الصفحات

الأحد، 19 أبريل 2020

تعليق الشيخ محمد الكثيري على حديث "إذا طلع النجم رفعت العاهة عن أهل كل بلد

 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد. 
فبشأن الكلام على حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "إذا طلع النجم رفعت العاهة عن
أهل كل بلد".
وما فيه من الدعوة للتفاؤل بارتفاع المرض في الوقت المذكور وانحصاره، 
أقول: إن الحديث المذكور لا يصح، وسأعرض الكلام عليه من جانبين:
*الجانب الأول: التنبيه على أمور تتعلق بمعناه. 
*الجانب الثاني: الكلام على تخريجه وبيان حال سنده ودرجته.

 *أما الجانب الأول: التنبيه على أمور تتعلق بمعناه.*
في هذا الجانب أنبه على أربعة أمور:
 *الأمر الأول* : أن المقصود هنا بيان ضعف الحديث وعدم صحة نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود نفي التفاؤل مطلقا بزوال هذا البلاء في الوقت المذكور .

 *الأمر الثاني* : التنبيه على خطأ مَن ظن أن في الحديث دلالة على أن للنجم المذكور أي أثر في رفع البلاء، فليس المراد بالحديث هذا المعنى، وإنما المراد أن ارتفاع العاهة عن الثمار هذا الوقت كونها قد ابتدأ نضجها واشتدت فأصبحت تتغلب على العاهة ويضعف تأثير العاهة فيها. 

وهذا الوقت يقع في أول فصل الصيف، وذلك عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز وابتداء نضج ثمار النخل، وهو المعتبر في الحقيقة، وطلوع النجم وقت وعلامة يصادفها، وليس لطلوع الثريا صباحا أي أثر في ذلك إنما وافق اشتدادها ذلك الوقت بحسب العادة السابقة. 

 *الأمر الثالث* : أنه يمكن تقرير التفاؤل برفع هذا الوباء بطريقة أخرى . 
وذلك بأن يقال: إنه قد علم أهل الاختصاص أن الثمار في هذا الوقت تزول عنها العاهة. 
كما جاء في مسند أحمد بسند صحيح عن ابن عمر موقوفا عليه، فعن عثمان بن عبد الله بن سراقة قال: سألت ابن عمر عن بيع الثمار؟ فقال: « *نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة* ».
قلت: ومتى ذاك؟ قال: حتى تطلع الثريا.

 *فيقال* : إذا كان زوال العاهة عن الثمار هذا الوقت كونها قد ابتدأ نضجها واشتدت فأصبحت تتغلب على العاهة ويضعف تأثيرها عليها، *فزوال العاهة عن الإنسان في هذا الوقت من باب أولى* كون الإنسان حاله في هذا الوقت تقوى وتتغلب على الأوبئة فيه؛ لثبات الجو وعدم تقلبه، بخلاف ما يحصل بين الفصول، فإن الإنسان عرضة للأمراض عند تقلب الفصول وانتقالها، وأما عند ثبات الفصول واستقرارها فحال الإنسان تكون أقوى في مقاومة  الأوبئة، ولذا تقل الأمراض في الناس عند استقرار الفصول، والله أعلم.

 *وأعظم في الفأل عندنا مما ذكر قدوم الشهر المبارك،* وذلك أنه شهر الكرامات والمنح من المولى عز وجل، فالمرجو منه سبحانه أن يمنح عباده الشفاء ويعمهم به، وأيضا هو شهر القرآن، وفيه نزل، والقرآن شفاء، كما قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} وقال تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء}. 
فمن الفأل الحسن نزول الشفاء فيه كما نزل القرآن - الذي هو شفاء - فيه . والله أعلم.

*الأمر الرابع*: الفأل إحسانُ ظنٍّ بالله، ورجاءُ الله وحده أن يغير الحال ويرفع الوباء في الوقت المذكور، وفرق بين هذا وبين *أن يعتمد على الوقت في تغير الحال سواء جعله مؤثرا أو مجرد سبب*، يوضحه:
أن المتفائل متوكل على الله، معلق الأمر على ما قضى وقدر، فلا أثر لذلك الوقت في إقدامه أو إحجامه، فهو عنده كالبشارة التي تفرحه، وأما المعتمد فيعلق الأمر على الوقت، فتجده يحجم عما يريد عمله حتى مجيء ذلك الوقت، فإذا جاء كان منه الإقدام، فهذا مُخِلٌّ بالتوكل على الله، قد جعل للوقت أثرًا في تخفيف الوباء أو رفعه، *وهذا حكمه حكم الطيرة*، فإن اعتقد بتأثيره بذاته فهو شرك أكبر، وإن اعتقد أنه مجرد سبب فهو شرك أصغر؛ *كونه جعل ما ليس بسبب سببا*.



 *الجانب الثاني: تخريج الحديث ودراسة إسناده:
حديث: "إذا طلع النجم رفعت العاهة عن أهل كل بلد".
أخرجه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (٦ / ٥٣ برقم ٢٢٨٢) من طريق محمد بن الحسن الشيباني، قال: أخبرنا أبو حنيفة، قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة مرفوعاً، باللفظ المذكور.

وقد تابع محمد بن الحسن، داود الطائي. 
أخرجه الطبراني في المعجم الصغير ( ١ / ٨١ برقم ١٠٤ )، ولفظه: "إذا ارتفع النجم رفعت العاهة عن كل بلد". 
وأخرجه - أيضا - أبو نعيم في تاريخ أصبهان ( ١ / ١٢١ )، ولفظه: "إذا ارتفعت النجوم رفعت العاهة عن كل بلد".

فمدار هذا السند على أبي حنيفة، عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا.

وأبو حنيفة إمام كبير في الفقه، لكن جمهور أئمة الجرح والتعديل على ضعفه لأخطاء وقعت له فيما رواه من حديث، ومن هؤلاء الأئمة الذين ذهبوا إلى ضعفه: علي بن المديني و البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم، ولذا لما لخص الحافظ ابن حجر في كتابه (تقريب التهذيب) الأقوال فيه، قال : فقيهٌ مشهور .(ص ٥٦٣ ت ٧١٥٣) ولم يبين حاله في الرواية، والله أعلم.
فالحديث ضعيف لهذه العلة، والله أعلم. 

لكن تابع أبا حنيفة عِسْلُ بن سفيان.
فرواه عن عطاء، عن أبي هريرة، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا طلع النجم ذا صباح، رفعت العاهة". 

أخرجه أحمد في المسند ( ١٤ / ١٩٢ برقم ٨٤٩٥ )

وأخرجه - أيضا - في موضع آخر بنفس السند ( ١٥ / ١٦ برقم ٩٠٣٩ )
ولفظه: "ما طلع النجم صباحا قط وتقوم عاهة إلا رفعت عنهم أو خفّت".

وأخرجه - أيضا - مسدد (٤/ ٣٢٦ - إتحاف الخيرة للبوصيري)، ولفظه: "ما طلع النجم قط وفي الأرض من العاهة شيء إلا رفع".

وأخرجه - أيضا - أبوبكر بن أبي شيبة - (كما في إتحاف الخيرة للبوصيري)، ولفظه: "ما طلع النجم صباحا قط وبقوم عاهة إلا رفعت عنهم أو خفت". 

وأخرجه- أيضا - العقيلي في الضعفاء الكبير ( ٣ / ٤٢٦ ت ١٤٦٧ )، ولفظه مثل الذي قبله إلا أنه قال: "وبقوم عاهة".

و أخرجه - أيضا - الطحاوي في مشكل الآثار ( ٦ / ٥٦ برقم ٢٢٨٦ )، ولفظه: "ما طلع النجم صباحا قط وتقوم عاهة إلا رفعت عنهم أو خفّت".

و أخرجه - أيضا - في موضع آخر برقم ( ٢٢٨٧ )، ولفظه: "إذا طلعت الثريا صباحاً رفعت العاهة عن أهل البلد".

وأخرجه - أيضا - البزار ( ٢ / ٩٧ برقم ١٢٩٢ - كشف الأستار)، ولفظه: "ما طلع النجم قط وفي الأرض من العاهة شيء إلا ورفع".

جميعهم من طرق عن عسل، عن عطاء، عن أبي هريرة مرفوعا.

قال البزار : "وهذا الحديث قد رواه عن عسل جماعة منهم حماد بن سلمة وعبدالعزيز بن المختار عن عسل بن سفيان ".

 *قلتُ* : عسل اتفقوا على ضعفه، قال البخاري: عنده مناكير . 
وقال ابن حبان: كان قليل الحديث كثير التفرد عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات على قلة روايته، ولا يتهيأ الاحتجاج بانفراد مَن لم يسلك سَنَنَ العدول في الروايات على قلة روايته، وهو ممن أستخير الله فيه. المجروحين ( ٢ / ١٩٥ ).

فتحصل شدة ضعف هذا السند؛ لثلاثة أمور :

 *الأول* : ضعف عسل .
قال الهيثمي : رواه أحمد والبزار والطبراني في الصغير، وفي عسل بن سفيان، وثقه ابن حبان، وقال : يخطئ ويخالف. وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد(١٠٣/٤). 

وقال البوصيري : مدار أسانيد حديث أبي هريرة على عسل بن سفيان، وهو ضعيف. إتحاف الخيره المهرة بزوائد المسانيد العشرة (٣٢٧/٤).

 *الثاني* : أنه قد تكلم في حديثه عن عطاء خاصة.
قال العقيلي: عسل عن عطاء في حديثه وهم، حدثني آدم، قال: سمعت البخاري، قال: عسل بن سفيان اليربوعي، عن عطاء فيه نظر. الضعفاء الكبير ( ٣ / ٤٢٦ ).

 *قلتُ* : وقول البخاري (فيه نظر) من التضعيف الشديد.

 *الأمر الثالث*: أنه قد اختلف عليه في رفع الحديث و وقفه، وقد ذكر هذا العقيلي، فبعد أن أخرج الحديث في ترجمته، قال : حدثنا علي بن عبدالعزيز ، حدثنا علي بن أسد ، حدثنا عبدالعزيز ابن المختار ، عن عسل ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، قال : ما طلع النجم . لم يرفعه . أ.هـ .
مما يدل على عدم ضبطه لهذا الحديث خاصة، ولذا عده العقيلي في منكراته، والله أعلم. 

*فالحديث من هذه الطريق شديد الضعف بل منكر،* وبه يعلم أن تقويته بمتابعة أبي حنيفة خطأ ظاهر ، والله أعلم.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..