الصفحات

الجمعة، 6 يناير 2023

هل فقد الغرب قيادة العالم في قطر؟*

      نشرت مجلة The Nation الأميركية (21 ديسمبر، 2022) مقالاً أعتبره تحولاً في الصحافة الغربية بعنوان (What Qatar's World Cup Tells Us About The World in 2022) (ماذا تخبرنا كأس العالم في #قطر عن العالم في 2022).


ولأهمية المحتوى ومن كتبه ونشره، ولكونهم يمثلون البلد محل الانتقاد، وجدت من المناسب ترجمة وتلخيص المقالة الطويلة، بتصرّف لغوي لا يغيّر المعنى، مع التعليق عليها.

الغرب يخسر الرهان!
يعلن الكاتبان Tony Karon و Daniel Levy في مقدمة المقال أن الغرب فقد قيادته الكونية في الدوحة، أكثر من أي وقت مضى. فبلايين البشر من سكان "جنوب العالم" أعلنوا ذلك بوضوح في مونديال 2022، عندما حضروا وتابعوا وأعجبوا بالعرب، ولم يأبهوا بتحذيرات واتهامات الصحافة والساسة والمنظمات الحقوقية الغربية للبلد الخليجي العربي الصغير، قطر.

وصح ظنهم، فالدولة الصحراوية أثبتت أنها قادرة على تحقيق أعظم نجاح تنظيمي للمونديال في التاريخ. وكَذًَبَ رُقيّ التعامل الرسمي والأمني، وكرم ولطف الشعوب العربية، وسماحة الدين الإسلامي، كل الصور النمطية لهذه المجتمعات والدول. وفضحت التغطيات الإعلامية الغربية تحيّز وعنصرية وعجرفة "الرجل الأبيض"!

صدمة إسرائيل
وأكثر من أدرك تلك الحقائق الإسرائيليون وحلفاؤهم، فحتى الشعوب التي طبعت حكوماتها وروّجت لما سمّته "الديانة الإبراهيمية" وفتحت أبوابها وقنواتها لحاخامات وقادة وسيّاح الدولة اليهودية، سرعان ما اكتشفوا رفض العرب على جميع المستويات، وخاصة الشباب والنساء، التخلي عن "القضيّة"، وحملوا الأعلام الفلسطينية، هم وغيرهم من الشعوب الشرقية والجنوبية، ورفضوا بحزم الحديث الى الإعلام الإسرائيلي.

فهذه الشعوب تدرك أن الذي يحاضر عليهم في حقوق الإنسان هم المستعمرون السابقون واللاحقون، وهم من دمّر حضارتهم وبلدانهم وأوصلوهم الى ما وصلوا إليه من تخلف وفقر وحاجة. وهم من يسجنهم ويطاردهم ويطردهم الى بلدانهم كما تفعل أميركا، ويعيد توطينهم في "رواندا" كما تفعل بريطانيا، ويحبسهم في معسكرات ومستودعات كما تفعل فرنسا، ويمنع إنقاذهم من الغرق كما تفعل إيطاليا. وهم من يوجّه خمسين مليار دولار لدعم أوكرانيا، ويقلص مساعدات الطعام والدواء والتعليم لفقراء أفريقيا وآسيا.

قيادة العالم
استشهد الكاتبان بفيلم عن المافيا الأميركية "Miller's Crossing" يقول فيه أحدهم لرئيسه: أنت تدير هذه المدينة ما دام الناس يعتقدون أنك تديرها! فإن لم يعودوا يعتقدون ذلك، فستنتهي قيادتك!
وإن كان سكان الأرض في ما مضى يعتقدون أن الولايات المتحدة وحلفاءها هم من يدير العالم، فقد تكشف لهم أن الأمر لم يعد كذلك. فالكذبة كبرت حتى لم يعد بالإمكان تصديقها، والادعاء بالتفوق والأفضلية بالون ينفخه الهواء الساخن، تسرّب في سماء الخليج.

حقوق الإنسان في أميركا
وضرب الكاتبان مثلاً ببرنامج مدّته ساعة على تلفزيون "بي بي سي" أذيع مع انطلاق المونديال، وتخصّص في مناقشة حقوق العمال والمثليين والمرأة في قطر، محذراً من الأحوال الأمنية في البلاد. وتخيّلا لو أن نفس البرنامج أذيع قبل كأس العالم (2026) وناقش نفس القضايا في أميركا، أكبر مستضيف للبطولة مع كندا والمكسيك.

وفي السيناريو، طرح المقال حقائق وأرقاماً، من بينها أن في أميركا مليوني سجين، وكمّية سلاح تفوق عدد سكانها، وعصابات جريمة منظمة، وقتل جماعي حتى في الشوارع والمدارس ودور العبادة. وهي بلد تهدر على التسلح أكثر من مجموع إنفاق الدول التسع التي تليها في قائمة الأكثر إنفاقاً على السلاح. وبالتالي فهي بلد غير آمن ويُنصح بعدم زيارته.

أما بالنسبة لحقوق الإنسان، فالاعتداء على الجاليات والسود والملوّنين وصل إلى حدّ مخيف، وأثار تظاهرات عنيفة. فأكثر نزلاء السجون منهم، وأكثر عقوبات الإعدام ضدهم، والشرطة الموكلة بحمايتهم، والمحاكم المسؤولة عن الدفاع عنهم، هم أسوأ المتجاوزين. أما عن حقوق العمال، فهي مهضومة، وأجورهم ضئيلة، خاصة للجاليات واللاجئين.

الكيل بمكيالين
كذلك إن الولايات المتحدة وحلفاءها أكبر الداعمين لإسرائيل التي ترتكب جرائم يومية في حق الفلسطينين وتحرمهم حقوقهم المشروعة والإنسانية. والحكومة الأميركية وشركاتها يتعاملون بمئات المليارات مع الصين التي يتهمونها بجرائم تطهير عرقي وقمع للأقليات وكبت للحريات.

وفي أميركا تطبق عقوبة الإعدام، باستخدام المواد السامة والصدمات الكهربائية، ونزلاء السجون لا يستطيعون التواصل مع أسرهم إلا من وراء الجاجز الزجاجي، وتنتشر بينهم المخدرات ويتعرضون للاعتداءات الجنسية والجسدية.

والنظام الرأسمالي الأميركي يعطي واحداً بالمئة من السكان كل الرفاه والحقوق ويظلم التسعة والتسعين بالمئة الباقية. فيكاد لا يوجد مواطن أو مقيم إلا هو مكبّل بالديون والقروض والرهن العقاري. وتزدحم المدن الكبرى، خاصة في الأحياء العمالية والمهملة، بمن لا يمتلكون مساكن، وينتشر المتسولون والمروجون والمتحرشون في كل شارع. ويواجه 41 مليون أميركي الجوع في أغنى بلاد العالم، فيما ينتشر الفساد المالي والسياسي في البنوك والشركات والقطاعات الحكومية.

النضال المنحاز
وبناءً على ذلك، فعلى برنامج الـ"بي بي سي" أن ينصح سكان "العالم الجنوبي"، والمطالبين بحقوق المضطهدين في "العالم الشمالي" بعدم السفر الى البلد الذي ينتهكها. وعلى "المناضلين" من أجل المساواة الاجتماعية والاقتصادية ومحاربة الفساد والاستغلال وتسلط شركات السلاح والأدوية والتبغ على صناع القرار استغلال فرصة إقامة كأس العالم لنقل ساحة النضال الى ميادينها.

وعلى المنافحين عن قضايا البيئة والمناخ التي تعتبر أميركا والدول الصناعية الكبرى أكبر الملوّثين لها في بلدانهم وفي العالم النامي، وأكثر المستهلكين لموارد الارض الطبيعية، مقاطعة الأولمبياد والتظاهر في الملاعب والمنتديات ضد الدولة المستضيفة.

ويعلق الكاتبان، أنه بالطبع لن يحدث ذلك لا في الـ"بي بي سي"، ولا في أي قناة إعلامية، ولن تشارك فيه أي منظمة بيئية أو حقوقية أو ليبرالية يديرها "الرجل الأبيض"، لأنهم سيجاملون الدول المستضيفة، ولن يحرجوا ديموقراطية تمثلهم ويشوّهوا صورتها أمام العالم. ولأن تخصّصهم ينحصر في الدول التي لا أسنان لها ولا أظافر، أو حتى لسان يدافع عنها.

ضياع الهيبة
وانتهى المقال الى أن معظم سكان الكرة الأرضية، خارج أميركا وأوروبا، يشمئزون من نفاق الغرب وغطرسته وتعاليه عليهم، ويرفضون الاستماع الى محاضراته والقبول بشروطه وتلبيه مطالبه. ولم يعودوا يهابونه أو يقبلون بقيادته الكونية. وفي أولمبياد كأس العالم 2022 بقطر، رفعوا الكرت الأحمر على الولايات المتحدة وحلفائها، وعلى إعلام الرجل الأبيض ومنظماته وناشطيه، وعلى المؤسسات الأممية التي يهيمن عليها. ولذلك، فعلى صناع القرار في هذه البلدان مراجعة حساباتهم وأسلوب تعاملهم مع الدول والشعوب الأخرى، قبل أن يفوت الأوان.

درس قطر
شكراً قطر على نجاح تاريخي سيشكل تحدّياً لكل مستضيف بعدك، وشكراً لأهلنا في قطر والمنطقة العربية على الروح العالية والراقية التي استقبلت وودّعت وتعاملت مع ضيوف العالم. وحمداً لله على توفيقه لإبراز الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين، ودحض المتآمرين والمترصدين والمحرضين على الخليج والعرب. وتحية لكل الدول والمنظمات التي أسهمت في خدمة المونديال، وفي مقدمتهم السعودية، التي وجّه ولي عهدها الوزارات والجهات المعنية بتوفير كافة احتياجات الدولة الشقيقة، المستضيفة.

والشكر موصول للمجلة الأميركية، ولكتّابها الأحرار. فقد أثبتوا لنا أن في الضمير الغربي بقيّة، وفي الإعلام الاميركي أملاً، ويستحقون منا الاشتراك في موقعهم على النت Thenation.com دعماً لهم. وتحية لكل كتّاب الرأي والمشجعين والمعلقين في الإعلام وقنوات التواصل الذين نقلوا الصورة بلا تشويه، وأيدوا حق البلد المستضيف في الدفاع عن قيمه الدينية والثقافية أمام التدخلات السياسية، والإيدلوجيات الليبرالية، والإصرار على سيادته وقيادته لتنظيم الكرنفال العظيم.

درس تميم
وأختتم بموقف الجنرال شارل ديغول الذي قاد حرب تحرير فرنسا من النازية، عندما أراد بعضهم أن يشاركه مقدمة الصف في مسيرة التحرير الى قوس النصر، في جادة الشانزلزيه، فمنعه بحزم قائلاً: عد الى الوراء، فهذا اليوم يومي! وهكذا فعل الأمير تميم بن حمد، لما دعا رئيس الفيفا الأوروبي، جياني إنفانتينو، الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لتسليم الكأس، فرفض بحزم.

نعم، هذا يوم العرب، هذا يوم الخليج، هذا يوم قطر، وهذا يوم العباءة العربية، فلا يزاحمنا على مسرح النصر متسلق لم يشارك فيه، أو يواجه الحملة ضدّه، أو يُدعَ إليه!
د. خالد محمد باطرفي
 المصدر: "النهار
*أستاذ في جامعة الفيصل
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..