الصفحات

الأربعاء، 20 أبريل 2016

قصائد للبيع في الحراج تحت الطلب..!

ضمان السرية والتسليم في الوقت المحدد لكن بدون الإحساس
ناصر الحميضي
    بداية أجزم أن من يتجول في مواقع التواصل، ويقرأ ما ينشر ويسمع ما يقال ويراقب الساحة العامة،
يجد في الميدان المفتوح حراجاً علنياً تباع فيه القصائد، وما على المشتري سوى تحديد كمية الأبيات ومدة التسليم وفكرة القصيدة، إن كان يريد مدحا أو ردحا أو فخرا أو ما يحلو للمشتري، وكل بيت بحسابه، وربما صار للجملة تخفيض في السعر.
والضمانات المقدمة كثيرة لكن أهمها السرية التامة عند التسليم والاستلام، وقرأنا أيضا أسعارا من مئة ريال إلى ما لا نهاية بحسب المدة ونوع القصيدة ولا أدري كيف يكون هذا الشيء وكيف يتم تطويع الإحساس والشعور من قبل البائع لكي يتقمص دور المشتري فيشعر ويؤلف قصيدة تعبر عن غيره لمرات عديدة مع اختلاف المواقف والمطالب والفكرة، مما يجعل في النفس شك وتكذيب لما يجري ويعلن عنه.
إن الإحساس أو الشعور لا يباع ولا يشترى ولا يقبل المزايدة عليه، ولا يطرح للعرض ولا ينفصل عن صاحبه، رغم أن هناك أشياء كثيرة تباع وتشترى في السوق؛ وذلك لأسباب اقتصادية، والحصول على مردود مادي أو لينتفع بها آخرون وهذه كلها تتنوع بين محسوسة مادية ومعنوية غير محسوسة، والماديات لا حصر لها ولا تحتاج لمثال، وأما غير المحسوسة فمثالها بيع مكانة وشهرة المنتج وكذا الخبرة، ويتضح أكثر في مجال الاستشارات وفنيات الحرف واللمسات الفنية التي ترفع من مستوى التعليم والمعرفة دون أن يكون معها تكلفة مادية.
وهناك ما لا يمكن بيعه ولا نقل ملكيته إلى الآخرين ولا حتى التخلص والتنصل منه، وهو متصل في الغالب بالجانب المعنوي.
فالمقال المكتوب والقصة والرواية والقصيد وأبيات الشعر والمواد المسجلة وما تتضمنه الأوعية المعلوماتية بمختلف أنواعها.. الخ، كونها معدة أو مكتوبة على ورق ومطبوعة يمكن بيعها من خلال النشر كماديات تغطي أتعابها وتعود بالنفع على من صرف وقته في إنجازها وتشجعه على المزيد منها بحيث تغطي الطلب وتنشر الفكرة وتفيد المتطلع والمتلقي كما هي الكتب مثلا، كما أن من اشتراها لم يشتر حقوقها المعنوية ولكنه اشترى حقها المادي: كتاب أو ورقة وإخراج وألوان وصور. وغير ذلك، ويقف الحق عند هذا الحد، ولا يعاب من قام بإعدادها وعمل على نشرها، كما أن من اشتراها يملك حق الاعجاب بها أو رفضها وإبداء مرئياته ونقده ولكن لا يملك الإضافة والحذف والتصرف في الغالب حتى ولو كان يملكها ظاهريا أو ماديا، ولا حتى الإجابة عن أسئلة الآخرين بشكل يتدخل في مضامين المحتوى لأنه ليس بصاحبها لأن مثل ذلك الفهم والمرئيات والمنطلقات الشعورية والإحساس يعد بمثابة الروح التي أشعلت الفكرة ونتج عنها التنفيذ فهي باقية لدى صاحبها لا تباع مع المنتج نفسه ولا تنفصل عن صاحب الحق.
إن المعنويات تبقى ولا تنتقل مع المحسوسات والماديات وهذه المواد لم تبع و لم تنتقل بكل أحاسيس ومشاعر من قام بإعدادها.
وعلى هذا فإن الجهد شيء وما ينتج عنه شيء آخر، كذلك المشاعر والأحاسيس والموهبة ونتائجها الفريدة الخاصة شيء، وما يترجمه اللسان ويكتبه البنان شيء آخر. فالمعنويات تبقى لصاحبها و تندرج ضمن الحق الثابت.
وفي الأدب والشعر من الأهمية بمكان بقاء صاحب الحق المعنوي مرتبطا بإنتاجه ليس من أجل بقاء الملكية فقط ولكن تعزيزا للنص الشعري مثلا، والرفع من قيمته والاحتفاظ بالكثير من خصوصياته الزمانية والمكانية واستحقاقه للكثير من التفاتة المتلقي والتعمق فيه أو العكس، فمثلا عندما نقول إن هذا القول للشاعر زهير بن أبي سلمى أو لعنترة أو لابن لعبون أو لراشد الخلاوي فإنه يحتفظ بمعنوية خاصة به تضيف له الدعم والقبول وتهيء الذهن لقراءته في زمنه وظروفه ومن ثم فهمه والتفاعل معه:
قول الخلاوي والخلاوي راشد
بالقيل أغالي مثل غالي الجلايب
من مبلغ الصبيان عني نصيحه
من حاضر منهم ومن كان غايب
من لا يحوش المرجلة فى شبابه
ما عاد يدركها إلى صار شايب
ومن خاب فى أول صباه من الثنا
فهو لازم في تالي العمر خايب
والشاعر أيا كان ذلك الشاعر وفي أي زمن وعلى أي مستوى يكون في حبه وكرهه وهجائه ووصفه وحماسته وشكواه وتوجعه ؛ يبوح بما يعانيه هو بالفعل بغض النظر عن صدقه من عدمه، وهذه خصوصية في العمق لا يمكن نقلها ولا تغييرها، ويتعذر الاستيلاء عليها أو شراؤها وهبتها، وكذلك لا يمكن التخلي عنها وربما نعجز حتى عن تفسيرها، إنما قد يتطابق بوح الشاعر مع معاناة المتلقي ويتشابه معه، ولكن المشاعر والإحساس لا ينتقل ، حتى لو شعر بذلك المتلقي بشيء مما فيها وتفاعل معها إلا أن هذا يبقى منفصلا عن صاحب الأبيات وقائل القصيدة فالأول بوح نابع ابتداء والآخر متأثر به، وكل من يتلقى القصيدة أو الأبيات الشعرية ينفرد هو بأحاسيسه الخاصة بحسب حاله وظروفه وعالمه، ويظهر مثل ذلك التباين والاختلاف في أحوال كثيرة.
أما عن شعر التراث في الشيلات والعرضات والسامري والكثير مما شابهها فإنها تعد مزيجاً من ترجمة إحساس شاعر وأسلوب أداء وتفاعل مع المعاني، أو على أقل تقدير هي رغبة في إعادة أدائها واستعذاب ترديدها، وكلها تؤدى من نبع إحساس المتلقي، ولا تؤدى من إحساس قائل النص والأبيات، لأن إحساس شاعرها بقي معه ولم ينتقل مع القصيدة، وما نسمعه من المؤدين فهو استحداث إحساس جديد هو خاص بالقائمين بذلك في معزل عن صاحب القصيدة الذي ربما كان متوفى من سنوات، ولم ينتقل إحساسه مع قصيدته ولا يمكن الشعور المتطابق معه تماما.
وأما شاعرها الذي أنتج القصيدة وبنى تراكيبها ووزنها فقد طرح بين الجماهير منتجا قد تستجيب له الذائقة في زمن ما غير زمن الشاعر القائل.
أما في المناسبات مثلا والحفلات فتقوم الفرق المشاركة بترديد قصيد وأبيات محفوظة نصوصها كالنظم عموما والسامري وشيء من التراث، أو من إنتاج شعراء مشهورين، بعضهم أحياء وبعضهم توفي منذ زمن بعيد، ولكن أشعارهم ذات صدى وقبول ويمكن أن يتكسب بها أشخاص أو فرق، في حين قالها الشاعر في حينه بين رفاق له في مجلس مستقل، أو قالها مترجما إحساسه الصادق معبرا عن مشاعره هو تجاه وضع معين، غزلي أو مدح أو رثاء أو حربي أو فخر وحماسة..الخ، ويكون التفاعل معها في تلك المناسبات لغرض الفرح، ويكون الشعور والإحساس في تلك اللحظات طارئ ومصطنع، وقد تردد القصيدة عشرات المرات في مناسبات مختلفة متباعدة فيستعار لها في كل مرة إحساس ومشاعر ويصطنع لها تفاعل لزوم المناسبة، بينما شاعرها الأول قالها من واقع إحساس وشعور لمرة واحدة ولظروف آنية وقتية، ولم يكررها وإحساسه ما أعيدت صياغته مرة بعد مرة.
وتبقى حقوقه المعنوية محفوظة له كونها اشتهرت لا كونها في كل مرة يتم تعريف شاعرها بل لأنه لا يستطيع أحد أن ينسبها لغير شاعرها لشهرتها في المجتمع وحفظها ضمنا، ولولا شهرتها من قبل وشهرته كشاعر أيضا لقيدت لمجهول ونسبت له، مثلها مثل العديد من العبارات والأبيات والحكم والأمثال وغيرها لا تقتنص ولا تسرق ولا يتبناها أحد.
وتبقى القصائد المشهورة والتي لشعرائها بصمتهم في متناول الجميع خاصة عندما تتناول غرضا يهم الأكثرية ويعبر عنهم ويمثلهم، باعتبارها متوافقة من إحساس وشعور كثيرين فيتواصل التفاعل معها و إعادتها، فمثال ذلك ما قاله الشاعر: عبدالرحمن بن سعد الصفيان: من قصائد وطنية، حربية وحماسية متعددة ومنها:
نحمد الله جت على ما نتمنى
من ولي العرش جزل الوهايب
خبر اللي طامع في وطنا
دونها نثني إلى جت طلايب
واجد اللي قبلكم قد تمنى
حربنا لين راح عايف وتايب
ياهابيل الراي وين أنت وانا
تحسب أن الحرب نهب القرايب
لي مشى البيرق فزيزومه إنا
حنْ هل العادات و أهل الحرايب
ولقد برزت في الآونة الأخيرة ومع إقامة العروض والاستعراضات والمناسبات والأفراح المؤقتة حاجة إلى وجود أبيات تغطي فضاء المناسبة كجزء من برنامج الحفل يدعم روح التفاعل مع تلك المناسبة ويشيد بمن فيها ومن قام بها ومن حضر، فرافقت هذه فكرة التكسب بالقصيد، وكما يتم التصوير بمقابل مادي فإنه أيضا يتم بيع الأبيات والإنتاج الشعري، وقد جاءت عروض في مواقع عدة تبيع القصيد والأبيات الشعرية، وإقامة سوق القصيد للبيع والشراء شيء غير مقبول ومعرض للانتقاد، ويقينا لن تكون القصائد مشبعة بإحساس صادق بقدر ما تكون متكلفةً ومادية الهدف، والشعر شعور لا يباع ولا يشترى ولا يتكلف وإن حصل شيء من هذا انهار بناؤه وصار ممجوجاً.
والشاعر الذي يبيع إنتاجه مع إحساسه يتقمص الدور ويتكلف الأبيات فتكون بلا طعم ولا إحساس، لكنها قد تردد في المناسبات. وكل من يدفع المال سيكون من الخيالة وما يجود أكثر سيكون منبع الكرم والجود.
وقبل الختام نشير إلى استعارة الأبيات من الشعراء أو بناء قصيدة جديدة على غرار قصيدة لشاعر آخر، أشبه بالمجاراة أو حتى ضم بيت من الأبيات لشاعر آخر ثم استكمال قصيدة كاملة بعده. فيكون البيت خارج النص الشعري من حيث القائل.
فمثل هذا الوضع يحصل كثيرا ولا غرابة فيه ولا يدخل ضمن المرفوض، بل هو شائع بين الشعراء وغيرهم من الكتاب والروائيين وغيرهم إما إيحاء بفكرة أو اقتباس نص أو محاكاته
بقي أن نقول: الإحساس لا يباع والشعر شعور وإحساس يؤثر في المتلقي ويتوافق أحيانا مع شعوره وإحساسه بأكثر مما يعاني منه الشاعر نفسه، ولكن تبقى القصيدة حق لصاحبها غير قابلة للبيع.

إعلان يحدد أسعار القصائد


مواقع التواصل والقنوات الفضائية تعج بإعلانات بيع القصائد
ناصر الحميضي

 




---------------------
التعليق:
عش  رجبا  ترى عجبا !!!
هذا تعليقي بإختصار


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..