الصفحات

الأربعاء، 6 يناير 2021

رجل البكتيريا

     سعيد عالم احياء شاب يعشق شيئ اسمه بكتيريا وكان دوما مولعا بتأثير البكتيريا في الطبيعة وكيف أن هذه الكائنات المجهرية تلعب دورا عظيما في دورة الحياة وكان يردد دوما أن لم تستطع القيام باي تفاعل كيمياوي حيوي فمعنى ذلك أنك لم تجد البكتيريا المناسبة له وبعد سنوات من العمل المخبري لتطوير سلالات جديدة من البكتيريا المفيدة في شتى المجالات توصل اخيرا الى اكتشاف قادر على ان يوجد حل لاربعة من اكبر المعضلات على وجه الارض الاول تراكم القمامة وما يحدثه ذلك من تدمير للبيئة والثاني تلوث الجو بسبب الاستعمال المفرط لوقود الديزل في السفن و القطارات والمكائن الزراعية والثالث مزارع الابقار التي تنتج ملايين الاطنان من روث البقر الذي يتحول الى غاز الميثان ويسبب تلوث الجو حراريا والرابع استنفاذ الموارد النفطية الطبيعية خصوصا وان وان البديل هو ما يسمى بالنفط الحجري الذي يعتبر كارثة بيئية بجميع المقاييس العلمية فماذا كان هذا الاكتشاف العظيم ؟
لقد تمكن سعيد من انتاج سلالة من البكتيريا القادرة على ان تقوم بتبديل اي مادة عضوية ايا كان نوعها وبسرعة فائقة الى ديزل حيوي نظيف جدا ويكاد احتراقه لا يخلف اي مواد ضارة بالبيئة .
ادرك سعيد فورا قيمة هذا الاكتشاف وانفق كل ما يملك من مدخرات مالية لتسجيل براءة اختراعه وحالما انتهى من ذلك وقبل ان ينهي استعداده لاعلان هذا الاكتشاف العظيم تلقى اتصالا من واحدة من اكبر الشركات العالمية في مجال الطاقة للتفاوض معه حول اكتشافه قبل أن يعلن أي شيئ وطلبوا منه الاستعداد فورا للتوجه الى المقر الرئيس للشركة في نيويورك وأكدوا على وجوب حفظ سرية الموضوع والزيارة حتى عن اقرب الناس اليه وعندما استفسر سعيد عن التأشيرات جاءه الجواب انها ستكون جاهزة فور مراجعته السفارة الامريكية في بلد ثالث لأنهم لايريدونه أن يراجع السفارة في بلده كي لا يجذب اي انتباه .
ورغم استغراب سعيد من كل هذه الاجراءات السرية فهو في النهاية لم يخترع سلاحا نوويا بل سلالة بكتيريا مفيدة لسكان الارض كلهم الا انه وافق على الشروط خصوصا وأنهم اصروا أن يصطحب زوجته وأطفاله معه وبكل تأكيد جميع ابحاثه ومستنداته .
في اليوم التالي تلقى سعيد اتصالا من مكتب اكبر شركة طيران اقليمية بأن تذاكره هو وأسرته على الدرجة السياحية جاهزة وأنه سيحصل على تأشيرة تلك الدولة في المطار وبالفعل اصطحب سعيد عائلته واتجه للمطار حيث تم اصدار بطاقات ركوب الطائرة لهم على الدرجة السياحية ولكن حالما صعدوا الى الطائرة اصطحبتهم المضيفة الى مقصورة الدرجة الاولى وعند وصولهم الى تلك الدولة تم استقبالهم من الطائرة مباشرة في سيارة ليموزين الى صالة الشرف وتم ختم الـاشيرات لهم ثم تم اصطحابهم الى افخم فندق في المدينة وفي اليوم التالي تم اصطحابهم الى السفارة الامريكية حيث تم ادخالهم بصورة عاجلة واستلام جوازاتهم وبعد ساعتين من الانتظار تم تسليم جوازاتهم مع تأشيرة دخول الى أمريكا صالحة لعشرة سنوات ولدى وصولهم المطار وجدوا طائرة خاصة بانتظارهم اقلعت فورا وسط ذهول سعيد و زوجته و فرحة الاطفال بهذه الطائرة العجيبة .
وصلت العائلة الى نيويورك حيث تم اصطحابهم الى فندق فخم في سيارة مصفحة وسط استغراب سعيد و عائلته من كل ما يحصل حولهم وحال نزولهم في الجناح الفخم في الفندق تلقى سعيد اتصالا ترحيبيا من سكرتيرة الرئيس التنفيذي للشركة وتحدد له موعدا للقاء مجلس ادارة الشركة في اليوم التالي وبالفعل فقد ارتدى سعيد احسن ثيابه واستقل السيارة المصفحة التي جائت لاصطحابه ودخل الاجتماع حيث تعرف على الحاضرين وكان اول سؤال له عن الاجراءات الغريبة التي صاحبت سفره فرد عليه الرئيس التنفيذي قائلا :
- يا سيد سعيد كما تعلم ان اختراعك يمس صناعات كثيرة وحكومات كثيرة وبالتالي فهو ليس اختراعا بسيطا كما تظن بل هو سلاح اقتصادي  هائل ولو اننا جلبنا الانتباه لك ولاسرتك لوضعك ذلك في خطر داهم لا تستطيع تصوره ولذا حجزنا لك على الدرجة الاولى بينما اتفقنا مع شركة الطيران ان تصدر لك تذكرة وهمية سياحية واتفقنا مع وزارة الخارجية الامريكية ان تخاطب الدولة الثالثة لتسهيل دخولكم وكذلك منحكم تأشيرة الولايات المتحدة خارج جميع الاجراءات القانونية المتعارف عليها علما انك واسرتك تنزلون في الجناح الرئاسي المحصن من الداخل والخارج .
والان نريد اختبارا عمليا لاكتشافك يا سيد سعيد كي نتأكد من فاعليته على الارض مثل فاعليته نظريا على الورق ومنذ الغد سيكون افضل مختبراتنا تحت تصرفك كي تنتج العينات الاختبارية من اكتشافك .
وبالفعل ذهب سعيد في اليوم التالي الى مختبر لم ير في حياته مثله من حيث التجهيزات والمساحة حيث بدا عمله ليلا ونهارا وخلال ايام اعلن جهوزية العينات للاختبار حيث تم تحديد موقع هو عبارة عن حوض اسمنتي ضخم تم ملأه بعشرات الاطنان من القمامة وتم رشها بالماء ومن ثم قام سعيد برشها بالمحلول الذي يحتوي على البكتيريا المنظفة كما يحلو له تسميتها وفي اليوم التالي كانت جميع القمامة العضوية قد اختفت وبقيت فط الاشياء غير العضوية من معادن وبلاستيك و زجاج وكان الحوض مليئا بسائل داكن اللون اخذ خبراء الشركة عينات منه الى المختبر لتحليلها حيث تبين بالفعل انها وقود ديزل حيوي بالغ النقاء و ذو جودة عالية جدا .
وفي اليوم التالي تحديد موعد ثاني لمجلس الادارة حيث تم استقبال سعيد بالتصفيق وقال رئيس مجلس الادارة :
- أن بلدك يحسب ان ثروته في النفط تحت الارض بينما يغفل عن اعظم ثروة في العالم وهي عالم مثلك والآن نريد ان ننتقل الى عالم المال والاعمال ونناقش الاستحواذ على اكتشافك لصالح شركتنا .
قال سعيد
- كما تعلمون فأن الولايات المتحدة وحدها تنتج سنويا 245 مليون طن من القمامة لا يعاد تدوير سوى 30% منها ويكلف التخلص منها اكثر من 60 مليار دولار سنويا ومثل هذه الارقام في اوروبا وكندا والصين و باقي دول العالم كما أن مزارع الابقار تنتج ما يقرب من ملياري طن من روث البقر في امريكا وحدها ويعتبر وجودها كارثة بيئية بكل المقاييس ناهيك عن فضلات المجاري وبقايا النباتات والحيوانات الى غير ذلك يمكن تحويلها الى وقود رخيص يمكن استخدامه في محطات الطاقة بدلا عن الفحم وفي السفن والقطارات والمزارع و حتى السيارات و يمكن أن يدر مبالغ خيالية ناهيك عن التأثير الايجابي على البيئة وعلى تنشيط الاقتصاد بسبب خفض تكلفة الانتاج والشحن التي ترتبط جذريا باسعار الوقود حيث ان طن القمامة يمكن ان يعطي 700 ليتر من الوقود ولو احتسبنا ان سعر برميل وقود الديزل هو 95 دولار في الاسواق العالمية فأن بأمكانكم جني مئات مليارات الدولارات من قمامة امريكا وحدها
قال رئيس مجلس الادارة :
- نحن نعلم ذلك جيدا يا سيد سعيد و الحاضرين هنا جاء كل منهم من ابلد خصيصا لحضور هذا الاجتماع الهام والاستراتيجي والان نريد أن نسمع طلباتك يا سيد سعيد
ولأن سعيد ليس رجل أعمال و من بلد لا تشكل فيه الاكتشافات العلمية شيئا ذو قيمة تذكر فلم يكن يستطيع تحديد قيمة اكتشافه ولكنه خمن أنه يساوي الكثير ما دام كل هولاء اجتمعوا خصيصا له وانفقوا كل هذه المبالغ من اجل احضاره و أسرته الى امريكا بهذا الشكل فقرر ان يغامر ويقول مئة مليون دولار رغم يقينه ان احدا لن يدفع له مثل هذا المبلغ ولكنه أراد ان يفتح باب المعاملة كما كان يفعل المرحوم والده الذي كان يملك دكانا و بلهجة الواثق ن نفسه قال :
- لن اقبل اقل من مئة مقدما وعشرة بالمائة من الارباح السنوية
- مئة ؟ هذا كثير يا سيد سعيد كثير جدا ما رأيك بعشرة ونخرج جميعا سعداء
رفض سعيد العرض وبدأ نقاشا استمر ساعات طويلة حتى اتفق الطرفان على مبلغ 45 و7 % من الارباح السنوية
خرج سعيد وهو يكاد يموت من الفرح انه اصبح يمتلك 45 مليون دولار وهو مبلغ لم يحلم به من قبل حيث سيؤمن لابناءه الدراسة في افضل الجامعات التي يتباهى بالتخرج منها ابناء الملوك وكذلك جميع الاشياء التي لم يستطع توفيرها لنفسه و زوجته و اطفاله و عندما أخبر زوجته بالموضوع كاد أن يغمى عليها من الفرحة وفي المساء اتصلت به سكرتيرة الرئيس التنفيذي وقالت
- مبروك يا سيد سعيد محامي الشركة يقول ان العقود ستكون جاهزة غدا والمبلغ كما تم الاتفاق هو 45 مليار دولار
قال سعيد :
- ماذا 45 مليار وليس مليون ؟
- طبعا يا سيد سعيد هذا ما اتفقتم عليه عندما توصلتم لرقم 45 في الاجتماع ومرة اخرى مبروك عليك المبلغ الاولي والارباح السنوية التي تقدر بخمسة مليارات دولار علما أننا سنؤمن حمايتك وأسرتك لحين توقيع العقد و بعد ذلك ستكون تلك مشكلتك كيف تتصرف بأموالك ولكني انصحك باختيار شركة محاماة  قوية تنسق جميع امورك فورا فأنت اليوم من اثرى الرجال على مستوى العالم .
هل تريدني ان اطلب من افضل شركة محاماة في نيويورك الاتصال بك  ؟
اجاب سعيد وهو في حلة غريبة من انعدام الوزن
- نعم رجاء افعلي ذلك
في اليوم التالي وصل ثلاثة محاميين عرفوه عن انفسهم وعن شركتهم التي تعتبر واحدة من افضل شركات القانون في الولايات المتحدة و يرأسها وزير العدل السابق واخبروه انهم يتقاضون 1250 دولارا عن الساعة الواحدة من العمل اي ما يقارب 20 مليون دولار سنويا مقابل القيام بجميع اعماله ومنها تأمين الحماية له وأسرته والضرائب والحماية القانونية من اي دعاوى قد ترفع ضده من الانتهازيين والمحتالين وهو أمر شائع عندما يتم ألاعلان عن ان شخص حصل على ثروة كبيرة .
وافق سعيد رغم أنه لا يستطيع حتى تصور أن يدفع يوما 20 مليون دولار سنويا  لشخص كي يقوم بعمل له وهو الذي كان يعمل ليلا و نهارا مقابل 12000 دولار سنويا
وكأي شخص يصبح فاحش الثراء فجأة اصيب سعيد بسعار الشراء اشترى طائرة خاصة  و طائرة هليكوبتر وقصرا في حي بيفرلي هيلز الشهير وقصرا آخر في لندن و عدد من اغلى السيارات في العالم و يختا فخما واصبح لديه جهاز أمن و حراسة يفوق الرؤساء وفعلت اسرته نفس الشيئ من انفاق و بذخ خارج حدود العقل واصبح سعيد يقابل شخصيات من عالم السياسة والفن لم يكن يحلم بلقائها سابقا وقطع علاقته بجميع اقاربه كي لايزعجوه بطلباتهم  واتصل به سفير بلده ليخبره بأن دولته قررت منحه وسام الشرف فاعتذر سعيد وقال انه لايحتاج الى وسام من بلد لم يعرف قيمته الا بعدما اصبح ثريا .
وفي احد الايام وبينما كان سعيد نائما في فراشه الوثير حلم بأنه موضوع في حفرة وأن نفس البكتيريا التي اكتشفها تنخر جسده شيئا فشيئا حتى لم يبقى منه سوى العظام والتي سرعان مالتهمتها ايضا وعندما انتهت البكتيريا تحولت الحفرة الى اتون مشتعل واحس ان جسده كله يحترق وشاهد من بعيد رجلا نحيفا جلد على عظم يحمل طفله الذي يموت جوعا وهو يردد ( لتسئلن يومئذ عن النعيم ) اين ستذهب بمالك يوم القيامة يا سعيد ؟.
افاق سعيد مذعورا وهو ما يزال يحس بآثار الحروق على جسده رغم انه لم يكن هناك شيئ وبقي طوال الليل مهموما يفكر في حياته وكيف تحول من انسان مجتهد الى مجرد مبذر للنقود يعيش حياة تافهة طالما نتقد من يعيشها قبل ذلك واخيرا قال لنفسه انت ادنى مرتبة من البكتيريا يا سعيد فهي على الاقل ذات فائدة فما فائدتك انت  ؟
في اليوم التالي أخبر زوجته واولاده انه سيفتح لكل منهم حسابا يضع فيه مليار دولار وانه سينفق المتبقي من ثروته على عمل الخير في كل مكان في العالم وفي اليوم التالي استدعى محاميه واخبره بتأسيس صندوق خيري ينقل اليه ملكية جميع ثروته يكون واجبه رعاية التعليم والغذاء والخدمات الصحية للفقراء في كل انحاء العالم دون تفرقة او تمييز و قام ببيع القصور والطائرات واليخت ووضع اموالها في حساب الصندوق الخيري وانتقل واسرته الى بيت لائق ولكن ليس قصرا وابقى على حماية كافية لاسرته خوفا من تعرضهم للخطف من قبل العصابات الاجرامية او الشركات المنافسة .
أما هو  فقد تفرغ لمؤسسته الخيرية التي لاقت رواجا كبيرا حول العالم واصبحت له منحة دراسية خاصة للطلاب الفقراء الموهوبين كما أنه اسهم في اكتشاف نوع اخر من البكتيريا القادرة على القضاء على الامراض النباتية مما يرفع انتاجية الزراعة في الدول النامية ويقلل من المجاعة وكذلك بكتيريا قادرة على تصفية المياه من العوالق وانواع البكتيريا الاخرى وجعلها صالحة للشرب وهكذا اصبح الرجل الذي عشق البكتيريا احد اهم رجال الخير والعمل الصالح في العالم كله ولم تعد الاخبار تذكر ثروته بل طيبة قلبه .
وفي احد الايام كان ينام في خيمة في  افريقيا ليشهد افتتاح اول بئر ماء تتم تصفية الماء فيه بكتيريا عندما شاهد في المنام نفس الطفل الذي رآه يموت جوعا في حلمه الاول وهو صحيح البدن يقول له (أن الله اشترى من المؤمنين اموالهم وانفسهم بأن لهم الجنة ) ربح البيع يا سعيد ربح البيع ياسعيد
* هذه القصة خيال علمي وليست واقعا بأي شكل من الاشكال
* جميع حقوق النشر محفوظة للكاتب

-

.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..