الصفحات

الخميس، 30 مايو 2024

أنا المدير

         في ظهيرة يوم قائظ والشمس ترسل أشعتها، وحرارتها تشتد وتلفح الأجساد، وفي الأفق ضباب سراب يحسبه الظمآن ماء، وفي ردهات إحدى منشآت الأعمال وبينما السكون يخيم على جميع أرجائها وإذا بصوت شديد أجش فيه بحة وغلظة ونبراته حادة يعبر عن بعض جوانب شخصية صاحبه قد بدأ في الارتفاع وصار مسموعا «أنا المدير وعليك أن تتقيد بما أقوله لك حرفيا وأن تنفذ ما أطلبه منك كما هو تماما، أنا المدير وأستطيع أن أفعل أي شيء وأنهي خدمات من أريد و ...» وقاطعه صوت جهوري يولد عند من يسمعه انطباعا ملحوظا بالثقة بالنفس، ويبدو من نبرته أنه يعكس ما يشعر به صاحبه من شدة هم وغيظ وامتعاض وتعجب، وأنه قد ضاق ذرعا ومل من جو العمل الذي يتواجد فيه قائلا «نعم الجميع يعلم ذلك ولكن هل تعلم أنك تلعب دورا سلبيا في الإدارة بهضم حقوق الآخرين وعدم تقدير جهودهم، وتخلق ظروف عمل سيئة تضر الجميع بضعف شخصيتك وترددك وعدم قدرتك على اتخاذ القرارات وتهربك من تحمل المسؤولية، وإلقائك دائما باللوم على الآخرين وتوبيخهم وتحميلهم كل أخطائك».

لا شك أن الإدارة علم له أصوله وفن لأنها تنفذ بأساليب فنية، ولكن هناك من يفسد كل هذا ويصيبه بالعطب والخلل بسوء اختيار من يطلق عليهم مجازا «مدراء»؛ فهم ليسوا جديرين حتى بإدارة أنفسهم ولا يستحقون ذلك؛ فالبعض منهم يعيش الصدمة عندما يكون مديرا، حيث يتولد عن ذلك عبء نفسي جسيم «ضغط نفسي» وغالبا ما يحس بنفسه في مثل هذه الحالات عاجزا تماما أو يصيبه خوف شديد أو رعب من هول ما يجده من مكانة لا يستحقها وربما تساءل أحدهم: هل أستحق كل هذا؟ فيهتم بنفسه بصورة مبالغ فيها وبشكل يتجاوز الحد دون مراعاة مشاعر وأحاسيس واحتياجات الآخرين أو فهم طبيعتهم بعمق وسمات شخصياتهم وظروفهم، ومن العجيب أنه لا يدرك الحقيقة بل يعتقد أنه شخص يظهر لطفا نحو الآخرين وميال إلى المساعدة وتلبية الرغبات، في حين أنه يعمل لمصلحته ومكاسبه الشخصية دون أي اهتمام بمصلحة العمل.

فعنايته تتركز على تلميع نفسه على حساب الآخرين، ولو وصل به الأمر إلى هضم حقوق المبدعين وإنقاصها وبخسها وتهميش من يتوقع أنه قد ينافسه وعدم إعطائه أي أهمية، بل يحاول التقليل من قيمته أمام الآخرين ويذكر من حوله دائما بأنه المدير، ويظن أن وظيفته أن يراقب أداء الموظفين وأن يتأكد من حضورهم وتواجدهم بشكل دائم في مقر العمل وعدم انصرافهم منه مبكرا، وأن يخبرهم ماذا عليهم أن يفعلوا وأن يبلغهم بأن يرفعوا له التقارير؛ فيظن غيره أن هذه فعلا هي مهام المدير وهذا – بلا شك – خطأ.

المدير لم يوجد لأجل الضبط والتقييد أو التوبيخ بل وظيفته هي التشجيع وتوفير الأدوات التي تعين الموظف وتدعمه وتشجعه، وتزويده بالأدوات التي يكون في حاجة إليها لأداء وظيفته من تدريب ورفع درجة المهارة في أداء واجباته الوظيفية، لكي يعطي الموظف كل ما لديه فيحصل من ورائه على الإنتاجية التي يريدها.

الأربعاء - 29 مايو 2024

  عبدالله سعود العريفي


 | صحيفة مكة

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..