الصفحات

الاثنين، 1 مايو 2017

لم تخسر (بندتي) و(هلا) و(افينيو) وغيرهم!!! (منظومة كاملة في الظل)

       سألني عدة اصدقاء عن رأيي الشخصي عن سبب خروج مراكز التسوق (البقالات المودرن) الواحدة تلو الأخرى من السوق.
واجابتي كانت تتمثل في
الدفتر الموجود داخل درج الكاشير.
إن البقالات الصغيرة تبيع (على الدفتر)، بمعنى أنها تبيع بالدين، وهذا هو السبب الرئيسي لخروج الشركات من السوق. عند بحثي الميداني عن هذا الأمر وجدت التالي:
أ- التجربة الشخصية:
١- تجربتي الشخصية (اختبار حقيقي في الميدان):
١.١- ذهبت للبقالة بجانب منزلي، والتي ارتادها منذ سنوات. اشتريت بعض الحاجيات التي لا يزيد ثمنها عن ١٠ ريالات، وعند الحساب، أعطيت البقال٥٠٠ ريال.
١.٢- ابتسم البقال ثم قال لي بأنه لا يملك صرف ٥٠٠ ريال، وسيحاسبني المرة القادمة.
١.٣- في اليوم التالي، ذهبت للبقالة واشتريت حاجيات بقيمة ٢٠ ريال. وعند طلب الحساب، فتحت محفظتي وادعيت نسياني لسحب المال من الصراف.
١.٤- ابتسم البقال كعادته وقيد الحساب في الدفتر، وكررت السداد والمشتريات حتى اصبح رصيدي (الائتماني) ٥٠٠ ريال في البقالة.
١.٥- عندها سألت البائع مباشرة عن (ديونه) في الحي.
١.٦- أشار البقال بأن الكثيرين يشترون حاجياتهم (على الدفتر)، والسداد آخر الشهر عند استلام الرواتب.
١.٧- أشار البقال بأنه يتابع هذه الديون، ويعلم ابو فلان وام فلان واسماء اولادهم ومكان السكن ورقم الهاتف، ويقدم لهم خدمة التوصيل المجاني كذلك.
١.٨- مررت على عدة بقالات وميني ماركت، واتضح أنه كلما كبرت البقالة كلما كبر الدين إذ يصل لأكثر من ألف ريال للعميل عند بعض الميني ماركت.

٢- تجربة بالصدفة:
دخلت البقالة فوجدت الأب (السعودي) يخبر البقال (الهندي) بأن لا يبيع أكثر من ما قيمته خمسة ريالات لأطفال الأب يوميا، وذلك لتعودهم للنزول للبقالة وشراء الحلويات عصرا. المبلغ بالطبع يقيد على الدفتر.
٣- اسئلة للجيران:
٣.١- سأت الجيران عن طريقة شراءهم لبعض نواقص المنزل عندما تتصل الزوجة فجأة لتطلب بعض النواقص. الجميع يرسل حارس العمارة أو السائق للشراء من البقالة (وغالبا على الدفتر)
٣.٢- سألت بعض الجيران (عنوة) عن طريقة شراء بعض المستلزمات في حالة انتهاء الراتب قبل نهاية الشهر لأي سبب كان. وقد كان الجواب (على الدفتر).
ب- النتائج:
وبعد الانتهاء من البحث، قمت بتحليل النتائج وهي كالتالي:
١- سبب ارتفاع اسعار المنتجات في البقالات يعود إلى:
٢- أن العميل يشتري بسعر مرتفع (رغما عنه) لأنه يشتري بالآجل.
٣- البقال يقوم بعملية ادارة مخاطر رائعة حيث يضع في حسبانه الديون المعدومة مقابل زيادة سعر السلعة.
٤- الكثير من البقالات تقوم بالتوصيل للمنزل.
٥- الكثير من البقالات ترسل العامل لسيارة العميل لتسليم المشتريات واستلام النقود دعما منها لتسويق منتجاتها.
٦- الدفتر عبارة عن ورقة علبة (كرز) السجائر، أو دفتر حقيقي، أو محاسب على الكومبيوتر في حالة الميني ماركت.
ج- التمويل:
من أين يأتي البقال بالتمويل لفتح البقالة؟
١- بعد أن صارت علاقتي بالبقال ممتازة، سألته هذا السؤال. أجابني بأن البنوك في (الهند) تعطيهم قروض لفتح بقالة في المملكة مقابل كمبيالات توقع عليها زوجاتهم في بلادهم. وأن هذا النظام قديم ومعمول به منذ سنوات.
٢- يوجد شبكة للعمالة (كيرلا) تقوم بتمويلهم محليا لفتح البقالات، وتعيين الموظفين، بل وشراء البقالات الجديدة من اصحابها إن كان اصحابها ليسوا من الجنسية الهندية.
٣- تقدم الجالية قروضا غير رسمية بفوائد عالية لبعضها البعض مقابل فتح البقالات.
٤- جزء كبير جدا من العمالة القادمه من (كيرلا) تستخدم اصحاب العمل (الكفلاء) كجسور للقدوم للمملكة ومن ثم افتعال مشكلات مع الكفيل تنتهي بسداد العامل لمبالغ تتعدى ١٠ الاف ريال ليتنازل الكفيل عن خدمات العامل، أو يبقيه على كفالته نظير مبلغ شهري مقطوع. العامل العندي (كيرلا) سرعان ما ينخرط في انشطة جاليته.

د- (بعض آخر من منظومة الظل):
١- تقسيم المحلات:
١.١- الخضروات والفواكه للجالية اليمنية ثم البنغالية. (قم بزيارة سوق الشاطيء بجدة)
١.٢- البقالات للهنود (كيرلا)، ثم اليمنيين ثم المصريين.
١.٣- محلات البخاري للأفغان، ولديهم شبكة ضخمة للتمويل وفتح المطاعم وتموينها.
١.٤- المهن الحرفية (سباكة، كهرباء، تكييف...الخ) للجالية الباكستانية بالدرجة الأولى ثم اليمنية ثم المصرية.
تفهم هذه الجاليات عدم تمددها خارج تخصصها كي لا تشعل حرب بينها.
و- التموين!!!
١- البقالات:
أما عن تموين البقالات فيتم من خلال شبكة توزيع مرتبطة بمحلات الجملة بحسب الجالية. فتجد أن محلات الجملة التي تغذي البقالات الهندية قائمة على أساس البيع على الدفتر لسائقي الفانات (Free Lancer) الهنود، والذين يقومون بشراء (طلبات البقالات التي يخدمونها) من هذه المحلات. يتم السداد فاتورة تلو الأخرى. ويمكنكم الاطلاع عن قرب عبر زيارة محلات الجملة الهندية واليمنية في حي المحجر، والباكستانية في حي البغدادية بجدة.
٢- مطاعم البخاري:
أما محلات البخاري فإنها ترتبط الأخرى بمجموعة تموين تقوم بشراء الأرز والدجاج (خصوصا الذي يبقى في صلاحيته فترة بسيطة) بكميات كبيرة، ومن ثم تزويد المنافذ بالتموين المطلوب.
٣- محلات الخضار والفواكه:
أما بالنسبة للخضروات والفواكه، فإن الجالية اليمنية هي الأكثر تخصصا، حيث يقوم سائق (Free Lancer) بشراء متطلبات عملاءه من حلقة الخضروات (التي يديرها أبناء جاليته)، ومن ثم توزيع الخضروات والفواكه على منافذ البيع التابعة له (والتي يديرها أبناء جاليته ايضا)
وهكذا يتم اغلاق الحلقة في كل مرة، بحيث يكون السعودي هو العميل النهائي فقط، مع استحاله دخوله في أي مرحلة ابتداء من الجملة ثم التوزيع ثم البيع عبر المنفذ.
٤- النقل البري الحر (غير شركات النقل الكبيرة):
أما بالنسبة إلى النقل البري، فإنه مقسم بين الجاليتين الفلبينية والباكستانية كأكبر جاليتين في مجال النقل بين المدن. في الأغلب، يقوم السائق بسداد مبلغ مقطوع لمالك التريلا، ويستفيد بباقي الأجرة. وفي حالة لاحظت عزيزي القاريء تهالك الكثير من التريلات، فإن هذا هو السبب. استقطب عدد كبير من السائقين اقاربهم للعمل في هذا المجال.
٥- الصرف الصحي:
أما بالنسبة للصرف الصحي (اعزكم الله)، فإن الجالية الاريترية تسيطر عليه بشكل كامل. تقوم بتعيين السائقين وتسليمهم جداول العملاء وهكذا.
ز- التحويلات المالية للخارج:
كيف تتم التحويلات المالية!!!
مع كل ما ذكرت، فإن المبالغ التي يتم تحصيلها من هذه الأنشطة كبيرة جدا. ومع أن البنوك ترصد الحوالات التي تتم رسميا، إلا أنني أتوقع أن حوالات الظل كبيرة.
حوالات الظل هي تلك التي يستلم (فلان) مبلغها هنا، ويقوم بتسليم ذات المبلغ (ناقص عمولة التحويل) في بلد المستفيد. تتم هذه الحوالات عبر تجار (مواطنيين أو مقيمين) لهم استثمارات في المملكة وفي دول أخرى بحيث يكون لديهم أرصدة في البنوك المحلية وفي بعض الدول. بعض هؤلاء التجار يمارسون هذه الأعمال عبر محلات صورية مثل بعض محلات العطور في وسط البلد بجدة. وغالبا ما يتم الاتفاق على رقم معين بحيث يتم تسليم المبلغ للمستفيد في بلد المستفيد عبر تاجر هناك. ومن هنا تبرز أهمية مراقبة مبيعات بعض المحلات والتي لا تتناسب أبدا مع توسعاتها المريبة، حيث تكثر الأسئلة حول طبيعة النشاط الفعلية!
أما عن آلية عمل هذه الطريقة فهي بسيطة. الكثير من الدول تفرض ضرائب مبيعات على التجار منذ عشرات السنين. وبالتالي، فإن التاجر يقوم بتحويل ايراداته عبر منظومة (حوالات الظل) في بلاده (الأموال التي لا يودعها في البنك). هذه المنظومة مثلا عبارة عن سائقي شاحنات يقومون بشحن الأموال (بجانب عملهم الأساسي) بين المحافظات المختلفة دون أن يتم ايداع الأموال في البنوك الرسمية. وهذا يحدث في كثير من الدول العربية والأجنبية. ومع زخم الخبرات، ووجود الكثير من الجنسيات المختلفة في المملكة، فإن التجار المحليين الأجانب والغير مرخصين (المستترين)، يتبعون تلك الطرق في حوالاتهم من داخل المملكة لخارجها، وفي بعض الأحيان العكس.
ح- السعودة والمنظومة الخفية:
السعودة، وتوطين هذه الأنشطة، مرتبطة بتذليل عقبات العمل للمواطن السعودي في هذه المجالات. المنظومة التي تعمل الآن متقدمة جدا إذا ما هبطنا للمجالات السابقة الذكر. يمكن لوزارة العمل الضغط كيفما شاءت على الشركات لرفع نسب توطين الوظائف في المولات وبعض الأنشطة الاقتصادية التي تديرها الشركات. لكن عند النزول أكثر، فستحتاج الوزارة لقطع حلقات هذه المنظومة لتوطينها بالكامل، وإلا فإن التستر لن ينتهي.
كما أن هذه المنظومة تعلم جيدا بقوتها، وبالتالي فهي تحارب السعودة بكل ما أوتيت من قوة. والأمثلة كثيرة، حيث محاولات توطين الباعة في حلقات الخضار، مرورا بالكاشيرات، والباعة..... الخ، إلا أن حلقات المنظومة تذيب الجهود وتطرد المواطن منها.
هل اتضح لكم الآن لماذا تخرج بندتي وقبلها افينيو وقبلها هلا من السوق؟
ط- الحل المقترح:
- يجب حل المنظومة ابتداء من سعودة محلات الجملة تدريجيا في جميع هذه المجالات أولا دون حل منظومتي التوزيع أو منافذ البيع كي لا تهدم بالكامل.
- قد يبدأ حل المنظومة ابتداء ببعض شركات الاستيراد في بعض الحالات مثل بعض شركات استيراد البهارات من الهند، حيث يقوم على بعضها عمالة هندية. وبالتالي، يجب فحص شركات الاستيراد جيدا للتأكد من أن منظومة الاستيراد ليست مخترقة. 
- بعد اكتساب ابناءنا المواطنين لخبرات البيع بالجملة وتسليم واستلام الموزعين، يتم احلال التوزيع.
- بعد ذلك، يتم احلال منافذ التجزئة.
- يجب مراعاة البيع بالدين عبر استحداث ادوات دين تحاكي الوضع الحالي، مع الحفاظ على ادارة المخاطر عبر الحفاظ على زيادة سعر السلع في منافذ التجزئة (البقالات).
- يجب القضاء دون أي تهاون على طرق تحويل الأموال للخارج من خلال (حوالات الظل)، حتى يتم حبس الأموال داخل المملكة، وتعثر سداد قروض العمالة المقترضة من الخارج، مما سيؤدي بها لبيع محلاتها. يجب بقاء هذه المنظومة تحت المجهر حتى لا تؤدي الى مشكلات اخرى.
- يجب تدريب المواطنين من شباب وشابات على مهارات البيع والشراء والادارة بشكل احترافي جدا لأن الخلل في هذه المرحلة ستكون عواقبه وخيمة.
- احد الحلول الرائعة تتمثل في دعم (البقالات الاليكترونية)، والتي نفذها سابقا عدة شباب سعوديين، ولكن مع الأسف، خسرت وخرجت من السوق. إن تفعيلها ودعمها من جديد، سيقطع الطريق بالتأكيد على البقالات الحالية. وقد يكون في اعادة استقطاب الشباب السعودي الذي حاول وخسر سابقا في هذا المجال، للتعرف على المعوقات وتمويله من جديد حل.
اعتذر عن الاطالة
ان اخطأت فمن نفسي وإن أصبت فمن الله
اخوكم/ البدر فودة

مرسلة من : أ . م.الماضي

هناك تعليقان (2):

  1. استاذ بدر الفودة كنت اتمنى ان لاينتهي هذا المقال الاكثر من رائع ، والحقيقة
    وكانك تتكلم بلسان كل شاب سعودي حاول ثم حاول ثم حاول كحالي ثم اخيرا اكتشفت ما اكتشفته استاذ بدر وكان الوقت متاخر كثيرا ولكن تعلمت الدرس جيد ، ومن اجمل ما قرئة في هذال المجال واسمح لي استاذ بدر اقول لك المدونون هذه المقالات التي نحتاجها لا نريد مدون يتفلسف علينا ويكتب عن ريادة الاعمال ومقالات بعيده عن واقع السوق كل البعد . نريد مثل هذه المقالات الجوهرية والدسمه بعيدا عن التنظير وحشو الكلام .

    اخيرا شكرا من القلب استاذ بدر الفودة كما ولو كنت امامي لن اتردد في تقبيل جبينك وهذا يزيدني شرف ثم تقبل وجودي في مدرستك العظيمة

    أخوك / فارس القحطاني

    ردحذف
  2. استاذ بدر الفودة ان اذنت لي بنشر رابط المقاله اكون ممنونك
    أخوك/ فارس القحطاني

    ردحذف

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..