الصفحات

الجمعة، 18 مايو 2018

قصيدة «حي المنازل تحية عين» لابن لعبون.. هيام عذب ومشاعر صادقة

   كثيراً ما تأتي القصيدة وهي محملة بشجون وهيام تتم صياغتها بمصداقية الحب ودقة الوصف.
وكثيراً ما أبدع الشعراء في قصائد العشق لأنهم عاشوا في

بيئة فرضت عليهم ذلك الإبداع إذا ان البيئة تدخل في تشكيل إبداع الفرد قديماً.

والشعراء القدامى هم المثال الواضح لذك الإبداع لعدد من الاعتبارات لعل من أهمها اتصافهم بالصدق خصوصاً في الحب والعشق والهيام. هو من قال:

ماشفت برقٍ سرى مابين         ذيك الحواجب بليوانه

وصف فريد لا يجيده إلا شاعر متمكن يستطيع صناعة المفردات في شكلٍ إبداعي يعانق الجمال.. شاعرنا هو محمد بن لعبون الذي عُرف بزعيم الشعر الشعبي الغزلي وذلك من خلال إبداعه وتفرده.. له العديد من القصائد العاطفية والغزلية التي اشتهرت على مدى سنوات مضت ومازالت حتى وقتنا الحاضر متداولة بين أوساط محبي الشعر الشعبي ومن هنا فقد عُرف ابن لعبون بإبداعاته الشعرية الغزلية التي تطرب لها النفس.

إحدى قصائده التي اشتهرت كثيراً كانت سبباً في شهرته الفائقة وقد استهلها بقوله:

حي المنازل تحية عين      لمصافح النوم سهرانه

ولا تحية غريم الدين            معسر ووافاه ديانه

محمد بن لعبون عاش في الزبير أغلب حياته وعشق هناك من أطلق عليها (مي) ورمز لها بالمنازل ولذلك نجد أغلب قصائده لا تخلو من كلمة منازل وهنا يرحب بالمنازل في مستهل قصيدته بالرغم من سهره وتعبه فهو يشير إلى أن النوم قد فارق عينه ثم أنه يقول ولا تحية غريم الدين ذلك الذي أنهكه الدين وهو لا يملك رده كونه معسرا وليس لديه شيء ويأتيه صاحب الدين يريد مقاضاته.

ومن كل ذلك نجد أن الشاعر يريد الدخول في رسم صورة هي بعيدة كل البعد عن المال الذي قد يتبادر إلى القارئ حيث ان فيه دائنا ومديونا بل هو يريد بجمال المعنى أن يصف حاله بعد رحيل محبوبته من ديارها وألمه لذلك وهنا تتجلى صورة الشعر الحقيقي الذي يتكئ على روح الإبداع في المعنى والنسق والموضوع.

ودي بنسيانها ومن أين ينسى محمد لخلانه

ثم يقول:

منزل فريد البها والزين   عطبول مكحولة أعيانه

ودي بنسيانها ومن أين         ينسى محمد لخلانه

أطيع أنا في هواها اثني     سلطان قلبي وشيطانه

يذكر الشاعر هنا منزل تلك الحبيبة التي وصفها بأجمل وأرق الأوصاف التي تتصف بها المرأة، فهي فريدة في البهاء والزين إضافة إلى ذلك فقد وصفها بوصفٍ عميق جداً حيث قال (عطبول) تأتي في اللغة بمعنى امرأة فتية جميلة ممتلئة طويلة العنق وهنا أجد بأن الشاعر لديه بلاغة وفصاحة حقيقية وإلا لما أورد تلك الكلمة بما تحمله من معنى، ولذلك وصف محبوبته بتلك التي تمتاز بالطول إضافة إلى طول العنق ومما زاد من جماليات الوصف أنه ذكر بأنها ذات أعين بها كحل والكحل هو ما يزين العين ويجعلها فاتنة ثم وبعد كل هذا الوصف ومما يشعر به من ألم وحسرة على الفراق لمحبوبته يتمنى أن ينساها ولكنه في ذات الوقت لا يستطيع إلا أذا نسى هو كل خلانه أي أصحابة وأقاربه وهذا مستحيل ولذلك أجد بأن الشاعر يأتي هنا بالعديد من المبالغات غير أنها جميلة تعبر عن مشاعرة التي تفيض ألماً وأسى وحسرة.

ولعل مما زاد من جماليات هذه الجزئية من القصيدة أنه لا يطيع في حبه لها سوى اثنين سيطرة قلبه على ذلك الحب وقوته التي تجعله يتمسك بها.

ويستطرد الشاعر العذب في معاناته من تلح المحبوبة فيقول:

أتبع هواها من أين إلى أين      وأحظى بشوفه ورضوانه

ماشفت برقٍ سرى مابين        ذيك الحواجب بليوانه

وماذقت مابي رماك البين      بين شفتيها وبرهانه

هنا يتمنى الشاعر أن يجد محبوبته فهو يتبع هواها في كل مكان ويطلب شوفتها ورضاها عنه بمعنى إعطاءه حبها وشوقها له، ثم يعود للوصف فيصفها بأعذب الأوصاف كوصفها بالبياض الذي يشع ويملأ منزلها فكلمة ليوان بمعنى القصر أو البيت أو الساحة الكبيرة ومن هنا كان الشاعر يدرك حقيقةً بأنه وهو يصفها يعيش لحظة المعاناة ثم يقول:

ومجدلاتٍ على المتنين     سافات خانه على خانه

يصف شعرها بكل جمالياته وطوله وترتيبه فهو يصفه بأنه على شكل جدايل تنتثر بكل أناقة.

وعلى أن الشاعر بكل ما يعانيه من ألم وحسرة وفراق إلا أنه لن يسأل الا الله ولن يشتكي إلا لله وحده فهو يتألم من هذا العشق والحب الذي أنهكه تماماً وجعله يقول أعذب القصائد في تلك المحبوبة ليختتم قصيدته العذبة بقول:

وين أشتكي مادهاني وين    مشكاي لله سبحانه

وهنا نجد أن شاعرنا أراد أن تكون خاتمة قصيدته شكوى ورجا لله عزوجل.

ويبقى أنير شعراء النبط ابن لعبون علامة فارقة في تكوين النص الشعري لدينا إذ أنه كما أسلفت امتاز بقوة المعاني والبناء للنص الشعري في شكلٍ سهل وأنيق أوصلنا إلى ذائقة قرائية جميلة.


حي المنازل تحية عين
لمصافح النوم سهرانه

والاَّ تحية غريم الدين
معسر ووافاه ديانه

منزل فريد البها والزين
عطبول مكحولة اعيانه

ودي بنسيانها ومن اين
ينسى محمد لخلانه

اطيع انا في هواه اثنين
سلطان قلبي وشيطانه

اتبع هواها من اين إلى اين
واحظى بشوفه ورضوانه

وابغضت الادنين والاقصين
واحببت قومه على شانه

يالايمي به شوين شوين
ديان قلبي وديوانه

ما شفت برقٍ سري ما بين
ذيك الحواجب بليوانه

وما ذقت مابي رماك البين
بين شفتيها و برهانه

ومجدَّلاتٍ على المتنين
سافات خانه على خانه

والبطن والخصر والنهدين
والعنق والعين وأوجانه

والورك والساق والفخذين
من بينهن فلقة الدانه

ولا دعاك الولع ياشين
دعوى المدوه لظميانه

وين اشتكى ما دهاني وين
مشكاي لله سبحانه

واقول يا أهل الهوي عزين
ما قال محسن لعثمانه
محمد بن لعبون



-

.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..