الصفحات

الأحد، 4 ديسمبر 2022

السجود عند قراءة سجدة ص في أثناء الصلاة

المبحث الخامس: سجود الشكر في أثناء الصلاة : وفيه مسألتان :
المسألة الأولى: السجود عند قراءة سجدة (ص) في أثناء الصلاة :
قبل أن نذكر حكم السجود عند قراءة سجدة (ص) في أثناء الصلاة ، يحسن أن نمهد لذلك ببيان حكم هذه السجدة هل هي سجدة شكر أم سجدة تلاوة ؟
وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول : أنها سجدة شكر ، فيسجد المسلم شكرا لله على النعمة التي أنعم الله بها على نبيه داود -عليه السلام- ، بقبول توبته ومغفرة ذنوبه ، والوعد بالزلفى وحسن المآب ، والتلاوة سبب لتذكر ذلك .
بهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه ، اختارها أكثر أصحابه ، وقال به أكثر الشافعية .
واستدل أصحاب هذا القول بأدلة أهمها:
الدليل الأول : ما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سجد في (ص) ثم قال: سجدها داود توبة ، ونسجدها شكرا .
الدليل الثاني : ما رواه البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "ص" ليست من عزائم السجود ، وقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسجد فيها .
( الجزء رقم : 36، الصفحة رقم: 300)
الدليل الثالث: ما روي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ص) وهو على المنبر ، فلما بلغ السجدة نزل فسجد ، فسجد الناس معه ، فلما كان يوم آخر قرأها ، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنما هي توبة نبي ، ولكني رأيتكم تشزنتم ، فنزل وسجد وسجدوا
القول الثاني : أنها سجدة تلاوة ، وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه ، والإمام أبو حنيفة وأصحابه ، وهو مذهب المالكية .
وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة أهمها:
الدليل الأول : استدلوا بجميع الأحاديث التي روي فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد في (ص)
( الجزء رقم : 36، الصفحة رقم: 301)
الدليل الثاني : ما روي عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن ، منها ثلاث في المفصل ، وفي سورة الحج سجدتان
قالوا: فتبين بهذا الحديث أن في (ص) سجدة تلاوة .
الدليل الثالث: أن هذه السجدة مكتوبة في مصحف عثمان -رضي الله عنه- ، فدل ذلك على أنها سجدة تلاوة .
( الجزء رقم : 36، الصفحة رقم: 302)
ويمكن مناقشة هذه الأدلة بأنها لا تفيد أن هذه السجدة سجدة تلاوة ، وإنما تدل على مشروعية السجود عند قراءتها فقط ، فيكون السجود فيها سجود شكر ، كما هو صريح في حديث ابن عباس ، وأيضا فإن في إسناد حديث عمرو بن العاص ضعفا كما سبق .
والصحيح في هذه المسألة هو القول الأول ، لقوة أدلته ، وكونها نصا في محل النزاع ، لا سيما حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- ، ولأن في هذا القول جمعا بين الأدلة ، والجمع بين الأدلة أولى من قبول بعضها ورد بعضها ، والله أعلم .
أما حكم السجود عند قراءة هذه الآية في أثناء الصلاة : فعلى القول بأنها سجدة تلاوة يستحب السجود عند قراءتها .
أما على القول بأنها سجدة شكر ، وهو القول الصحيح كما سبق ، فقد اختلف أصحاب هذا القول في جواز السجود في هذه الحال على قولين:
القول الأول : أنه يجوز السجود عند قراءتها في أثناء الصلاة ، وهذا القول وجه في مذهب الشافعية ، ووجه في مذهب الحنابلة .
ويمكن أن يستدل لهذا القول بما رواه أبو رافع -رحمه الله- قال: "صليت مع عمر الصبح فقرأ بـ (ص) فسجد فيها" .
القول الثاني : أنه لا يجوز السجود بها في أثناء الصلاة ، وهذا القول هو
( الجزء رقم : 36، الصفحة رقم: 303)
المشهور في مذهب الحنابلة ، وهو وجه في مذهب الشافعية .
وعلى هذا القول فلو سجد لها في أثناء الصلاة فإن كان ناسيا أو جاهلا صحت صلاته ، ويسجد للسهو ، وإن كان متعمدا فقد اختلف في ذلك على قولين:
القول الأول : تبطل الصلاة ، لأن هذه السجدة سجدة شكر فتبطل بها الصلاة كما لو سجد للشكر عند تجدد نعمة ، وهذا القول هو الصحيح من مذهب الحنابلة ، وهو وجه في مذهب الشافعية .
القول الثاني : أن صلاته صحيحة ، لأن سبب هذه السجدة من الصلاة ، وله تعلق بالقراءة فهي كسائر سجدات التلاوة .
وقال بهذا القول بعض الحنابلة ، وهو وجه في مذهب الشافعية .
والأحوط أن لا يسجد المصلي عند قراءتها في أثناء الصلاة خروجا من الخلاف ، فإن سجد لم نجرؤ على القول ببطلان صلاته ، لفعل عمر -رضي الله عنه- ، والله أعلم .
-----
تصفح برقم المجلد > العدد السادس والثلاثون - الإصدار : من ربيع الأول إلى جمادى الثانية لسنة 1413هـ > البحوث > سجود الشكر وأحكامه في الفقه الإسلامي > المبحث الخامس سجود الشكر في أثناء الصلاة > المسألة الأولى السجود عند قراءة سجدة ص في أثناء الصلاة .

المصدر
-

.... مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

حكم سجدة سورة (ص) في الصلاة وخارجها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..