الصفحات

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

عشرون قاعدة فقهية

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
هذه الضوابط تجعل أصول الاستدلال واحدة ، وتجعل العلماء يستنبطون الأحكام على هدى ونور .
القاعدة : هي أساس الشيء وأصله ، "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ..." ،
قاعدة البيت هي أساس البيت "فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم ..." .

وهذه القواعد قسمين :
1. القواعد الأصولية : وهي أحكام كلية بها يستطيع المجتهد أن يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة .
2. القواعد الفقهية : وهي أحكام كلية لمسائل فقهية .

** الفرق بينهما : أن القواعد الأصولية تبحث وتعمل في أدلة الكتاب والسنة ، بينما القواعد الفقهية تبحث وتعمل في المخاطبين والمكلفين ..
القاعدة الأصولية مثل : (الأمر للوجوب) تعمل في نصوص الكتاب والسنة ، فكل أمر جاء فيهما هو للوجوب .
القاعدة الفقهية مثل : (المشقة تجلب التيسير) تتعلق بـ المكلفين (المسلم البالغ العاقل) فهي لا تتعلق بالنصوص ، إنما تتعلق بالمُخاطب المٌكلف إذا جاءته مشقة جلبت عليه التيسير .
القاعدة الأولى :
[ الأصل في العبادات الوقف والتحريم ، والأصل في العادات والمعاملات الحِل والإباحة ]
هذه القاعدة تبنى عليها فروع كثيرة ، وتتكون من جزئين :
1. الجزء الأول : [الأصل في العبادات الوقف والتحريم]
العبادات : جمع عبادة ، والعبادة لغة : التذلل ، طريق معبده أي مذللة للمشي .
العبادة شرعا : (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة) ابن تيمية رحمه الله .
أما ابن كثير فقد عرفها بقوله (غاية الحب لله مع غاية الذل له ، إذ لا يجتمع الحب مع الذل إلا في حق المعبود وحده –سبحانه وتعالى- .
وعباد الرحمن غاية حبه = مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر = ما دار حتى غاية القطبان
ومداره بالأمر ، أمر رسوله = لا بالهوى والنفس والشيطان
الأصل في كل عبادة أن نتوقف على العمل بها ، إذ تتوقف صحتها على صحة الدليل .
فالأصل فيها الحظر والمنع حتى تشرع لنا ، لأن العبادة غيب ، والغيب لا يعلمه إلا الله ، فالأصل أن العبادة قربة ووسيلة لإرضاء الله ، ولا نستطيع أن نعمل ما يرضيه إلا بخبر منه سبحانه ، فمن أحدث عبادة ادّعى من علم الغيب ما ليس له ، فكيف عرف أن هذا الأمر يحبه الله ويرضاه ؟! .
ولأن الدين تام وكامل وشامل "اليوم أكملت لكم دينكم ..." فإن الله قد فصل للعباد كل عبادة ، ولو فتح الباب للعبادة بالهوى ، فإن هذا الدين لن يكون له وسيلة ولا صورة معينة ، لأن كل إنسان هواه وحده ، لهذا أغلقت الشريعة باب العبادات جملة وتفصيلا .
من الأدلة على هذه القاعدة :
- "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"
- "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله"
- "ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن"
- "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا" ، قال الفضيل بن عياض (أحسن عملا : أخلصه وأصوبه ، فإن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل ) .

كل عبادة يتوقف قبولها على شرطين :
الشرط الأول : الإخلاص للمعبود تبارك وتعالى ، روى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {أول من تسعر بهم النار ثلاثا ...} الحديث .
فمهما كان العمل عظيما ولم يكن خالصا لم يقبله الله ، لأنه أغنى الشركاء عن الشرك ، فهؤلاء الثلاثة عملوا بأجل الأعمال لكنهم خالفوا شرط الإخلاص "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء" ، "ألا لله الدين الخالص" ، "بل الله أعبد مخلصا له ديني".
قال بعض السلف : (رب عمل صغير تكبره النية ، ورب عمل كبير تصغره النية) .
وقال تعالى في الحديث القدسي : {أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه} .
وهو سبحانه غني ، جاء في الحديث القدسي { يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيء ...} .
فالله سبحانه عزيز ، ومن عزته أن لا يقبل أن يشرك معه في العمل غيره ، كأنا من كان هذا الغير "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم ..." .
فاحذر أن تعمل عبادة تكون سببا في دخولك النار –والعياذ بالله- .
الشرط الثاني –لصحة العبادة- : المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، والنية الصالحة لا تصحح العمل الفاسد ، لذلك لا تأتي في القران لفظة العمل إلا مقرونة بالصلاح ، المشركون ما كانت نيتهم فاسدة "إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى" ، روى البخاري ومسلم من طريق القاسم بن محمد عن عمته أم عبد الله أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } وفي رواية لمسلم {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} .
الإحداث : هو الشيء الجديد على غير مثال سابق { لعن الله من آوى محدثا} .
في أمرنا : في ديننا .
ما ليس منه : أي ما ليس في القران والسنة .
عملا : نكرة في سياق الشرط تفيد العموم .
سيسأل العباد بين يدي الله عز وجل سؤالين منصوص عليهما في القران : ماذا أجبتم المرسلين؟ وماذا كنتم تعملون ؟ .
ومن أدلة وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم :
- "اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء"
- "وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله"
- "يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم" .
فكل عبادة وطاعة ليست على هديّ محمد صلى الله عليه وسلم باطلة مردودة ، لما صلى رجل في وقت نهي ، ونهان سعيد بن المسيب ، قال له الرجل " رحمك الله أترى أن يعذبني على الصلاة ؟! . قال سعيد : لا يعذبك على الصلاة ، ولكن يعذبك على مخالفة السنة .
{ فمن رغب عن سنتي فليس مني} هذا هو الدين : الاتباع ، فمن زاد فقد أخطأ ، ومن نقص فقد أخطأ .
وقد حرم الابتداع في الدين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {ألا ليذادن أقوام عن حوضي . أقول : يا رب إنهم أمتي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك –إنهم قد غيروا وبدلوا- ، فأقول : سحقا سحقا ، بعدا بعدا } . هم أقوام بدلوا الدين وعبدوا الله بما لم يشرع في كتاب ولا سنة .
عرّف الشاطبي البدعة بقوله : (البدعة لغة : الشيء المُحدث ، واصطلاحا : هي طريقة في الدين ، مخترعة ، تضاهي الشريعة ، يقصد بها سالكها التقرب إلى الله عز وجل ) .
طريقة في الدين > فيخرج من ذلك الطرق الدنيوية .
مخترعة > ليس لها سند شرعي .
تضاهي الشريعة > تنافس أعمال الشريعة .
مثلا : استخدام مكبرات الصوت (الميكروفونات) في النداء للصلاة وغير ذلك من أمور الدين ، طريقة في الدين ومخترعة ويقصد بها التقرب إلى الله لكنها لا تضاهي الشريعة ، وبهذا خرجت من مفهوم البدعة .
أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد عرف البدعة بأنها ( كل أمر وجد سببه ومقتضاه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمكنه أن يفعله فلم يفعله ، ففعله بدعة ) . فجعل للبدعة أربع شروط :
1. يوجد سبب هذه العبادة في زمن النبي .
2. يكون بإمكان النبي أن يفعله .
3. لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم .
4. أن يكون هذا الأمر في الدين ويقصد به التقرب .
فلو قسنا مثال مكبرات الصوت على تعريف ابن تيمية لوجدناه يخالف الشرط الثاني وبالتالي الثالث أيضا .
القواعد الشرعية تعينك في التعامل مع الوقائع والأحداث .
البدعة تنقسم إلى قسمين :
- بدعة حقيقية : وهي كل عبادة مخترعة لا مثيل لها في الشرع (ك المولد النبوي) .
- بدعة إضافية : هي العبادة التي شرع أصلها ، ولكن فعلت على غير ما يريده الله تعالى ( ك الدعاء جماعة دبر الصلاة ) .
فالدعاء في أصله مشروع محمود ، ولكن كونه جماعي ودبر الصلاة جعله بدعة .. والقاعدة في ذلك :
[ كل أمر أطلقه الشارع فتقييده بدعه ، وكل أمر قيده الشارع فإطلاقه بدعة ] ، مثلا تحديد عدد معين للصلاة على النبي بدعة لأنه تقييد المطلق .
من أدلة حرمة البدعة :
- " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" .
- {من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد}.
- {وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وغياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة} .
قال الإمام مالك رحمه الله : ( من زعم أن في الإسلام بدعة حسنة ، فقد اتهم النبي بالخيانة ، لأن الله قال "اليوم أكملت لكم دينكم ..." ) .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( ما لم يكن دين بالأمس ، فلن يكون اليوم دينا ) .

2. الجزء الثاني من القاعدة [ والأصل في العادات والمعاملات الحِل والإباحة ] .
المحرمات من العادات والمعاملات فصلها الله تعالى ، ودل ذلك على أن ما عداها ليس بمحرم " ويحل لكم الطيبات ويحرم عليكم الخبائث " ، "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ..." ، "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هلي للذين أمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة" ، "وأحل الله البيع وحرم الربا" .
وكل عادة أو معاملة خالفت شرع الله في جزئية من جزئياتها ، تنتقل من الحل إلى التحريم ، فالشرع مقدم على الأصل .

القاعدة الثانية :
[ الأصل في الأوامر الوجوب ، والأصل في النواهي التحريم ]
· [الأصل في الأوامر الوجوب]
الأمر : استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء ، الأمر : استدعاء ، وطلب استدعاء الفعل ، أو استدعاء الترك . فالله تبارك وتعالى بالقول أحل وحرم وشرع ، وبالفعل خلق السماوات والأرض .
الأمر : طلب الفعل ممن فوقه ، والطلب إذا كان من الأعلى إلى الأدنى فهو أمر ، كطلب الرب من العبد .
أما إذا كان الطلب من الأدنى إلى الأعلى فهو دعاء ورجاء ، كطلب العبد من الرب "رب اغفر لي" ، اغفر صيغة أمر لكنها دعاء ورجاء ؛ والطلب بين المتماثلين التماس .
الأصل في الأوامر الوجوب : المقصود أوامر الله عز وجل ، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم .

أدلة القاعدة من القران :
- "يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم..." .
- "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ..." ، قال القرطبي رحمه الله : (هذه الآية أصل على ما ذهب إليه الجمهور على أن الأمر للوجوب ) .
- ومن الأدلة أيضا على أن الأمر للوجوب : "ما منعك أن تسجد إذ أمرتك" .
- وأن الله أطلق لفظ المعصية على من يخالف الأمر : "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" ، وترك الأمر عصيان ، ولا يسمى ترك المستحب معصية ، فقابل الله تعالى بين الأمر والمعصية .
- "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" ، والفتنة والعذاب لا يكونان إلا لترك واجب أو فعل محظور .

أدلة القاعدة من السنة :
- {إذا أمرتكم بشيء ، فأتوا منه ما استطعتم} ووجه الدلالة أن النبي لم يعذر أحد في ترك الأمر والامتثال ، فالامتثال واجب ولو لم يأت منه إلا بالجزئية التي قدر عليها ، ولا يسقط الواجب إلا بالعجز الكامل .
- حديث أبو هريرة لما مرض النبي وأمر الصديق أن يصلي بالناس ، فصلى بهم ، فخرج النبي يهادى بين رجلين ... إلى أن قال {ما منعك أن تثبت إذ أمرتك} وهذا هو الشاهد .
وعلى هذا فكل أمر جاء في القران أو السنة فهو واجب ومخالفته معصية .
"وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين" ، {صلوا كما رأيتموني أصلي} .

المضارع المبدوء بلام الأمر يدل على الوجوب دائما ، "وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق" ، ولا يصبح الأمر مستحبا إلا إذا وجدت قرينة تصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب ، وهذه القرينة دليل من الكتاب أو السنة ، وقد تكون داخل النص أو خارجه .
مثال لقرينة صارفة للأمر من الوجوب إلى ما دونه -داخل النص- :
· {صلوا قبل المغرب ، صلوا قبل المغرب ، صلوا قبل المغرب لمن شاء} فهذه قرينة داخل النص تدل على أن أمره للاستحباب لا للإيجاب .
· روى الستة عن أبو هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة} لولا أن أشق ، قرينة صارفة ، وهذا الحديث من دلالاته أن الأمر للوجوب ، لو أمرهم لوجب عليهم ولو كان ذلك شاقا .
مثال لقرينة صارفة للأمر من الوجوب إلى ما دونه -خارج النص- :
· قال تعالى " قم الليل إلا قليلا" الأصل أن ما أمر به النبي فهو واجب على الأمة من بعده ، لقوله تعالى "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة..." . أما القرينة التي دلت على استحباب القيام لا وجوبه : ما روي (( أن رجل من أهل نجد ثائر الرأس سمع دوي صوته ولا نفقه ما نقول ، حتى دنى من الرسول ، فإذا هو يسأل عن الإسلام ، فقال صلى الله عليه وسلم {خمس صلوات في اليوم والليلة} . قال : هل عليَّ غيرها؟ قال : {لا ، إلّا أن تطوع} . ))

** تنبيه :
المستحبات وإن كانت ليست واجبة ، لكن الأكمل للعبد أن يحرص عليها ولا يتهاون فيها ، لأن النوافل تُكَمِّل النقص في الفرائض.
وقد سماها العلماء ب (المُرَقِعات) أي أنها ترقع ما خرقه العبد في فرائضه ، والحرص على النوافل ، بريد الحرص على الفرائض ، ويتهاون العبد بالنوافل حتى يفرط في الفرائض ، فحوِّط فريضتك بكثير من النوافل .. حتى إذا ما ضعفت نفسك تركت النوافل ولم تنقص شيئا من الفرائض ، ثبتنا الله وإياكم .

· [ والأصل في النواهي التحريم ]
النهي : استدعاء الترك بالقول على وجه الاستعلاء .
مُحَرَّم : يأثم بفعله ، قال تعالى "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" .
الدليل : "ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة ..." ، "وعصى آدم ربه فغوى" : دل ذلك على أن مخالفة النهي محرمة .
أمثلة :
- "كلوا واشربوا ولا تسرفوا" ، "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه" .
- قال صلى الله عليه وسلم {كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزورها فإنها تذكر الآخرة} {لعن الله زوّارات القبور} اللعن من علامات التحريم ، اللعن خبر ، والخبر لا يدخله النسخ ، لأن النسخ في الخبر تكذيب . (وذكر تفصيلا في حكم زيارة النساء للمقابر ليس هذا موضع بسطه) .
- "والذين لا يدعون مع الله إلهً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى أثاما" .

وكل نهي في الكتاب أو السنة فهو للتحريم ، إلا إذا وجدت قرينة تصرف النهي من التحريم إلى ما دونه ، مثاله :
- روى مسلم أن النبي نهى عن الشرب قائما ، وروى مسلم عن جابر أن النبي شرب من زمزم قائما ، فهل يفعل النبي محرماً!!.
حاشاه ، هذه قرينة صرفت النهي من التحريم إلى الكراهة ، والنبي يفعل المكروه ليبين للأمة أنه ليس بمحرم ، فالنبي إذا فعل المكروه يثاب عليه ، لأنه يبين للأمة ! .
- نهى النبي عن أكل الثوم يوم خيبر ((أتي النبي بقدر فيه خضراوات من بقول فكره أكلها ، وقال:قربوها إلى فلان – إلى بعض أصحابه- ، فلما رأى النبي كره أكلها كره أن يأكل منها ، فقال له النبي {كُلْ فإني أناجي من لا تناجي}.
فدل ذلك أن النهي عن أكل الثوم للتنزيه وليس للتحريم .  
القاعدة الثالثة :


[ الوسائل لها أحكام المقاصد ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وكذلك المحرم والمكروه والمستحب ]


هذه القاعدة جامعة لكثير من فروع المسائل ..
الوسيلة : ما يتوصل به إلى الشيء ، فوسائل الواجب واجبة ، ووسائل المستحب مستحبة ، ووسائل المحرم محرمة ، ووسائل المكروه مكروهة ...
الشارع إذا أمر بشيء ، كان هذا الأمر شاملا لكل ما يتعلق بهذا الشيء ، فلا يشترط أن يأمر الشارع بالبحث عن الماء ، لأن أمره بالوضوء كاف للبحث عن الماء ، والأمر بصلاة الصبح يدخل فيه الأمر بالاستيقاظ لصلاة الصبح ، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . وهذا أحد فروع قاعدة الوسائل لها أحكام المقاصد ، وكذلك إذا نهى الشارع عن شيء كان النهي عن كل ما يتعلق بهذا الشيء .
ما لا يتم الواجب إلا به ثلاث أقسام :
1. ما لا يتم الواجب إلا به ، ولا يدخل تحت قدرة المُكلف ، فهذا ليس بواجب عليه ، مثال : وجوب زوال الشمس لوجوب صلاة الظهر ، هل يجب علينا استعجال زوال الشمس؟! يجب على العبد التحري والمراقبة ، أما ذات الزوال ليس داخل تحت قدرة المكلف .
2. ما لا يتم الواجب إلا به ، وهو تحت قدرة المكلّف ، لكنه لم يؤمر بتحصيله ، مثال : بلوغ المال النِصاب لوجوب الزكاة ، جعل المال يبلغ النصاب في قدرة المكلف إن اجتهد في العمل ، لكن الشارع لم يأمره أن يجتهد ليبلغ ماله النصاب ، إنما إذا بلغ ماله النصاب وجبت عليه الزكاة .
3. ما يدخل تحت قدرة المكلف ، وأُمِرَ بتحصيله كالنية والوضوء للصلاة ، والإحرام من الميقات للحاج والمعتمر ، فهذا مَحِل قاعدة ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) .
*مسألة :
المصالح المرسلة ، أجازها العلماء من هذا الباب ، والمصلحة المرسلة هي : تجويز أمر في الدين لمصلحة لا تتم إلا بهذا الأمر.

المصالح والمنافع ثلاث أقسام :
1. مصلحة حَكَمَ الشرع بإلغائها وعدم اعتبارها ، فهذه مصلحة لاغية وباطلة ، مثالها : المصلحة والمنفعة الموجودة في الخمر والميسر " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ..." ، فليس كل أمر فيه منفعة للعباد يجوز . عن خديج بن رافع رضي الله عنه قال ((نهانا رسول الله عن أمر كان نافعا لنا ، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا)) .
2. مصلحة ومنفعة أقرّها الشارع واعتبرها ، كمنفعة البيع "وأحل الله البيع وحرم الربا" وكقضاء الشهوة بالنكاح والزواج.
3. مصلحة ومنفعة لم يشهد الشرع بإلغائها ولا باعتبارها ، وهي التي سماها العلماء بالمصالح المرسلة ، وفيها خلاف بين أهل العلم ، فممن قال بعدم اعتبارها أبو حنيفة والشافعي ، وقالوا ما ورد في الكتاب ولا سنة والإجماع والقياس يغني عنها ، أما مالك وأحمد فاعتبروها [1]، وجعلوها أصلا تنبني عليه الأحكام ومنها تستنبط ، واستدلوا على ذلك بفعل الصحابة الذين استعملوا المصالحة المرسلة ومنها :

· جمع الصحابة القران في زمن الصديق رضي الله عنه وعنهم .
· جمع المصحف على رسم واحد في زمن عثمان بمشورة عليّ رضي الله عنهما .
· ما قضى به مالك وأحمد وجماعة من أهل العلم بتضمين الصُنَّاع ، لقول عليّ رضي الله عنه ((لا يصلح الناس إلا ذلك)) [2].
· ما قضى به الفاروق رضي الله عنه من قتل الجماعة بواحد إذا اشتركوا في قتله .
· ما قضى به أهل العلم قاطبة واتفقوا عليه ، ونقله شيخ الإسلام من جواز قتل المسلمين إذا تترس بهم الأعداء ، كما فعل ذلك التتار في القرن السابع ، فأجمع أهل العلم في ذلك الوقت على جواز قتلهم .
· قضى أهل العلم في القرن السابع في غزو التتار إذا ضاق بيت المال عن حاجة الجند ، جاز للحاكم – إن كان عادلا- أن يأخذ من الأغنياء [3].

شروط المصالح المرسلة :
1- أن تكون المصلحة عامة تتعلق بالأمة ، وليست خاصة .
2- أن تكون مصلحة واقعية ، وليست وهمية ، والمصالح الظنية لا اعتبار لها .
3- أن لا تخالف أصلا شرعيا ، ولا دليلا صحيحا ، وإلا أُلغيَت .
4- أن لا يكون لها مدخل في العبادات المحضة ، لأن العبادات لا يدرك معناها ولا تدرك العقول حكمتها .
5- أن تكون لرفع حرج في الدين لازم ، ولجلب مصلحة متحققة ، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
لما جمعوا المصاحف كان لرفع حرج في الدين لازم ، وهو ذهاب القران بمقتل الحُفّاظ . جاء في المعتمد :
وعرفوا المصالح اصطلاحا = ما لم يرد في حكمها صراحا
دليل شرعا باعتبار حكمها = ولا على إلغائها أوردها
كالجند والديوان والسجون = والخلف في استقلالها في الدين
منعها الأحناف ثم الشافعي = بنبذها على مقام بارع
فالشرع كل أمرنا قد راعا = كتاب أو حديث أو إجماعا
والآخران جعلها أصلا = يبنى عليها الحكم مستقلا
واشترطوا ثلاثة شروط = بغالب الأنام أن تحيط
كذاك أن تكون واقعية = ولم تخالف مصلحة شرعية .
مجرى البدعة يختلف مقصدا عن مجرى المصلحة المرسلة ، البدعة تنافي التشريع ومن قواعد الشرع رفع الحرج ، والبدعة تناقضه لأن البدعة زيادة في التكليف ، والمصلحة موافقة لأنها جاءت لرفع الحرج أو حفظ أمر في الدين .

الدليل على أن [الوسائل لها أحكام المقاصد] :
- "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ . وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " . فجعل الله كل تعب ونصب في الطريق أجرا ، فالوسائل لها أحكام المقاصد .
- "إنّا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وأثارهم" .
- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {من سلك طريقا يلتمس في علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة } . فجعل النبي وسيلة العبادة عبادة .
- {بشر المشائين في الظلم إلى المساجد ، بالنور التام يوم القيامة} .
- {ما من عبد يتوضأ في بيته فيحسن الوضوء ، ثم يمشي إلى بيت من بيوت الله ليؤدي فريضة من فرائض الله ، إلا كانت خطواته أحدها ترفع درجة والأخرى تحط خطيئة}. لما كانت الخطوات وسيلة إلى مقصد الصلاة يكتب له بها أجر ، وهذا من عظيم فضل الله ، لأن أعمار هذه الأمة قصيرة ، وبالتالي أعمالها قليلة . والله المستعان .

[ وكذلك وسائل الحرام محرمة ]
· مما يدل على ذلك لعن النبي صلى الله عليه وسلم للخمر وعاصرها وشاربها وحاملها وبائعها ... .
· " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " بغض النظر عن التعاون مع من حتى وإن كان كافرا ، في الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ إِلاَّ أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا} . والتعاون على الإثم والعدوان محرم مع كائنا من كان ، في الصحيحين من حديث أبي بكرة أبصر رجلا حاملا سيفا فقال له أبا بكرة : ماذا تريد ؟ قال : أريد نصرة هذا الرجل –يعني عليّ- فقال له أبو بكرة : ارجع ، فإني سمعت رسول الله يقول {إذا التقى المسلمين بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار} ... الحديث .
· حرم الله مجرد الاقتراب من الزنا ، وبالتالي حرم النظر والخلوة والسفر بغير محرم والاختلاط المستهتهر ، وحرم خروج المرأة من بيتها بغير حاجة .
وفي هذه القاعدة ، يدخل باب الحيل :
(1) الحيل التي يتوصل بها إلى دفع الظلم وجلب الحق مباحة ، بل حَسنة ، الدليل "ذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله" . أقر الله حيلة يوسف ، وما فعله الخضر عليه السلام [4] "وما فعلته عن أمري" حين خرق السفينة ، قال السعدي رحمه الله ((وسائر الأمور كالمقاصد = واحكم بهذا الحكم الزوائد )) والزوائد هي متممات العمل الصالح ، كالرواح والغدو من وإلى المسجد يؤجر عليه ، فتأخذ المتممات حكم المقاصد .
(2) الحيل التي يتوصل بها إلى إسقاط محرم حيل محرمة لا تنفذ ، وقد حرم الله على لسان نبيه كل ما من شأنه إفساد ما بين المسلمين {لا يبع أحكم على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه} . والتحايل على الربا لا يحلها أبدا ، وكذلك التحايل في المطلقة ثلاثا (المُحَلِلْ) .

_______________________________________________

[1] الشيخ عمر عبد الله ، درس في بلاد الحرمين  "المملكة العربية السعودية " (وهم في الغالب حنابلة) وهو من بلاد أكثر أهلها مالكيّـة ، ويُقال أنه غير متمذهب ويجتهد لكنه يجنح غالبا للمذهب الحنبلي.
[2] ومعناه : أن يتحمل الصانع كل تلف وضياع في ممتلكات الناس ، لأن الغالب على الصُنّاع الإهمال والتفريط ، وعدم حفظ ممتلكات الناس ، فإذا لم يضمن الصناع ترتب على ذلك مفاسد أكبر بضياع الممتلكات ، والمُفرِّط في الشرع كالمعتدي ، لا فرق بينهما .
[3] واشترطوا ثلاث شروط : أن يكون الحاكم عدلا ، وأن لا يكفي مال لبيت المسلمين لسد حاجة الجند في الجهاد ، وأن يترك الأخذ من مالهم متى ما زالت الحاجة ، وشرط رابع أن يكون من الأغنياء فقط وهو مُراعى في الأصل .
[4] والصحيح أنه نبي .


القاعدة الرابعة : [ المشقة تجلب التيسير ]

هذه قاعدة فقهية لأنها تتحدث عن العباد .
أدلة القاعدة من كتاب الله :
- "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" .
- "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا..." قال الله تعالى:{قد فعلت} . رواه مسلم .
- "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج" ، "وما جعل عليكم في الدين من حرج" ، "يريد الله أن يخفف عنكم" .
- "ويضع عنكم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم"
أدلة القاعدة من سنة رسول الله :
- { إن هذا الدين يسر ، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه } .
- { ما خير رسول الله – صل الله عليه وسلم – بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثما ، فإذا كان إثما كان أبعد الناس عنه } .
ديننا مبني على الحنيفية السمحة ، حنيفية لأننا نعبه الله وحده ، وسمحة لأنها جاءت بالتيسير .
اشتراك الناس في العمل يخفف إلا في نار جهنم "ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون" ، مثاله : (الصلوات الخمس لا تأخذ من وقت العبد شيئا ، وكذلك صيام رمضان ، ومع ذلك شرعت فيها ما يسهلها على الناس ، فالصيام مع الناس في رمضان يسهل عليك ، ومع كل هذا إن شقت عليك جاء التيسير في المسافر يباح له قصر الصلاة والإفطار في رمضان ، والمريض يباح له الفطر والصلاة قاعدا أو على جنب ...) .
كل تخفيفات الشريعة راجعة إلى هذه القاعدة ، وليس كل مشقة تجلب التيسير ، أقسام المشقة :
1. مشقة لم يعتبرها الشارع ، كمشقة الصيام للصحيح المقيم المعافى ، ومشقة الجهاد وما فيه من تعريض النفس للخطر ، ومشقة الحج الظاهرة ، وكلها لم يعتبرها الشارع .
2. مشقة اعتبرها الشارع ، كقصر الصلاة وإباحة الفطر ، وإباحة الحرير لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لحكة كانت في بدنه.
3. مشقة لم يتعبرها الشارع ولم يلغها ، يُرجع فيها لأهل العلم فيقدرونها على حسب حال السائل والزمن والعمر .

قال أبو السعود في المراقي :
قد أسس الفقه على رفع الضرر = وأن ما يشق يجلب الوطر (شهوة النفس)
ونفي رفع القطع بالشك وأن = يحكم العرف ، وزاد من فطن
كون الأمور تبع المقاصد = مع تكلف ببعض وارد
وقال السعدي :
ومن قواعد شرعنا التيسير= في كل أمر نابه التعسير
قال الشافعي رحمه الله : إذا ضاق الأمر اتسع لقوله تعالى "فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا" .

القاعدة الخامسة :
[ وجوب حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد ، فيزول الإشكال ]
هذه القاعدة أصولية لأنها تتحدث عن أدلة الكتاب والسنة .
العام لغة : الشامل ، وهو ما عمَّ شيئين فصاعداً ، اصطلاحاً : اللفظ المستغرق لجميع أفراده .
إذا قلت : كل من في المسجد يخرج ، هل يفهم من هذا الاستثناء أحد ؟
قال الله تعالى "الله خالق كل شيء" . هل هناك شيء لم يخلقه الله؟!.
الخاص : بعض أفراد العام ، كقولك : كل من في البيت يخرج إلا فلان وفلان ، فهذا تخصيص .

حكم العام : يبقى العام على عمومه ، ولا يجوز تخصيص العام إلا بالكتاب أو السنة أو الإجماع ، فإذا لم يوجد مخصص ، بقي العام على عمومه ، كقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث عائشة {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} ولمسلم {من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد} ، عمل : نكرة في سياق الشرط تفيد العموم ، أي عمل صغير أو كبير ، فالبدع كلها مردودة لا يستثنى منها شيء . " فلما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ..." حمل إبراهيم عليه السلام الأمر على العموم ، فقال " إن فيها لوطا" ، وكذلك نوح عليه السلام ، قال "إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق" . وكذلك قول الله تبارك وتعالى " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا" ، " ولا يشرك في حكمه أحدا" . أحدا : نكرة في سياق النهي تفيد العموم .
فهذه ألفاظ خرجت مخرج العموم ولا خصوص لها ، فتبقى على عمومها .
حكم الخاص : إذا ورد دليلان ، أحدهما عام والآخر خاص ، لا يعتبر تعارضا ، وإنما يحمل العام على الخاص ، فيبقى العام على عمومه ، ويُسْتَثْنى ما خُصَّ مِنه .
أقسام الخاص :
1. مخصص متصل : ما جاء فيه التخصيص في نفس النص .
كقوله تعالى "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا" جاءت الاستطاعة تخصص عموم فرضية الحج .
دل أن اللفظ العام يحمل على عمومه ، حتى يرد دليل الخصوص ، ويتفرع من ذلك قاعدة [ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ] .
كآيات اللعان والظهار ، وكما جاء في الصحيحين أن رجلا أصاب من امرأة لا تحل له قبلة ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله أصليت معنا ؟ أو كما قال ، فأجاب بنعم ، فأنزل الله سبحانه " إن الحسنات يذهبن السيئات" فقالوا : يا رسول الله ، أله خاصة ؟ قال : لكل من عمل بها من أمتي .
أما إذا ورد تخصيص العام ، فما خصص من العام يأخذ حكمه ويبقى العام على حكمه الأول .
مثال : قال تعالى "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" . فهي عامة في كل المطلقات "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" فالحامل لو وضعت بعد طلاقها بيوم انتهت حدتها ، فيكون للمطلقة الحامل حكم خاص ، والمطلقات يبقين على الحكم الأول .
2. مخصص منفصل : وينقسم إلى أربعة أقسام :
(1) تخصيص آية بآية : كآية الطلاق السابقة .
(2) تخصيص سنة بسنة[1] : مثال هذا التخصيص : ما رواه البخاري عن ابن عمر أن النبي قال {فيما سقت السماء العشر ، وما سقي بالـ ... ربع العشر} ، خصص بما جاء عن أبي سعيد الخدري في الصحيحين {ليس فيما أقل من خمسة أوسق[2] صدقة} فخصص حديث بن عمر ، أي إذا بلغ خمسة أوسق فأكثر أخذ بحديث ابن عمر رضي الله عن الجميع .
(3) تخصيص سنة بآية : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال {أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ...} خص من هذا العموم اليهود والنصارى إذا أعطوا الجزية ، قال تعالى "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" .
(4) تخصيص آية بسنة : قال تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء "وأحل لكم ما وراء ذلكم.." ، وعذا عام فيما عدا المذكورات في الآية ، وخصص من هذا العموم : عمة الزوجة وخالتها ، عن أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صل الله عليه وسلم قال {لا يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها} . وهاتان لم تذكرا في الآية .
[ ويحمل المطلق على المقيد فيزول الإشكال ]
المطلق : هو اللفظ الدال على فرد غير معين ، أو أفراد غير معينين . مثال: رجل ورجال ، لا تدل على فرد بعينه ولا جماعة بعينها .
المقيد : اللفظ الدال على فرد غير معين ، أو أفراد غير معينين ، مع وجود قرينة تبين المراد به . مثاله : رجل تقي ، رجال صالحون.
فالتقييد وصف لأمر أطلقه الشارع ، يقيد هذا الوصف بهذه الصفة المعينة "فصيام شهرين متتابعين" متتابعين تقييد للشهرين ، فالشارع لم يحدد شهرين معينين محددين (رجب وشعبان مثلا) ، ولكنه قيدهما باشتراط التتابع .
قاعدة المطلق : أن يحمل المطلق على إطلاقه من غير تقيده بصفة " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة..." الرقبة : مطلقة فيجوز ولو كانت غير مسلمة .
قاعدة المقيد : إذا قيد الشارع اللفظ بقيد وجب إعمال هذا القيد ، وكان هذا القيد مُعتبرا فلا يجوز تجاهله ولا الإعراض عنه ، ككفارة قتل الخطأ "فتحرير رقبة مؤمنة" ، فلا بد فيها من الإيمان . هذا إذا كان الإطلاق والتقييد في نفس النص .
المطلق مع المقيد في نصوص مختلفة :
1. أن يتحد الحكم والسبب ، فيجب عند ذلك حمل المطلق على المقيد (إجماعا) ، كقوله تعالى "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير" (لفظة الدم مطلقة) فالحكم حرمة الدم ، وسببها بيان المطاعم المحرمة ، وفي الآيـة "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس " . فقيد الدم على كونه مسفوحا (وهو النازف النازل بكثرة ،كالدم الخارج من البهيمة عند ذبحها) . وسبب فالحكم حرمة الدم المسفوح ، وسببها بيان المطاعم المحرمة ، فاتحد الحكم والسبب في الاثنين فيحمل المطلق على المقيد .
2. أن يختلف الحكم السبب ، فلا يحمل المطلق على المقيد ، كقوله تعالى "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برُءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين" ، السبب : القيام إلى الصلاة ، الحكم : غسل اليدين إلى المرفقين . وقوله تعالى : "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ..." ، السبب : السرقة ، الحكم : قطع اليد ، فلا يقال قطع اليد إلى المرفق قياسا على آية الوضوء ، لأن اليد في الآية الأولى قيدت ، وفي الثانية لم تقيد ، فلا يحمل المقيد على المطلق لاختلاف الحكم واختلاف السبب .
3. أن يتفق السبب ويختلف الحكم ، كقوله تعالى "فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق" . السبب : القيام إلى الصلاة ، الحكم : غسل اليدين إلى المرفقين ، وقوله تعالى "فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه" . السبب : القيام إلى الصلاة ، الحكم: مسح اليدين . السبب متفق في الاثنين ، والحكم مختلف ، فلا يحمل المطلق على المقيد (ولا تمسح اليدين إلى المرفقين في التيمم) . ففي حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما {إنما يكفيك أن تفعل هكذا ، فضرب بكفيه الأرض ثم نفخ ثم مسح وجهه وكفيه} وهذا يدل على أن المسح يكون للكفين فقط .
4. أن يتفق الحكم ويختلف السبب ، قوله تعالى في حكم الظهار "... فتحرير رقبة"،وفي القتل الخطأ "... وتحرير رقبة مؤمنة" الحكم في الحالين تحرير رقبة ، سبب الأول الظهار ، وسبب الثاني القتل ؛ اتفق الحكم واختلف السبب فلا يحمل المطلق على المقيد عند أكثر أهل العلم ، خلافا للشافعي ومالك ، فلا تحمل الرقبة المطلقة في آية الظهار على الرقبة المقيدة (بالإيمان) في القتل الخطأ .
*لا يحمل المطلق على المقيد إلا إذا اتفق الحكم والسبب وبذا يزول الإشكال ، ولا تعارض بين الأدلة .
قال أبو السعود في المراقي : إن فيهما اتحد الحكم والسبب = وحمل مطلق على ذاك وجب .



[1](السنة كل ما أضيف إلى النبي من قول أو فعل أو تقرير) .

[2](الوسق : 60 صاع ، الصاع : أربع أمداد ، المد : ملء الكفين المتوسطين ) .
----
القاعدة السادسة :
[ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، ويدخل في ذلك سد الذرائع ]
الشريعة جاءت لجلب المصالح وتكميلها ، ولدرء المفاسد وتقليلها ، والشرع لا يأمر إلا بمصلحة خالصة أو راجحة ، ولا ينهى إلا عن مفسدة خالصة أو راجحة ، وأعظم مصلحة أمر الله بها التوحيد ثم بر الوالدين ... وأعظم مفسدة الشرك ثم العقوق ..
قال الله عز وجل " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ..." شملت الآية كل أمر بالمعروف ونهي عن المنكر . "ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" .
حديث أبي ذر الغفاري ، أن النبي صل الله عليه وسلم قال : {ما بعث الله من نبي إلا كان حق عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، ويحذرهم من شر ما يعلمه لهم} ؛ وحديث خديج بن رافع {نهانا رسول الله عن أمر كان لنا فيه نفع ، وطواعية الله ورسوله أنفع لن} . فكل الخير في متابعة الشرع ، وكل الشر في مخالفته .
قد تتعارض المفاسد والمصالح ، على وجوه :
1. أن تتعارض مصلحتان ، إحدهما أكبر من الأخرى : كأن يتعارض واجب مع مستحب ، فتقدم المصلحة الكبرى على الصغرى ، مثالها : تُقام الصلاة المفروضة ، ورجل يصلي النافعة ، يقطع صلاته ليدرك المفروضة ، لأن الفرض أعظم من النفل ، ودليل {وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه} ، {إذا أقيمت الصلاة ، فلا صلاة إلا المكتوبة} ، قال العلماء : إذا استطاع أن يتمها خفيفة ويدرك تكبيرة الإحرام ، وإلا قطعها .
أو يتعارض واجبان ، أحدهما أوجب من الآخر ، مثل طاعة ولي الأمر أو طاعة الله سبحانه ، فتقدم الأشد وجوبا إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال {السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة} ، وكذا حديث علي رضي الله عنه في السرية التي بعثها النبي وأمر قائدها من تحته بإلقاء أنفسهم في النار ...
2. أن تتعارض مفسدتان إحدهما أكبر من الأخرى : تتحمل المفسدة الصغرى ، وتفوت المفسدة الكبرى عند التعارض ، مثاله: ما فعله الخضر عليه السلام في الموقف الثاني "وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين..." فقتل الغلام مفسدة وكفر الوالدين مفسدة أكبر ، فاحتمل الخضر الصغرى لتفويت الكبرى .
3. أن تتعارض مفسدة ومصلحة ، والمفسدة أكبر من المصلحة : فتفوت المصلحة لدفع المفسدة ، وهذا ما جاء في أصل القاعدة [درء المفاسد مقدم على جلب المصالح] ، مثالها : ترك النبي بناء الكعبة على قواعد الخليل إبراهيم عليهما الصلاة والسلام درء لمفسدة ارتداد الناس عن دينهم وظنهم بالنبي سوءاً ، قال صل الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها {لولا أن قومك حديثو عهد بإسلام ، لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم ، ولجعلت لها بابين ، باب يدخل الناس معه ، وباب يخرجون منه } . فحجر إسماعيل عليه السلام داخل في الكعبة ، وقد كانت مستطيلة وقد قصرت النفقة بقريش فلم يدخلوه في البناء .. لذا لا يجوز الطواف من داخل الحجر لأنه جزء من الكعبة ، الشاهد أن النبي ترك بناءها على القواعد ليدفع المفسدة الكبرى . ومن ذلك أيضا تركه صل الله عليه وسلم قتل المنافقين قال { لا يتحدث الناس أن محمد يقتل أصحابه } فقد أقر النبي بنفاق أشخاص معينين كابن أبي سلول لكنه لم يقتله مع أن قتله مصلحة فما أكثر ما كان يفسد في المدينة ، ولكن تحدث الناس بأن محمد صل الله عليه وسلم يقتل أصحابه فيه منع للناس من دخول الإسلام وفيه أيضا ارتداد لأقوام خشية القتل . وكتحريم سب آلهة المشركين مع بيان أنها لا تسمن ولا تغني من جوع "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ..." فسبها مصلحة ، لكنها ستأتِ بمفسدة كبرى تعالى الله سبحانه ، فنفوت الصغرى تفويتا للكبرى . ومثل هذا أن تقام الصلاة ويُرى غريق .. ترك الغريق مفسدة أكبر من تفويت الصلاة ، فتفوت لإنقاذ الغريق .
4. أن تتعارض مفسدة ومصلحة ، والمصلحة أكبر من المفسدة : عند ذلك تتحمل المفسدة الصغرى لجلب المصلحة الكبرى ، مثالها : ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسألة التتترس – وقد مرت معنا- ، ومثالها أيضا : من به سلس بول فإن الصلاة بذلك مفسدة والصلاة لذاتها مصلحة كبرى فتحتمل المفسدة لجلب المصلحة الكبرى .
تنبيه :
· ترد على الألسنة عبارة مستهلكة وهي قولهم (الغاية تبرر الوسيلة) ، وهذه قاعدة باطلة إلا في حالة واحدة ، إذا كانت المصلحة أكبر من المفسدة ، فإن الغاية عن إذ تبرر الوسيلة .
ذكر عن شيخ الإسلام في غزو التتار أنهم مروا على جماعة من التتار قد شربوا الخمر فقالوا : ألا تقيموا عليهم الحد ؟ ، فقال شيخ الإسلام : دعوهم فإنهم إذا أفاقوا سفكوا الدماء . فاحتمل المفسدة الصغرى درءا للمفسدة الكبرى .
· تقدير المفسدة والمصلحة ترجع إلى أهل العلم ، فغير العلماء قد يضطرب نظره ويختل ميزانه فلا يحسن التقدير ، لكن العلماء الربانيون ينظرون بنور الله " أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ..." وفي الآيـة "...لعلمه الذين يستنبطونه منهم" ، قال السعدي :
الدين مبني على المصالح = في جلبها والدرء للقبائح
فإن تزاحم عدد المصالح = يقدم الأعلى من المصالح
وضده تزاحم المفاسد = يرتكب الأدنى من المفاسد

[ويدخل في ذلك سد الذرائع]
الذريعة : الوسيلة إلى الشيء ، المقصود إغلاق الذرائع الموصلة إلى المحرم ، وهذه قريبة من الحالة الثالثة (مفسدة كبرى ومصلحة صغرى) ، الفرق أن ذلك في المصالح والمفاسد ذاتها ، وهذه في وسائل المفاسد .
وذهب مالك وأحمد إلى اعتماد هذه القاعدة ، ومعناها تحريم المباح والمستحب إذا أدى إلى محرم ، مثاله سب آلهة المشركين السابق ذكره ، بعي العنب والتمر لمن يتخذه خمرا ، وبيع السلاح في زمن الفتنة ..
في المعتمد :
وكل ما ظاهره مباح = وموصل إلى ما به جناح
أباه سدا منه للذرائع = مالك وبن حنبل لا الشافعي
وأكدا ذلك بمنع الشتم = لكل من يعدو بغير علم .  
القاعدة السابعة :
[ الغرر والميسر محرم في المعاوضات والمغالبات ]
الغرر : الخداع والغش ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وبيع الغرر ، ومعنى بيع الحصاة :
1. أن يقذف البائع حصاة ويقول للمشتري أبيع لك ما تقع عليه الحصاة .
2. أن يقول للمشتري ارمي الحصاة فما بلغته فهو لك .
وكلاهما محرم وإن كان بتراضي الطرفين ، لأن للبيع شروط أخرى لا بد أن تتوافر غير الرضا .
ومن الغرر : تأجيل الدين إلى أجل مجهول "إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" عن بن عمر (قدم النبي ونحن نسلف في الزرع والثمار فقال ، {من سلف ليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وإلى أجل معلوم} .
ومن الغرر : بيع السمك في الماء والطير في الهواء واللبن في الضرع ، وكذلك بيع الثمر قبل بدو صلاحه ، فكل جهالة سبب في الحرمة –حرمة المعاملة- .
الغرر : أحد أسباب رد البيع وفسخ العقد ، وذكرا حديثا لم أدركه .
الميسر : هو السبق في أي أمر من الأمور يجعل فيه عوض ، فكل مسابقة بعوض ميسر ، يستثنى من ذلك المسابقات التي تعين على الجهاد والتقوي عليه ، عن أبي ذئب عن ابن رافع عن أبي بن نافع عن بريدة {لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر }
نصل : رمي السهم ، الخف : الجمال والحمير ، الحافر : الخيول .
وأجاز العلماء إدخال المسابقات الشرعية من باب أنها علم نافع " وما كان المؤمنين لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ..." فجعل العلم نفير .
أما المسابقات بغير عوض فيها خلاف :
- بعضهم يجعلها بابا واحدها كلها حرام إلا ما استثني .
- وآخرون يجيزوها كلها إلا ما كان بعوض .
- إذا كانت مما نص الشارع على تحريمه فلا تجوز سواء كانت بعوض أو بدون عوض ، روى مسلم أن النبي قال {من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه} . ومثله الشطرنج لأن المعنى الذي حرم الميسر من أجله نفسه في الشطرنج وأكثر .. " إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون" .

القاعدة الثامنة : [ لا ضرر ولا ضرار ]
أصل القاعدة حديث ضعيف رواه الدارقطني عن الداروردي عن عمر بن يحي المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري ، ولا يصح الحديث إلا مرسلا ، رواه أوثق من الداروردي الإمام مالك في الموطأ عن عمر بن يحي .. ورواه ابن ماجه عن عبادة بن الصامت عن الوليد عن عباده وهو منقطع ، فالوليد لم يدرك عبادة بن الصامت ، وروه عن عائشة وأبي عبادة وأبو ثعلبة وكلها ضعيفة .
وبعض المحدثين حسنوا هذا الحديث باعتبار مجموع طرقه ، وممن صححه الإمام أحمد ، وقد جزم به فقال : قال رسول الله {لا ضرر ولا ضرار} ، وممن حسن الحافظ ابن رجب والنووي ، وقد تلقى أهل العلم معنى هذا الحديث بالقبول .
لا : نافية ، وهي نفي بمعنى النهي ، كما في قوله تعالى "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" .
قيل الضرر والضرار كلاهما بمعنى واحد ، وقيل : الضرر بالأقوال والضرار بالأفعال ، وقيل الضرر إلحاق ضر بمن لم يصل إليك بضر ، الضرار : إلحاق ضر بمن أضر بك مع زيادة على ضرره " فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" ، وقيل الضرر أن يلحق الأذى بغيره من غير أن يصله نفعه بقصد الأذية فقط ، والضرار : أن يلحق الأذى بغيره من أجل جر منفعة كأن يحفر بئرا ليشرب منه دون أن يضع حواشي تمنع سقوط الناس . وجاءت الآيات وحددت أنواعا معينة من الضرر :
1. الأذية فكل أذى تلحقه بمسلم هو ضرر "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا".
2. "ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن" .
3. "ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا" .
4. "ولا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده" .
5. "من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار" .
6. عدم الضرر بالجار ، في الصحيحين عن أبي هريرة {ولا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره} .
ومن فروعها : أن الضرر يجيب أن يزال مهما بلغ هذا الضرر ، إلا في حالة واحدة إذا كانت إزالة الضرر يترتب عليها مفسدة كبرى ، عندها يُعْمَل بقاعدة تعارض المفسدتين .


القاعدة التاسعة :
[ النكرة في سياق الشرط أو النفي أو النهي تفيد العموم ، وكذلك إذا أضيفت إلى معرفة أفادت العموم ]
النكرة : ضد المعرفة ، لا تدل على شيء أو شخص أو أشخاص معينين "ولا يشرك في حكمه أحدا" أحدا : نكرة في سياق النفي تفيد العموم ، أي لا يشرك في حكمه أحد بغض النظر من هذا الأحد . " فلا تدعوا مع الله أحدا" و"ولا تزر وازرة وزر أخرى" كلاهما نكرة في سياق النهي ، "يوم لا تملك نفس لنفس شيئا" نكرة في سياق النفي. عن ابن عمر في الصحيحين {لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول} نكرة في سياق النفي ، النكرة : صلاة ، فهم من ذلك كل صلاة فرض كانت أو نفل .
النهي : الطلب للكف عن فعل الشيء ، النهاية تتضمن الأمر بالترك (لا تكتب ، لا تفعل ، لا تدعوا مع الله أحدا) .
بخلاف النافية فهي ليست صريحة في النهي ولكنها تتضمنه "ولا يشرك في حكمه أحدا" نافية ، الفعل بعد (لا) النافية يكون مرفوعا ، أما بعد (لا) الناهية فيكون مجزوما .
وذكر طائفة من الآيات والأحاديث ليبين فيها الفرق بين الناهية والنافية .
إذا سبقت بشرط إفادت العموم :
في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري {من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ...} منكر : نكرة في سياق الشرط .
في سورة الزلزلة "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" ذرة : نكرة في سياق الشرط ، خيرا : نكرة سبقت بشرط تفيد العموم في كل خير ، كما قال تعالى حاكيا عن المشركين يوم القيامة "مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا" .
إذا أضيفت إلى معرفة أفادت العموم :
"وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا" العموم في جميع عباد الرحمن الذين يتصفون بهذه الأوصاف .
"وأما بنعمة ربك فحدث" أفادت العموم في كل نعمة .
القاعدة العاشرة :
[ وجوب حمل كلام المتكلمين على مرادهم ما أمكن ]
هذه القاعدة أسسها شيخ الإسلام ابن تيمية قال ( ليس لأحد أن يحمل كلام أحد من الناس إلا على ما عرف أنه مراده ، لا على ما يحتمله ذلك اللفظ .. ) يحمل كلام الناس على ما جرت به عادتهم في خطابهم ، وجب حمل كلام المتكلمين على عرفهم في خطابهم سواء كان عرفا موافقا للوضع اللغوي أو مخالفا له .
وهذه القاعدة مبنية على قوله تعالى "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" . وحديث عمر عن الستة {إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى}فالعبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني .
· جاء في الصحيحين خبر الرجل الذي ضلت دابته ... حتى قال : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح ، فالعبرة بنيته لا بما نطق به لسانه .

فمن العدل مع الله ورسوله ومع عامة الناس أن يحمل كلامهم على مرادهم وعلى معهود استعمالهم للعبارة وإن كان اللفظ المستعمل يخالف المعنى اللغوي ، فلا يعتبر ذلك المعنى وإنما يعتبر مراده من اللفظ كالأسماء الشرعية التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
كلفظ الصلاة في لغة العرب الدعاء ، صلِ لفلان أي أدعوا له بالخير ، ولكن لا يجوز تفسير كلمة الصلاة في القرآن على هذا المعنى "وأقيموا الصلاة" ليس معناها أقيموا الدعاء .. فالشرع له معنى خاص ، واصطلاح معين فتحمل على مراده لا على مراد اللغة والسامعين حيثما وردت في القرآن والسنة فمن حملها على معناها اللغوي فقد حرف كلام الله وبدل الكلم عن موضعه .
ومثله الصيام معناه الإمساك ، قال الشاعر خيل صيام وخيل غير صائمة أي ممسكة عن الجري ، الشارع استخدم كلمة الصيام وقصد بها معنى معين ، وهو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى مغيب الشمس بنية التقرب إلى الله عز وجل ، فتحمل لفظة صيام أينما وردت في النصوص الشرعية على هذا المعنى لا على المعنى اللغوي ، وكذلك الربا والزكاة .. الخ .
على هذا كل لفظة يشكل معناها في الكتاب والسنة ينظر في المواضع الأخرى لمعرفة مراد الشارع وبذلك يعرف اصطلاح الشارع في العبارات والألفاظ .
مثله الكفر في القرآن ، معناها الكفر الأكيد إلا في موضع واحد وردت كلمة كفر واختلف فيها المفسرون "يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار" .
لفظة الكفار لم ترد إلا في هذا الموضع ، في غيره أتى (كفروا ، كافرين ، كافرون ، يكفرون) معناه الكفر الأكبر فحملها على المعنى الشرعي ، الكفر الأكبر .. أما المعنوي اللغوي : تغطية المزارع للحبة في الأرض .
كذلك يقصد بها في السنة الأكبر خاصة إذا عرفت بالألف واللام ، فإذا قيل إن فلان كفر .. لا تقل أصغر أو أكبر ، إنما تدل على الأكبر إلا إذا دلت قرينة من الكتاب أو السنة أن هذا الكفر هو الأصغر وإلا يكون على أصله ومعهود الشرع .
في الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر} . الأصل أنه أكبر ما لم يأت بقرينة ، وهذا في السنة فقط ، في القرآن كلها كفر أكبر مخرج من الملة . الحديث السابق عنى به الكفر الأصغر بدليل قوله تعالى "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا .." فأثبتت الآية الاقتتال وأثبتت لكلا الطائفتين الإيمان ، فدلت على مقصود الحديث : الكفر الأصغر .
ألفاظ الشارع يفسر ويوضح بعضها بعضا ، وهذا هدي السلف فيجعلون كلام الله في موضع قاضيا على كلامه في موضع آخر ، كذلك في السنة . ولا يجعلون كلام غيرهما قاضيا عليهما .
فلا يخصص عموم القرآن أو السنة بقول عالم ، وكذلك بالنسبة لعامة الناس يجب حمل كلامهم على مرادهم ، وإلا يكون باغيا أو ظالما أو معتديا .
· تنبيه : ترد في عبارات بعض أهل العلم ألفاظا مشكلة ، تحتمل حقا وباطلا ويكون كلامهم في موضع آخر واضحا موافقا للحق بلا إشكال ولا غموض ولا خفاء ، فلا يجوز عند ذلك حمل كلامهم المشكل على الباطل ، ولا يجوز وصفه بالبدعة إن لفظه في موقع يحتمل البدعة ، ويفسر كلامه في الموضع المحتمل بكلامه في الموضع المبين ، وهذا ما يسمى عند أهل العلم : بالمجمل والمبين ، والمبهم والمفسر .
مثال ذلك : ما نسب إلى الإمام أحمد بن حنبل أن التوبة الجزئية لا تقبل ، حملها العلماء قالوا أن الإمام سئل عن رجل كان يزني فترك الزنا ولم يترك النظر إلى النساء ، فقال الإمام : أي توبة هذه ؟.
فلا يصح أن تكون قاعدة فقهية عند أحمد لأنه في مواضع آخرى كلامه واضح يبين أن العبد إن تاب من معصية تاب الله عليه ويبقى ذنبه الآخر حتى يتوب منه .
· رد المتشابه إلى المحكم : "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ..." وما وقع التشنيع على كثير ممن عرف سلامة منهجه إلا من المتصيدين للألفاظ المحتملة .
"وما يعلم تأويله إلا الله الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " بالوقف على لفظ الجلالة : أن العلماء يردون المتشابه إلى المحكم ، وبالوصل أن العلماء يعرفون تأويل الآيات .
الراسخون في العلم يتبين لهم الألفاظ المجملة والمتشابهة "لعلمه الذين يستنبطونه منهم" . فهم العلماء يستنبطون المعاني الخفية من الألفاظ الواضحة بقوة فهمهم .
· عند التنازع والاختلاف في أمر يتعلق بالحقوق فإن اللفظ هو المعتبر دون القصد ، في الصحيحين عن أم سلمة قالت : اختصم رجال عند باب النبي فخرج فقال : {إنما أنا بشر فلعل بعضكم أن يكون ألحن من بعض – أبلغ من بعض- فأظن أنه صدق فأقضي له ، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو يتركها } أو كما قال عليه الصلاة والسلام .فأخبر أن يحكم بين الخصوم بظواهر الألفاظ .
· تنبيه : اللازم في كلام البشر غير معتبر وفي خطاب الشارع معتبر ، والمقصود باللازم مفهوم الموافقة والمخالفة .
مفهوم الموافقة : إثبات حكم المنطوق به للمسكوت عنه لاتحادهما في العلة .
مثاله "ولا تقل لهما أُف" المنطوق : التلفظ ب (أُف) ، المسكوت عنه : الشتم والضرب .. فتثبت للمسكوت عنه حكم المنطوق من باب أولى ، لأن العلة واحدة وهي العقوق .
مفهوم المخالفة : إثبات نقيض حكم المنطوق به للمسكوت عنه .
مثاله : حديث أبي ذر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {وفي بضع أحدكم صدقة} . قالوا : أيأتي أحدنا شهوته ويؤجر! . قال : {أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر} . ومثله أيضا ما جاء في البخاري عن الصديق أن النبي قال {وفي صدقة الغنم سائمتها إذا كانت أربعين إلى مائة وعشرين شاة واحدة} سائمتها : السائمة هي التي ترعى بنفسها (منطوق به) ، وسكت عن المعلوفة ، فدل على أن المعلوفة لا زكاة فيها ، وهو مذهب الأئمة الأربعة وأهل العلم .
فاللازم في كلام عامة البشر ليس بمعتبر ، والفرق بين الشارع والبشر أن الشارع حكيم فيطلق الكلمة ويقصد مدلولاتها ويعلم لوازمها ، بينما عامة البشر علمهم قاصر ، وكذلك إدراكهم . فلا يلزم حين يتكلم بالكلمة أن يقصد لوازمها الآخرى بخلاف الشارع فإنه كلام محكم من لدن حكيم خبير ، فلا يجوز أن يتعامل مع عامة الناس وخاصة العلماء بلوازم كلامهم وألفاظهم .

- ذكر الخطيب البغدادي في كتابه شرف الحديث عن أبي داود الطيالسي قال : سمعت شعبة بن الحجاج يقول : (إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) . يلزم من هذا القول ترك طلب الحديث ولكنه لم يقله وإنما لازم كلامه دل على ذلك .. قال البغدادي : ( فلا يجوز أن يفهم من كلام شعبة التثبيط عن طلب الحديث ، وكيف يكون ذلك وقد بلغ قدره أن سمي أمير المؤمنين في الحديث ؟! ) فالخطيب استدل بحال شعبة أنه لا يقصد التثبيط ، ولكنه قصد والله أعلم أن لا ينشغله طلب العلم عن العمل به . قال أحمد بن حنبل : (لعل شعبة كان يصوم فيطلب الحديث فيضعف عن الصوم!) فحمل كلام شعبة على أحسن محمل وعلى اللائق به رحمه الله ، مع أن ظاهر العبادة باطل ولو قيلت من غير شعبة لقيل ضال مضل .
- ومثله ما فسره به سفيان الثوري "ألهاكم التكاثر" قال : هو المكاثرة في جمع طرق الحديث .. فقصد أن يهتم طالب العلم بالعمل وليس الطلب فقط وكذا إذا صح الحديث من طريق فلا يتعب في جمع طرق أخرى .
قال ابن القيم رحمه الله : ( والكلمة الواحدة يقولها اثنان ، يريد بها أحدهم أعظم الحق ، ويريد بها الآخر الباطل المحض ، والاعتبار بطريقة القائل ومسيرته ومذهبه ، وما يدعو إليه وما يناظر عليه) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (يجب أن يفسر كلام المتكلم بعضه ببعض ، ويؤخذ كلامه من ها هنا وها هنا) .
فمن أراد أن يفسر جملة مشبوهة عليه أن يقرأ كل كتب صاحب المقولة حتى يفهم مذهبه فإذا وجد أصوله منضبطة سليمة حمل كلامه المشكل أجمل محمل على المعنى الصحيح .
والناس في .... المحتملة ينقسمون إلى :
1. أهل الحق الذي عُرِفوا بطلب الحق وتقريره واستدلالاتهم مبنية على الكتاب والسنة وردهم على أهل البدع واضح جلي ، هؤلاء يحمل كلامهم المشكل أجمل محمل .. قال شيخ الإسلام في الفتاوى (واللفظ المشكل إذا صدر ممن علم إيمانه فلا يحمل على الكفر بلا قرينة ولا دلالة ، فكيف إذا كانت القرينة تصرف كلامه على المعنى الصحيح ؟! ) . وقال السبكي (إذا كان الرجل ثقة مشهود له بالإيمان ، فلا ينبغي أن يحمل كلامه وألفاظ كتابته على غير ما يتوقع منه ومن أمثاله) .
وأحيانا يفسر كلام العالم بكلام تلاميذه فهم أعرف بشيخهم من غيرهم .
مثاله قال الإمام مالك (إذا سلم على النبي ودعا يقف مستقبل القبر لا مستقبل القبلة ويدلف ويسلم ولا يمس القبر) .
قال أبو الوليد الباجي تلميذ مالك (يدعو للنبي بلفظ الصلاة ولأبي بكر بلفظ السلام)
دل هذا أن قول مالك (دعا) يعني الصلاة على النبي ولا يقصد الدعاء المطلق ولهذا يستقبل القبر فإن الميت يسمع السلام وليس هذا خاص بالنبي ، ويردون ولا يسمع ردهم .
2. من عرف بالزيغ والضلال ، وتنكب الصراط المستقيم و الانحراف عن الكتاب والسنة والابتداع ، فهذا لا يحمل كلامه على معنى خير .
والألفاظ تنقسم إلى :
1) واضح الدلالة : وهو ما يفهم معناه بنفس صيغته كقول النبي عن البحر {الطهور ماؤه} .
2) غير واضح الدلالة : وهو أنواع منها :
أ‌- المشترك : الذي يحتمل أكثر من معنى كلفظة (العين) عين الحرف ، عين الإبصار ، عين الماء .
ب‌- المشكل والمجمل : وهو الذي يحتمل حقا وباطلا ، هدى وضلالا ، ويحمل على مذهب القائل في أقواله الواضحة في مواضع أخرى في نفس المسألة .  



القواعد الفقهيـة ، الشيخ عمر عبد الله
مسجد الشجرة – 1428 هـ (مذكرة الطالبة أم أسامة)

-





.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..