الصفحات

الجمعة، 31 يناير 2020

هل كان الطنطاوي إخوانيا أم مفترى عليه ؟!

         بضعة أشهر طويت، لكن الأثر الذي خلفته مقالة المفكر العربي رشيد خيون في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية في 27 أغسطس 2019 وحملت عنوان
«عدن.. الأبعد عن مكائد الإخوان» لم يطوَ.

ولعل الاستنفار والاحتشاد اللذين أعقبا المقالة، واضطرا خيون لكتابة مقالة تالية في 28 نوفمبر 2019 في «الاتحاد» تحت عنوان «طنطاوي لم يخف علاقته بنواب صفوي»، يؤكدان ذاك الأثر المدوي لما طرحه خيون، وأكد فيه أن الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله كان إخوانياً، وهو ما لم يرق لكثيرين، ممن امتشقوا سيوف الانتقاد، ساعين لتكذيبه، والطعن في مصادره.

وحين انبرى الدكتور حمزة المزيني بجملة من التغريدات في 30 أغسطس 2019 قال في أهمها «معلومة صادمة يوردها د. رشيد خيون عن ماضي الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله-، الذي كان يخطط مع مجموعة من الإخوان لاقتحام سجن إيراني لتهريب الناشط الإيراني نَوّاب صفوي منه مع أن صفوي المتعصب هذا قَتل أبشعَ قتلة شيخا تحوَّل من المذهب الشيعي إلى المذهب السني».. ثم أضاف في أخرى «يكاد يكون د. رشيد الخيون الكاتب الصحفي العربي الوحيد الذي لا يلقي الكلام على عواهنه. فهو يوثق كل معلومة يوردها بذكر مصدرها. لا أبالغ إن قلت إن مقالاته أوراق علمية تصلح للنشر في الدوريات الأكاديمية»، حين فعل ذلك جدد الجدل، وأشعل النقاش الذي لم ينطفئ أصلاً.

«الوطن» تواصلت مع خيون والمزيني لسبر أعماق القضية، لكنها فضلت التعريج استهلالياً على أبرز ما جاء في مقالة خيون التي أكدت تمسكه بما ذكره بحق الشيخ الطنطاوي واستناده إلى مصادر يراها معنية وتستحق الاتكاء عليها فيما أورده.

أدلة

في مقالته «طنطاوي لم يخف علاقته بنواب صفوي» قال خيون «استنفر البعض، لمقال كتبته على صفحات «الاتحاد»، تحت عنوان «عدن.. الأبعد عن مكائد الإخوان»(27/8/2019)، والاستنفار جاء لذكر الشَّيخ علي طنطاوي (ت1999)، بأنه أحد «الإخوان»، الذين توافدوا لإطلاق سراح «نَواب صفوي» الذي أعدم عام 1955، وهو قائد تنظيم «فدائيان إسلام»، بعد الحُكم على صفوي بالإعدام، بسبب الاغتيالات التي مارسها بإيران. كذلك هناك مَن تحدى أن يكون طنطاوي إخوانياً، وأنه ذهب إلى بغداد للغرض المذكور مع قياديين مِن الإخوان، على اعتبار أن صفوي كان قاتلاً ومتطرفاً، فقد اغتال تنظيمه أحمد كسروي (اغتيل 1945)، الشخصية الوطنية الإيرانيَّة، والذي كانت له مؤلفات ضد رجال الدِّين.

كان الشَّيخ معن العجلي، قد نشر قصة الخلية «الإخوانية»، وهو أحد أعضائها، في كتابه «الفِكر الصَّحيح في الكلام الصَّريح»، ذكر فيها «العجلي» اسم طنطاوي بأنه أحد «الإخوان»، الذين وصلوا بغداد للعمل على محاولة تخفيف الحكم على «صفوي»، أو تهريبه من السجن، ذكرنا ذلك مفصلاً في (كتاب المسبار الشهري، خلية الإخوان المسلمين لإنقاذ نواب صفوي مِن الإعدام).

لسنا ضد تقدير الشيخ طنطاوي، ولكن لا يجب أن يكون إلى حدّ التقديس، وكأن مريديه يريدونه مثلما استمعوا إلى أحاديثه الوعظية الناعمة، أو ما لمسوه منه مِن طبع ينظرون إليه كأحد الملائكة! غير أن طنطاوي كتب سيرته بيده، نُشرت في ثمانية مجلدات، ولم يخف إخوانيته».

وتابع «نأتي إلى ما استفز مريدي طنطاوي، واعتبروه تلفيقاً منا عليه، وأساؤوا للباحث والأكاديمي الصديق حمزة المزيني، لأنه سند وجهة نظرنا، لكنّهم لم يعلموا أن الكتابة عن هذا الموضوع جزء مِن التَّاريخ، ولا يعني دراسته وكتابته لغرض القدح! غير أن مِن عوائد العقائديين يتقدم التَّقديس للأشخاص، ولا يسمح بغير ما اعتقدوا به، لذا مِن الصَّعب مناقشة عقائدي متشدد».

وأكمل: كان علي طنطاوي، شأن بقية الشَّخصيات «الإخوانيَّة»، على صلة متينة بصفوي، فعلى الرَّغم مِن تردده في بداية العلاقة معه بسبب تطرفه المذهبي، إلا أنها توثقت فيما بعد، فنراه يقول: «وأقول لكم إنني أحببته، لمِا لمستُ فيه مِن كريم الصِّفات»(نفسه).

خيون: مريديو الشيخ تعاملوا معه بتقديس ملائكي

مصداقية المعلومات

الوطن:

ـ «الشيخ علي الطنطاوي كان يخطط مع مجموعة من الإخوان لاقتحام سجن إيراني لتهريب الناشط نوّاب الصفدي».. من أين استقيت هذه المعلومات التي أثارت جدلاً كبيراً، وعارضها كثر مؤكدين عدم مصداقيتها؟

«خيون»:

ـ كان الشيخ علي الطنطاوي أحد الذين حضروا إلى بغداد، ضمن وفد من الإخوان المسلمين، من سورية والأردن ومصر والجزائر، لإنقاذ نواب صفوي، المحكوم بالإعدام بسبب الاغتيالات التي قام بها تنظيمه «فدائيان إسلام»، ويكون هذا الإنقاذ بطريقين، طريق التوسط بالحكومة العراقية والمرجعية الدينية الشيعية بالنجف، إلى جانب العمل على تهريبه من السجن، عن طريق التنسيق مع الحراس، وبواسطة شخصيات شيعية، وقد سعت تلك الخلية التي استضافتها جماعة الإخوان المسلمين بالعراق، ومنظمها محمد محمود الصواف مراقب الإخوان العراقيين، لكن على ما يبدو أن السلطات بإيران أخذت خبراً فعجلت بإعدامه، وكان نواب في حكم ما مارسه قائد لتنظيم عنيف.

أما من أين استقيت المعلومات، فقد نشر المعلومات أحد أفراد تلك الخلية وهو الإخواني العراقي الشيخ معن شناع العجلي، في كتابه «الفكر الصحيح في الكلام الصريح»، وجاء فيه: «لقد علمتُ من الأخ المرحوم كامل الشريف أنه كان على رابط مع أحد السجانين للمساعدة في مغامرة الاختطاف، ومن أجل التداول في إنجاز هذه المهمة العسيرة التقى في جمعية الأخوة الإسلامية ببغداد زمرة فعالة من قادة الإخوان المسلمين جمعهم الشيخ محمد محمود الصواف يؤامرون بإنقاذ نواب صفوي بأخطر ما يمكن من ركوب الأهوال والمخاطر، فأقروا بينهم خطة الجسارة والإقدام المرسومة من قبل كامل الشريف الجدير المحنك لمراس هذه المعاضل».

ونقرأ في كتاب الشيخ معن العجلي «الفكر الصحيح في الكلام الصريح» (طبعة خاصة 2012)، كيف تنادى «الإخوان المسلمون»، من مختلف الفروع، لإنقاذ صفوي بالتخطيط لاختطافه من معتقله، ولهذا الغرض حضر إلى بغداد الناشط الإخواني كامل الشريف (ت 2008) والشيخ علي طنطاوي (ت 1999) مع جماعة من «فدائيي الإخوان المسلمين».

كذلك ورد في مذكرات الشيخ علي طنطاوي: «انتدبوني أنا والأستاذ كامل الشَّريف (إخواني أردني)، لَما حُكم على أخينا نواب صفوي بالقتل، أن نذهب إلى طهران فنسعى للعفو عنه أو للرفق به، لما بلغنا بغداد منعونا مِن دخول إيران، وكأنهم كرهوا أن نذهب إلى النَّجف فنجتمع بعلمائها، لنتعاون معهم على ما جئنا نسعى به إليه، فقَدمت جماعة كبيرة مِن علماء الشِّيعة إلى بغداد، واجتمعنا في مسجد الكاظميَّة، فقلتُ لهم: إن نَواب صفوي أنتم أولى به، وأن قضيته قضيتكم، وأنه وإن لم يكن بعيداً منا، أقرب إليكم»هذا جاء في كتاب طنطاوي (ذكريات 5 ص 149).

مستندات

الوطن:

ـ هل يمكن أن تزودنا باقتباسات أو صور من الصفحات التي استندت إليها في الكتب التي استقيت منها تلك المعلومة؟

«خيون»:

ـ لم يخف طنطاوي إخوانيته، فعندما وصل إلى بغداد (1936)، تأسف أنه لا يوجد أثر للإخوان هناك، يقصد تنظيم إخواني، معتبراً حسن البنا (اغتيل1949) مجدد الدين، وأورد الحديث: «إذا كان الله يبعث لهذه الأُمة كل مئة سنة مَن يُجدد لها دينها، فإن الشَّيخ حسن البنا هو مجدد هذا القرن» (طنطاوي، ذكريات 4 ص14) .

يُضاف إلى وجوده في هذه المهمة مع الإخوان المسلمين، وهي إنقاذ نواب صفوي، الذي كان قريباً إلى الإخوان.

الوطن:

ـ هل يمكن القول استنادا إلى ما توصلت إليه من معلومات أن الشيخ الطنطاوي كان إخوانياً، وهل كان كذلك على مستوى التوافق الفكري أم على مستوى التنظيم والانتساب للجماعة؟

«خيون»:

ـ كتاب ذكريات، بغالبه ينطق بإخوانيته ويُعبر عنها.

المذهبية لا تمنع

الوطن:

ـ كيف يمكن تصور أن يكون هناك تعاون إخواني ـ مع كل ما يمثله الإخوان من رغبة في التزعم السني ـ، مع صفوي وهو متشدد شيعي؟

«خيون»:

ـ يلتقي الإسلام السياسي في نواح كثيرة، بغض النظر عن اختلاف المذهب، فمثلاً حزب الدعوة كان لديه تعاون مع الإخوان المسلمين، ودخل حزب التحرير عدد من نشطاء الشيعة السياسيين، فالمذهب لم يكن مانعاً من التعاون بين الإسلاميين، والنتيجة أن الحاكمية واحدة، الإلهية عند الإخوان ولاية الفقيه عند الشيعة، وهي نيابة الإمامة، وبالتالي نيابة الله.

كذلك أن تأييد الإخوان المسلمين للخميني، وكانوا من الوفود الأولى المباركة، وكتبوا مراثي في وفاته، وهذا أمر معلوم للمطلعين جميعاً، يغلب على الظن أن كتاب «إيران والإخوان المسلمون» للباحث عباس خامه أتى بأدلة كثيرة على تلك العلاقة.

التقاء

الوطن:

ـ أين يلتقي الإخوان مع الشيعة فيما يتعلق بالمصالح، مع اختلافهم المذهبي الحاد ظاهريا؟

«خيون»:

- إن المصلحة الأولى بين الإسلام السياسي الشيعي والسني هي تقاسم العالم الإسلامي سياسياً، حسب المذهب، وأسلمة المجتمعات، فالثورة الإيرانية الإسلامية أنعش نجاحها الصحوة الدينية، والتي أساسها الإخوان المسلمون وبقية التنظيمات التي انسلخت عن هذه الجماعة، ربَّما سيختلفون بعد هذا التقاسم على أساس المذهب، ولكن عادة يظهر الانسجام خلال العمل السياسي السابق للسلطة.

المزيني: المنافحون لم يستندوا إلى أدلة والمذكرات تدحض إنكارهم

دفاع بلا أدلة

شدد الدكتور حمزة المزيني على أنه ليس لديه شيء غير ما ذكره الدكتور خيون حول الشيخ علي الطنطاوي، لكنه مع ذلك تجاوب مع السؤال الذي طرحناه.

الوطن:

ـ برأيك، أولئك الذين انبروا لتكذيب مقولة خيون، هل استندوا في دفاعهم على وثائق ومعطيات تدحض قوله، وما هي قوة هذه الوثائق والمعطيات، أم أنهم فقط انحازوا للجانب العاطفي ورفضوا الإقرار بأن يكون للطنطاوي علاقة بهذا المستوى مع الإخوان؟

«المزيني»:

ـ المدافعون عن الشيخ علي الطنطاوي لم يستندوا إلى أي دليل، وما استدلوا به ليس صحيحا، فقد زعموا أنه لم يكن في العراق في وقت الحادثة. وأنكروا وقوعها أصلا.

لكن الشيخ الطنطاوي -رحمه الله- ذكر تلك الحادثة بالتفصيل في مذكراته بما يتوافق مع ما ذكره د. خيون.

معارضون

احتدم النقاش في تويتر بين الدكتور المزيني ومدافعون عن الشيخ الطنطاوي، وقال من رمز لنفسه بـ«إنساني»

«المشكلة ليست في الخيون الباحث في المسبار لكنها في مفهوم (الانتقائية) فالقصة صحيحة في نظرك لأنها وردت في كتاب العجلي فقط، لكن على ماذا اعتمد العجلي في نقلها، وهل يكفي أن نجد كاتبا يقول إن المزيني شارك في حرب أفغانستان مثلا لكي يصبح ما قاله حجة معتمدة وموثوقة، أين هي العلمية هنا؟».

وقال فهد العبدالعزيز العوهلي في تغريدة أخرى «هنا يا دكتور سيرة علي الطنطاوي -رحمه الله- بيد سبطه، والتي تؤكد مغادرته العراق عام 1939 ولم يعد لها، وانشغاله بالتدريس في سورية، فهل حضر لبغداد لتأدية مهمة الخطف ؟!».

أما مفرح الكبيشي، فقال في تغريدة «سيلقاك الشيخ علي بهذه التهمة أمام الله!».

وقال من رمز لنفسه بـ«القارئ» «أقول للمدافعين عن الطنطاوي -رحمه الله- رغم محبتي له وكرهي للإخوان: أقول ما يمكن أن يقال عن الطنطاوي أنه كان منضويا تحت لواء الإخوان في فترة من فترات حياته».

- 27 أغسطس 2019: خيون يكتب مقالة «عدن.. الأبعد عن مكائد الإخوان»

- 30 أغسطس 2019: المزيني يتحدث عن معلومة خيون ويصفه بالموثق لمعلوماته

- 28 نوفمبر 2019: خيون يرد على منتقديه بمقالة «طنطاوي لم يخف علاقته بنواب صفوي»

وثائق استند إليها خيون

- كتاب ذكريات للشيخ علي الطنطاوي
- الصفحة 14 من الجزء الرابع
- صادر عن دار المنارة السعودية ـ طبعة أولى 1986
- الصفحة 149 من الجزء الخامس
- صادر عن دار المنارة السعودية ـ طبعة أولى 1987
- كتاب «الفكر الصحيح في الكلام الصريح» معن شناع العجلي
- الصفحات: 337 - 339 - 340 - 341 - 342 - 343


 الجمعة 31 يناير 2020
المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..