الصفحات

الأربعاء، 3 أبريل 2019

انتخابات غرفة جدة والانتماءات القبلية

    تابع كثير من المهتمين انتخابات مجلس إدارة الغرفة التجارية بجدة للدورة 22، وكان الطابع العام لها التنافس الشريف بين المرشحين، والاحتياطات الدقيقة من قبل المنظمين لضمان التنافس الشريف وليكون المعيار الوحيد لاختيار المرشحين هو اختيار الناخبين لهم.
ومن طبيعة كثير من البشر عدم تقبل الخسارة بسهولة، فيتأثر نفسياً وتنقبض نفسه أياماً، والعاقل يراجع التجربة التي مر بها ويبحث عن أخطائه ليصلحها، ويبحث عن مميزات منافسيه ليستفيد منها.
ولكن هناك فئة من الناس لا تتقبل الخسارة نهائياً، وتحاول إلقاء اللوم وتبعات الخسارة على أي أحد لاقناع نفسها بأنهم الأنسب لهذا المكان لولا تآمر الناس عليهم، وإلى هذا الحد تبقى مشكلة نفسية شخصية ندعو الله أن يعافيهم منها.
ولكن قد تخرج هذه المشكلة من كونها مشكلة شخصية تتمنى لصاحبها الشفاء منها، وتصبح مشكلة عامة يجب الكلام عنها، والمطالبة بمعاقبة أصحابها أو كفهم عن الكلام على أقل تقدير.
ومن هذا المنطلق أتحدث عن الاتهامات التي أطلقها بعض الناس على أبناء القبائل المشاركين في الانتخابات وأنهم أفسدوا الانتخابات بالانتماءات القبلية**، بل وصل الحال ببعضهم إلى تمني عودة الغرف التجارية إلى التعيين بدلاً من الانتخابات، حتى يتسنى له الوصول بالواسطات إلى المكان الذي عجز عن الوصول إليه بالانتخابات.
فأقول بأن اعطاء الصوت في الانتخابات يقوم على عاملين: الكفاءة والثقة.
فأما الأول وهو الكفاءة فهذا متوفر وظاهر في جميع الفائزين بالانتخابات، ولولا كفاءتهم لما صوت لهم أحد، وجميعهم يشهد لهم السوق بذلك، وعلى سبيل المثال لنستعرض بعض المعلومات عن بعض الفائزين في الانتخابات:
أما عبدالله معيلي السهلي فهو التاجر والمطور العقاري المعروف، ولعل من أشهر إنجازاته هو المدينة الذكية بشمال جدة -المشهورة بصناعية عسفان-.
وأما فايز عبدالله عليثه الصاعدي الحربي فهو التاجر ابن التاجر، والحاصل على ماجستير إدارة الأعمال،  وهو المدير التنفيذي لشركة الحربي القابضة، والمدير العام لشركة مصنع السعودية للرخام والجرانيت، وقد تم تصنيفه من قبل (فوربس الشرق الأوسط) من ضمن رواد الأعمال الأكثر إبداعاً في السعودية.
وأما ماجد بن سالم بن هندي الصاعدي الحربي فهو رجل الأعمال، وأخو التاجر المشهور المهندس سليم بن هندي، وهم أصحاب شركة منار العمران للمقاولات، وشركة منار العصرية لتأجير السيارات.
وأما خلف بن هوصان العتيبي فقد ترأس (الاتحاد العالمي للصناعة والتجارة والاقتصاد في الشرق الأوسط) وهو رئيس مجلس إدارة شركات عديدة منها "مجموعة مملكة التنمية الصناعية التجارية".
وأما عمر رابح السلمي فهو مستشار اداري ومستشار مالي ويحمل شهادتي ماجستير: الأولى في إدارة الأعمال والثانية في نظم المعلومات، كما أنه مؤسس لعدد من الشركات وعضو مجلس إدارة في شركات أخرى.
وأكتفي بذكر هؤلاء مع الإشارة إلى أن عدم ذكري للفائزين الأخرين لا ينقص من قدرهم، بل قد أثبتوا جدارتهم بأنفسهم بالفوز في الانتخابات.
وينبغي هنا التنبه إلى أمر مهم، وهو أن المصوتين في الانتخابات هم أصحاب شركات ومؤسسات، بمعنى أنهم هم أصحاب السوق والأعلم بأهل الكفاءة، ولك أن تتصور أن أقل فائز في فئة الصناع قد صوتت لهم أكثر من 900 شركة ومؤسسة، وأقل فائز في فئة التجار قد صوتت له أكثر من 600 شركة ومؤسسة.
ولننتقل إلى العامل الثاني من عوامل الانتخاب، وهو عامل الثقة، وقبل أن أتحدث عن الفائزين، أود أن أتساءل: من العاقل الذي سيثق في من يطعن في أصحاب الكفاءات التي ذكرتها سابقاً ويصورهم لك أنهم قادمون من الصحاري لا يفقهون شيئاً، وأن مؤهلهم الوحيد هو الانتماءات القبلية؟!
ثم لننتقل إلى الكلام عن الفائزين، فكلهم قد حازوا الصدارة والثقة في المجتمعات التي يعيشون فيها، وهم لم يشتهروا في المجتمع من فراغ، بل جميعهم لهم أدوار جليلة ومبادرات نالوا بها على ثقة قبائلهم وغير قبائلهم.
إذاً فهم قد حصلوا على الثقة بأفعالهم وسيرتهم بين الناس، وهم لم يشتهروا في قبائلهم إلا لكونهم أصحاب مواقف جعلت الناس تثق فيهم وتقف خلفهم، ولنذكر بعض المساهمات التي حازوا بها على ثقة الناس:
أما عبدالله السهلي فله مساهمات كثيرة ومواقف جليلة، ولعل أشهرها مبادرة (وثيقة حرب) وهذه الوثيقة قد حدت من تجارة الديات، وقفلت الباب على المتلاعبين بعواطف الناس للحصول على مبالغ فلكية مقابل عتق رقبة شخص واحد، كما أن هذه الوثيقة قد منعت المساهمة في جمع الدية لمن كانت قضيته متعلقة بالأعراض أو المخدرات، وقد تكفل السهلي بدعوة جميع مشايخ قبيلة حرب من المملكة والكويت، وقد فرغ لهم فندقاً كاملاً ليسكنوا فيه، كما فرغ قاعة الأفراح التي يمتلك شطراً منها لمدة ثلاثة أيام من الصباح إلى الليل حتى يخرجوا بهذه الوثيقة، وكل ذلك تم بإذن من الجهات المختصة.
وأما ماجد بن سالم بن هندي فقد ساهم هو وأخوه المهندس سليم في اخراج كثير من الشباب من العطالة، حيث دعموا كثير من أبناء القبيلة بأموالهم للابتعاث والحصول على اللغة والقبول في الجامعات ثم الانتقال إلى برنامج الملك عبدالله للابتعاث، وقد اتسعت هذه المساهمة حتى امتدت إلى خارج القبيلة.
وأما فايز عبدالله عليثه فهو عضو مجلس إدارة جمعية المودة للتنمية الأسرية، وعضو مجلس إدارة لجنة تراحم لرعاية السجناء بجدة. كما أن والده عبدالله عليثه له الفضل بعد الله في دعم كثير من صغار المقاولين والتجار حتى استقرت أعمالهم.
وأما خلف هوصان العتيبي فهو نائب رئيس مجلس إدارة جمعية البر بجدة.
وأما عمر رابح السلمي فهو عضو مجلس إدارة جمعية البر بالغريف.
فما الذي يمنع من أن يجتمع أبناء القبيلة على ترشيح من يثقون به من بينهم لرعاية مصالح المجتمع التجارية؟
ولا يعني ذلك الانتقاص من الآخرين، إنما يعني أننا نثق في هؤلاء ونثق في كفاءتهم، ولا يعقل أن يصوت المنتخب لمن لا يعرفه إلا بناءً على اعلانه الانتخابي فقط!!
ثم عندما كانت الغرفة التجارية بالتعيين لم يكن هناك ذلك الحضور لأبناء القبائل، فهل كان السبب هو انعدام الكفاءات؟ لا يمكن ذلك، وقد بينت سابقاً شيئاً يسيراً عن بعض الكفاءات.
إذاً هل السبب هو العنصرية؟ لو فكرت بنفس تفكير أصحاب الاتهامات الجائرة لقلت: نعم.
ولكن السبب الأقرب في تصوري هو الثقة، والثقة تبنى على المعرفة، ومن الطبيعي أن يتم التعيين بناءً على من أثق بهم من الكفاءات، فإن كنت لا أعرف إلا تجاراً من غير القبائل، فمن الطبيعي أن أرشحهم للتعيين.
ولذلك عندما تحولت الغرفة التجارية إلى الانتخابات ظهرت وجوه جديدة فيها، ولعل الانتخابات المبنية على آلاف الأصوات أجدر بالثقة والحياد من التعيين المبني على المعرفة الشخصية.
والسلام خير ختام..


——————————-
** تجدر الإشارة إلى العنصرية المقيتة، والتي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالجاهلية، هي الانتقاص من الآخرين استناداً إلى أنسابهم وأعراقهم، وهو ما فعله أصحاب هذه الاتهامات لأبناء القبائل.
ولكن استثمار هذه الروابط القبلية بالشكل الصحيح محمود، وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده.
وأما مقالي هذا فهو في الدفاع عنهم والرد على الظلم الواقع عليهم. فلا يأتي بعض الجلادين ويتقمصوا ثياب الضحية فيتهموا هذا المقال بالحث على العنصرية، بل هو لقمع العنصرية، وذلك بالدفاع عن ظلموا بالعنصرية، ولاشك بأنه إن لم يتولى العقلاء دفع الظلم، فإنه سيتصدى له من يقابل سفاهة العنصريين بعنصرية أخرى.

إبراهيم العوفي
||
الأحد 24 رجب 1440هـ


المصدر

-

.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..