الصفحات

الثلاثاء، 7 أغسطس 2018

غلطة الشاعر بعشرة

     ورد في كتب الأدب، ومنها (العمدة في محاسن الشعر ونقده لابن رشيق القيرواني وغيره من المصادر) أنّ الشاعر أبا النجم الهذلي - وكان مبدعاً في الرجز- محبوباً لدى الخليفة هشام بن عبدالملك حتى جعله من جلسائه بل من خُلصائه، واجتهد أبو النجم في أرجوزة أعدها لمدح الخليفة وجوّدها، ثم دخل عليه واستأذن في إنشاده، فأذن له مسروراً فلمّا قال: 

والشمسُ قد كادت ولمّا تَفعلِ 

كأنّها في الأفق عينُ الأحولِ

غضب الخليفة غضباً شديداً، وأمر به أن يُصْفَع ويُجرّ من رجليه خارج البلاط، ولم يرضَ عليه أو يره بعدها قط!.. والسبب أن هشام بن عبدالملك كان أحول!، غلط الشاعر الذي أنساه إعجابه بالتشبيه حال الخليفة. 

وقبله دخل جرير على عبدالملك بن مروان فأنشده قصيدة مشهورة لكنّ مطلعها غير موفق: أتصحو أم فؤادك غير صاحِ.. ؟!

فغضب عبدالملك وقال: بل فؤادك أنت يا ابن المُراغة! مع أن عبدالملك يعرف أنّ الشاعر يخاطب نفسه ولكن الكلام عامة، والشعر خاصة، له أصول، وقد سمع أبو بكر الصديق - رضى الله عنه - رجلاً يقول له: «لا، جزاك الله خيراً» فقال له: «قل لا وجزاك الله خيراً» وإلّا التبس دعاؤك لأخيك بدعائك عليه.

وبدأ البحتري مدح المتوكل بقوله: لك الويلُ من ليلٍ تقاصر آخرُه..!

فقال المتوكل: الويل لك أنت.. أخرجوه!

وحتى كبار الشعراء لا تخلو أشعارهم من غلطات وسقطات، خاصة أنهم يبخلون بما يقولون فلا يحذفون منه شيئاً في الغالب، حتى قيل «أبخل الناس الشعراء»، لأنهم لا يريدون أن يفقدوا شيئاً مما أبدعوا، باستثناء عبيد الشعر وعلى رأسهم «زهير بن أبي سلمى». 

لذلك عاب البلاغيون والنقاد على كبير شعراء العربية أبي الطيب المتنبي قوله: 

جفخت وهم لا يجفخونَ بها بهم 

شيمٌ على الحسَب الأغر دلائلُ

فلفظة «جفخت» مستنكرة وحشية ومعناها «فخرت» ولو وضع الأخيرة مكانها لاستقام المعنى والوزن مع سهولة اللفظ، على أن في البيت تعقيداً معنوياً من تقارب الضمائر وصعوبة عودتها على المراد في قوله «بها بهم»! 

وقوله في مدح كافور: 

وما طربي لمّا رأيتُك بدعة

لقد كنتُ أرجو أن أراك فأطربُ

قال ابن جني للمتنبي «ما زدتَ على أن جعلتَ الرجل قرداً». فضحك المتنبي الذي يقول: «ابن جنّي أعلم بشعري مني» ويريد بذلك أن يدافع ابن جني عن أخطائه اللغوية التي لا يخلو منها شاعر. وابن جني من أمهر النحاة.

وكذلك عاب النقاد على أبي تمام قوله مادحاً: 

جذبتُ نداه غدوة السبت جذبةً   فخرّ صريعاً بين أيدي القصائد

وقبح البيت لا يخفي على فطنه القارئ الكريم.

الثلاثاء 25 ذو القعدة 1439هـ -7 أغسطس 2018م

جد وهزل
عبدالله الجعيثن

المصدر
----


جذبتُ نداهُ غدوةَ السبتِ جذبةً فخرَّ صريعاً بينَ أيدي القصائدِ .

علّق "الآمديّ، الناقد المعروف" على هذا البيت من المديح لأبي تمام قائلاً:
هذا معنى مُتناهٍ في برده وغثاثته وركاكته،
ولشتيمةُ الممدوح بالزنا أحسن وأجمل من جذب نداه حتى يخرّ صريعا!


-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..