الصفحات

السبت، 11 فبراير 2017

معركة اليمين المتطرف تستدعي خطابا إسلاميا جديداً

السبت 15 جمادى أول 1438 هـ - 11 فبراير 2017 م
التحولات الفكرية والإنسانية التي يعيشها العالم ، والعالم الغربي تحديدا  هذه الأيام ، توضح أن العالم على أبواب مرحلة جديدة وفصل جديد من فصول التاريخ ، فها هي البلاد التي كانت تمثل فجر الفلسفة
الحديثة بكل أبعادها الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والتنويرية ، مثل فرنسا وألمانيا ، تشهد أكبر ظواهر اليمين المتطرف المنتكس على ميراث التنوير والمستخف بقيم الليبرالية ومكتسبات حقوق الإنسان ، وهناك مخاوف جدية من وصول ممثلي هذا التيار المتعصب إلى السلطة بما من شأنه تفجير المجتمع من داخله وإدخال العالم كله معه في صدام لا أحد يعلم مداه ولا أدواته ولا ضحاياه . وصول دونالد ترامب ، اليميني المتطرف ، إلى رئاسة أمريكا هيج مشاعر الخوف بدون شك ، بحكم الحضور الأمريكي في العالم اليوم كدولة عظمى ونموذج حديث لتعايش الأعراق والطوائف ، ونموذج أيضا للديمقراطية ودولة المؤسسات ، حتى وإن اختلفت مع سياساتها الخارجية وبعضها دموي وعدواني ومستخف بدماء البشر وآدميتهم . لم يعد يخفى على أحد أن نجاح ترامب وظهور اليمين المتطرف في أوربا وصعود نجمه يحظى بترحاب كبير وأماني عريضة من قبل كل أنصار الديكتاتورية في العالم الثالث ، أيا كان البلد أو الدين أو العرق ، كما أن الخطاب السياسي المتعلق بالشئون الدولية والخارجية الذي يقدمه اليمين المتطرف الأوربي تحديدا لا يخفي تعاطفه ومساندته للديكتاتوريات العربية والشرقية بشكل عام ، مهما ارتكبت من جرائم وحشية في حق شعوبها ، طالما أنها ستحقق مصالح لأوربا باعتبارها سوقا يدعم حركة الإنتاج أو تحميها من موجات المهاجرين حتى ولو بإغراقهم في المتوسط أو تحارب الإرهاب نيابة عنها ، أو أن تمثل مظلة حماية لكيانها المدلل في المنطقة "إسرائيل" ، فهذا كله يكفي لأن يغفروا لتلك الديكتاتوريات كل ما تفعله في بلادها من قمع ونهب وفساد ، فهي شعوب لا تعنيهم ، وينظرون إليها ـ إلينا ـ باعتبارها أقل درجة من الإنسانية . ومن حسن حظ الإنسانية ، وحظنا أيضا ، أن ميراث تلك المجتمعات الغربية من الديمقراطية والاستنارة والإيمان بكرامة الإنسان والحريات العامة ، تجذر في ملايين من أبنائها ومؤسساتها بما يصعب تجاهله أو تجاوزه أو اجتثاثه ، ولذلك تعيش الولايات المتحدة نفسها يوميا على وقع نضال اجتماعي وحقوقي وسياسي وقضائي ومؤسسي متوالي ضد دونالد ترامب وإدارته الجديدة المترعة عنجهية وتعصبا وتطرفا ، ووصل الأمر إلى حد أن المظاهرات من أجل "حقوق المسلمين" تشهدها واشنطن ونيويورك وسياتل وشيكاغو ، في الوقت الذي تغيب فيه عن العواصم العربية والإسلامية قاطبة ، هم يناضلون نيابة عنا ! ، وهم يخوضون المعركة التي كان ينبغي لنا نحن أن نخوضها ، والأمر كذلك في عواصم أوربية مختلفة ، وهناك من المواقف المتراكمة التي تشهد على تعاطف غربي واسع النطاق مع المسلمين الآن ، بعد طول اتهام لهم بالإرهاب ومحاولات لتشويه عالمهم بفعل جماعات التطرف الديني مثل داعش والقاعدة ، وهناك تجمعات مسيحية تقف في الشوارع هناك ـ بين الثلوج والصقيع ـ لحماية المساجد أثناء صلاة المسلمين ، وهناك مسيحيون ويهود سلموا مفاتيح كنائسهم أو كنسهم لمسلمين في بعض البلدات التي شهدت حرق مساجد ، لحين إصلاح الأضرار التي أصابت المسجد . هذه الروح الجديدة ، وتلك المعركة المفاجئة ، تكشف عن أخطاء في جانب المسلمين والإسلاميين بشكل أخص ، الذين ولدوا من رحم جماعات إسلامية أو منظمات إسلامية ، عندما كانوا ينظرون إلى الغرب كتلة واحدة وبشكل عدواني ، والنظر للحضارة الغربية بوصفها حضارة إلحاد وظلم ومجون وأن هدمها أكثر فائدة للإنسانية من إبقائها ، رغم أنها ميراث إنساني مهم لك كمسلم كما لغيرك ، ومن واجبك حمايته والدفاع عنه ، وكل ما تحتاجه أنت أن تضيف إليه أو تهذب من بعض جوانبه السلبية التي لا تتوافق مع قيمك ، ومعظمها جوانب أخلاقية ليست في صلب التصور ، وأذكر أننا في السبعينات والثمانينات من القرن الميلادي الماضي كنا نقرأ كتابا عنوانه على ما أذكر "قادة الغرب يقولون : دمروا الإسلام أبيدوا أهله" ، وانتشر هذا الكتاب بشكل واسع وطبعت منه عشرات الطبعات ، رغم أنه رؤية سطحية ومتعجلة للمجتمعات الغربية ، وقد أضرت مثل هذه الأفكار بقدرة أجيال من العرب والمسلمين على تفهم الحضارة الجديدة والإفادة العميقة منها ، وتحييد عدوانية البعض فيها . أعتقد أن المسلمين ، والإسلاميين بشكل خاص ، في حاجة إلى إعادة بناء وعيهم الفكري والإنساني تجاه المجتمع الغربي ، لتصحيح أخطاء قديمة وتصويب رؤى خيالية أو مبالغ فيها ، ولا شك أن المعركة التي تدور الآن في عواصم غربية عديدة بين اليمين المتطرف والقوى المدافعة عن حقوق الإنسان وعن الديمقراطية والتسامح والسلام ، جديرة بأن تعجل بخطاب إسلامي جديد يتصالح مع الآخر ويكون دعما لقوى الخير والسلام في وجه قوى التطرف والانحطاط ، هنا وهناك .

بقلم: جمال سلطان


هناك تعليق واحد:

  1. افلام أخبار
    رائعة ومؤسفة في آن واحد فأنا شخصيا أحزن كثيرا عندما أسمع تلك الأخبار المؤسفة عن اليمن السعيد أو عن أي دولة إسلامية في الوطن العربي أو خارجه

    ردحذف

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..