الصفحات

الأحد، 16 مايو 2021

تدبر ايات / حوار موسى

    طول فترة رمضان وأنا اقرأ القران الكريم كنت اركز على آيات معينة .. 
وكنت أدونها حتى اكتملت عندي سلسلة ، وسبحان الله تعجبت كيف غاب عني هذا الموضوع لسنوات .. الموضوع وضعت له عنواناً بإسم " حوار موسى " .. و.. جميع ما كُتب هنا إجتهاد شخصي "
نبي الله موسى عليه السلام.. من أكثر الانبياء ذكراً في القران ، حتى أن تفاصيل حواره مع قومه ومع فرعون ومع السحرة تكررت كثيراً وكأنها تعطي لنا دروساً وأساسيات في فن الحوار .

١-" وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ "
في بداية كل حوار مع شخص عندما يرى هذا الشخص قوة منطقك وبرهان حجتك يهاجمك بعيوبك و أخطاءك في الماضي..
هذا ما حدث لنبي الله موسى عندما في حوار دار بينه وبين فرعون .
هذا الحوار جاء في بدايات نبوة  موسى عليه السلام في سورة الشعراء نرى في الايات السابقة لهذه الايه " قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ " ..
حتى وصل للاعتراف أن هناك حادثة قد تستخدم ضده في الحوار واقراره بذلك
" وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ "
رد نبي الله موسى على فرعون كان رداً قاطعاً غير قابل للتبرير  ،  رد فيه اعتراف صريح أن هذه الحادثة لا يمكن أن تتوافق مع مبادئ دينه ..
" قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ "
اعدت قراءة الآية مرة وأخرى " لا تهرب من اخطاءك اعترف و واجهها "
هذا المبدأ يغلق على من يحاورك باب  اضعافك بإستعراضها .

٢-" أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ " :
هذه الاية جاءت على لسان فرعون  ..عندما ضعفت حجته امام قومه ليبدأ بإستخدام السلاح الضعيف " الانتقاص ممن أمامك عن طريق التعرض لعيوبهم الخُلقية " ..
أعتقد وأكاد أجزم أننا واجهنا في حياتنا مثل هذا الموقف كثيرا.
ما أن تبدا بالحديث والحوار مع أحدهم وتُغلق في وجهه الابواب يذهب مباشرة للحديث عن عيوب خلقتك وصفاتك .
فرعون هنا كان يسخر من النبي موسى بسبب اللثغة الواضحة في كلامه .

٣- " قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى " ..
في هذه الاية نجد أن السؤال ليس سؤالاً حقيقيأً لمعرفة الاجابة ، بل كان سؤالاً اسنكارياً و الغرض منه السخرية من الجواب قبل قوله ..
البعض منا عندما يكون في حوار ويكون هو الطرف الأكثر اقناعا ، يبدأ الطرف الاضعف بطرح هذا النوع من الاسئلة .
مثلاً .. عندما تتحاور مع أحدهم فيبدا بالسؤال " ماهو أصلك ؟ هذا التكتيك الذي يستخدمه البعض يكون الغرض منه تشتيت ذهنك عن الهدف الحقيقي من الحوار حتى تبدا بالحديث عن موضوع فرعي غير الاساسي فيبدا بمحاولة إضعاف حجتك .

 موسى عليه السلام فهم الغرض من هذا السؤال ليعيد الموضوع الى صلبه ..
" قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى "
الحديث الاساسي هنا " الهداية التي يحصل عليها الانسان بإتباع الأنبياء.

٤-" قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا " ..
ويستمر  الحوار واساليب الرد الذكية في التجلي في حوار سيدنا موسى مع فرعون ..
عندما دار الحوار بدأ فرعون بعد فشل الاساليب المختلفة باستخدام اسلوب جديد " المن " في محاولة لتقليل من شأن  موسى  عليه السلام والتفضل عليه .
لكن الرد جاء مختصراً وفي صميم الحديث عندما قال  موسى عليه السلام
" وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ " التذكير بحقيقة هذا المن ..
وكأنه يقول لفرعون " انت اتخذت من بني اسرائيل عبيد وحرمتهم من الابناء ثم تمن علي بذلك !!

٥-" قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا "
هذا الاية انبهرت بها سبحان الله،  وكأنها تتحدث عن مبدأ مهم من مبادئ أدارة الحوار وفن ادارة الازمة ..
عاد نبي الله موسى ليجد قومه يعبدون عجل بعد أن هداهم الله .. فطرح سؤالاً سريعاً وبدهياً على من وكله عليهم " هارون"
جاء رد هارون " قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي "
رد هارون مقسم الى ثلاثة اقسام .. 
١- الحوار بالحديث قبل ردة الفعل الجسدية
٢- السبب الحقيقي دون تزييف.
لو امعنا النظر في رده هارون عليه السلام نجده ابتعد تماماً عن الحديث عن القوم وعن السامري .. سألت نفسي لماذا ؟
لماذا لم يقل هارون لموسى أن السامري كان السبب !!
بعد ما امعنت النظر وجدت أن الآيه التي قبلها تتحدث عن معرفة نبي الله موسى بما حدث
" قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ"
لذلك ليس من الحكمةالحديث عن ما حدث والاسهاب به والذي إمامك في قمة الغضب
اعتقد أننا في حوارتنا اليومية وغير اليومية نفتقر لمثل هذه الحكمة  في ادارة الحوار  وفن الردود الذكية ..
هارون عليه السلام طرح سبب عدم قيامه بذلك دون أن يتطرق لتفاصيل الحادثة  ،لماذا ؟
الجواب : لأن الحديث هنا عن الحادثة  ، والاسهاب بالكلام عنها قد لا يكون من مصلحة هارون لانه قد يفتح ابوابا في الحوار وتتعقد الامور أكثر ..
هذا الرد الذكي والسريع هو ما نفتقر في حواراتنا اليوم .

----

المرجع
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..