الصفحات

الأربعاء، 27 أبريل 2022

‏بخصوص رؤى ليلة القدر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين.
         أما بعد، ففي كل عام يظهر معبر للرؤى، ويزعم أنه قد عرضت عليه رؤى لأناس أروا ليلة القدر في منامهم، ثم يعبرها بأن ليلة القدر وقعت أو ستقع في ليلة كذا وكذا، ويستند فيما يقول لرؤى الصحابة رضي الله عنهم، وتأويل النبي صلى الله عليه وسلم لها.
فأقول وبالله التوفيق :
إن هجر هذه الأقوال وعدم نشرها هو الأولى والأنفع للناس؛ بل هو الفقه الأسدّ والرأي الأصوب خاصة بين طلبة العلم وأهل الفضل والعبادة؛ لأن مستند هذه الأقوال مستند ضعيف جداً لا ينبغي للمؤمن الحريص على استغلال تلك العشر المباركة أن يلتفت إليها مطلقاً؛ وذلك لما يلي:
أولاً: أن الرائين مجاهيل لا يعلم حالهم ولا صلاحهم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً" متفق عليه .ومع صلاح الصحابة وتقواهم وورعهم واتفاق رؤاهم جعلها النبي صلى الله عليه وسلم في العشر والسبع الأواخر خاصة الأوتار منها ولم يعين ليلة من تلك الليال التي أروا فيها ليلة القدر؛ بل قد جاء في رؤى بعضهم أنها في ليلة معينة فقد أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " رأى رجلٌ أنَّ ليلةَ القدرِ ليلة سبعٍ وعشرين . فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : "أرى رؤياكم في العشرِ الأواخرِ فاطلبُوها في الوترِ منها". فأين حال الرائي والمعبر في هذا الزمن من حال الصحابي والنبي صلى الله عليه وسلم رغم أن الصحابي عينها بليلة سبعٍ وعشرين في رؤياه؛ إلا إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقره على التعيين وإنما حث على التماسها في كل ليال العشر.
ثانياً: أن الرؤى وإن كانت من الصالحين فهي ظنية وليست يقينية باتفاق العلماء وإجماعهم قاطبة.
ثالثاً: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمها ثم أنسيها فكيف بآحاد الناس؟! وكيف يجرؤ أحد أن يدعي علمها بعد أن أنسيها سيد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام كما قال فيما أخرجه البخاري ومسلم: "أريت ليلة القدر ثم أنسيتها".
رابعاً: لم يخفها الله ويرفع علمها إلا لحكمة وخير كما قال صلى الله عليه وسلم: "خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة". أخرجه البخاري. ومن تلك الحكم أن يجتهد الناس في كل ليلة غاية الاجتهاد لتحصيل الثواب والأجر طيلة ليال العشر، ولو لم يدركها بعضهم، قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله :وعسى أن يكون خيرًا لكم. يعني : عدم تعيينها لكم ، فإنها إذا كانت مُبْهَمَة اجتهد طُلابها في ابتغائها في جميع مَحَالّ رَجائها ، فكان أكثر للعبادة ، بخلاف ما إذا عَلِمُوا عَينها فإنها كانت الهمم تَتَقَاصَر على قيامها فقط . وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها ، ويكون الاجتهاد في العشر الأواخر أكثر".
خامساً: نشر مثل تلك الأخبار الظنية الواهية فيه سد باب الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر؛ لأن من بلغه مثل هذا الخبر سيفتر ويدع الاجتهاد فيما تبقى، وهذا خلاف السنة لقوله صلى الله عليه وسلم "إِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقي".
سادسا: ومن لطيف الإشارة إلى ترك الناس ليجتهدوا في الأعمال الصالحة وعدم إخبارهم بشيء قد يصرفهم إلى الاتكال وعدم العمل ما جاء في حديث معاذ -رضي الله عنه- حينما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ( فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ ، أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ ؟ ، قَالَ : ( لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ) فتأمل ذلك جيدا، والناس قد تحملهم هذه الرؤى الظنية على الاتكال عليها والاجتهاد في ليلة معينة وترك العمل في باقي الليالي المباركة خاصة إذا كانت هذه الرؤى في الليالي الأولى من العشر والله المستعان، كما أن فيها إدخال التحسر والحزن على من لم يعلم عن هذه الرؤى التي قد عينت ليلة قد فاتت عليه ولم يجتهد فيها وهو خلاف المشروع في إدخال السرور على المؤمن.
سابعا: أنصح كل من تصله مثل هذه الرسائل والأخبار إن أراد خيرا للناس أن لا ينقلها لغيره وأن يميت ذكرها؛ لئلا يكون سبباً في الإعانة على ترك العمل في تلك العشر المباركة.
وأخيراً:
قم واجتهد وأحسن أخي الكريم طيلة تلك العشر إيماناً واحتساباً ولن يخيب الله سعيك فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبها 
د محمد عبدالعزيز أبا الخيل  حفظه الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..