الصفحات

الجمعة، 24 نوفمبر 2017

لم تفقد مروءتها الخيام!


      ليست المرة الأولى التي يحاول بعض أشقائنا «العرب» الانتقاص منا ووصفنا بالبدو أهل الصحراء والجِمال والخيم (جمع خيمة)، ولن تكون الأخيرة بطبيعة الحال ولست هنا للدفاع أمام هذه الأوصاف التي لم ولن
نتنكر لها يوما من الأيام.. وهل يدافع عاقل عن شرف انتمائه وطيب أصله!
نعم أيها الأشقاء العرب نحن أبناء الصحراء القاحلة التي تمتد شمالا وجنوبا على جسد الجغرافيا وتمتد في أعماقنا وعمق التاريخ!
نحن أيها الأشقاء حُداة الإبل على إيقاع أصواتنا المبحوحة وحركاتها المتمايلة كتبنا أهازيج الحياة بحلوها ومرها بنصرها وانكساراتها وكانت الجِمال رفيقة دربنا التي لا تخون العشرة ولا تتنكر للأخوة!
نعم أيها الأشقاء نحن أبناء الخيام وبيوت الشعر التي تفتح صدورها للفضاء كقلب الكريم وكوجه الصحراء دون أن تخفي في خباياها خناجر الغدر ونوايا الليالي السوداء!
نحن أبناء هذه الأرض التي تلعنونها لا لذنب جنته عليكم فهي مبرأة من كل قسوة إلا علينا ومن كل شدة إلا لنا ومن كل عناء إلا معنا.. ولكنها أرضنا وحياتنا نحبها بقدر بغضكم لها وأشد حبا.. منحتنا رغم قسوتها سر بقائنا وتوّجتنا رغم عنائها وعنائنا تيجان الصبر والحلم والحكمة..
ومن عجب أننا نحنو عليها ونحتضن ترابها بينما أشقاؤنا أهل الأنهار والأشجار والثمار يسخطون عليها وهي في منأى عنهم!
نعم يا أشقاءنا العرب نحن السعوديين أنشأنا في هذه الصحراء القاحلة أكثر من 30 جامعة مرموقة تحتل ثلاث منها المراكز الثلاثة الأولى عربيا وفقا لتصنيف ويبومتركس الإسباني وتصنيف QS البريطاني.
ونحن أهل الجمال والخيام لم تمنعنا رحلتنا القاسية وبيوت الشعر من أن ننشئ على صحرائنا أرقى المستشفيات العالمية لتحل خمس مستشفيات منها في المراكز العشرة الأولى عربيا وفقا لمختبرات سايبرماتريكس الإسبانية ونجري فيها أعقد العمليات ونستقبل كل يوم حالات مستعصية من أنحاء العالم لنفتح لهم بوابات من الشفاء والأمل.
أرأيتم كم هي كريمة هذه الصحراء التي تعيروننا بها!؟ وكم كنا أوفياء لرمالها الذهبية وهي تعلمنا كيف نكون أشداء وأقوياء وأولي بأس وعزم وإصرار!
علمتنا كيف ننثني لعواصفها الرملية دون أن نركع لها أو للغرباء.. رسمت على وجوهنا ملامح السعادة التي زرعتنا فيها ونحن نغالب الأمل ونصارع الألم، فقد وهبتنا بعد كل رحلة مضنية واحة خضراء ونخلة شماء!
ترعرعنا في الخيام وبيوت الشعر وعلمتنا أن لا نستقر على حال ولا نرضى به وأن نتتبع الغيوم ونحلق في السحاب ونرحل مع الآمال والطموح لأن البقاء في ذات المكان موت صغير!
خرجنا من بين الرمال وظن الأشقاء أننا أميون وسنبقى كذلك! وما هي إلا سنوات حتى ودعنا الأمية وكنا الأعلى في نسبة التعليم والتعلم عربيا!
وها نحن الآن نقول لكم إننا أبناء الصحراء لم نتنكر لها وأبناء الإبل لم نجف صحبتها بل أسسنا ناديا لها وأقمنا لها المهرجانات المحلية والدولية احتفاء بها، لأننا تعلمنا منها أن لا نقلب للأشقاء ظهر المجن وأن نبقى أوفياء لها ولكل الصادقين!
ومثلما كنا في الماضي ننظر في السماء نلمح بارقا يقودنا للحياة ما زلنا على العهد، فولي عهدنا الأمير الشاب يقول بنفس المنطق: «عنان السماء هو الحد الأقصى لطموحنا»، تماما كما كان يفعل جدنا العربي الأول!
أيها الأشقاء ليت ما عيرتمونا به ذنب أو عيب نعتذر منه وعنه،  ولكننا نقول أمام حيرتنا فيكم ما قاله البحتري:
                                  إذا محاسنيَ اللاتي أُدلّ بها    =  كانت عيوبي فقل لي: كيف أعتذر!؟
..
هامش:
خذوا الخلق الرفيع من الصحارى = فإن النفس يفسدها الزحامُ
وكم فقدت جلالتها قصورٌ       =      ولم تفقد مروءتها الخيامُ
                                                                                                    إيليا أبوماضي.. لبنان

*د- عبدالله السفياني*
* عضو مجلس الشورى*

الاثنين / 2 / ربيع الأول / 1439 هـ
  20 نوفمبر  2017 01:36 


-

.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..