قالوا: هلك يا رسول الله.
قال: « لقد شهدته يوما بسوق عكاظ على جمل أحمر يتكلم بكلام معجب مونق لا أجدني أحفظه ».
فقام إليه أعرابي من أقاصي القوم فقال: أنا أحفظه يا رسول الله.
قال: فسر النبي ﷺ بذلك قال: فكان بسوق عكاظ على جمل أحمر وهو يقول:
يا معشر الناس اجتمعوا فكل من فات فات، وكل شيء آت آت، ليل داج، وسماء ذات أبراج، وبحر عجاج، نجوم تزهر، وجبال مرسية، وأنهار مجرية، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالإقامة فأقاموا، أم تركوا فناموا، أقسم قس بالله قسما لا ريب فيه إن لله دينا هو أرضى من دينكم هذا، ثم أنشأ يقول:
في الذاهبين الأولين * من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا * للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها * يمضي الأصاغر والأكابر
لا من مضى يأتي إليك * ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالة * حيث صار القوم صائر
وهذا إسناد غريب من هذا الوجه.
وقد رواه الطبراني من وجه آخر فقال في كتابه (المعجم الكبير): حدثنا محمد بن السري بن مهران بن الناقد البغدادي، حدثنا محمد بن حسان السهمي، حدثنا محمد بن الحجاج، عن مجالد، عن الشعبي، عن ابن عباس قال: قدم وفد عبد القيس على النبي ﷺ فقال: « أيكم يعرف القس بن ساعدة الإيادي ».
قالوا: كلنا يعرفه يا رسول الله.
قال: « فما فعل؟ ».
قالوا: هلك.
قال: « فما أنساه بعكاظ في الشهر الحرام وهو على جمل أحمر وهو يخطب الناس وهو يقول: يا أيها الناس اجتمعوا واستمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار لا تغور، وأقسم قس قسما حقا لئن كان في الأمر رضى ليكون بعده سخط، إن لله لدينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه، ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا ».
ثم قال رسول الله ﷺ: أفيكم من يروي شعره؟ فأنشده بعضهم
في الذاهبين الأولين * من القرون لنا بصائر
ما رأيت مواردا * للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها * يسعى الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلي * ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالة * حيث صار القوم صائر
وهكذا أورده الحافظ البيهقي في كتابه (دلائل النبوة) من طريق محمد بن حسان السلمي به.
وهكذا رويناه في الجزء الذي جمعه الأستاذ أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه في أخبار قس قال: حدثنا عبد الكريم بن الهيثم الدير عاقولي، عن سعيد بن شبيب، عن محمد بن الحجاج، عن إبراهيم الواسطي نزيل بغداد، ويعرف بصاحب الفريسة، وقد كذبه يحيى بن معين، وأبو حاتم الرازي، والدارقطني واتهمه غير واحد منهم ابن عدي بوضع الحديث.
وقد رواه البزار، وأبو نعيم من حديث محمد بن الحجاج هذا.
ورواه ابن درستويه، وأبو نعيم من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وهذه الطريق أمثل من التي قبلها، وفيه: إن أبا بكر هو الذي أورد القصة بكمالها نظمها ونثرها، بين يدي رسول الله ﷺ.
ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث أحمد بن موسى بن إسحاق الحطمي، حدثنا علي بن الحسين بن محمد المخزومي، حدثنا أبو حاتم السجستاني، حدثنا وهب بن جرير، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس قال: قدم وفد بكر بن وائل على رسول الله ﷺ فقال لهم:
« ما فعل حليف لكم يقال له قس بن ساعدة الإيادي ». وذكر القصة مطولة.
وأخبرنا الشيخ المسند الرحلة أحمد بن أبي طالب الحجار إجازة إن لم يكن سماعا قال: أجاز لنا جعفر بن علي الهمداني قال: أخبرنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السلفي سماعا، وقرأت على شيخنا الحافظ أبي عبد الله الذهبي أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن أبي بكر الخلال سماعا.
قال: أنا جعفر بن علي سماعا، قال: أنا السلفي سماعا، أنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي، أنا أبو الفضل محمد بن أحمد عيسى السعدي، أنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن علي المقرئ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي قال:
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن أحمد السعدي قاضي فارس، حدثنا أبو داود سليمان بن سيف بن يحيى بن درهم الطائي من أهل حران، حدثنا أبو عمرو سعيد بن يربع، عن محمد بن إسحاق، حدثني بعض أصحابنا من أهل العلم عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه قال:
كان الجارود بن المعلى بن حنش بن معلى العبدي نصرانيا حسن المعرفة بتفسير الكتب وتأويلها، عالما بسير الفرس وأقاويلها، بصيرا بالفلسفة والطب، ظاهر الدهاء والأدب، كامل الجمال ذا ثروة ومال، وأنه قدم على النبي ﷺ وافدا في رجال من عبد القيس، ذوي أراء وأسنان وفصاحة وبيان وحجج وبرهان، فلما قدم على النبي ﷺ وقف بين يديه وأشار إليه، وأنشأ يقول:
يا نبي الهدى أتتك رجال * قطعت فدفدا وآلا فآلا
وطوت نحوك الصحاصح تهوي * لا تعد الكلال فيك كلالا
كل بهماء قصر الطرف عنها * أرقلتها قلاصنا أرقالا
وطوتها العتاق يجمح فيها * بكماة كأنجم تتلالا
تبتغي دفع بأس يوم عظيم * هائل أوجع القلوب وهالا
ومزادا لمحشر الخلق طرا * وفراقا لمن تمادى ضلالا
نحو نور من الإله وبرهان * وبر ونعمة أن تنالا
خصك الله يا ابن آمنة الخير * بها إذ أتت سجالا سجالا
فاجعل الحظ منك يا حجة الله * جزيلا لا حظ خلف أحالا
قال فأدناه النبي ﷺ وقرب مجلسه وقال له:
« يا جارود لقد تأخر الموعود بك وبقومك ».
فقال الجارود: فداك أبي وأمي أما من تأخر عنك فقد فاته حظه وتلك أعظم حوبة، وأغلظ عقوبة، وما كنت فيمن رآك أو سمع بك فعداك، واتبع سواك، وإني الآن على دين قد علمت به قد جئتك وها أنا تاركه لدينك، أفذلك مما يمحص الذنوب والمآثم والحوب، ويرضى الرب عن المربوب.
فقال له رسول الله ﷺ:
« أنا ضامن لك ذلك، وأخلص الآن لله بالوحدانية، ودع عنك دين النصرانية ».
فقال الجارود: فداك أبي وأمي، مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك محمد عبده ورسوله.
قال: فأسلم وأسلم معه أناس من قومه، فسر النبي ﷺ بإسلامهم، وأظهر من إكرامهم ما سروا به وابتهجوا به.
ثم أقبل عليهم رسول الله ﷺ فقال:
« أفيكم من يعرف قس بن ساعدة الإيادي ».
فقال الجارود: فداك أبي وأمي كلنا نعرفه، وإني من بينهم لعالم بخبره، واقف على أمره، كان قس يا رسول الله سبطا من أسباط العرب.
عمر ستمائة سنة، تقفر منها خمسة أعمار في البراري والقفار، يضج بالتسبيح على مثال المسيح، لا يقره قرار، ولا تكنه دار، ولا يستمتع به جار، كان يلبس الأمساح ويفوق السياح، ولا يفتر من رهبانيته يتحسى في سياحته بيض النعام ويأنس بالهوام، ويستمتع بالظلام، يبصر فيعتبر، ويفكر فيختبر.
فصار لذلك واحدا تضرب بحكمته الأمثال، وتكشف به الأهوال، أدرك رأس الحواريين سمعان، وهو أول رجل تأله من العرب، ووحد وأقر وتعبد، وأيقن بالبعث والحساب، وحذر سوء المآب، وأمر بالعمل قبل الفوت، ووعظ بالموت، وسلم بالقضا على السخط والرضا، وزار القبور، وذكر النشور، وندب بالأشعار، وفكر في الأقدار.
وأنبأ عن السماء والنماء، وذكر النجوم وكشف الماء، ووصف البحار وعرف الآثار، وخطب راكبا، ووعظ دائبا، وحذر من الكرب، ومن شدة الغضب، ورسل الرسائل، وذكر كل هائل، وأرغم في خطبه وبين في كتبه، وخوف الدهر، وحذر الأزر، وعظم الأمر، وجنب الكفر، وشوق إلى الحنيفية، ودعا إلى اللاهوتية.
وهو القائل في يوم عكاظ: شرق وغرب، ويتم وحزب، وسلم وحرب، ويابس ورطب، وأجاج وعذب، وشموس وأقمار، ورياح وأمطار، وليل ونهار، وإناث وذكور، وبرار وبحور، وحب ونبات، وآباء وأمهات، وجمع وأشتات، وآيات في إثرها آيات، ونور وظلام، ويسر وإعدام، ورب وأصنام.
لقد ضل الأنام، نشوّ مولود، ووأد مفقود، وتربية محصود، وفقير وغني، ومحسن ومسيء، تبا لأرباب الغفلة، ليصلحن العامل عمله، وليفقدن الآمل أمله، كلا بل هو إله واحد، ليس بمولود ولا والد، أعاد وأبدى، وأمات وأحيا، وخلق الذكر والأنثى، رب الآخرة والأولى.
أما بعد: فيا معشر إياد، أين ثمود وعاد؟ وأين الآباء والأجداد؟ وأين العليل والعواد؟ كل له معاد، يقسم قس برب العباد، وساطح المهاد، لتحشرن على الانفراد، في يوم التناد، إذا نفخ في الصور، ونقر في الناقور، وأشرقت الأرض، ووعظ الواعظ، فانتبذ القانط، وأبصر اللاحظ.
فويل لمن صدف عن الحق الأشهر، والنور الأزهر، والعرض الأكبر، في يوم الفصل، وميزان العدل، إذا حكم القدير، وشهد النذير، وبعد النصير، وظهر التقصير، ففريق في الجنة، وفريق في السعير.
وهو القائل:
ذكر القلب من جواه أد كار * وليال خلالهن نهار
وسجال هواطل من غمام * ثرن ماء وفي جواهن نار
ضوءها يطمس العيون وأرعاد * شداد في الخافقين تطار
وقصور مشيدة حوت الخير * وأخرى خلت بهن قفار
وجبال شوامخ راسيات * وبحار ميهاههن غزار
ونجوم تلوح في ظلم الليل * نراها في كل يوم تدار
ثم شمس يحثها قمر الليل * وكل متابع موار
وصغير وأشمط وكبير * كلهم في الصعيد يوما مزار
وكبير مما يقصر عنه * حدسه الخاطر الذي لا يحار
فالذي قد ذكرت دل على الله * نفوسا لها هدى واعتبار
قال: فقال رسول الله ﷺ: « مهما نسيت فلست أنساه بسوق عكاظ، واقفا على جمل أحمر يخطب الناس: اجتمعوا فاسمعوا، وإذا سمعتم فعوا، وإذا وعيتم فانتفعوا وقولوا، وإذا قلتم فاصدقوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، مطر ونبات، وأحياء وأموات، ليل داج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وضوء وظلام، وليل وأيام، وبر وآثام. إن في السماء خبرا، وإن في الأرض عبرا، يحار فيهن البصرا، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تغور، وبحار لا تفور، ومنايا دوان، ودهر خوان، كحد النسطاس، ووزن القسطاس. أقسم قس قسما لا كاذبا فيه ولا آثما، لئن كان في هذا الأمر رضي، ليكونن سخط. ثم قال: أيها الناس إن لله دينا هو أحب إليه من دينكم هذا الذي أنتم عليه، وهذا زمانه وأوانه. ثم قال: ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟ ».
والتفت رسول الله ﷺ إلى بعض أصحابه فقال: « وأيكم يروي شعره لنا؟ »
فقال أبو بكر الصديق: فداك أبي وأمي، أنا شاهد له في ذلك اليوم حيث يقول:
في الذاهبين الأولين * من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا * للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها * يمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إلي * ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لا محالة * حيث صار القوم صائر
قال: فقام إلى رسول الله ﷺ شيخ من عبد القيس عظيم الهامة، طويل القامة، بعيد ما بين المنكبين فقال: فداك أبي وأمي، وأنا رأيت من قس عجبا.
فقال له رسول الله ﷺ: « ما الذي رأيت يا أخا بني عبد القيس؟ »
فقال: خرجت في شبيبتي أربع بعيرا لي فدعني أقفو أثره في تنائف قفاف، ذات ضغابيس وعرصات جثجاث، بين صدور جذعان وغمير حوذان، ومهمه ظلمان، ورصيع ليهقان، فبينا أنا في تلك الفلوات أجول بسبسبها وأرنق فدفدها، إذا أنا بهضبة في نشزاتها أراك كباث مخضوضلة، وأغصانها متهدلة، كأن بريرها حب الفلفل وبواسق أقحوان، وإذا بعين خرارة، وروضة مدهامة، وشجرة عارمة، وإذا أنا بقس بن ساعدة في أصل تلك الشجرة وبيده قضيب.
فدنوت منه، وقلت له: أنعم صباحا.
فقال: وأنت فنعم صباحك، وقد وردت العين سباع كثيرة فكان كلما ذهب سبع منها يشرب من العين قبل صاحبه، ضربه قس بالقضيب الذي بيده، وقال: اصبر حتى يشرب الذي قبلك، فذعرت من ذلك ذعرا شديدا، ونظر إليّ فقال: لا تخف.
وإذا بقبرين بينهما مسجد، فقلت: ما هذا القبران؟
قال: قبرا أخوين كانا يعبدان الله عز وجل بهذا الموضع، فأنا مقيم بين قبريهما عبد الله حتى ألحق بهما، فقلت له: أفلا تلحق بقومك فتكون معهم في خيرهم، وتباينهم على شرهم؟
فقال لي: ثكلتك أمك، أو ما علمت أن ولد إسماعيل تركوا دين أبيهم، واتبعوا الأضداد، وعظموا الأنداد، ثم أقبل على القبرين وأنشأ يقول:
خليلي هبَّا طالما قد رقدتما * أجدكما لا تقضيان كراكما
أرى النوم بين الجلد والعظم منكما * كأن الذي يسقي العقار سقاكما
أمن طول نوم لا تجيبان داعيا * كأن الذي يسقي العقار سقاكما
ألم تعلما أني بنجران مفردا * وما لي فيه من حبيب سواكما
مقيم على قبريكما لست بارحا * إياب الليالي أو يجيب صداكما
أأبكيكما طول الحياة وما الذي * يرد على ذي لوعة أن بكاكما
فلو جعلت نفس لنفس امرئ فدى * لجدت بنفسي أن تكون فداكما
كأنكما والموت أقرب غاية * بروحي في قبريكما قد أتاكما
قال: فقال رسول الله ﷺ: « رحم الله قسا أما إنه سيبعث يوم القيامة أمة واحدة ».
وهذا الحديث غريب جدا من هذا الوجه، وهو مرسل إلا أن يكون الحسن سمعه من الجارود، والله أعلم.
وقد رواه البيهقي، والحافظ أبو القاسم ابن عساكر من وجه آخر من حديث محمد بن عيسى بن محمد بن سعيد القرشي الأخباري: ثنا أبي، ثنا علي بن سليمان بن علي، عن علي بن عبد الله، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدم الجارود بن عبد الله فذكر مثله، أو نحوه مطولا بزيادات كثيرة في نظمه ونثره، وفيه ما ذكره عن الذي ضل بعيره فذهب في طلبه.
قال: فبت في واد لا آمن فيه حتفي، ولا أركن إلى غير سيفي، أرقب الكوكب، وأرمق الغيهب، حتى إذا الليل عسعس، وكاد الصبح أن يتنفس، هتف بي هاتف يقول:
يا أيها الراقد في الليل الأجم * قد بعث الله نبيا في الحرم
من هاشم أهل الوفاء والكرم * يجلو دجيات الدياجي والبهم
قال: فأدرت طرفي فما رأيت له شخصا، ولا سمعت له فحصا، قال: فأنشأت أقول:
يا أيها الهاتف في داجي الظُّلم * أهلا وسهلا بك من طيف ألم
بين هداك الله في لحن الكلم * ماذا الذي تدعو إليه يغتنم
قال: فإذا أنا بنحنحة وقائلا يقول: ظهر النور، وبطل الزور، وبعث الله محمدا بالحبور، صاحب النجيب الأحمر، والتاج والمغفر، والوجه الأزهر، والحاجب الأقمر، والطرف الأحور، صاحب قول شهادة أن لا إله إلا الله، وذلك محمد المبعوث إلى الأسود والأبيض، أهل المدر والوبر، ثم أنشأ يقول:
الحمد لله الذي * لم يخلق الخلق عبث
لم يخلنا يوما سدى * من بعد عيسى واكترث
أرسل فينا أحمدا * خير نبي قد بعث
صلى عليه الله ما * حج له ركب وحث
وفيه من إنشاء قس بن ساعدة:
يا ناعي الموت والملحود في جدث * عليهم من بقايا قولهم خِرَق
دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم * فهم إذا انتبهوا من نومهم أرقوا
حتى يعودوا بحال غير حالهم * خلقا جديدا كما من قبله خلقوا
منهم عراة ومنهم في ثيابهم * منها الجديد ومنها المنهج الخلق
ثم رواه البيهقي، عن محمد بن عبد الله بن يوسف بن أحمد الأصبهاني: حدثنا أبو بكر أحمد بن سعيد بن فرضخ الأخميمي بمكة، ثنا القاسم بن عبد الله بن مهدي، ثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي حمزة الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
فذكر القصة، وذكر الإنشاد قال: فوجدوا عند رأسه صحيفة فيها:
يا ناعي الموت والأموات في جدث * عليهم من بقايا نومهم خرق
دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم * كما تنبه من نوماته الصعق
منهم عراة وموتى في ثيابهم * منها الجديد ومنها الأزرق الخلق
فقال رسول الله ﷺ:
« والذي بعثني بالحق لقد آمن قس بالبعث ».
وأصله مشهور، وهذه الطرق على ضعفها كالمتعاضدة على إثبات أصل القصة. وقد تكلم أبو محمد ابن درستويه على غريب ما وقع في هذا الحديث، وأكثره ظاهر إن شاء الله تعالى، وما كان فيه غرابة شديدة، نبهنا عليه في الحواشي.
وقال البيهقي: أنا أبو سعيد ابن محمد بن أحمد الشعيثي، ثنا أبو عمرو ابن أبي طاهر المحمد آباذي لفظا، ثنا أبو لبابة محمد بن المهدي الأموردي، ثنا أبي، ثنا سعيد بن هبيرة، ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أنس بن مالك قال: قدم وفد إياد على النبي ﷺ فقال:
« ما فعل قس بن ساعدة؟ »
قالوا: هلك.
قال: « أما إني سمعت منه كلاما أرى أني أحفظه ».
فقال بعض القوم: نحن نحفظه يا رسول الله.
قال: « هاتوا ».
فقال قائلهم: إني واقف بسوق عكاظ فقال: يا أيها الناس استمعوا واسمعوا وعوا، كل من عاش مات، وكل من مات فات، وكل ما هو آت آت، ليل داج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرسية، وأنهار مجرية، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، أرى الناس يموتون ولا يرجعون، أرضوا بالإقامة فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟
أقسم قس قسما بالله لا آثم فيه، إن لله دينا هو أرضى مما أنتم عليه، ثم أنشأ يقول:
في الذاهبين الأولين * من القرون لنا بصائر
لما رأيت مصارعا * للقوم ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها * يمضي الأكابر والأصاغر
أيقنت أني لا محالة * حيث صار القوم صائر
ثم ساقه البيهقي من طرق أخر قد نبهنا عليها فيما تقدم، ثم قال بعد ذلك كله: وقد روي هذا الحديث عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس بزيادة ونقصان.
وروي من وجه آخر عن الحسن البصري منقطعا، وروي مختصرا من حديث سعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة. قلت: وعبادة بن الصامت كما تقدم، وعبد الله بن مسعود كما رواه أبو نعيم في كتاب (الدلائل) عن عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي، عن أبي الوليد طريف بن عبيد الله مولى علي بن أبي طالب بالموصل، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود فذكره.
وروى أبو نعيم أيضا حديث عبادة المتقدم، وسعد بن أبي وقاص. ثم قال البيهقي: وإذا روي الحديث من أوجه أخر، وإن كان بعضها ضعيفا، دل على أن للحديث أصلا، والله أعلم.
المرجع :البداية والنهاية
....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..