الصفحات

السبت، 9 يونيو 2018

هل «اسْتَنْوَق الجَمل» !؟

        لقد «جاوزَ الحِزام الطُّبْيَيْن»، فبعد أن «اسْتَنْوَق الجَمل» واضطربَ الحال على الخبير، كادت الأنفس أن تهدأ وإذ بالواقع يرمينا «بثالثةِ الأثَافي»، وما لبثنا حتى رأينا «البُغَاث بأرضِنا يسْتَنسر». فيا ربِّ سلِّم سلِّم، فإنَّ هذه
الوقائع أعرفها كمعرفةِ ذلكَ الشيخ «شِنْشِنة أخْزَم».

أَيُّهَا الكِرَام؛ لعلِّي لا ألقاكم بعدَ يومي هَذا -مَن يدري؟- فاسمعوا وعُوا، إني أكتبُ لكم -ولنفسي- مُذكِّراً وناصحًا ومُحذِّرًا، فتحمَّلوا قولي الثقيل وقلمي الهزيل. إِنِّي بعد أنْ تَأملتُ الحَال واسْتَشرفتُ المآل، أقول:

يا كِرَام:
علِّموا أولادكم وناشِئتكم الإسلام الحق، علِّموهم ما كانَ عليهِ الحبيب ﷺ وأصحابه، وحذِّروهم مِن الإسلام النابِت الجديد (إسلام الإعلام)؛ تلكَ نبتةٌ سُقيت بدِلاء أمريكا. فإنهُ سيأتي عليكم زمان تَبحثون فيهِ عَن عالمٍ لَم تُكدر مَشاربه أدران الدُّنيا ليُعلمهم فلا تجدون.
 ربُّوهم على الخَشية وتقوى الله. اغرسوا في نفوسِهم مُراقبة خالِقهم؛ فإنَّهم سيَعيشون في زمانٍ يَكون فيه الفسادَ قد انتشر بينَ البشر، ووسائل الشر قد اخترقت البيوت والغُرَف، ولَن يُعصَم من الذُّنوب سوى مُرَاقب علَّام الغيوب.

علِّموهم الفَضيلة ومكَارم الأخلاق؛ فإنهُ سيأتي عليهم زَمان تكون فيهِ الفضيلة مَرْذولة، والرَّذيلة مَقبولة، وإنْ لَم يدفعوا بفضائِلهم رَذائل عالَمهم، جرَفهم ذلكَ النَّهر النتن الذي كانَ بالأمسِ مُسْتنقعا.

درِّسوهم النحو. هرِّتوا أشداقهم بالعربية؛ فإنهُ قادمٌ لا مَحالة عليهم زمانٌ يكون الناطق فيهِ بالعربية أندر مِن الكِبريت الأَحمر. زمانٌ يُفاخر فيه العربي بلغةِ الغَرْب في الأكلِ والشُرب. زمانٌ سادَ فيه باقِل، وذل سحبان وائل.

حفِّظوهم القرآن، وعوِّدوهم على سماعِه؛ فإنَّهُ سيأتي عليهم زَمان تكون فيهِ الموسيقى في كُلِّ مكان؛ فِي المدرسة، في السوق، في المطعم، فِي الشارع. احموهم بآياتِ الرَّحمن مِن مَعازف الشيْطَان.

حَبِّبوا إليهم القِراءة وطلب العِلم. بيِّنوا لهم أنَّ العِلم سَلْوة في العيش، ودليلٌ في الحَيْرة، وأنيس في الوحشة؛ فإِنَّهُ سيأتي عليهم زَمان يُسْتملح فيه الجَهل، ويُسْتجهن العِلم. يُعظَّم فيه أمثال توما الحَكيم، ويُحتقر كل علَّامة فهيم.

عزِّزوا في نفوسِهم اليَقين، والإيمان بربِّ العالَمين. ساعدوهم على الرَّبطِ بينَ العِلم والإيمان؛ فإنَّهُ سيَأتي عليهم زَمان تطغى عليه المادة، ويُعبد فيه العِلم التجريبي، فيكون عالَم الفيزياء المُلحد، أحبّ إلى النَّفسِ مِن جَاهل الريف المؤمن.

غذُّوا فيهم حُب التفرُّد، وبُغض التقليد، حدِّثوهم عَن بناء شخصياتهم بأنفسهم؛ فإِنه سيأتي عليهم -بل قد أتى!- زمانٌ يكونَ النَّاس فيه على دينِ مشاهيرهم؛ في الملبسِ والمأكلِ والمَشرب.

رسِّخوا في عقولهم هذهِ القاعدة: «الباطل وإنْ كثُر أتباعه لا يكون حقّا، والحق وإن قل أتباعه لا يكون باطلا». راية الحق قائمة بذاتها وإن لَم يَرفعها أحد، وراية الباطل ساقطة بذاتها وإن رفعها كل أحد. فإنه سيأتي عليهم زمان تكون فيه السَّطوة للباطل، ولكنه سيضمحل. أسرَّ إلي التاريخ بهذا.

بصِّروهم بحقيقةِ صِراعنا مع الصَّهاينة، اشرحوا لَهم أنَّ خلافنا معهم عقائدي وأخلاقي، وأنَّهم سِفْلَة ليسَ لهم أي حق في فلسطين؛ فإنهم سيُعاصرون شِرْذِمة يُضللون الأحداث، ويهوِّنون مِن أمر الأقصى، ويَتلطفونَ تجاه الغرب بمولاةِ الصهاينة!

دُّلوهم على كُتبِ القُدمَاء مِن أهل البيَان كالجاحظِ وأبي حيان -مع التنبيه على منهجهما- وأضرابهما؛ فإنَّهُ سيأتي عليهم زمانٌ يكون فيهِ المؤلف «أجْرَأُ من خاصِي خِصاف» بعرضِ لغته الرَّذْلة على القُرَّاء. نبِّهوهم قبلَ أن تتلف ألسنتهم، ويفسد بيانهم، وتضيع لغتهم.

جَالِسوهم، تبسَّطوا في حديثكم معهم، صادقوهم، فرِّغوا أنفسكم لهم؛ فإنهُ سيأتي زمانٌ تتخطفُ هذهِ الوسائل والعوَالِم الافتراضية عقول أفْلاذ الأكباد، فتُبدِّل شخصياتهم، وتُغيِّر أفكارهم، حتى يقف الولي أمام ابنه مشدوهًا بغباء: كيفَ وصلت إليه هذهِ الأفكار؟ ومِن أين؟

بيِّنوا لهم أنَّ المرء بحَسبهِ لا بنسبه، وبفضيلتهِ لا بفصيلته، وبآدابهِ لا بثيابه. ازرعوا الأدب والاحترام في أرواحِهم؛ فإنهُ سيأتي عليهم زمان يَكون فيه الأدب مُستغرب، والمؤدب صاحِب الأخلاق والقِيَم مُلفتًا للنظر!
.
﴿فَستَذكرُون مَا أقولُ لكُمْ ۚوأُفوِّضُ أَمرِي إلى الله ۚ﴾

أعلَمُ أنَّ غالب القُرَّاء ضاقوا بهذهِ السوداوية، والظلام المُغيِّم فوقَ هذهِ التَّغريدات، وإني أعترفُ بأنها شيءٌ انفلتَ مني، ولكنِّي أذكركم؛ ظُلَمة غار حراء خرجَ منها مُحمد ﷺ، وظُلمة بطن الحوت خرجَ منها يونس، وظُلمة غيَابة الجُب خرجَ منها يوسُف.

ولعلّه مِن المناسب -هُنا- ذكر ما قاله بيغوڤيتش عندما هربت روحه إلى الحرية بينما لا يزال جَسده مقيِّدًا في سجن ڤوتشا، يقول: «ثَمَّة بعضُ المفارقات. فلو لَم يوجد الليل، لحُرمنا من المشهد الرائِع للسماء المرصعة بالنجوم. وهكذا، يُجرِّدنا الضوء مِن الرؤية، ويساعدنا الظلام على أن نرى».

ثُمَّ بعدَ هذا أقول؛ إنني في نزاعٍ مع نفسي لأيَام لأترك كُل هَذا، لأنني أعرَفُ النَّاس بي وبها، فإما أن أضرُّها أو تَضرُّني، فلا أدري حقيقة هَل هيَ عُزْلة أم اعتزال! ولكنِّي أُفضل الابتعاد والاختلاء بنفسي حتى يُحْدِث الله بعدَ ذلكَ أمرا.

واعْلَم -أيها الكريم- أنَّ ما قرأته جاءَ عَفْو الخاطر، من غيرِ مراجعةٍ ولا تَرتيب، فإنكَ واجدٌ بين حروف التغريدات بواطن الزَّلَل ومساكن الخَلَل، فأرجو أن تُسدِل رِداء كرمك وفضلك على ما تَرى، لأنكَ لهذا وأمثاله أهل.

وأختم بقولِ الشاعر:
باللهِ يا قارئاً كُتبي وسَامعها
أسبل عليهَا رداء الحُكم والكرَمِ
واستر بلطفكَ ما تلقاهُ من خطأٍ
أو أصلحنه تُثب إنْ كنتَ ذا فهمِ
فكم جَوادٍ كبا والسبق عَادته
وكم حسامٍ نبا أو عادَ ذو ثلَمِ
وكلنا يا أخي خطَّاء ذو زَلَلٍ
والعذرُ يَقبله ذو الفضل والشيَمِ
والسلام.


فضلاً .. اقرأ كل التغريدات تحت هذه : 👇
https://twitter.com/I0ll/status/984889286322507776

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..