولين, أن “الجميع في أرض الوطن فقدوا عقلهم.” سوزان رايس, في محاولة لفهم سبب القلق المتزايد, بحثت في تلفاز الفندق عن قناة سي إن إن دون جدوى, ووجدت فقط بي بي سي وفوكس نيوز. لقد أخبرت مرافقيها في الرحلة إنها بدلت بين الإثنين, بحثاً عن السبب.
في وقت لاحق, سيقول الرئيس إنه أخفق في تقدير المخاوف التي يشعر بها الكثير من الأمريكيين حول إمكانية حدوث هجمات على غرار هجمات باريس داخل الولايات المتحدة. لكن المسافة الكبيرة, والجدول المحموم, وإنهاك تعب السفر الذي يغلف الرحلة الرئاسية حول العالم كانوا يعملون ضده. لكنه لم يصدق ابداً أن الإرهاب يشكل تهديداً على أمريكا ينتاسب مع الخوف الذي يوّلده. حتى خلال الفترة في 2014 عندما كان تنظيم داعش يُعدم الأسرى الأمريكيين في سوريا, كانت مشاعره مضبوطة. فالري جارت, أقرب مستشاري أوباما, أخبرته أن الناس قلقون من أن تقوم الجماعة بنقل حملة قطع الرؤوس إلى أمريكا. لقد طمأنها, “إنهم لن يأتون إلى هنا لكي يقطعوا رؤوسنا.” أوباما يُذكّر فريقه بصورة متكررة أن الإرهاب يحصد أرواحاً في أمريكا أقل بكثير من المسدسات, حوادث السيارات, والسقوط في أحواض الإستحمام. منذ عدة أعوام, عبّر لي عن إعجابه بـ”المرونة” الإسرائيلية في وجه الإرهاب المستمر, ومن الواضح إنه يرغب في أن يرى المرونة مكان الرعب في المجتمع الأمريكي. مع هذا, يخوض مستشارو أوباما معركة بائسة لصد أوباما عن وضع الإرهاب فيما يعتبره منظوره “الملائم”, خشية أنه سيبدو غير متأثراً بمخاوف الشعب الأمريكي.
إن الإحباط بين مستشاري أوباما ينتشر إلى البنتاجون ووزارة الخارجية. جون كيري, مثلاً, يبدو قلقاً من داعش أكثر من الرئيس نفسه. مؤخراً, عندما سألت وزير الخارجية سؤالاً عاماً – هل مازال الشرق الأوسط مهماً للولايات المتحدة؟ – أجاب مُتحدثاُ عن داعش بالتحديد. لقد قال, “إنه تهديد لكل شخص في العالم,” إنها جماعة “ملتزمة بتدمير الشعوب في الغرب وفي الشرق الأوسط. تخيل ماذا سيحدث إذا لم نحاربهم, إذا لم نقود تحالفاً – كما نفعل, بالمناسبة. لكن إذا لم نفعل ذلك, كان من الممكن أن نرى حلفاءنا وأصدقاءنا يسقطون. كان من الممكن أن يحدث نزوح جماعي إلى أوروبا ويدمرها, ويُنهي المشروع الأوروبي, ويركض الجميع بحثاً عن مأوى ويتكرر مشهد الثلاثينيات مرة أخرى, مع تفشي القومية والفاشية والأمور الأخرى. بالطبع نحنلدينا إهتمام بالأمر, لديناإهتمام بالغ.”
عندما ذكرت لكيري أن لغة الرئيس لا تتماشى مع لغته, قال, “الرئيس أوباما يرى هذا كله, لكنه لا يُضخم الأمور – إنه يعتقد إننا نسلك المسار الصحيح. لقد صعّد جهوده. لكنه لا يحاول أن يخلق هستيريا … أنا أظن أن الرئيس يميل دائماً إلى محاولة إبقاء الأمور في توازن ملائم. أنا أحترم ذلك.”
أوباما يضبط حواره عن الإرهاب لعدة أسباب: إنه يتبع أفكار سبوك, بطبيعته. وهو يؤمن بأن الكلمة التي تكون في غير موضعها, أو النظرة المرتعبة, أو الإدعاء الإطنابي الغير مدروس, قد تُلقي بالدولة في حالة رعب. إن نوع الرعب الذي يقلق منه أكثر شيء هو النوع الذي يُظهر نفسه في صورة كراهية المسلمين أو في صورة تحدي للإنفتاح الأمريكي وللنظام الدستوري.
الرئيس يُحبط أيضاً من أن الإرهاب يواصل غمر أجندته الأكبر, خاصة وإنه يتعلق بإعادة موازنة أولويات أمريكا العالمية. لسنوات, كان “محور آسيا” أولوية قصوى له. إنه يعتقد أن مستقبل أمريكا الإقتصادي يقع في آسيا, والتحدي الذي يفرضه صعود الصين يتطلب إنتباهاً متواصلاً. منذ أيامه الأولى في المنصب, كان أوباما مُركزاً على إعادة بناء العلاقات التي كانت بالية في بعض الاوقات بين الولايات المتحدة وشركاءها من حلف جنوب وشرق آسيا, وهو دائماً يتصيد الفرص لجذب دول آسيوية أخرى إلى المدار الأمريكي. لقد كان إنفتاحه الكبير على بورما أحد هذه الفرص؛ فيتنام وكوكبة دول جنوب شرق آسيا الأخرى الخائفة من الهيمنة الصينية مثلت الفرص الأخرى.
في مانيلا, في قمة منتدى التعاون الإقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ, كان أوباما عازماً على إبقاء الحوار مُركزاً على هذه الأجندة, وليس على ما رآه التحدي القابل للإحتواء الذي تمثله داعش. أخبرني وزير دفاع أوباما, آشتون كارتر, من فترة ليست بعيدة أن أوباما أبقى تركيزه على آسيا في الوقت الذي واصلت صراعات سوريا والدول الشرق أوسطية الأخرى في الإشتعال. قال كارتر أن أوباما يعتقد أن آسيا “هي الجزء من العالم الذي يحمل الأهمية العظمى للمستقبل الأمريكي, وإنه لا يمكن لأي رئيس أن يرفع عينه عنها.” وأضاف, “إنه يسأل بثبات, حتى وسط كل ما يحدث, ’أين نحن من إعادة التوازن في آسيا-الهادئ؟ أين نحن من ناحية الموارد؟‘ لقد كان ثابتاً جداً في هذا الشأن, حتى في أوقات التوتر الذي ضرب الشرق الأوسط.”
بعد أن أنتهى أوباما من عرضه حول تغير المناخ, إنضم إلى ما ومايجينو, اللذان جلسا في مقاعد قريبة, حيث كان أوباما يحّضر لمقابلتهما على طريقة مقدم برنامج حواري نهاري – في مسلك بدا وإنه يحفز موجة لحظية من دوار قلب الأوضاع وسط جمهور ليس معتاداً على مثل هذا السلوك من قادته. بدأ أوباما بسؤال ما عن تغير المناخ. ما, بصورة لا تثير الدهشة, اتفق مع أوباما على إنها قضية مهمة جداً. ثم إتجه أوباما إلى مايجينو. إن العمل في معمل في الجناح الغربي لم يكن سيُبدع شخصاً مُصمماً بخبرة لإستمالة حماس أوباما المفرط أكثر من مايجينو, المهندسة الشابة التي, بمساعدة أخيها, أخترعت مصباحاً يعمل بالمياه المالحة.
سألها أوباما, “لكي نوضح الأمر, عائشة, ببعض الماء المالح, الجهاز الذي ابتكرتيه يمكن أن يوفر ثماني ساعات من الإضاءة – هل أنا محق؟”
أجابت, “ثماني ساعات من الإضاءة.”
أوباما: “والمصباح بـ 20 دولار –”
مايجينو: “حوالي 20 دولار.”
قال أوباما, “أنا اعتقد أن عائشة مثالاً لما نراه في الكثير من الدول – رواد أعمال شباب يتوصلون إلى تقنيات هائلة, بنفس الطرق التي في أجزاء كبيرة من آسيا وأفريقيا, لم يتم تركيب خطوط الهواتف الأرضية القديمة,” لأن تلك المناطق قفزت مباشرة إلى الهواتف المحمولة. شجع أوباما جاك ما على تمويل أعمالها. قال أوباما, ضاحكاً, “بالمناسبة, لقد ربحت الكثير من الجوائز وحظيت بكثير من الإهتمام, بالتالي هي ليست مثل تلك الإعلانات الترويجية التي تطلبها, ولا ينجح الأمر.”
في اليوم التالي, على متن طائرة سلاح الجو واحد في الطريق إلى كوالالمبور, ذكرت لأوباما إنه بدا سعيداً لوجوده على المسرح مع ما ومايجينو, ثم ابتعدت عن آسيا, وسألته إذا كان هناك ما يجعله سعيداً بخصوص الشرق الأوسط.
قال, “في الوقت الحالي, لا أعتقد أن أي شخص قد يشعر بالرضا عن الوضع في الشرق الأوسط. لديك دول تفشل في توفير الإزدهار والفرص لشعوبها. لديك أيدولوجية عنيفة متطرفة, أو أيدولوجيات, والتي تُشحن من خلال وسائل التواصل الإجتماعي. لديك دول ليس بها تقاليد مدنية, لذلك عندما تبدأ الأنظمة الإستبدادية في الإهتراء, تكون المبادئ المنظمة الوحيدة طائفية.”
ثم واصل قوله, “قارن هذا بجنوب شرق آسيا, الذي مازال يواجه مشاكل كبيرة – الفقر المدقع, والفساد – لكنه ملئ بأشخاص نشطين وطموحين ومكافحين والذين يكافحون بشراسة كل يوم من أجل تأسيس شركات والحصول على التعليم والعثور على وظائف وبناء بنية تحتية. إن الإختلاف كبير جداً.”
في آسيا, وكذلك أيضاً في أمريكا اللاتينية وأفريقيا, يقول أوباما, إنه يرى شباباً يتلهفون على تحسين الذات, الحداثة, التعليم, والثروة المادية.
يقول, “إنهم لا يفكرون كيف يقتلون الأمريكيين. ما يفكرون فيه هو كيف أحصل على تعليم أفضل؟ كيف أصنع شيئاً له قيمة؟
ثم أبدى ملاحظة والتي أدركت إنها كانت تمثل فهمه الكئيب العميق للشرق الأوسط اليوم – ليس نوع الفهم الذي قد يختار البيت الأبيض الذي مازال يميل لموضوعات الأمل والتغييرأن يروج له. قال أوباما, في إشارة للشباب الآسيوي, والأفريقي, والأمريكي اللاتيني, “إذا لم نتحدث إليهم لأن الشيء الوحيد الذي نفعله هو محاولة إكتشاف كيفية تدمير أو تطويق أو السيطرة على الأجزاء الخبيثة, العدمية, والعنيفة من الإنسانية, نحن نفوّت الفرصة.”
يجادل نقاد أوباما بإنه عاجز عن تطويق العدميين العنيفين للإسلام المتطرف لإنه لا يفهم التهديد. إنه يعارض كسر الإسلام المتطرف من خلال منشور “صدام الحضارات”الذي انتشر على يد العالم السياسي الراحل صامويل هنتنجتون. لكن هذا بسبب, كما يجادل هو ومستشاروه, إنه لا يريد تعظيم صفوف العدو.
قال جون برينون, مدير السي آي إيه, “إن الهدف ليس فرض نموذج هنتنجتون على هذا الصراع.”
لقد تحدث كلا من فرانسوا أولاند وديفيد كاميرون عن تهديد الإسلام المتطرف بمصطلحات هنتنجتون, وسمعت أن الرجلين يرغبان في أن يستخدم أوباما لغة مباشرة أكثر في التصدي للتهديد. عندما ذكرت ذلك لأوباما قال, “لقد استخدم أولاند وكاميرون عبارات, مثل الإسلام المتطرف, والتي لم نستخدمها بشكل منتظم كطريقتنا في إستهداف الإرهاب. لكنني لم أجري حواراً عندما يقولون, ’كيف يُعقل إنك لا تستخدم هذه العبارة بالطريقة التي تسمع الجمهوريين يقولونها؟‘” يقول أوباما إنه طلب من القادة المسلمين أن يفعلوا المزيد لكي يقضوا على تهديد الأصولية العنيفة. لقد أخبرني, “إن ما أعنيه واضح جداً, وهو إنه يوجد تفسيراً عدمياً, متعصباً, متطرفاً, وعنيفاً للإسلام من فصيل– فصيل صغير – داخل المجتمع الإسلامي الذي يُعتبر عدونا, وهو من يجب دحره.”
ثم طرح تعقيباً والذي بدا أكثر تماشياً مع لغة كاميرون وأولاند. لقد قال, “هناك حاجة للإسلام ككل من أجل تحدي ذلك التفسير للإسلام, من أجل عزله, ومن أجل خوض نقاشاً قوياً داخل مجتمعهم حول كيف يعمل الإسلام كجزء من مجتمع عصري وسلمي.” لكنه أضاف, “أنا لا أستميل المسلمين المتسامحين السلميين للدخول في ذلك النقاش إذا لم أكن حساساً تجاه قلقهم من إنهم يتم وسمهم بشكل عام.”
في لقاءات خاصة مع قادة عالميين آخرين, قال أوباما إنه لن يكون هناك حلاً شاملاً للإرهاب الإسلامي حتى يوفق الإسلام نفسه مع الحداثة ويخوض بعض الإصلاحات التي غيرت المسيحية.
على الرغم من إنه جادل بأن صراعات الشرق الأوسط “تعود إلى آلاف السنين”, إلا إنه يعتقد أيضاً أن غضب المسلمين المكثف في السنوات الأخيرة شجعته دول تُعتبر صديقة للولايات المتحدة. في إجتماع خلال منتدى التعاون الإقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ مع مالكولم تورنبول, رئيس وزراء أستراليا الجديد, شرح أوباما كيف إنه راقب إندونيسيا وهي تتحول تدريجياً من الإسلام التوفيقي المرتاح إلى تفسير أكثر تشدداً وقسوة؛ لقد لاحظ ان أعداد كبيرة من النساء الإندونيسيات أصبحن يرتدين الحجاب الآن.
سأل تورنبول, لماذا يحدث هذا؟
أجاب أوباما, لأن السعوديين وغيرهم من العرب الخليجيين أرسلوا الأموال, وأعداد كبيرة من الأئمة والمعلمين, إلى الدولة. أخبر أوباما تورنبول إنه في التسعينيات, موّل السعوديون بكثافة المدارس والندوات الوهابية, التي تُدرس المذهب المتشدد من الإسلام الذي تفضله العائلة الحاكمة السعودية. وقال, اليوم, الإسلام في إندونيسيا يشبه العرب في التوجه أكثر بكثير من الوقت الذي كنت أعيش فيه هناك.”
سأل تورنبول, “أليس السعوديون أصدقائك؟”
ابتسم أوباما, وقال, “الأمر مُعقد.”
إن صبر أوباما على السعوديين كان دائماً محدوداً. في أول تعليق مهم يتعلق بالسياسة الخارجية, في خطابه في المسيرة المناهضة للحرب في شيكاغو عام 2002, قال, “هل تريد قتالاً, أيها الرئيس بوش؟ دعنا نقاتل لكي نتأكد من أن ما نُسميهم حلفاءنا في الشرق الأوسط – السعوديين والمصريين – يتوقفون عن إضطهاد شعوبهم, وقمع معارضيهم, والتساهل مع الفساد والظلم.”
في البيت الأبيض هذه الأيام, يسمع الشخص بين الحين والآخر مسئولي مجلس الأمن القومي وهو يذّكرون الزائرين بوضوح أن الأغلبية العظمى من الخاطفين المتورطين في هجمات 9/11 لم يكونوا إيرانيين, بل كانوا سعوديين – وأوباما نفسه يندد بمعاداة المرأة التي تقرها الدولة السعودية, قائلاً سراً أن “الدولة لا يمكنها أن تعمل في العالم الحديث في الوقت الذي تقمع فيه نصف شعبها.” وفي إجتماعات مع قادة أجانب, قال أوباما, “يمكنك أن تقيس نجاح المجتمع بالطريقة التي يعامل بها المرأة.”
إن إحباطه من السعوديين يُفيد تحليله لسياسة القوة في الشرق الأوسط. لقد ذكرت له في إحدى المرات إنه أقل ترجيحاً من الرؤساء السابقين في الإنحياز بصورة بديهية إلى السعودية في نزاعها مع خصمها اللدود, إيران. لم يعترض على كلامي.
قال الرئيس, “إيران, التي منذ عام 1979 أصبحت عدواً للولايات المتحدة الأمريكية, واشتركت في رعاية الإرهاب, تهديداً حقيقياً على إسرائيل والكثير من حلفاءنا, وتشترك في جميع أنواع السلوك الهدام. ولم يكن رأيي مطلقاً إننا يجب أن نضرب بحلفاءنا التقليديين – السعوديين – عرض الحائط من أجل إيران.”
لكنه واصل القول بأن السعوديين يحتاجون لـ”مشاركة” الشرق الأوسط مع أعدائهم الإيرانيين. قال, “إن المنافسة بين السعوديين والإيرانيين – والتي ساعدت في تغذية حروب الوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن – تتطلب أن نقول لأصدقائنا وللإيرانيين بإنهم في حاجة للعثور على طريقة فعالة لمشاركة الجوار وتأسيس نوع من السلام الفاتر. إن النهج الذي يقول لأصدقاءنا ’أنتم على حق, إيران هي مصدر جميع المشاكل, ونحن سوف ندعمكم في التعامل مع إيران‘ سوف يعني أن هذه الصراعات الطائفية سوف تستمر في الإحتدام وشركائنا في الخليج, أصدقائنا التقليديين, لا يملكون القدرة لإطفاء النيران بمفردهم أو للفوز بصورة حاسمة بمفردهم, وسوف يعني إننا يجب علينا أن نبدأ في التدخل ونستخدم قوتنا العسكرية لتصفية الحسابات. وهذا لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة أو الشرق الأوسط.”
يعتقد أوباما أن واحدة من أكثر القوى المدمرة في الشرق الأوسط هي القبلية – وهي قوة لا يستطيع أي رئيس تحييدها. القبلية, التي ظهرت في الرجوع إلى الطائفة, المذهب, العشيرة, والقرية من قبِل المواطنين البائسين في الدول العاجزة, هي مصدر الكثير من مشاكل المسلمين في الشرق الأوسط, وهي مصدراً آخر لهلاكه. أوباما يكن إحتراماً عميقاً للمرونةالمدمرة للقبلية – جزء من مذكراته, أحلام من أبي, يتناول الطريقة التي ساعدت بها القبلية في كينيا ما بعد الإستعمار في تدمير حياة والده – وهو ما يساهم في تفسير لماذا هو كثير التدقيق فيما يتعلق بتجنب التورط في الصراعات القبلية.
لقد أخبرني, “إنه في جيناتي أن أتشكك في القبلية. أنا أفهم الباعث القبلي, وأقر بقوة الإنقسام القبلي. لقد كنت أبحر في الإنقسامات القبلية طوال حياتي. في النهاية, إنها مصدر الكثير من الأعمال المدمرة.”
بينما كنت مسافراً إلى كوالا لمبور مع الرئيس الأمريكي باراك اوباما، تذكرت تصريح عابر كان قد أدلى به مرة واحدة لي بشأن نقاش هوبز من أجل تشكيل حكومة قوية لمجابهة تحديات الطبيعة التي لا ترحم.
عندما ينظر أوباما إلى مساحات شاسعة من الشرق الأوسط، يتخذ من شعار هوبز “حرب الكل ضد الكل” منبراً فكرياً له، فقد قال أوباما “لدي اعتراف بأننا من يشعل فتيل الحرب في منطقة الشرق الأوسط”، لذا حاولت إعادة فتح هذه المحادثة بالتساؤل حول “فكرة هوبز التي تشير إلي أهمية التعاون حيث قال ينظم الناس أنفسهم في مجموعات لدرء أكبر مخاوفهم، ألا وهو الموت.”
استطاع كلا من “بين رودس” و”جوشوا إيرنست”، المتحدثان باسم البيت الأبيض، اللذان كانا يجلسا على أريكة إلى جانب مكتب أوباما على متن الطائرة الرئاسية، إخفاء سخريتهم من سؤالي، ثم توقفت عن الحديث وقلت: “أراهن إن سألت ذلك في مؤتمر صحفي لكان زملائي قاموا بإلقائي للتو من الغرفة.”
قال أوباما: “سأكون حقاً بداخل المجموعة، رغم رفض الجميع.
قاطع رودس الحديث قائلاً: “لما لا نستطيع أن نقضي على الأوغاد؟” ذلك السؤال، الذي تم سؤاله للرئيس من قبل صحفي بشبكة سي إن إن في المؤتمر الصحفي بتركيا، قد أصبح موضوعاً للحديث الساخر أثناء الرحلة.
التفت إلى الرئيس قائلاً: “حسناً، لما لا نستطيع القضاء على الأوغاد؟”
تلقى اوباما السؤال الأول.
قال: “أنظر، أنا لست من الرأي القائل بأن الشر متجزر في البشر، أعتقد أن هناك الجيد أكثر من السيئ في الإنسانية. ويمكنك التأكد من خلال التمعن قليلا في التاريخ، أنا متفائل. أعتقد أنه بوجه عام قد أصبحت الإنسانية أقل عنفاً، وأكثر تسامحاً، أكثر صحة، تتغذى أفضل، أكثر تعاطفاً، أكثر قدرة على إيجاد الاختلاف. لكنها لا تسير في درب واحد. وما قد أصبح واضحاً على مدار القرن العشرين والحادي والعشرين هو أن التقدم الذي نحرزه في النظام الاجتماعي وترويض دوافعنا الحقيرة وكبح مخاوفنا كل ذلك يمكن أن ينقلب رأسا على عقب سريعاً، حيث يبدأ النظام الاجتماعي في الانهيار إذا كان الشعب تحت وطأة شديدة. ثم يكون الوضع الافتراضي هو النظام القبلي لنا أو لهم، العداء تجاه غير المألوف أو المجهول.”
أستطرد اوباما قائلاً: تري الآن في جميع أنحاء العالم أماكن كثيرة تعاني من ضغط شديد بسبب العولمة و صدام الثقافات التي سببها الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وبسبب الندرة التي سيكون بعض منها منسوب إلى تغير المناخ على مدى العقود القليلة القادمة و بسبب النمو السكاني. ويعد الشرق الأوسط مسرحاً لكل هذه الأحداث فإن الوضع الافتراضي هو الحل الأمثل للكثيرين من خلال فرض تنظيم محكم في قبيلة وإبعاد أو محو أولائك المختلفون
“جماعة مثل داعش ، هي نتاج لكل هذه الأسباب التي ذكرتها من صدام ثقافات إلي نمو سكاني، جماعة داعش لديها فكرة واحدة مفادها “إننا جماعة صغيرة نسمح بقتل المعارضين لنا ونسعى لفرض عقيدة صارمة بلا أهداف”، ذلك حقاً مخالف للتقدم البشري وهذا دليل على مدى رسوخ هذا النوع من العقلية البشرية التي ما زالت تكسب أتباع في القرن الـ21.”
سألته: “لذا تقديرك للسلطة القبلية يجعلك تريد البقاء بعيداً؟ أي عندما يقول الناس “لما لا نقضي على الأوغاد؟” تتراجع؟”
رد اوباما قائلا: “علينا تحديد أفضل الأدوات لترويض سلوكيات الأوغاد، ستكون هناك أوقات عصيبة ولكنها لا تمثل تهديدا مباشرا لنا وعلينا التوقف عن التردد في التعامل مع المواقف المختلفة لأننا ليس لدينا الأدوات لنكون ذوي تأثير كبير.
سألت أوباما ما إن كان أرسل القوات البحرية إلى رواندا في عام 1994 لوقف الإبادة الجماعية التي كانت تحدث، فهل قد كان رئيساً آنذاك؟.
قال: “بالنظر إلى السرعة التي تم فيها الاغتيال، والزمن الذي يستغرقه لتصل آليات الحكومة الأمريكية، أفهم السبب فيما جعلنا ألا نتصرف بالسرعة الكافية، الآن، يجب أن نتعلم من ذلك. أظن حقاً أن رواندا حالة اختبار مثيرة للاهتمام لأنها ممكنة و ليست مضمونة، تمثل الأحداث في رواندا الحالة التي يكون فيها التطبيق السريع للقوة كافياً.”
ربط اوباما هذا بسوريا قائلاً: ” من السهل أن تزعم بأن إرسال قوة صغيرة مدعومة دولياً إلي بلد بها أحداث فوضوية يمكن أن يؤدي إلي تجنب الإبادة الجماعية، وهو الأمر الذي لاقي نجاحاً في رواندا أكثر من سوريا في الوقت الراهن، لان الجماعات المقاتلة في سوريا مسلحة وتتسم بقوة المقاتلين وتزويدهم بالموارد اللازمة من قبل جهات فاعلة، ففي هذه الحالة يتطلب الأمر إرسال قوات اكبر بكثير.”
يزعم المسئولون بإدارة أوباما بأنه لديه منهج شامل لمكافحة الإرهاب: سلاح جوي لطائرات بدون طيار، غارات القوات الخاصة، وكالة مخابرات مركزية سرية بمساعدة جيش مكون من عشرة ألاف متمرد يحارب في سوريا. فلماذا يتعثر أوباما عندما يشرح للشعب الأمريكي أنه هو أيضاً يهتم بشأن الإرهاب؟ سألته إذا كان المؤتمر الصحفي التركي يمثل نقطة هامة لك كسياسي كي تخبر الجميع وتقول: نعم، أكره الأوغاد أيضاً، واعمل على طرد الأوغاد من الأراضي الأمريكية.
إن من أسهل الأشياء طمأنة الشعب الأمريكي بعبارات غير مباشرة،  أنه سيقتل كل من يمثل تهديداً للأمريكان. هل يخشى اوباما من رد فعل غير محسوب في اتجاه غزو آخر للشرق الأوسط؟ أم أن حديث اوباما غير قابل للتعديل؟
أجاب “كل رئيس لديه مواطن قوة وضعف. ومما لا شك فيه أنه هناك أوقات حيث لم أكن فيها منتبه بشكل كافي إلى المشاعر والعواطف والسياسة لربط ما أقوله مع ما نفعله وكيف نقوم به.”
أستطرد: “لكن بالنسبة لأمريكا لتكون ناجحة في قيادة العالم، أظن أنه علينا تجنب تبسيط الأمور ووضعها في نصابها الصحية وعلينا بناء المرونة والتأكد من أن المناظرات السياسية الأمريكية ترتكز على الواقعية. وهذا لا يعني إنني لا أقدر قيمة وسائل الاتصال السياسي مثل  وسائل الأعلام الأمريكية والساسة الأمريكان وكيف نتحدث عن هذه القضايا وهي منفصلة وكل قضية تحتاج إلي رد فعل معين، فكيف أقوم بتصريحات شديدة وعبارات رنانة في وسائل الإعلام من اجل رضاء الآخرين ، بالنسبة لي فهذا سوف يزيد الأمر سوءا.
ومع هبوط الطائرة الرئاسية باتجاه كوالا لمبور، أعرب الرئيس اوباما عن الجهود الناجحة بقيادة الولايات المتحدة في وقف وباء الإيبولا غرب إفريقيا كنموذج إيجابي لإدارة ثابتة، غير متسرعة في معالجة الأزمة المرعبة.
قال اوباما “خلال الشهرين اللذان فيهما كان الجميع متأكداً أن وباء الايبولا سيدمر الأرض و كان هناك تغطية على مدار الساعة يومياً للإيبولا، إن كنت قد غذيت الرعب أو خلطت بأي طريقة ما بين الحقائق والاحتياجات وطريقة التعامل معها، أو بفرص الإصابة بالمرض، وبعض الحلول للقضاء عليه، فقد يقول الناس أنني أبالغ بشدة و لكن إشاعة الذعر عن طريق المبالغة في رد الفعل يمكن أن تغلق السفر ذهاباً وإياباً لثلاث دول إفريقية هي بالفعل فقيرة للغاية، أضاف: “لقد أضعنا كمية هائلة من الموارد في أنظمتنا للصحة العامة التي تحتاج إلى أن تُخصص لتطعيمات الأنفلونزا وغيرها من الأمور التي تقتل الناس فعلياً بأعداد كبيرة في أمريكا.”
هبطت الطائرة وكان الرئيس متكئاً على كرسي مكتبه خالعاً سترته ورابطة عنقه مائلة قليلا ولكن لا يمكن ملاحظتها، على مدرج المطار، تمكنت من رؤية ما جزء كبير من القوات المسلحة الماليزية المتجمعة للترحيب به. حين واصل اوباما حديثه بدأ القلق ينتابني بشأن الجنود وكبار الشخصيات المنتظرون خشيت أن تصيبهم الحرارة بسوء. فقلت: “أظن أننا في ماليزيا، يبدو أننا خارج الطائرة.”
أعترف اوباما أن هذا صحيح، ولكن بدا على غير عجلة، لذلك ضغطت عليه حول رد فعله العلني عن الإرهاب: إن أظهر المزيد من الرعونة، ألن يهدئ ذلك الناس بدلاً من إغاظتهم؟
قال “لدي أصدقاء لديهم أطفال في باريس الآن، وأنا وأنتم و مجموعة كاملة من الناس الذين يكتبون عما حدث في باريس قد تجولوا في نفس الشوارع حيث قُتل الأبرياء. ومن الصحيح أن تشعر بالخوف. ومن المهم لنا ألا نصل أبداً للرضا الكامل عن النفس.” أضاف اوباما يوجد اختلاف بين اتخاذ قرارات مدروسة واتخاذ قرارات مندفعة وعاطفية. “هذا يعني، في الواقع، هل أنك تهتم كثيراً بالحصول على القرار الصائب وأنك لن تتساهل مع أي متهور، ام تهتم بالإجابات المصطنعة التي تبدو منمقة لكن لا تؤدي إلى نتائج. المخاطر عالية جداً جراء الخطابات الرنانة والقرارات الغير مدروسة.”
“لا تمثل داعش تهديداً للولايات المتحدة بل تغير المناخ هو التهديد المحتمل لوجود العالم بأسره إن لم نفعل شيئاً حياله.”
بهذا، وقف أوباما وقال: “حسناً، علينا الرحيل.” خرج من مكتبه ونزل الدرج، متجهاً إلى البساط الأحمر وحرس الشرف ومجموعة  المسئولين الماليزيين منتظرين لتحيته، ومن ثم ذهب إلى الليموزين المدرعة الخاصة به، طائراً إلى كوالا لمبور. وتعليقا على كثرة تنقله من طائرة إلي سيارة وغيرها قال في وقت مبكر من فترة ولايته الأولى، كان لا يزال غير معتاد على العملية العسكرية واسعة النطاق اللازمة لنقل الرئيس من مكان إلى آخر، حيث أشار بأسى إلى مساعديه، وقال “لدي أكبر قدر من إنبعاثات الكربون في العالم.”)
كانت المحطة الأولى للرئيس حدث آخر يهدف إلى تسليط الضوء على دوره في آسيا، وهو اجتماع مع الطلاب ورجال الأعمال المشاركين في إدارة مبادرة قادة شباب جنوب شرق آسيا. دخل أوباما قاعة المحاضرات بجامعة تايلور بتصفيق حاد ثم قدم بعض الكلمات الافتتاحية، ثم سحر الحضور بسلسلة من الأسئلة والإجابات الموسعة.
لكن نحن المراقبون من قسم الصحافة أصبحنا مشتتين نظرا لكثرة الأخبار القادمة عبر هواتفنا بشأن هجوم جهادي جديد في مالي. أوباما، المفتون بنشاط رجال الأعمال الآسيويين، ليست لديه فكرة عما حدث، فقط عندما دخل سيارته الليموزين مع سوزان رايس وصله الخبر.
سامنتا باور السفير الأمريكي لدى الولايات المتحدة (على اليسار) ووزير الخارجية جون كيري (في الوسط) يستمع حيث يتحدث أوباما عن وباء الإيبولا في سبتمبر عام 2014.
بعد ذاك المساء، زرت الرئيس في الجناح الخاص به بفندق ريتز كارلتون في وسط مدينة كوالا لمبور. قد تم إغلاق الشوارع المحيطة بالفندق. السيارات المصفحة حاوطت المبنى؛ امتلأ بهو الفندق بالقوات الخاصة. اتخذت المصعد لطابق مزدحم بعملاء الاستخبارات، الذين وجهوني إلى سلم ولكن المصعد إلى الطابق الذي به أوباما كان غير متاح لأسباب أمنية. لأكثر من رحلتين، إلى مدخل به المزيد من العملاء. أنتظر لحظة، ثم فتح أوباما الباب. كان جناحه المكون من طابقين غريب: ستائر تشبه تارا، أرائك متخمة. كان هائلاً ومنعزلاً ومثير للخوف معاً في نفس الوقت.
علقت على ما شاهدت، “انه مثل قلعة هيرست”.
قال أوباما “حسناً، إنه بعيد كل البعد عن فندق هامبتون في دي موين.”
كان التلفاز مدار على قناة اي اس بي ان.
عندما جلسنا، لفت انتباه الرئيس إلى تحدي كبير لشخصه في آسيا. في وقت سابق من اليوم، في اللحظة التي كان يحاول أن يلهم مجموعة من رجال الأعمال الإندونيسيين الموهوبين والحريصين ومبتكري بورما، تم تشتيت الاهتمام عن طريق هجوم إرهابي للإسلاميين.
أقترح أحد الكتاب: “إنها على الأرجح طريقة سهلة جداً لبدء القصة،” مشيراً إلى هذا المقال.
قلت ربما، لكن هذا نوع من الحيل الرخيصة.
قال أوباما “إنه رخيص، لكنه ينجح، نحن نتحدث إلى هؤلاء الأطفال، وبعد ذلك يقع هذا الهجوم.”
الأحداث المنفصلة في هذا اليوم أثارت محادثة حول اثنين من الاجتماعات الأخيرة التي عقدها الرئيس الأمريكي اوباما، إحداهما أحدث جدل دولي كبير وتصدر عناوين الصحف، والآخر لم يحدث شيء. الاجتماع الذي لفت الكثير من الانتباه، اعتقدت أنه بالنهاية سيتم الحكم عليه بأنه بدون تأثير أو نتائج مرجوة، كان هذا الاجتماع هو القمة الخليجية التي عقدت في مايو من عام 2015 بكامب ديفيد، التي قصدت تهدئة حشد الزوار من الشيوخ والأمراء الذين استشعروا الخوف من الاتفاق الوشيك مع إيران.
وقع الاجتماع الآخر بعد شهرين من الاجتماع الأول، في المكتب البيضاوي، بين أوباما والأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي، نجوين فو ترونج. تم هذا الاجتماع فقط لأن جون كيري قد دفع البيت الأبيض إلى انتهاك البروتوكول المشترك منذ أن كان الأمين العام ليس هو رئيس الدولة. لكن الأهداف كانت خفية: أراد أوباما الضغط على الفيتناميين بشأن الشراكة مع دول المحيط الهادئ و سرعان ما أنتزع مفاوضوه وعد من الفيتناميين بأنهم سيضفون الشرعية على النقابات العمالية المستقلة وأراد اوباما تعميق التعاون بين أمريكا وفيتنام في القضايا الإستراتيجية حيث المح لي مسئولون في الإدارة الأميركية مراراً أنه قريباً قد يكون هناك تواجد عسكري دائم للولايات المتحدة في فيتنام للتحقق الفزع الأكبر للفيتناميين وهي الصين
 إن عودة القوات البحرية الأمريكية إلى خليج كام رانه سيعتبر كأحد أكثر التطورات في التاريخ الأمريكي الحديث. أخبرني أوباما “أننا فقط نقلنا الحزب الفيتنامي الشيوعي ليعترف بحقوق العمال بالطريقة التي لم نستطع فعلها أبداً بإرهابهم أو تخويفهم.” داعياً هذا انتصار رئيسي بحملته ليستبدل التلويح بالعصا بالإقناع الدبلوماسي.
لاحظت أن قرابة 200 شاب من جنوب شرق آسيا متواجدين بالغرفة في وقت سابق من ذلك اليوم، بما في ذلك مواطني الدول الشيوعية، بدو وكأنهم يحبون أمريكا. قال أوباما “الفيتناميين يحبون أمريكا في الوقت الراهن بنسبة 80 بالمائة حسب ما ورد باستطلاعات الرأي. الشعبية النامية لأمريكا في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا يعني أننا “يمكننا القيام بأشياء مهمة كبيرة حقاً والتي بالمناسبة، سيكون لها تداعيات في جميع المجالات لاحقا، لأنه حين تنضم ماليزيا إلي الحملة المضادة لداعش، سيساعدنا ذلك في حشد الموارد والمصداقية في حربنا ضد الإرهاب. وحين يكون لدينا علاقات قوية مع إندونيسيا، ذلك سيساعدنا عندما نذهب إلى باريس ونحاول التفاوض في اتفاقية المناخ، ولكن محاولة إغواء روسيا أو بعض من هذه البلدان الأخرى قد يلقي بالاتفاق في طريق غير مفيد.”
هذا وقد أشار أوباما إلي زيادة نفوذ أمريكا في أمريكا اللاتينية قائلاً أنه تزايد نسبياً من خلال إزالته لحجر العثرة على مستوى المنطقة عندما أعاد بناء العلاقات مع كوبا كدليل أن منهجه المتروي المرتكز على الدبلوماسية في العلاقات الخارجية ينجح.
ضعفت حركة ألبا وهي مجموعة من حكومات أمريكا اللاتينية الموجهة نحو معاداة الولايات المتحدة بشكل ملحوظ خلال الفترة التي قضاها اوباما رئيساً للبلاد.
قال “عندما توليت المنصب، في القمة الأولى للأمريكتين التي حضرتها، كان هوجو تشافيز الديكتاتور الفنزويلي الأخير المناهض لأمريكا لا يزال شخصية مهيمنة في المحادثات، ولكننا اتخذنا قراراً إستراتيجياً جداً في وقت مبكر، مفاده بدلاً من إثارة المشكلة وتعميقها وضعها في حجمها الصحيح، حيث يجب أن نقول إننا لا نحب ما يجري في فنزويلا، لكنه لا يهدد الولايات المتحدة.”
قال أوباما ذلك لتحقيق إعادة التوازن بين البلدين، كان على الولايات المتحدة امتصاص الخطب اللاذعة والاهانات من العتيق كاسترو مانك. أشار أوباما “عندما رأيت تشافيز صافحته وقال لي نقد ماركسي حول علاقة الولايات المتحدة بأمريكا اللاتينية، واضطررت إلى الجلوس هناك والاستماع إلى أورتيجا” انه دانيل أورتيجا، رئيس نيكاراجوا اليساري المتطرف “أخذ يتبجح لمدة ساعة ضد الولايات المتحدة. لكن كوننا هناك وغير آخذين كل تلك الأشياء على محمل الجد لأنها لم تكن تهديد حقيقي لنا”، كل هذا ساعد على تقلص العداء للولايات المتحدة في المنطقة.
قلت له إن عدم رغبة الرئيس الأمريكي في مقاومة الخصوم من شأنه إثارة الرأي العام، وأخبرته أن بين الحين والآخر، أود أن أراه ينتقض فلاديمير بوتين بشدة. لإرضاء الشعب.
رد الرئيس بهدوء ” هذا ما يبحثون عنه.”
وصف اوباما العلاقة مع بوتين بالتي لا تطابق تماماً التصورات المشتركة. قد كان لدي انطباع أن أوباما نظر إلى بوتين على أنه شرير، فظ، وقصير. لكن أوباما أخبرني أن بوتين ليس شريراً على نحو كبير.
“في الواقع، الحقيقة هي أن بوتين، في جميع مقابلاتنا، مهذباً بشدة وصريحاً جداً. مقابلاتنا عملية جداً. لا يدعني أبداً أنتظر لساعتين مثلما يفعل مع الآخرين.” قال أوباما إن بوتين يظن أن علاقته بالولايات المتحدة أكثر أهمية مما يتخيل الشعب الأمريكي. “إنه مهتم دائماً بأن نراه كنظير لنا وكعامل معنا، لأنه ليس غبياً تماماً. إنه يفهم أن موقف روسيا الشامل في العالم يتقلص بشكل ملحوظ. والحقيقة أنه لن يصبح ندا لنا من خلال ما يفعله من غزو شبه جزيرة القرم أو محاولة دعم الأسد.
لا تراه في أي من هذه المقابلات يساعد في حل مشكلة هامة، لذلك فالروس لن يحلوا اي قضايا عالقة من خلال اجتماع مجموعة الـ20.
غزو روسيا لشبه جزيرة القرم في أوائل 2014، وقرارها باستخدام القوة في دعم حكم عميلها بشار الأسد، قد استشهد به نقاد أوباما كدليل على أن العالم الذي ما بعد الخط الأحمر لم يعد يخيف أمريكا.
لذا عندما تحدثت إلى الرئيس باراك اوباما في المكتب البيضاوي في أواخر يناير، أثرت مرة أخرى هذا السؤال عن المصداقية المانعة. ” قلت له إن فلاديمير بوتين راقب موقفك تجاه سوريا وقال إن اوباما منطقي وعقلاني جداً، ويعمل على تخفيض النفقات بشكل كبير، لذلك سأدفعه قليلاً للخوض في أوكرانيا.”
لم تلق طريقتي في الأسئلة إعجاب أوباما كثيراً. قال “أنظر، لكي تعرف ما يحيرني دائماً هو كيف يتجادل الناس. لا اعتقد أن أي أحد تخيل أن جورج بوش كان عقلاني أو حذر بشكل مفرط في استخدامه للقوة العسكرية. وعلى ما أذكر، لأنه على ما يبدو لا أحد من هذه المدينة يعلم، غزا بوتين جورجيا على مرأى من بوش، وهي صفعة موجهة لنا أن يكون لديه أكثر من مائة ألف جندي منتشر في العراق.” كان أوباما يشير إلى غزو بوتين لجورجيا عام 2008، الجمهورية السوفييتية السابقة، التي سُلبت للأسباب ذاتها التي جعلت بوتين يغزو أوكرانيا لاحقاً وهي للحفاظ على الجمهورية السوفييتية السابقة تحت سيطرة ونفوذ روسيا.
أوضح الرئيس الأمريكي أن تصرف بوتين في أوكرانيا كان رد فعل لان الدولة العميلة (اوكرانيا) كانت على وشك الخروج من سيطرته، وتصرف بوتين بطريقة لإحكام سيطرته هناك، فقد قام بالشيء ذاته في سوريا، بتكلفة هائلة لبلده كما يبدو جيداً. وفكرة أن روسيا في وضع أقوى الآن في سوريا أو أوكرانيا، مما كانت عليه قبل غزو أوكرانيا أو قبل اضطرارها لنشر قوات عسكرية في سوريا هو سوء فهم جذري في طبيعة السلطة في الشؤون الخارجية أو في العالم بصفة عامة. السلطة الحقيقية تعني أنك تستطيع الحصول على ما تريد دون الحاجة إلى بذل عنف. كانت روسيا أقوى بكثير عندما بدت أوكرانيا كدولة مستقلة ولكن الفساد وصل إلي أعلى مستوياته مما أوقع بوتين فيما حدث.”
نظرية أوباما هنا بسيطة: أوكرانيا هي مصلحة هامة لروسيا لكنها ليست كذلك لأمريكا، لذا ستتمكن روسيا دوماً من الحفاظ على هيمنة متزايدة هناك.
أضاف اوباما، الحقيقة هي أن أوكرانيا، التي هي دولة ليست عضو بحلف الناتو، ستكون عرضة للهيمنة العسكرية من قبل روسيا بغض النظر عما نقوم به.
سألت أوباما ما إن كان موقفه من أوكرانيا واقعي أم معتمد على القضاء والقدر.
قال “إنه واقعي، لكن هذا مجرد مثال ويجب أن نكون أكثر وضوحا بشأن مصالحنا الأساسية وأين تقع وما يجب أن نحارب من أجله. وبنهاية المطاف، سيكون هناك دائماً بعض الغموض.” ثم تطرق اوباما إلي النقد الموجه ضده، قائلاً “اعتقد أن أفضل رد لهؤلاء الذين ينتقدون سياستي الخارجية هي أن الرئيس لا يستغل الغموض بما فيه الكفاية، ربما لا يتصرف بالطرق التي قد تجعل الناس تفكر وتهتف بابتهاج معربين عن دهشتهم: هذا الرجل مجنون قليلاً.”
نهج “نيكسون المجنون،” يفيد أن إرباك وإرهاب أعداءك يجعلهم يظنون أنك قادر على ارتكاب أفعال غير عقلانية.
أضاف اوباما “لكن دعنا نختبر نظرية نيكسون، لذا أسقطنا المزيد من المعدات الحربية في كمبوديا ولاوس أكثر مما فعلنا في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية، و في نهاية المطاف، أنسحب نيكسون،وذهب كيسنجر إلى باريس، وكل ما خلفناه هو الفوضى والذبح، والحكومات الاستبدادية التي نشأت جراء ذلك الجحيم، عندما أذهب لزيارة تلك البلاد، سأحاول أن أكتشف كيف نستطيع اليوم مساعدتهم في إزالة المفرقعات التي مازالت تفجر أقدام الأطفال الصغار. ما الوسيلة التي تجعل هذه الإستراتيجية تعزز المصالح الخاصة بأمريكا؟ “
لكن ماذا إن هدد بوتين بالتحرك ضدنا، مثلاً، مولدوفا دولة ضعيفة أخرى بعد انهيار الإتحاد السوفييتي؟ ألن يساعدنا هذا ليظن بوتين أن أوباما ربما يغضب ويجن بسبب هذا الفعل؟
قال “ليس هناك دليل في السياسة الخارجية الأمريكية الحديثة أن ذلك هو رد الفعل الشعب. رد فعل الشعب الأمريكي قائم على متطلباتهم، وإن كانت هامة حقاً لأحد ما، وأنها ليست بنفس تلك الأهمية بالنسبة لنا، يعلمون ذلك، ونحن نعلم ذلك، هناك سبل للردع، لكنها تتطلب منك الوضوح الشديد طول الوقت بشأن ما يستحق شن حرب وما لا يستحق. الآن، لو أن هناك أحداً في هذه المدينة التي ستدعي أننا سنفكر في شن حرب مع روسيا حول شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا، فإنهم يجب أن يتكلموا بوضوح شديد عن هذا. فكرة أن الحديث القاسي أو الانخراط في بعض العمليات العسكرية التي تمس منطقة معينة هو ما سيؤثر بطريقة ما على صنع القرار بروسيا أو الصين بما يخالف لكل الأدلة التي قد شهدناها على مدى الخمسين عاماً الماضية.”
أستمر أوباما في قول إن الإيمان بالرعونة في التعامل مع الأحداث هو متجذر في “الأساطير” حول السياسة الخارجية لرونالد ريجان.
قال “إن فكرت في أزمة الرهائن في إيران، فهناك ما يحكى وقد تطور اليوم من قبل بعض المرشحين الجمهوريين وهو أن يوم ترشح ريغان الذي بدا قاسيا في الانتخابات،  قرر الإيرانيون أنهم من الأفضل أن يسلموا هؤلاء الرهائن، ولكن ما قد حدث حقاً هو مفاوضات طويلة مع الإيرانيون ولأنهم يكرهون كارتر جداً حتى برغم إتمام المفاوضات استبقوا تلك الرهائن حتى اليوم الذي لم يُنتخب فيه ريجان. موقف ريجان، خطابه، وما إلى ذلك، لم يفعل شيئاً لتحريرهم.
 وعندما تفكر في العمليات العسكرية التي قام بها ريجان، لديك جرينادا التي من الصعب الجدال أنها ساعدت قدرتنا على تشكيل الأحداث العالمية، على الرغم من أنها كانت سياسة جيدة بالنسبة له لدعم الوطن. لديك مسألة معاداة إيران، التي دعمنا فيها البرلمانيين اليمينيين ولم نفعل شيئاً لتجميل صورتنا في أمريكا الوسطى، ولم تكن ناجحة على الإطلاق.” ذكرني أن العدو اللدود لريجان، دانيل أورتيجا، هو اليوم الرئيس غير النادم لنيكاراجوا.
نوه أيضاً أوباما الى  قرار ريجان بسحب القوات الأمريكية على الفور من لبنان بعد مقتل مائتين وواحد واربعين جندياً في هجوم لحزب الله في عام 1983. قال ساخراً “من الواضح أن كل هذه الأحداث ساعدتنا لكسب المصداقية مع الروس والصينيين، لأن تلك هي القصة التي تروى. والآن اعتقد فعلاً أن رونالد ريجان قد حقق نجاحاً عظيماً في السياسة الخارجية والتي كانت تهدف إلي إدراك الفرص التي قدمها جورباتشوف والانخراط في دبلوماسية موسعة و التي صارت محل نقد من قبل نفس الأشخاص الذين يستخدمون الآن رونالد ريجان لتعزيز فكرة أننا يجب أن نثير حماس الجماهير بعبارات رنانة.”
في محادثة في نهاية يناير، طلبت من الرئيس وصف التهديدات التي يقلق أكثر بشأنها وهو في طريقه في الأشهر المقبلة لتسليم السلطة لخليفته.
رد اوباما “حين أمعن النظر في العشرين سنة القادمة، فظاهرة تغير المناخ تقلقني بشدة بسبب الآثار التي تخلفها على كل المشاكل الأخرى التي نواجهها، إن بدأت في رؤية جفاف أكثر حدة ومجاعات على نطاق اكبر ومزيد من النزوح من شبه القارة الهندية والمناطق الساحلية في أفريقيا وآسيا واستمرار مشاكل الندرة واللاجئين والفقر والمرض، فهذا يعظم من المشاكل الأخرى ويجعلها أسوأ. فظاهرة تغير المناخ تتجاوز القضايا الوجودية للكوكب الذي بدأ الدخول في حلقة مفرغة سيئة.”
المح اوباما عن خطورة الارهاب قائلاً إن الإرهاب أيضاً مشكلة طويلة الأجل، عند ربطه بمشكلة الدول الفاشلة.
ما الدول التي يعتبرها باراك اوباما التحدي الأكبر لأمريكا في العقود القادمة؟ قال “من حيث العلاقات التقليدية الكبيرة للدولة، أظن أن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين ستكون الأكثر أهمية. إن فهمنا ذلك جيداً وواصلت الصين النهوض السلمي، إذاً فسيكون لدينا الشريك الذي ينمو في القدرة ويشارك معنا أعباء ومسؤوليات الحفاظ على النظام الدولي. وإن فشلت الصين ولم تتمكن من الاحتفاظ بمسار يرضي سكانها وعليها أن تلجأ إلى القومية كمبدأ تنظيمي؛ وإن شعرت بالإرهاق بسبب تولي مسئوليات دولة بحجمها في الحفاظ على النظام الدولي؛ إن نظرت الصين للعالم من منظور النفوذ الإقليمي إذاً فسنواجه صراعاً محتملاً مع الصين، وسنجد أنفسنا نواجه المزيد من الصعوبة في التعامل مع هذه التحديات الأخرى التي ستأتي.”
لاحظت العديد من الناس يريدون أن يكون الرئيس أكثر حزما في مواجهة الصين، خصوصاً في بحر الصين الجنوبي. قد سُمع عن هيلاري كلينتون أنها قالت لأحد في جلسة خاصة “لا أريد أن يعيش أحفادي في عالم يحكمه الصينيون.”
قال أوباما ” لقد كنت واضحاً جداً في القول بأن لدينا المزيد من التخوفات من الصين وهي في حالة ضعف اما في حالة النمو والنجاح فسنواجه تهديدا اكبر، اعتقد أنه علينا أن نكون حازمين في التعامل مع الصين حين تعمل على تقويض المصالح الدولية، وبالنظر إلي العمليات العسكرية في بحر الصين الجنوبي، فقد تمكننا من حشد معظم آسيا لعزل الصين بالطرق التي فاجأت الصين، بصراحة، وخدمت مصلحتنا كثيراً في تعزيز تحالفاتنا.”
روسيا المتخبطة الضعيفة تشكل تهديد كذلك، لكن ليس تهديداً من الدرجة الأولى. قال أوباما “على عكس الصين، فهم لديهم مشاكل ديموغرافية، مشاكل هيكلية اقتصادية تتطلب ليس فقط رؤية لكن جيل ليتغلب عليها. المسار الذي يتخذه بوتين لن يساعدهم في التغلب على تلك التحديات.
لكن في تلك البيئة، التخطيط لإظهار عظمة القوة العسكرية هو ما يميل إليه بوتين. لذا أنا لا أقلل من شأن المخاطر هناك.” عاد أوباما إلى النقطة التي كان قد أدلى لي بها مراراً وتكراراً، النقاط التي يأمل أن الدولة والرئيس القادم يستوعبها جيداً: “تعلم، الفكرة القائلة بأن الدبلوماسية والتكنوقراطين والبيروقراطيين بطريقة أو بأخرى تساعد على إبقاء أمريكا آمنة ومأمونة، معظم الناس يعتقدون انه هذا هراء لكنه حقيقة. وبالمناسبة، إنه عنصر من عناصر القوة الأمريكية الذي يقدره باقي العالم بشكل لا جدال فيه. عندما ننشر قوات، هناك دائماً شعور من جانب دول أخرى أنه عند الضرورة، تُنتهك السيادة.”
على مدار العام الماضي، قد زار جون كيري البيت الأبيض بانتظام ليطلب من أوباما أن ينتهك سيادة سوريا. في مناسبات عدة، قد طلب كيري من أوباما إطلاق صواريخ على أهداف محددة للنظام، تحت ستار الظلام، “ليبعث رسالة” للنظام. قد قال كيري إن الهدف ليس الإطاحة بالأسد ولكن لتشجيعه، وإيران وروسيا، للتفاوض بشأن السلام، عندما قد كان لحليف الأسد اليد العليا في الساحة، كما كان لديه في الأشهر القليلة الماضية، لم يبد أي رغبة في أخذ توسلات كيري للتفاوض بحسن نية.
قد أكد كيري على أن بعض الصواريخ العابرة قد تشد انتباه الأسد ومؤيديه. قال لي مسئول رفيع المستوى في الإدارة “يبدو كيري كأحمق مع الروس، لأنه ليس لديه تأثير.”
أخبر كيري أوباما أن الولايات المتحدة لن تضطر لأن تنسب الفضل للهجمات، لكن “الأسد” سيعلم بالتأكيد من الذي أطلق الصواريخ.
هذا وقد قاوم أوباما طلبات كيري، ويبدو أنه قد أزداد صبراً مع الضغط عليه. “في الآونة الأخيرة، عندما سلم كيري أوباما الإطار العام للخطوات الجديدة مكتوباً لجلب المزيد من الضغط على “الأسد”، قال أوباما، “قدم لي اقتراح آخر؟” قد أخبرني مسئولي الإدارة أن بايدن نائب الرئيس قد أصبح محبط هو الآخر مع طلبات كيري بالتحرك،فقد قال على انفراد لوزير الخارجية “جون، هل تذكر فيتنام؟ هل تذكر كيف بدأ ذلك؟” في اجتماع مجلس الأمن القومي الذي عُقد في وزارة الدفاع الأمريكية في ديسمبر، أعلن أوباما أنه لا أحد سوى وزير الدفاع يحضر له مقترحات لعمل عسكري. استوعب مسئولي البنتاجون الأمر وأدركوا أن تصريح أوباما ما هو إلا ضربة موجعة  موجهة إلى كيري لمنعه من تقديم اقتراحات عسكرية مرة أخري.
راهن أوباما على أن ثمن العمل الأمريكي المباشر في سوريا سيكون أعلى من ثمن التقاعس عن العمل.
في أحد أيام يناير، في مكتب كيري بوزارة الخارجية، عبرت عن ما يجول بخاطري قلت إن كيري لديه انحياز تجاه العمليات العسكرية أكثر من الرئيس الأمريكي.
أعترف كيري “ربما أنا كذلك. أنظر القول الفصل في هذه الأمور في يديه، أود القول أنني أظن أنه قد كان لدينا علاقات تعاونية وتفاعلية تعمل بشكل فعال جداً. لأنني سآتي مع التحيز نحو تجربة القيام بكل شيء.”
تحذير أوباما بشأن سوريا قد أثار حفيظة الإدارة الأمريكية التي رأت فرص في لحظات مختلفة على مدار الأربعة سنوات الماضية، لقلب الساحة على الأسد. ظن البعض أن قرار بوتين بالقتال نيابة عن الأسد سيدفع أوباما لتكثيف الجهود الأميركية لمساعدة المتمردين المناهضين للنظام. لكن أوباما، حتى كتابة هذا التقرير، لم يحرك ساكنا، لأنه اعتقد أن وقف روسيا عن ما تفعله هو أمر بعيد عنه ولكن هذا خطأ فادح. أخبرني “إنهم ممتدون على نحو بعيد، إنهم ينزفون، واقتصادهم قد تقلص لمدة ثلاث سنوات على التوالي، بشكل جذري.”
في اجتماعات مجلس الأمن القومي، كان يشار إلى إستراتيجية أوباما في بعض الأحيان “كمنهج توم سوير.” كان رأي أوباما أنه إن أراد بوتين توسيع موارد نظامه من خلال رسم الحدود في سوريا، فيجب على الولايات المتحدة أن تدعه وشانه. في أواخر فصل الشتاء، على الرغم من أن روسيا عندما بدت تحرز تقدماً في حملتها لترسيخ حكم الأسد، بدأ البيت الأبيض مناقشة سبل تعميق الدعم للمتمردين، على الرغم من بقاء تناقض الرئيس بشأن مشاركة أوسع نطاقاً. في المحادثات التي كانت لدي مع مسئولي مجلس الأمن القومي على مدار الشهرين الماضيين، قد شعرت بهاجس ينذر بوقوع حادثة على غرار هجوم سان برناردينو، على سبيل المثال هل تُجبر الولايات المتحدة على اتخاذ إجراء جديد ومباشر في سوريا، بالنسبة لأوباما، هذا سيكون كابوس.
أخبرني أوباما أنه إن لم يكن هناك العراق، أفغانستان، وليبيا، قد يكون أكثر عرضة لتحمل المخاطر في سوريا. ” الرئيس لا يتخذ قرارات في الفراغ. ليس لديه لائحة بيضاء. أي رئيس عميق التفكير، على ما أعتقد، سيعترف أنه بعد أكثر من عقد من الحرب، مع الالتزامات التي لا تزال حتى يومنا هذا والتي تتطلب كميات كبيرة من الموارد والاهتمام في أفغانستان، ومع تجربة العراق، ومع التوترات الملقاة على جيشنا، فأي رئيس عميق التفكير سيتردد بشأن عقد التزام جديد في المنطقة نفسها من العالم مع تواجد نفس الاحتمالات لنتائج غير مرضية.”
سألت الرئيس “هل أنت حذر كثيراً؟”
قال “لا، هل أظن أنه إن لم نكن قد غزونا العراق و إن لم نكن مازلنا متورطين في إرسال مليارات الدولارات وعدد من المدربين العسكريين والمستشارين إلى أفغانستان، فهل كنت سأفكر بشأن القيام ببعض المخاطر الإضافية للمساعدة في محاولة تشكيل الموقف السوري؟ حقا لا أعلم.”
ما قد أدهشني هو موقف وزير الخارجية الامريكي حين حذر بشأن نهاية مزرية للعالم لأوروبي من جراء الانخراط في سوريا، أوباما لم يقم بإعادة تصنيف الحرب الأهلية في البلاد بمثابة تهديد أمني من الدرجة الأولى.
تردد أوباما في القيام بالمعركة من أجل سوريا اتخذه النقاد كدليل أنه ساذج للغاية؛ قراره في عام 2013 ألا يطلق صواريخ هو دليل، يقولون انه هو كذاب.
هذا النقد يحبط الرئيس. “لا أحد يتذكر بن لادن بعد الآن”، كما يقول. “لا يتحدث أحد عني عندما أرسلت ثلاثين ألف جندي إضافي إلى أفغانستان.” قال إن أزمة الخط الأحمر هي، ” نقطة الهرم المقلوب الذي تقوم عليه كل النظريات الأخرى الباقية.”
بعد ظهر أحد الأيام في نهاية شهر يناير، حيث كنت تاركاً المكتب البيضاوي، ذكرت لأوباما لحظة من مقابلة في عام 2012 عندما قال لي أنه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي. حيث قال أنا رئيس الولايات المتحدة، أنا لا أكذب.”
قال “لم أفعل.”
بعد فترة وجيزة من تلك المقابلة منذ أربع سنوات، إيهود باراك، الذي كان وقتها وزير الدفاع الإسرائيلي، سألني ما أظن أن وعد أوباما بعد الخديعة كان خدعة في حد ذاته. أجبت أنه من الصعب تخيل أن رئيس الولايات المتحدة سيخدع بشأن شيء له تابعياته. لكن سؤال باراك رسخ في ذهني. حتى وقفت في المدخل مع الرئيس، سألت: “هل كانت خدعة؟” قلت له إن قلة من الناس يعتقدون الآن أنه فعلاً قد هاجم إيران لمنعها من الحصول على سلاح نووي.
قال اوباما “ذلك مثير للاهتمام.”
بدأت في الحديث: “هل أنت ـــ”
قاطعني قائلاً “حقاً كنت لأفعل” كنت سأضرب المنشآت النووية الإيرانية. “إن رأيتهم يتقدمون.”
أضاف، القضية الآن التي لا يمكن حلها، لأنها طارئة، هي قدرة الإيرانيين على صنع قنبلة نووية. ” كانت هذه هي قضيتي مع نتنياهو.” أراد نتنياهو من أوباما أن يمنع إيران من القدرة على صنع قنبلة، ليس فقط من امتلاك قنبلة نووية.
قال الرئيس “كنت على حق أن تصدق ما قاله نتنياهو “. لان ذلك كان يصب في مصلحة أمريكا.”
تذكرت وقتها شيء من ديريك كوليت، مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي، وقال لي: “أوباما مقامر، وليس كاذب”.
قد وضع الرئيس بعض الرهانات الكبيرة. في مايو الماضي، حيث كان يحاول نقل الاتفاق النووي الإيراني من خلال الكونغرس، أخبرته أن الاتفاقية تقلقني. رده كان، “أنظر، 20 عاما من الآن، وأنا لا أزال حولها،   إن حصلت إيران على سلاح نووي، فسيحمل ذلك اسمي.” قال ” أعتقد أنّه من الإنصاف أن نقول إنّه فيما عدا المصالح العميقة لأمننا القومي، لديّ مصلحة شخصية في إقفال هذه الصفقة”.
في مسألة النظام السوري والجهات الراعية له الإيرانية والروسية، قد راهن أوباما، ويبدو مستعداً لمواصلة الرهان، أن ثمن العمليات الأمريكية المباشرة سيكون أكثر من ثمن التقاعس. وقال أنه متفائل بما فيه الكفاية للتعايش مع غموض قراراته المحفوفة بالمخاطر. وفي خطابه على جائزة نوبل للسلام في عام 2009، قال أوباما، ” عدم العمل يمزق ضمائرنا ويمكن أن يؤدي إلى تدخل أكثر تكلفة فيما بعد،” اليوم الاراء التي تهدف إلي التدخل الإنساني لا تحركه، على الأقل ليس علناً. هو يعرف بلا شك أن الجيل المقبل من سامانثا باور سوف يكتب ناقداً من عدم رغبته في بذل المزيد من الجهد لمنع الذبح المستمر في سوريا. (لذا سامانثا باور ستكون أيضاً موضع انتقاد من سامانثا باور القادمة.) كما أنه يأتي إلى نهاية فترة رئاسته، يرى أوباما أنه قد قام لبلاده بمعروف كبير عن طريق الحفاظ عليها خارج الدوامة – وقال أنه يعتقد أن المؤرخين سوف يحكمون عليه ويدرجونه تحت قائمة العقلاء يوماً ما نظير ما فعله.
داخل الجناح الغربي، يقول مسؤولون إن أوباما، كرئيس ورث أزمة مالية وحربين ساخنتين من سلفه، حريص على ترك المنصب لخلفه بلا مشاكل.
هذا هو سبب الحرب ضد داعش، وهي جماعة يعتبرها ليست تهديد وجودي مباشر للولايات المتحدة، الأولوية الأكثر إلحاحاً له للفترة المتبقية من رئاسته؛ هي قتل المدعو خليفة الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، أحد الأهداف الكبرى لجهاز الأمن القومي الأمريكي في السنة الأخيرة من فترة أوباما الرئاسية.
بالطبع، داعش صارت كيان بمساعدة نظام الأسد، ووفقاً لمعايير أوباما الصارمة، حكم الأسد المستمر لهذه اللحظة لا يزال لا يرقى إلى مستوى تحدي مباشر للأمن القومي الأمريكي.
هذا ما هو مثير للجدل للغاية حول منهج الرئيس، وما سيكون مثيراً للجدل لسنوات قادمة المعيار الذي أستخدمه لتحديد ما يشكل بالضبط تهديداً مباشراً.
قد وصل أوباما إلى عدد من الاستنتاجات المختلفة بشأن القضايا العالمية ودور أمريكا في ذلك.
1 – الأول هو أن الشرق الأوسط لم يعد مهماً جداً للمصالح الأمريكية.
2 – والثاني هو أنه حتى لو كانت منطقة الشرق الأوسط هامة بشكل بارز، سيظل هناك القليل من رئيس أمريكي يمكن القيام به لجعله مكاناً أفضل.
3 – والثالث هو أن الرغبة الأمريكية الفطرية لإصلاح أنواع المشاكل التي تعبر عن نفسها بصورة أكثر حدة في الشرق الأوسط يؤدي حتماً إلى الحرب ، والي مقتل الجنود الأمريكيين، وإلى التشكيك في مصداقية الولايات المتحدة ونواياها.
4 – الرابع هو أن العالم لا يستطيع أن يرى زوال قوة الولايات المتحدة. كما وجد العديد من قادة حلفاء الولايات المتحدة أن قيادة أوباما غير كافية للمهام التي أمامه، هو نفسه قد وجد قيادة العالم تريد: الشركاء العالميين الذين غالباً ما يفتقرون إلى الرؤية والإرادة لإنفاق رأس المال السياسي من أجل تحقيق أهداف كبيرة، وتقدمية، وخصوم أمريكا ليسوا في رأيه بنفس القدر من العقلانية. يعتقد أوباما أن التاريخ له جانبين، وأن خصوم أمريكا وبعضاً من حلفائها الوهميين قد تمركزوا على الجانب الخطأ، حيث القبلية والتعصب الديني والطائفية والعسكرية لا تزال تزدهر. ما لا يفهمونه هو أن التاريخ ينحني باتجاههم.
قال لي بن رودس “نقطة الخلاف الرئيسية تتمثل في الحفاظ على أمريكا من الانخراط في أزمة الشرق الأوسط، مضيفاً، مؤسسة السياسة الخارجية تعتقد أن الرئيس يعجل من انحدارنا.
لكن الرئيس نفسه يأخذ الرأي المعارض الذي يفيد أن التوسع المفرط في الشرق الأوسط سيضر اقتصادنا في النهاية، سيضر قدرتنا بالبحث عن الفرص الأخرى والتعامل مع التحديات الأخرى، وما هو أكثر أهمية، تعريض حياة أفراد الخدمة العسكرية الأميركية للخطر لأسباب لا تصب في المصلحة المباشرة للأمن القومي الأمريكي.”
إذا كنت من مؤيدي الرئيس الأمريكي باراك اوباما، فإستراتيجيته ذات منطق واضح: مضاعفة الانحدار في تلك الأجزاء من العالم لان النجاح بها محدود، والحد من تعرض أميركا إلى البقية. بينما يظن ناقديه أن مشاكل مثل تلك التي نشأت في الشرق الأوسط لا يمكن أن تُحل بدون التدخل الأمريكي
أما بالنسبة لسوريا فيظهر التاريخ انحرافاً باتجاه فوضى أكبر، تشكل أكبر تحدي مباشر لرؤية الرئيس.
كان جورج بوش مقامراً أيضاً، ولكنه ليس كاذب، وسوف يُذكر بقسوة عن أشياء فعلها في الشرق الأوسط، أما باراك أوباما يراهن أنهم سيتذكرونه بكل خير نظراً لأشياء لم يفعلها.


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

أوباما وقنصله في البصرة!

«عقيدة أوباما» تكشف وجهه الحقيقي تجاه المنطقة

"تركي الفيصل" يُفحم "أوباما" بالحقائق



هناك تعليق واحد:

  1. مقال الكاتب عبدالعزيز السويد


    هل أغضبكم أوباما؟

    Posted: 17 Mar 2016 12:33 AM PDT

    من واقع التجارب التراكمية يقفز سؤال يقول هل سنرى الرئيس أوباما في العام 2017 «بعد رحيله من البيت الأبيض» يلقي محاضرات في منتديات جدة أو الرياض الاقتصادية؟ ربما تصحبه حرمه المصون ميشيل لتتحدث عن تمكين المرأة! من الطبيعي أن يحدث ما نشر عن «عقيدة أوباما» رد فعل غاضب، لكن ردود الفعل لا تحقق سوى نتائج آنية وفي محيطها الضيق، لتتبخر بعد أيام معدودة، والسؤال هل هي عقيدة أوباما وحده، أم أنها أصبحت عقيدة تيار قوي داخل السياسة الأميركية الخارجية، تيار لا يختلف فيه الجمهوري عن الديموقراطي سوى بالأدوات والوسائل، وله شعبية في أوساط الإعلام والرأي العام الأميركي.

    «عقيدة أوباما» كانت حاضرة «أميركياً» منذ بداية الاستعدادات للغزو الأميركي للعراق، وسوق لها بعض الإعلاميين العرب، الفرق أنه لم يصرح بها بالعبارات نفسها، كانت التصريحات مناسبة للفترة الزمنية «حجة أسلحة الدمار الشامل ثبت كذبها باعترافهم وعلاقات مزعومة لصدام بالقاعدة».

    والدولة التي ثبت عليها إيواء زعماء للقاعدة وتصنف أميركياً بأنها «راعية للإرهاب»، قدم لها «العم سام» خدمات جليلة وما زال.

    إن ما يجب الالتفات إليه وتفحصه باهتمام أن جريمة 11 أيلول (سبتمبر) بتداعياتها وتحليلات أسبابها ودوافعها مع هول الصدمة وشعور بالعار ورغبة بالثأر أصبحت منذ تلك اللحظة مخزوناً للانتقام، وستبقى ذخيرة لأسلحة دمار شامل تستخدمها الولايات المتحدة وغيرها من الدول «الكبرى» وتلك الساعية «للاستكبار» الإقليمي.

    هذا «المخزون» هو ما يجب العمل على تفكيكه ودحضه، ليس بالحجة فقط، بل بالعمل على البحث عن الأخطاء، فهل قمنا بكل ما يجب منذ تلك اللحظة الرهيبة؟ في الحقيقة أننا لم نقم بكل ما يجب، تم الاكتفاء بالحد الأدنى، ردود فعل انتهت بانتهاء تركيز الإعلام الغربي على القضية، لكن المخزون ثابت ويزيد ثم يعاد استخدامه عند الحاجة.

    لم نر عملاً استراتيجياً بعيد المدى يحاول الإحاطة بكل الذرائع التي تستهدفنا ومواجهتها، هذا العمل الذي كان يجب البدء فيه منذ عقد من الزمان داخلياً وخارجياً، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه ستتم إعادة استخدام «أسلحة الدمار الشامل» تلك سياسياً وفكرياً وإعلامياً لتصبح سيفاً مسلطاً يكبر بالتغذية المستمرة، سيفاً للابتزاز السياسي والاقتصادي.

    ردحذف

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..