ما بعد الثامنة! / صالح جريبيع

        (فجعنا)كمواطنين بمجموعة من التصريحات (المرعبة)المضحكة المبكية التي أطلقها وزيران ونائب وزير في برنامج الثامنة الذي عرض يوم الأربعاء الماضي.. ولكن الفجع الأكبر أن يكون مثل هؤلاء

الثلاثة على رأس هرم وزارات معنية بالدرجة الأولى بتحقيق رؤية السعودية 2030 بينما هم(من جنبها).
وقبل أن أبدأ تناول التصريحات دعوني أشير إلى الرؤية التي أصبحنا نخشى عليها ومنها..نخشى عليها من هذه العقليات (المتخبطة)التي انكشفت في البرنامج المذكور..والتي لا تحمل أي رؤية ولا حتى روّية ولا حكمة في انتقاء الكلمات.
ونخشى من الرؤية أن تكون كمن يحاول زراعة نخلة في سيبيريا أو تربية البطريق في الصحراء..وأخشى أن نكتشف لاحقاً أن (ماكينزي) و (بوسطن قروب) مثل وكالات الدعايات المصرية واللبنانية الرخيصة حين يكلفها التاجر السعودي بوضع دعاية لسلعة موجهة للسوق السعودية..فيلبس الممثل المصري أو اللبناني الغترة والعقال بشكل مضحك ويبدأ تقليد لهجتنا بشكل مفضوح..ويصبح الموضوع كله نكتة تستحق السخرية.

أعود لفواجع الوزراء التي أقل ما يقال عنها أنها أفقدت المواطن الثقة في وزاراتهم الثلاث على الأقل..

وسأبدأ بوزير المالية (أبو ثلاثمائة متر)الذي تباهى مراراً وتكراراً بسياسات وزارته الحكيمة التي جنبت السعودية مخاطر الأزمة المالية عام 2008 من خلال تنويع الاستثمار والصناديق وظهر كثيراً ليفاخر بانتمائنا لدول العشرين ووقع كثيراً على اعتمادات مشاريع اتضح أنها (مالها داعٍ)من وجهة نظره..ورأس طويلاً أو شارك في رئاسة مؤسسات مالية معنية بالاستثمار والادخار..ثم نكتشف أن كل تلك السياسات التي وضعها الوزير (خرطي)..وأننا كنا معرضين للإفلاس وأن مؤسسات التقاعد المدني والعسكري قريباً ستصفر.
المشكلة أن هذا الوزير الذي انكشف حساب وزارته على العالم هو نفسه وفي نفس البرنامج يمارس التضليل والتناقض ويقول إن المؤسسات المالية العالمية (المشتراة بمساهماتنا فيها) تشيد بمتانة الاقتصاد السعودي وفي نفس الوقت توصي بخفض الإنفاق وفي نفس الوقت تتسابق للفوز بشراء سندات الدين..فأي تناقض بعد هذا.

أما نائب وزير (التخبيط والاقتصاد) فقد أتى (بالطعة) التي ليست غريبة على (المخبطين) في وزارة (التخبيط) فأخبر العالم كله بأن السعودية ستصل إلى الإفلاس خلال ثلاث سنوات..وهذه النتيجة التي وصل إليها معاليه إن كانت صادقة حثونا التراب في وجه وزارته وقلنا أين كنتم وأين كان تخطيطكم..وإن كانت غير صحيحة حثونا التراب في وجه وزارته أيضاً وقلنا أين أنتم عن الحقائق والمعلومات الصحيحة..إن وزارة (التخبيط) أصبحت عبئاً على الدولة وعلى المواطن..فلا هي التي استطاعت استشراف المستقبل ووضع الخطط المستقبلية السليمة له..ولا هي التي انكفأت على نفسها وتركت الوزارات تخطط وتعمل..بل إنها انشغلت بوضع العراقيل في دواليب التنمية أكثر من انشغالها بتذليل العقبات..ويكفي أن أضرب لكم مثالاً واحداً لفشل هذه الوزارة وهو عجزها عن توقع النمو السكاني في المملكة بشكل صحيح مما جر معه ويلات الإسكان وعجز المدارس والجامعات عن استيعاب الطلاب وندرة الأراضي الخدمية ونقص المستشفيات وندرة فرص العمل حتى للعائدين من الابتعاث.. وتركيز الأعمال في المدن مما أدى إلى هجرة الأطراف إلى المراكز..وغير ذلك الكثير.

ونأتي في نهاية المطاف إلى وزير الخدمة المدنية الذي قال بأن التوسع في الجامعات رفاهية (ما لأمها داع)!
ثم أتى (بمحوقة البراطم) وجعلنا أضحوكة للعالم حين قال بإن (الدراسات)تؤكد بأن إنتاجية الموظف السعودي ساعة واحدة فقط..وفي البداية رجحت أن يكون معدو الدراسة مجموعة من اللبنانيين أو المصريين أو الهنود الذين يعملون في السعودية ويروجون باستمرار لمثل هذه المعلومات..لكنني اكتشفت لاحقاً أن معاليه يملك أسهماً كثيرة في شركة (توطين) التي تقوم على تدريب موظفي الدولة..فعرفت أن من مصلحته ومن مصلحة شركته أن يحكم على الموظف السعودي بالفشل وأن إنتاجيته ساعة واحدة فقط..إن هذه التهمة..بلا شك..ستدر على شركته أموالاً طائلة إن اقتنعت الحكومة بها..كما أنها ستعفيه من توظيف السعوديين في أعماله هو على الأقل باعتبار السعودي لا يعمل..
ومن عجائب هذا الوزير أيضاً أنه المسؤول عن (توظيف) السعوديين..ولديه أكثر من مليون طالب عمل في (جدارة)..وأول اقتراحاته كانت إيقاف التوظيف وإيقاف الترقيات..بدلاً من العمل ليل نهار لإيجاد فرص عمل لهؤلاء المساكين..وبدلاً من محاربته لطرد مليون موظف أجنبي من الملايين التسعة الذين يعملون بين ظهرانينا..وتسكين هؤلاء السعوديين مكانهم..فواعجباً أن يتخم الأجنبي في وطننا ويموت المواطن من الجوع في وطنه.

وأخيراً أقول لكل المسؤولين:
إذا عجزتم عن إيجاد الحلول لكل (لخبطاتكم)فلا تلوموا المواطن المسكين بل لوموا أنفسكم!
أو اجمعوا ألف واحد من (أبو) عشرة مليار..وما أكثرهم..وكل واحد منهم (يقط)مليار ريال الله لا يهينه.

صالح جريبيع الزهراني
جدة 1438/1/20