حاول الكاتب والأكاديمي د. خالد الدخيّل، خلال نقاش إمتد لأربع ساعات في فندق بالرياض في ضيافة الزميل عبدالسلام اليمني، إخفاء التحوّل في موقفه من الأزمة في سوريا، بعد أن ثبت له خطأ قراءته لحقيقة ما جرى ويجري في سوريا. لم يتبقى للدخيّل من جدل ضد الرئيس السوري سوى التمحك بالجانب الإنساني والأخلاقي مع إستمرارنا بالتأكيد أن لا أخلاق مع السياسة وخصوصاً في العلاقات بين الدول. ونجادل نحن أنه مهما يكن من أسباب أو أهداف للأزمة في سوريا فإن حجته بأهمية تدخل السعودية في الأزمة السورية أو دعم المعارضة بالأسلحة خطأ جسيم ولا تستند تلك الحجة على مبررات منطقية أو قانونية. المتاجرة بدماء ومعاناة الشعب السوري باتت الحبكة السياسية التي تحاجج بها القوى الغربية لصرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية الكامنة خلف مأساة سوريا والتي هي صناعة غربية بإمتياز: (1) لتمرير مؤامراتهم وتدخلهم في بلدان العالم “الآخر” وتبرير ذلك لشعوبهم؛ (2) لتضليل المجتمع الدولي ومؤسساته السياسية والقانونية والإنسانية. ولذا سنلاحظ مستقبلاً أن كثير ممن تحمسوا وركبوا الموجة وكتبوا في الشأن السوري، وفي مقدمتهم دكتورنا خالد الدخيّل، سيختنقون بقراءتهم المختلة والمعتلة الماضية، وسيختلقون أعذار واهية في المستقبل على مبدأ “عنز ولو طارت”.


يرى د. خالد الأزمة في سوريا، حسب ما فهمنا منه، كالتالي: (1) رئيس دكتاتوري متعطش للسلطة على إستعداد للتضحية بكل شعبه للإحتفاظ بكرسي الحكم؛ (2) ثورة شعبية سلمية مثل سائر ثورات “الربيع العربي” تحوّلت إلى مسلحة بعد أن قمعها النظام السوري بكل قوة؛ (3) قتل النظام السوري مئات الألاف ببراميل البارود وشرد وهجر ملايين من الشعب السوري؛ (4) تدخلات خارجية من إيران وميليشياتها في إيران والعراق ولبنان لأسباب طائفية وأيديولوجية وتوسعية؛ (5) ضعف العرب وتأخرهم في إنقاذ سوريا من نظامها الوحشي والتدخلات الأجنبية؛ (6) ضعف وتردد وتراجع الرئيس باراك أوباما في الوفاء بإلتزامات الإدارة الأمريكية؛ (7) إستغلال روسيا للفرصة السانحة في كل ما سبق لإعادة تموضعها في منطقة الشرق الأوسط عبر سوريا. وتبعاً لما سبق، يجادل الدخيّل بحل غير مكتمل ومشوش ومجتزأ وهو، على حد علمنا، كالتالي: (أ) دعم المعارضة “المعتدلة” بكل أنواع السلاح المطلوبة؛ (ب) التخلص من الرئيس السوري بأي شكل من الأشكال؛ (ج) طرد القوات الأجنبية المتمثلة في روسيا وإيران وحزب الله وباقي الميليشيات.

ينفي أستاذنا الدخيّل أي فرضية أو سيناريو آخر لمؤامرة أمريكية في سوريا أسوة بما حصل في العراق، ونسي أو تناسى أن سيناريو الحل المقترح  للأزمة السورية يؤدي إلى الجحيم، ويتطابق مع السيناريو الأمريكي للعراق في: الكذبة الكبرى؛ إستبعاد الرئيس؛ تفكيك النظام؛ حل حزب البعث؛ تسريح الجيش؛ تفكيك مؤسسات الدولة؛ صياغة دستور جديد؛ تأليف حكومة وحدة وطنية؛ إجراء إنتخابات؛ تجميع وإستيراد معارضة كطبقة حاكمة. ثم ماذا حل بالعراق غير الفوضى والإرهاب والحرب الأهلية والطائفية وإحتمال التقسيم؟ وحتى لو إتفقنا مع كل ما يذهب إليه أستاذنا الدخيّل من أسباب ونتائج لما يحدث في سوريا، سنطرح عليه السؤال المباشر التالي: ما دخل السعودية أو أي دولة خارجية في ما يحدث داخل سوريا أو بين حاكم وشعبه أو ماهية الدول والجماعات المتحالفة مع سوريا؟ نشك كثيراً في أن د. خالد أو أي كاتب آخر يستطيع الإجابة على هذا السؤال، من دون المماحكة بحماية العروبة، أو السنة، أو العودة للعنصر الأخلاقي والإنساني كحجة مرفوضة منطقياً وقانونياً للتدخل في شؤون الدول الأخرى. وهل يقبل د. خالد أو غيره، أن تتدخل أي دولة بحجة سياسية أو قانونية أو أخلاقية أو إنسانية في الشؤون الداخلية للسعودية؟

يحق لأستاذنا د. خالد الدخيّل أو غيره، على المستوى الشخصي، أن يكون عاطفياً وحساساً ويكره القتل والتشريد والتهجير والقمع والدكتاتورية. كما يمكن له ولغيره أن يكره ويلعن الرئيس السوري، والنظام، وروسيا، وإيران، وحزب الله، وأن يصنفوهم ويصفوهم بأقذع الأوصاف، لكن ذلك لن يغير من الواقع السوري أي شيء. السياسة لا تعترف بعواطف الحب والكره، والعلاقات الدولية لا تقوم على الطائفية أو المذهبية أو العنصرية. مالا يجوز من د. خالد، كأكاديمي وكاتب في الشأن السياسي، هو أن يكتب بعاطفة أو طائفية أو إزدواجية معايير، لأن ذلك يقود للتضليل. (1) سوريا دولة مستقلة ذات سيادة تعترف بها الأمم المتحدة، شاء الكاتب أم أبى، حتى لو أخرجها العرب من جامعة الدول العربية؛ (2) الرئيس بشار حافظ الأسد هو الرئيس الشرعي والوحيد لسوريا، حبه الكاتب أو كرهه، حتى لو تم تنصيب شخص آخر وأجلسته قطر على مقعد سوريا في إجتماع القمة العربية بالدوحة؛ (3) النظام السوري والجيش العربي السوري هو ما إرتضاه الشعب السوري طوعاً أو كرهاً على مدى عقود، رضي الكاتب أم سخط، حتى لو كان قمعيا ودكتاتوريا وأمنياً؛ (4) روسيا وإيران وحزب الله وبقية الميليشيات الموالية لسوريا دخلت وحاربت ووقفت مع النظام بشكل مشروع وبدعوة وموافقة الدولة المستقلة صاحبة السيادة والحكومة الشرعية والجيش الشرعي، وافق الكاتب أو إعترض، حتى لو كانوا يحملون أيديولوجيات وأجندات مخالفة.

نريد أن يتخيّـل معنا دكتورنا الدخـيّـل، كيف يمكن أن يكون شكل العالم لو أن دولة أو مجموعة دول قررت التدخل في من يحكم دولة أخرى، وكيف تُحكم، وشكل الحكم، ونوعية الحلفاء والأصدقاء، ولغتهم، ومذهبهم، وتصنيف نوع وشكل المعارضة؟ إذا كان د. الدخيّل لا يقبل بمنطق وجود معارضة أصلاً كمبدأ، ولا يمكن أن تقبل دول الخليج أو تركيا بمعارضة مسلحة بالصواريخ، ناهيك إذا كان يتم دعمها وتزويدها بالسلاح من دول خارجية؟ فكيف يقبل بدعم وتسليح جماعات ومجموعات في أراضي دولة أخرى؟ المثير، أن أي نقاش مع د. الدخيّل أو غيره، يتوقف أو يصطدم بحالة مزمنة من “الإنكار” عندما يطلب تطبيق ما يجادلون به حول سوريا على دولهم. فتركيا، على سبيل المثال، لن تقبل من فرد أو مجموعة أفراد، أو دولة أو مجموعة دول، أن تتعاطف وتدعم حزب العمال الكردستاني، لكن تركيا تعطي نفسها الحق في فعل ذلك في سوريا والعراق. تحارب تركيا جماعة فتح الله قولان التي يقول عنها أردوغان أنها كيان موازي وجماعة إرهابية وتمتد في (170) دولة ويعمل على إجتذاذهم من القضاء والتعليم وكافة مؤسسات الدولة. لكن أردوغان نفسه ينتقد مصر في عمل الشيء ذاته مع جماعة “الأخوان” الذين تعتبرهم مصر من جانبها كيان موازي وجماعة إرهابية ويتمددون في (170) دولة. هذا هو ما يسمى النفاق السياسي.

لم يستوعب د. الدخيّل الجيل الجديد من الحروب الغير متماثلة Asymmetric Warfare، ولن يصدق أن إرهابي واحد قادر على التمترس في بناية سكنية وقتل (7-10)، وتشريد (150-200)، وأن ذلك سيؤدي إلى تهجير حي بأكمله (4000-6000) فرد. لكن د. خالد يمكنه إجراء عملية حسابية بسيطة وذلك بمعرفة أعداد الإرهابيين الذين وفدوا من كل حدب وصوب إلى سوريا لمحاربة الدولة السورية، وضرب مجموع عدد الإرهابيين في الأرقام أعلاه، ليدرك خالد الدخيّل خطورة تلك الحروب الجديدة وأن معظم الضحايا كانوا بسبب الإرهابيين وتكتيكاتهم، وأن الجيل الجديد من الحروب يعتمد الخلايا المفككة سريعة التمترس وسهلة الحركة. إرتفاع نسبة القتل والإصابة بين المدنيين في الحروب الغير متماثلة يتضاعف عشرات المرات عن مثيلاتها في الحروب التقليدية بين جيشين نظاميين. حصل ذلك ويحصل في كل الحروب الماضية والحاضرة والمستقبلية. المؤلم أن بناء التنظيمات الإرهابية وإستخدامها من قِبل القوى العظمى والكبرى أصبح إستراتيجية جديدة تحقق منافع جيوسياسية وعسكرية. وبالتالي فإن حجج د. خالد الدخيّل حول القتل والتهجير في سوريا لا تصمد أمام أبسط المناظرات.

أخيراً، لقد سبق وأن جادلنا منذ العام 2011م في مقال نشرته صحيفة الحياة بعنوان “الربيع العربي.. سوريا غير” بأن هناك مؤامرة غربية على سوريا وذكرنا أسبابها، وأن ماحدث ليس إمتداداً لماحدث في تونس ومصر واليمن وليبيا، وأن الرئيس والنظام والدولة قوي ومتماسك، وإن حصل وسقطت سوريا فهو وبال على الخليج بأكمله والسعودية بشكل خاص، وهذا ما نخشاه حتى الآن. قرائتنا للأحداث أثبتت صحتها، وقد يكون ذلك ما يقلق البعض. كما أن فيها الكثير من الحرص على السعودية، لكنها فُهمت للأسف بشكل خاطيء. القاعدة التي غابت عن د. الدخيّل أو غيره، هو إذا كان المرء يحب نبيه ورسوله، فلا يجب أن يتعدى على الأنبياء والرسل الآخرين، وإذا كان يحب دينه فلا يتعدى على الأديان الأخرى، وإذا كان يحب دولته فلا يتعدى على الدول الأخرى، وإذا كان يحب مليكه أو رئيسه، فلا يتعدى على الملوك أو الرؤساء الآخرين. ختاماً، نقول لأستاذنا د. خالد الدخيّل أننا جميعاً نرفض القتل والتشريد والتهجير والإستبداد والقمع والظلم والقهر الموجود في سائر بلاد العالم وخصوصاً العالم العربي، لكننا نؤكد أنه ليس من شأن السعودية أو مصلحتها أو قدرتها أن تصلح ما فسد من أنظمة سياسية في الدول والأمم الأخرى، إلا بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس بالتدخل المباشر أو دعم معارضة وتسليحها وإصلاح الأخطاء بخطأ أكبر قد يجرها إلى مستنقع دموي أو يجر عليها مالا تحمد عقباه. حفظ الله الوطن

01:04 مساءً EET

طراد بن سعيد العمري كاتب سعودي
turadelamri@hotmail.com
@Saudianalyst