الصفحات

الخميس، 8 سبتمبر 2016

ما يجري في المملكة العربية السعودية ثورة متنكرة في زي الإصلاح

    دينيس روس، المساعد الخاص السابق للرئيس أوباما خلال الفترة بين عامي 2009 و2011، ويعمل حالياً مستشار وزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
من الصعب أن يكون المرء متفائلا هذه الأيام حول أي شيء في الشرق الأوسط، غير أنني وبعد عودتي مؤخرا من
زيارة قمت بها إلى المملكة العربية السعودية، عدت وفي نفسي شعور بالأمل حول مستقبل المملكة. قد يبدو هذا متناقضاً مع ما يقوله البعض عند تصوير السعوديين بأنهم "مشعلي الحرائق ورجال الإطفاء" في آن واحد في خضم الصراع مع الإسلاميين المتطرفين. وايضاً بالرغم من أن التمويل السعودي للمدارس الإسلامية على مستوى العالم قد ساهم في انتشار مذهب إسلامي غير متسامح للغاية.
إلاّ أنني أتساءل ما إذا كان تأثير هذا الأمر يؤدي إلى محاسبة السعوديين على سلوكيات لم تعد تتبناها قيادتهم، وعلى أية حال، هذه بالتأكيد ليست المملكة العربية السعودية التي رأيتها.
في واقع الأمر، المملكة العربية السعودية التي زرتها مؤخراً  بدت وكأنها بلد مختلف عن ذلك الذي كنت أزوره منذ عام 1991م، هناك صحوة تنتظم المملكة العربية السعودية، ولكن هذه الصحوة آتية من قيادة البلاد، ومتجهة من القمة إلى القاعدة، وكما قال لنا أحد السعوديين، لدينا هنا "ثورة متنكرة في زي الإصلاح الاقتصادي" وبالرغم من أن التغيير السياسي قد لا يتحقق في المستقبل القريب، إلا أن التحول قادم لا محالة، فمن ناحية الأسلوب، يلاحظ المرء هذا التحول في الصراحة التي يلمسها في المحادثات مع المسؤولين السعوديين –وهو أمر لم يكن موجوداً في التفاعلات السابقة- وكذلك أخلاقيات العمل الجديدة، حيث حدثنا عدد من الوزراء بأن الأساس الآن هو أسبوع عمل يتكون من 80 ساعة، وعندما سألنا عن ردة فعل العاملين في النظام البيروقراطي للمطالب الجديدة، سمعنا أن الناس ليسوا كلهم سعداء،  ولكن الشباب وصغار الموظفين يشعرون الآن أنهم جزء من شيء مهم ويتبنون الواقع الجديد. ومن الناحية الرمزية، فوجود المرأة كان ملحوظا في اجتماعنا مع وزير الخارجية وزيارتنا لكلية ريادة الأعمال، حيث أن نصف المجموعة التي التقيناها كان من النساء.
من الناحية العملية، السعوديون الذين يخططون للتحول هم أناس يتصفون بالطموح، يسعون لتنويع الاقتصاد، وإنهاء الاعتماد المفرط على النفط، وإبقاء رؤوس الأموال داخل البلاد للاستثمار المحلي، وتعزيز الشفافية والمساءلة.
"الشفافية" و"المساءلة" لم تكن في الماضي من المفردات التي يمكن أن يستخدمها الشخص   لوصف المملكة العربية السعودية، حيث أن تصميم الحكومة على خصخصة جزء صغير من شركة أرامكو سيتطلب فتح دفاتر شركة النفط السعودية العملاقة، وهذا إن لم يكن يعني أي شيء آخر، فقد يعني أن بعض أفراد العائلة المالكة الذين كانوا يتعاملون مع أرامكو على أنها أجهزة الصراف الآلي الخاصة بهم، لن يكون بمقدورهم فعل ذلك بعد الآن، ووصف الوزير المسؤول عن ترتيب العملية الأولية للاكتتاب العام الخطوة بأنها "اكتتاب عام من أجل البلد" نظرا لتعقيد المهمة. ولكن ليس هناك تراجع إلى الوراء، فقد أكد لنا الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد بأن المملكة العربية السعودية لم تعد لديها أيديولوجية أخرى غير التنمية الوطنية والتحديث، بالنسبة له، ليس هناك خيار سوى مواصلة الأهداف الطموحة المحددة في "خطة التحول الوطنية" ورؤية عام 2030، والتي تهدف الى رفع حجم الإيرادات غير النفطية إلى ثلاثة أضعاف قيمتها الحالية بحلول عام 2020م، وذلك من خلال إنشاء صندوق الاستثمارات العامة لاستغلال المعادن الأخرى، وتعزيز صناعة البتروكيماويات السعودية واستبدال قواعد الطاقة، وتطوير صناعاتها السياحية ومراكز الترفيه داخل البلاد (وقد قيل لنا أن هذا الأخير، مهم بصفة خاصة بحيث لن يشعر السعوديون بأنهم مضطرون لمغادرة البلاد لأن المرافق السياحية داخل البلاد لم تكن مغرية.)
وشكك المشككون على قدرة المملكة العربية السعودية في تحقيق هذه الأهداف، إما بسبب الثقافة التقليدية التي تحد كثيرا من دور المرأة، وكذلك القوى العاملة التي تفتقر إلى المهارات التعليمية الأساسية أو المقاومة التي قد تواجه هذا التغيير من المؤسسة الدينية المحافظة، لكن ولي ولي العهد وكذلك آخرون قالوا أن كل هذه العقبات يمكن التغلب عليها: فهناك الآن إصلاح شامل للنظام التعليمي يجري تنفيذه، وهناك 80 ألف طالباً وطالبة يدرسون في الخارج وسيعودون إلى المملكة بالمهارات الحديثة وبعقلية جديدة. وكذلك النساء يجري دمجهن وبشكل متزايد في الوظائف في جميع القطاعات.
وقالوا لنا أن حوالي 70 في المئة من الشعب السعودي تحت سن الثلاثين عاماً، وهؤلاء الشباب ليسوا منفتحين فقط على التغيير، بل هم يبحثون عنه.
لم نجد من يقلل من التحديات التي ستترتب على إحداث التحول في البلاد، ولكن قادة البلاد عكسوا لنا شعوراً بالمسؤولية والإصرار، حيث قال لنا الأمير محمد بن سلمان، يجب على الحكومة أن تفعل ما تقول انها ستفعل - وتحقيقا لهذه الغاية، أشار بكل فخر إلى أن الحكومة بالفعل نجحت في توليد زيادة 30 في المائة في الإيرادات، ونجحت في الحد من عجز يفوق التوقعات، وأدخلت الانضباط في عملية وضع الميزانية، والأهم من ذلك، قامت بحرمان "الشرطة الدينية" من صلاحية  استجواب واعتقال المواطنين السعوديين.
فهل سينجح السعوديون في إحداث التحول الوطني؟
ستكون هناك معارضة، والقوى التقليدية في البلاد ستسعى لاستغلال أي عثرة، وعلاوة على ذلك، الحرب في اليمن قد تستنزف الموارد وربما الدعم الشعبي في وقت ما، كما أن الانشغال مع إيران، أو الجهود التخريبية الإيرانية، يمكن أن تشكل عقبات يصعب التغلب عليها. لكن الولايات المتحدة لديها بالتأكيد مصلحة في نجاح عملية التحول السعودية.
وبصرف النظر عن ضمان الاستقرار في المملكة، فإن نجاح هذا التحول قد يؤدي على المدى الطويل الى إثبات وجود قيادة عربية قادرة على اعادة تشكيل مجتمعها من الداخل، دون ان تكون هناك اضطرابات رهيبه.
وينبغي على الادارة الأمريكية القادمة تقديم المساعدة التقنية في عملية اكتتاب أرامكو والإصلاحات الاقتصادية بشكل عام. ولأن السعوديين لديهم أولويتان - التحديث محليا والتصدي للمغامرات الإيرانية خارجيا – فعلى الرئيس المقبل للولايات المتحدة أن يقترح حوارا استراتيجيا وكذلك خطة للطوارئ للتعامل مع التهديدات الأمنية. هذا التخطيط من شأنه أن يسهم كثيراً في طمأنة السعوديين في الوقت الذي تعتقد فيه قيادتهم بأن الولايات المتحدة قد فشلت في فهم التهديد الذي تشكله إيران من خلال استخدامها للميليشيات الشيعية لتقويض الحكومات العربية.
السعوديون لا يتصورون قيام إيران بإثارة الشغب في المنطقة أو تمويلها لحزب الله والجماعات الإرهابية الأخرى، ومن المفارقات، فقد يكون من السعوديون هم الذين لديهم فرصة أفضل لتحويل بلدهم وتحقيق التطور الحقيقي: على عكس الإيرانيين، فقد لا يكون بمقدورهم التحول دون أيديولوجية؛ السعوديون لديهم خطة للتحديث، وقادتهم - على النقيض من آية الله علي خامنئي – يريدون لبلادهم الانفتاح، وأنا لا أراهن ضدهم.

دينيس روس
السبت 09 ذو الحجة 1437
الواشنطن بوست | 8 سبتمبر 2016

المصدر:


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..