الصفحات

الخميس، 3 نوفمبر 2016

الدكتور محمد القنيبط: ضمير أنصف الزمانَ من أهله!!

     حين استكتبته مجلة اليمامة سنة 1994م كان على الدكتور محمد حمد القنيبط - وقد بلغ سن النبوة - أن يؤدي أكثر من رسالة، ويقاتل على أكثر من جبهة في وقت واحد: فمن ناحية كانت الرقابة قد أحكمت قبضتها على كل منافذ التعبير عن الرأي، وأصبح المنع والفصل من المؤسسات الإعلامية هو أسهل وأسرع ما تتخذه من إجراءات تعسفية، أدت إلى نشر الذعر بين المثقفين؛ فصاروا يتعاطون التخويف - لا الخوف الطبيعي - نيابة عنها؛ مكرسين في الناس أن نقد قرارات الحكومة يثير الشكوك في
وطنية الناقد، ويغمز ولاءه للحكام، ويؤدي إلى شق الصف الذي كرس الإعلامُ الرسمي أنه مجمع تماماً على مذهب ديني واحد، ورأي سياسي واحد، ومدرسة اقتصادية واحدة.
ولهذا حاول أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة الملك سعود أن يستثمر الحصانة التي يتمتع بها الأكاديميون، في توسيع الثغرة التي أحدثها برنامج (طاش ما طاش) في سد الرقابة المنيع منذ 1993؛ فسمى زاويته (أكاديميات)، ليواجه تحدياً جديداً يتمثل في اختيار الأسلوب العلمي السهل الواضح؛ الذي يجعل من القارئ العادي نخبوياً، لا من النخبوي قارئاً عادياً؛ كما يوهم عنوان الزاوية!!
وسرعان ما أعدى بذكائه وجرأته وسحر العفوية في طرحه، قُرَّاءه الذين ظلت أعدادهم تتزايد كل أسبوع، على مدى اثني عشر عاماً، دون أن تفتر حماستهم لأكاديمي شكلاً وأداةً، وطني غيور تفكيراً وتعبيراً.
ولم يدخل مجلس الشورى لثلاث دورات 1997- 2009، إلا وقد قتل الخوف من الرقابة في نفوس متابعيه؛ إذ كان يضيء لهم في كل مقال منطقةً شائكة، يعتقد مُحبُّوه أنها الأخيرة، وأن الرقيب لن يصبر عليه أكثر، وإن سلم منه فلن يسلم من غضب أولئك المسؤولين البيروقراطيين، الذين ظل القنيبط يكشف أخطاءهم بالأرقام الدقيقة، ويسخر من بعض سياساتهم بالإحصاءات والنتائج العلمية، ويتنبأ بكوارث حتمية لا بد أن تقود الوطنَ كلَّه إليها بعضُ رؤاهم المستقبلية.
ومن الصعب انتقاء مثال أو عدة أمثلة بعينها؛ لكن مقاله الذي انتقد فيه - بجرأة لا سابقة لها - سياسة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، كان علامة فارقة، وسط ضجيج التصفيق وطبول المدح الفج؛ حتى إن مدير إحدى الجامعات زعم - في دراسة علمية أن مخزون المياه الجوفية يكفي لخمسمائة عام!
ثم يأتي مقاله عن مؤسسة التأمينات مفصحاً عن شخصيته الساخرة؛ إذ بناه على مفارقة عجيبة بين قرارات ترشيد اتخذها رئيس الشركة، وبين تمتع الرئيس نفسه بالتعيين على المرتبة الممتازة المعروفة بحزمة من المزايا، أبرزها أنها غير محدودة السن للتقاعد!
أما نقده المتكرر لوزارة المالية فهو الحبل الشوكي لزاويته الشهيرة، وطرحه التلفزيوني، حيث لم يتوانَ لحظةً عن كشف ما يراه من أخطاء كارثية بسبب اعتمادها سياسة مالية رتيبة، وممانعتها الانتقال إلى الاقتصاد الضريبي؛ أسوة بالدول الأعضاء في نادي العشرين.
وقد انتقدها كعادته بعد قرارات الترشيد والضريبة المضافة، بألمٍ مرير، لا يعبر عنه إلا بيت دريد بن الصمَّة الشهير:
أمرتُهمُ أمري بِمنْعرِجِ اللِّوى
فلم يستبينوا الرشد إلا ضُحَى الغَدِ!!
أما في اللقاء الشهير مع الدكتور سليمان هتلان في قناة الحرة (2008) فقد تجلت خبرة القنيبط، وثارت غيرته الوطنية، وانطلقت جرأته من عقالها؛ بعد أن ظن بعض متابعيه أنه فقدها أو حدّ من غُلوائها منذ أصبح عضواً في مجلس الشورى.
وقد انتشرت الشائعات المتشائمة حول مصيره فور انتهاء الحلقة؛ بل إن المجلس نفسه شكّل لجنة للتحقيق معه، سخر القنيبط من عدم قانونيتها؛ بينما حياه الملك عبد الله حين رآه قائلاً: «هلا باللي كلامه في العظم»! فأجابه فوراً: «لكننا لا نكسره يا طويل العمر»!



2016/11/03
   

قيافة \ بقلم : محمد السحيمي \ الدكتور محمد القنيبط: ضمير أنصف الزمانَ من أهله!!

قيافة \ بقلم : محمد السحيمي \


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..