الصفحات

الخميس، 25 أغسطس 2016

من يوقف عبث المدن الاقتصادية؟!

          لم يتوقف الأثر السلبي لفشل تحقيق مشاريع المدن الاقتصادية عليها فقط، بل قد تعداها بمراحل ليحقق أضرارا استراتيجية باقتصاد البلاد كله.
ولن أتطرق في الأضرار الاقتصادية المادية، فهذه الكل يعلم أن المدن الاقتصادية كانت مشروعا
طموحا في مجال قدرتنا الإنجازية. وقد كان من المفترض أن يكون على أرض الواقع الآن.

ولو تحقق لتحملت المدن اليوم كثيرا من أعباء انخفاض اسعار النفط، ولكانت وسيلة لتحقيق كثير من الأطروحات والمبادارت التي تُطرح اليوم. وهذه حقيقة لا تخفى على أحد، ولكن الجميع يتجاهلها، فلا يذكرها بعض البسطاء أو السفهاء إلا على وجه الشماتة وعن جهل غالبا.


إن في فشل المدن الاقتصادية دروس عظيمة، وإهمالها خسارة أخرى لا تقل عن خسارة المدن ذاتها. فدراسة المدن وحصر الدروس المستفادة وتعلمها وتعليمها لا التكتم عليها، إن تم بشكل مهني حقيقي، فيه ربح فوائد يفوق ما كان سيتحقق من أرباح في حال نجاح المدن.

 ولكن للأسف هذا النوع من الحديث غير مرغوب فيه. والسبب أن فيه مواجهة لواقعنا المتدني مهنيا وثقافيا وأخلاقيا. وفيه كثير من المسكوت عنه لا من أجل المصلحة العامة، ولكن من أجل مراعاة مشاعر اشخاص قد تم استغفالهم في مرحلة ما من المراحل.  فأنا عندي ما يثبت أن فشل المدن كان هدفا مقصودا، قد سَهُلَ تحقيقه، غالبا، باستغفال كثير من مسئولينا وشبابنا. والذين تنقصهم أصلا المعرفة، ثم فتنوا ببهرجة إعمار والاستشارين الأجانب فتخدرت عقولهم عن رؤية أوضح الدلائل على هدف عرقلة المدن فضلا عن خوفهم مما سيلحقهم لو تحدثوا بشكوكهم. هذا إن كان هناك من سيسمع.


ولو سمع شخص ما فمن سيفهم، ولو فهم فأين هو من سيحمل الهم فيقوم بحقه. هذا فضلا أن المناخ في البلاد كان ومازال مشحونا مشروع المدن الاقتصادية، ليوفر الغطاء النفسي الازم لتحقيق هدف إفشال المدن وليسهل عملية إنجازه.


ومدينة الملك عبد الله رحمه الله مثال قائم. ولست ممن لا يحاسب على رمي التهم جزافا، وأقول أن عندي دلائل واضحة على تورط إعمار مدينة الملك عبد الله في عرقلة إنجاز مدينة الملك عبد الله، ودلائل على تغطية ماكنيزي لهم. وذلك باستغفال مُعتمد على ضحالة المهنية السعودية. فالسعوديون المحتلون لمناصب قيادية مهنية في كثير من القطاعات الخاصة والعامة، إلا ما ندر، ما هم إلا ممثلي علاقات عامة بارعون في تمثيل أدوارهم.


وإعمار مثلها مثل ماكنيزي، يخادعون المسئولين بأن فشل عملهم هو فشل لهم. وهذه ليست لغة عالم الأعمال. ففي لغة عالم الأعمال لا مكان للنزاهة إن لم يكن لها مردود ربحي. فالنزاهة مكلفة فلا تبذل إلا مقابل عوائد. وإعمار ، كماكينزي، قد حسبت كلفة فشل المدينة على سجلها المعماري كما حسبت الأرباح التي ستتحقق من فشل المدينة، فرجحت كفة الأرباح رجحانا كبيرا، فهم لم يتركوا وسيلة مادية ولا إعلامية ولا معنوية إلا واستخدموها لإفشال مشروع المدن الاقتصادية للأبد ، واستطاعوا التمكن من مدينة الملك عبد الله التي هي الرأس والباقي الجسد، وقطع الرأس كفيل بقتل الجسد.


والحديث عن إعمار مدينة الملك عبد الله في المدينة الاقتصادية حديث يدمي القلوب ليس مكانه هنا. فحكايتها مع المدينة يحكي قصة افساد متعمد للمدينة وعمل دؤوب على قتل الثقة في مصداقية الاقتصاد السعودي.


ويظهر أن عبث إعمار لم يتوقف بعد. فبعد خمول لنصف عقد، عادت إعمار لممارسة ألاعيبها لخداع المواطن وتضييع مدخراته، لتنفقها على رواتب مهرجيها وديكوراتها.  ولكن هذه المرة بالتهديدات الفارغة بدلا من الوعود المكذوبة. فاالتهديد الفارغ  أخر سهم يرمي به المُخادع المحتال. فقد أرسلت إعمار مدينة الملك عبد الله رسائل شديدة اللهجة، تطالبهم بتسديد اقساط سلعة عقار الوهم التي باعتها لهم.  وهم من وثق بمشروع مدينة الملك عبد الله، وأنطلت عليهم بهرجة إعمار التي مارستها حتى في عقودها في بيع الشقق ونحوها.


فأولا: ففي تمهيد العقود ذُكر أن المنطقة ستصبح سكنية ترفيهية تجارية، وذكر في المادة الأولى أن التمهيد جزء من العقد، وينفسخ بالإخلال بشيء منه. فالعقد إذا مفسوخ لان هذا لم يحدث ولن يحدث طالما أن الميناء لم يتعدى طرمبة تضخ ماء البحر لتعيده للبحر مرة أخرى، ومبنى اعلامي بجواره للتغطية والبهرجة، يصور الميناء كأعظم موانئ العالم.


وبدون قيام الميناء فلن تقوم المدينة ولن تصبح هناك مناطق ترفيهية تجارية. مهما حاولت إعمار من تهريج إعلامي، في بعض اأحيان لاستغفال بعض الوفود.


وثانيا: في المادة الواحد والعشرون، أن إعمار ملتزمة بانهاء العقار في عام ٢٠١١ مع فسحة بإبلاغ وتبرير ٩٠ يوما، وإلا فللمشتري حق استرجاع أقساطه. وعندما اقترب موعد التسليم المحدد، قامت إعمار بإرسال عروض للملاك  باستئجار الوحدات العقارية بنحو ٨٪ من قيمتها سنويا. وقبِل المُلاك العرض في الوقت المحدد. وبعد ذلك تم تسكين الأمور بالوعود الهاتفية بواسطة مسوقينهم، الشباب السعودي المُستغفل من إعمار. والذين أكدوا للملاك أن الأمور تسير كما هو مخطط لها وأن الإجارة تعتبر نافذة.


والمواطنون اكثرهم بسطاء، وثقتهم في المدينة وانخداعهم ببهرجة إعمار جعلهم يغفلون عن توثيق الأمور. واليوم وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على موعد التسليم، والمستثمرون يظنون أن وحداتهم مؤجرة وأن بقية الأقساط قد تم تسديدها من الإيجارة، جاءت إعمار تخبرهم بإكتمال عقاراتهم وأن عليهم دفع الأقساط المتبقية والا ستضيع عليهم أقساطهم التي دفعوها وهي أكثر من نصف مبلغ الشقق. وأنهم سيرفعون بهم لسمة وأن كل من قاض إعمار قد خسر قضيته.


وأقول: إن قصد خداع وإيهام المواطن ثابت كالشمس. فكيف يرسلون عروض استئجار حاضرة لوحدات لم تكتمل إلا بعد خمس سنوات. فهذا يثبت صحة كل دعاوى المستثمرين بأن إعمار خادعتهم شفهيا وتسويقيا بعد تقديم العروض وأوهمتهم أن عقاراتهم مؤجرة. وإعمار كماكينزي، من ابرع الخلق في الخداع المهني خاصة إن كان المسئولين عنهم من السعوديين قد خُدرت عقولهم ببهرجة اعمار.


ثالثا: وبغض النظر عن هذا، فأقل الإنصاف أن تكون القيمة المتبقية من قيمة العقار عوضا عن التأخير خمسة آعوام، وتقاس بقيمة الإيجار الموهوم.



 والأمر الرابع وهو أهمها كلها: فبجانب المعطيات الشبهات والأدلة السابقة، إلا أنه بأي حق تستحق إعمار أن تربح نحو عشر أضعاف ثمن التكلفة فتبيع ما كلفته مائة ألف بمليون؟ ربح هذه الأضعاف كان مقبولا زمن الوهم بأن ذلك سيكون مقابل القيمة التي ستصبح عليها العقارات، بافتراض نجاح كامل المدينة، والتي نص عليه عقد اعمار في التمهيد.


والأن فما تدعى إعمار أنها عقار انتهت منه، عمارة أوعمارتين وفندق، ولا يشكل شيئا من المدينة، فإن أكثر السيناريوهات تفاؤلا، هو أن تصبح هذه شاليهات تعيسة بعيدة عن البنيان، أو تصبح سكن عمال صناعية خردة تقوم محل المنطقة الصناعية التي ليس لها أمل بلا ميناء. فليس هناك مشروع أصلا بلا وجود الميناء. وهذه الحقيقة التي تكفلت ماكينزي بتغطيتها عن المسئولين السعوديين.


وليس لي استثمار في مدينة الملك عبد الله ولا في غيرها، لكن كم يتألم الرجل من استغفال قومه من القريب والبعيد. فمتى تنهض نخوة قومي فتستيقظ عقولهم.



د.حمزة بن محمد السالم المصدر

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..