الصفحات

الأحد، 4 يونيو 2023

حمير الوحش

حصل لبسٌ لدى كثيرين في تعيين حمار الوحش الواردِ في الشعر العربي القديم بهذا الحمار المخطط (الزيبرا) صورة رقم (١)؛ وذلك لشهرة الحمار المخطط الآن حتى صار (حمار الوحش)، في العالَم العربي منصرفاً إليه دون غيره. والعرب الأولين لم يعرفوا حمار الوحش (المخطط)، إلاَّ في نهاية القرن الرابع الهجريّ، والحمار الوحشي المعروف عند العرب والمعني بالأخبار والشعر هو في الصورة رقم (٢). وللاستزادة ينظر بحث د. عبدالرحمن السعيد، فقد فصّل في ذلك وأجاد، ومنه نقلت.


---
اضافة
بندر بن عبدالهادي الثمالي
@BandarThomaly
حمار الوحش .. ما هو ؟ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فيطرح كثير من طلبة العلم هذا السؤال: ما هو حمار الوحش الذي ثبت في الأحاديث الكثيرة -في الصحيحين وغيرهما- إباحة أكل لحمه؟ والجواب عن هذا السؤال هو من قبيل تحقيق المناط لحكم شرعي؛ فالدليل قائم على إباحة لحوم الحمر الوحشية؛ وبقي النظر في تعيين هذه الحمر. فيقال بعون الله: ذهب بعض أهل العلم المعاصرين إلى أن حمار الوحش إنما هو: المهاة (واحدة المها، أو ما يعرف الآن بـ: الوضيحي). من أولئك: الشيخ عبد الله البسام رحمه الله (في كتابه: تيسير العلام 711 ط حلاق، وإن كان خالف ذلك في كتابه توضيح الأحكام؛ فقال بالقول الصحيح الذي سأوضحه قريبا). وهذا القول ليس بصحيح؛ ولم يذكره أحد من أهل العلم المتقدمين فيما أعلم؛ بل المهاة معدودة عندهم من "بقر الوحش"، لا من حمر الوحش؛ وهذان نوعان مختلفان من الحيوانات. يقول الجوهري: (المها بالفتح: جمع مهاة، وهى البقرة الوحشية). (الصحاح 7/349) ويقول الموفق ابن قدامة رحمه الله: (ومن الصيود: الظباء وحمر الوحش ... وكذلك بقر الوحش؛ كلها مباحة على اختلاف أنواعها؛ من الِإيَّل [في الأصل: الإبل؛ وهو خطأ]والثَّيتَل والوعل والمها وغيرها من الصيود؛ كلها مباحة وتفدى في الإحرام). (المغني 13/324). ويقول الدميري: (البقر الوحشي: هذا النوع أربعة أصناف: المها والِإيَّل واليحمور والثَّيتَل). (حياة الحيوان 1/220). ومن شواهد خطأ هذا القول: أنهم وصفوا حمار الوحش بالنهيق؛ وهذا لا يتأتى من المهاة! يقول الجاحظ: (فإنهم يزعمون أن الخفاش إذا عضَّ الصبي لم ينزع سنه من لحمه حتى يسمع نهيق حمار وحشي ...).(الحيوان 3/534). إذا اتضح هذا فيقال: إن الحمار الوحشي شبيه الحمار الإنسي (الأهلي، المعروف) في الخلقة -مع اختلاف في الحجم واللون-.  يقول الماوردي: (ولاختلاف الأماكن مع الإجماع في الاسم والصورة تأثير في الحظر والإباحة؛ لأن الحمار الوحشي والحمار الأهلي يجتمعان في الاسم، ويشتبهان في الصورة، ويفترقان في الإباحة؛ فيحل الوحشي، ويحرم الأهلي).(الحاوي 15/62) ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم: (حمار الوحش كان في جزيرة العرب بكثرة، وهو في أشعارهم في ذكر القنص وكذلك في الأحاديث، وخلقته تشبه خلقة الحمار الإنسي من كون له حافر وأذنان طويلتان وبقية صفاته، وليس من الأهلي فتوحش؛ بل هذا جنس مستقل؛ فالوحش من الطيبات، والأهلي من الخبائث). (فتاويه 12/203) والحمار الوحشي المخطط -المشهور اليوم- نوعٌ منه (هو النوع الإفريقي، ويسمى: حمار الزرد). والشواهد في كلام المؤرخين والعلماء على أن هذا النوع من حمر الوحش عديدة، أذكر منها ما يأتي: قول النويري (733هـ): (ذكر ما قيل في الحُمُر الوحشية ... ويوجد منه ما تكون شِيَتُه معمَّدةً ببياض وسوادٍ في الطول من أعضائه المستطيلة، ومستديرة فيما استدار منها بأصح قسمة، ومنها صِنفٌ يسمى الأخدري وهو أطولها أعماراً، وقد وصفها أبو الفرج الببغاء من رسالةٍ ذكر فيها أتاناً معمّدةً ببياض وسواد ...).(نهاية الأرب في فنون الأدب 9/199). وقال أثناء ذكر حادثة وقعت: (وكان مما أحضروه حمار وحشي أبلق مخطط قدر البغل،لم يصل إلى الديار المصرية مثله فيما سلف). (32/253) وقول الأبشيهي (850هـ) واصفا هدية لبعض الخلفاء: (وحمارة وحشية عظيمة الخلقة في قدر البغل، وآذانها شبه آذان البغل، وهي مخططة تخطيطا عاما لجميع خلقتها). (المستطرف 2/121) وقول المناوي (1031هـ) أثناء شرحه لأثر: (أزهد الناس في العالم أهله وجيرانه): (فما هو إلا كحمار الوحش يُدخل به البلد؛ فيطيف الناس به معجبين لتخطيط جلده، وحمرهم بين أظهرهم تحمل أثقالهم لا يلتفتون إليها). (فيض القدير 1/482).
لكن يُنبه هنا إلى أن الحمر الوحشية ليست محصورة في المخططة؛ إنما هي نوع منها، وثمة أنواع أخرى مختلفة الألوان؛ يقول الدميري: (وألوان حمر الوحش مختلفة). (حياة الحيوان 1/359).
ويقول الزركشي:
(... بخلاف الحمر الوحشية لا تلحق بالإنسية منها؛ لاختلاف ألوان تلك واتحاد هذه). (المنثور 2/223). ويبدو أن شهرة النوع المخطط في هذا العصر إنما كانت لكثرته وندرة الأنواع الأخرى أو انقراضها؛ فإن من يطالع كتب الأدب يلحظ أن حمر الوحش كانت قديما كثيرة في الجزيرة العربية (ثم انقرضت كما انقرضت المها وغيرها من الحيوانات؛ لأسباب عديدة)؛ ولم يكن النوع المخطط معروفا فيها؛ بدليل أنها وصفت في أشعار العرب كثيرا، ولم أقف على وصفها بهذا التخطيط مع أنه جدير بذلك. جاء في تاج العروس: (وأنشد ابن بري لابن الرقاع يصف حمار وحش:  مولّعٌ بسواد في أسافله ........ منه اكتسى، وبلون مثله اكتحلا). (22/376) ويبدو أنه لم يكن مشهورا أيضا في مصر؛ حيث يقول الدميري -وهو مصري-: (وألوان حمر الوحش مختلفة). (حياة الحيوان 1/359)، =

ولم يشر إلى هذا اللون المخطط مع أنه بديع الشكل، وهو في كتابه يعتني بوصف ما هو دونه في الحسن والغرابة.  ويؤكد هذا ما نقلته آنفا عن النويري. والخلاصة الفقهية المتعلقة بهذا الموضوع: أن حمار الوحش -المخطط وغيره- حلال الأكل، ولا وجه للتوقف في ذلك.  هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وكتبه: صالح بن عبد العزيز بن عثمان سندي


--------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..