الصفحات

الثلاثاء، 4 سبتمبر 2018

سبب تسمية حارة *الخاسكية* في جدة بهذا الإسم

*الخاسكية قديما*
       يكشف اسم *الخاسكية* عن مكانة للمنطقة التي تحتلها في الطرف الجنوبي الغربي لجدة القديمة، وهي مكانة لا تتصل بالأسواق التي
تتخلل هويتها والمقاهي التي تنتشر حولها والحانة التي كانت تندس داخل الأحواش فيها بعيدا عن أعين العابرين على نحو جاز معه أن تسمى قهوة (خبيني) المكانة التي تحتلها (الخاسكية) والتي يكشف اسمها عنها أنها الحي الذي كان يسكنه *(الخاصة)* أي عِلية القوم من مثل كبار المسؤولين والقادة العسكريين والوجهاء والأثرياء من أهالي جدة.
ومن هنا جاءت تسمية *(خاسكية)* منحرفة عن الأصل العربي *(خاص)* وهي تسمية تركية سميت بها بعض الأحياء في أكثر من مدينة، ومنها على سبيل المثال الخاسكية في مكة المكرمة.
مع ان *الخاسكية* كانت تحتل تلك المكانة الكبيرة، إلا ان وقوعها على الطرف الغربي الجنوبي لجدة، وهو الموقع القريب من ميناء جدة قد جعل منها مكانا معرضَّا لأي اعتداء يمكن أن تشنَّه أية قوة عبر البحر، وذلك ما حدث كثيرا وخاصة في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، مما دفع إلى انتقال *الخاصة* منها إلى حارة الشام التي أصبحت هي موقع سكن الخاصة من الوجهاء والأعيان، وتحولت *الخاسكية* إلى أسواق ومقاهٍ وان كانت ملكيات تلك الاسواق والمساكن بقيت للأشراف على النحو الذي يكشف عنه شارع قابل للشارع الذي عرف باسمه من الشريف علي، وكذلك عمارة الأشراف التي لا تزال قائمة في موقعها بطرف الخاسكية الجنوبي، وحوش الأشراف الذي سكنه أبو زيد وأسرته وقامت في موضعه عمارة الشربتلي.
وجاء تحول *الخاسكية* من موقع لخاصة القوم وأعيانهم إلى أسواق ومقاهٍ ملائما لموقعها قريبة من الميناء الذي تبدأ من أرصفته الحركة التجارية وكذلك من البحر الذي كان العمل فيه يشكل مورد الرزق للغالبية العظمى من سكان جدة، *الخاسكية* أصبحت المكان الذي يستقطب سكان جدة من البسطاء العاملين في البحر والصناع العاملين في المهن البسيطة من الأثرياء والأغنياء الذين يتحركون بين الميناء والمخازن الكبرى.
ويتوزع أهالي جدة على تلك المقاهي حسب طبقاتهم ووظائفهم، فإذا كانت قهوة (أحمد طيره) وقهوة (محمد إبراهيم) هي مقصد الموظفين ورجالات البحر الكبار كالربابنة الميسورين.. فإن قهوة (علي يني) يشكل البحارة والعمال الفئة الغالبة بين مرتاديها.
*خرابة القُلل*
تكشف *(خرابة القُلل)* عن الوضع المتوتر الذي كانت تعيشه الخاسكية وهو الوضع الناشئ عن موقعها قريبا من البحر.
وخرابة *القُلل* من حيث موقعها تقع إلى جنوب *الخاسكية* في الموقع الذي أنشئت عليه مؤسسة النقد حاليا وامتدت إليه *الخاسكية* الجديدة وأسواقها حاليا.
و *القُلل* جمع قُلة، والقلة هي القنبلة، ومن شأن هذه القنابل أن تضعنا على بداية الفهم لتاريخ *الخاسكية* ذلك أن توتر الأوضاع السياسية ووصولها إلى حافة الإنفجار كان يدفع البوارج الموجودة في البحر والتابعة للقوى الأجنبية وخاصة الإنجليزية والفرنسية إلى قصف جدة واستهداف منطقة *الخاسكية* على نحو خاص حيث كبار المسؤولين والموظفين وقادة الجيش، وبقدر ما كانت تلك القنابل والقذائف *(القُلل)* تصيب منازل *الخاسكية* فإنها كانت تخطئها لتقع في الأرض الفراغ التي كانت تقع إلى جنوبيها والتي كانت عبارة عن أحواش مهجورة، وإذا ما سكنت الحرب إتجه بعض أهالي جدة إلى تلك المنطقة يجمعون *القُلل* التي لم تنفجر ويقومون بتفكيكها لبيع ما تحتوي عليه من نحاس ورصاص وحديد.. وجاء إطلاق إسم *(خرابة القُلل)* من هذه الزاوية حيث كانت القُلل والقنابل التي لم تنفجر تنتشر في أنحائها.
*فتنة جدة*
قبل ما يزيد على المائة والخمسين عاما بقليل وعلى التحديد في ذي القعدة من سنة 1274هـ، عانت جدة من قصف مركب إنجليزي يقف في البحر الأحمر لمبانيها وشوارعها مما اضطرهم للفرار إلى مكة المكرمة والبقاء فيها إلى نهاية الأزمة.
تعود أسباب تلك الحادثة -كما يروي المؤرخون- إلى أن أحد تجار جدة واسمه *صالح جوهر* أراد أن يبدِّل العلم الإنجليزي الذي كان يعلو مركبه في البحر بالعلم العثماني مما أغضب القنصل البريطاني في جدة آنذاك فمنعه من عملية الاستبدال، إلا أن *صالح جوهر* نفذ فكرته فاندفع القنصل الانجليزي وأنزل العلم العثماني وداسه بقدمه..، وحين علم أهالي جدة بالخبر ثارت ثائرتهم فعمدوا إلى مداهمة بيت القنصل وقتلوه ونهبوا بيته وكذلك القنصل الفرنسي وفعلوا ذلك بكثير من الفرنجة المقيمين في جدة، وحين علم والي جدة التركي *نامق باشا* بالأمر وكان أثناء ذلك في المدينة المنورة، أسرع بالعودة إلى جدة وقام بسجن *صالح جوهر* وعدد من أهالي جدة الذين اشتركوا في الحادث وكتب إلى السلطان في إسطنبول يوضح له ما حدث.
وفي شهر الحج من نفس السنة وصل مركب حربي إنجليزي إلى شواطئ جدة وبدأ يقصفها بالقنابل مما حدا بأهل جدة للهرب منها إلى مكة وأحدث ذلك فزعاً كبيراً بين الحجاج، وعقد *نامق باشا* إجتماعاً دعا إليه الأشراف والأعيان من أهالي جدة ومكة يستشيرهم فيما يفعله، فاقترحوا عليه أن يستشير القبائل لرد العدوان، غير أنه أمر أن يصطحب معه بعض الأعيان إلى جدة حيث اجتمع بالقائد الإنجليزي وأقنعوه بإيقاف قصف جدة حتى تصدر أوامر السلطان.
في محرم سنة 1275 وصلت إلى جدة لجنة مشكلة من أتراك وإنجليز وفرنسيين فوضها السلطان للنظر في القضية والحكم فيها وتنفيذ حكمها، إتضح من نتائج التحقيق أن المحرض على مهاجمة بيت القنصل الإنجليزي هو الشيخ *عبدالله المحتسب* وقاضي جدة *عبدالقادر شيح* والشيخ *عمر باديب* والشيخ *سعيد بغلف* وشيخ السادة *عبدالله بهرون* والشيخ *عبدالغفار باغفار* والشيخ *يوسف باناجه* وكبير الحضارمة الشيخ *العمودي*.
أصدرت اللجنة حكماً يقضي بقتل *عبدالله المحتسب* و *العمودي* كبير الحضارمة ونفي بقية المتهمين، ونفذ الإعدام في *المحتسب* و *العمودي* في أوائل شهر ربيع الأول سنة 1275 وأعدم معهم *إثنا عشر شخصاً* من أهالي جدة أدينوا بالمشاركة في أعمال قتل الفرنجة ونهب بيوتهم، وقررت اللجنة صرف راتب من الدولة لابنة القنصل الفرنسي طوال إقامتها في جدة، كما أدانت اللجنة قائم مقام جدة *إبراهيم أغا* وألقي القبض عليه وعزل من منصبه، وعلى إثر تلك الحادثة قرر الوالي العثماني أن ينقل مقر عمله من جدة إلى مكة المكرمة وبدأ أعيان *الخاسكية* يفكرون جدياً في الإنتقال من *الخاسكية* إلى حارة الشام.
🖥
________
منقول؛؛؛

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..