الصفحات

الثلاثاء، 9 يوليو 2024

أنواع من البيوع التي نهى عنها الإسلام

 

الحمد لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

فقال تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]

من نعمة الله على عباده أن اختار لهم الإسلام دينًا، وقد جاء هذا الإسلامُ ليحفظ حقوقَ العباد، ويقضي على كل

المعاملات التي نهى الشرع عنها، وقد كانت الجاهلية يتبايعون فيما بينهم بالربا ويأكلون أموالهم بالباطل، فأنزل الله:
﴿ يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ [سورة النساء: 29].

 

وقد كانت البيوع المنهي عنها كثيرة، لكن نذكر هنا بعضًا منها باختصار:

عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - مرفوعًا: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المُخَابَرَةِ والمُحَاقَلَةِ، وعن المُزَابنة، وعن بيع الثَّمَرَة حتى يَبدُو صَلاحُها، وأن لا تبُاع إلا بالدينار والدرهم، إلا العَرَايَا.

 

وَعَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ قال: نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُخَاضَرَةِ، وَالمُلامَسَةِ، وَالمُنَابَذَةِ، وَالمُزَابَنَةِ؛ أخرجه البخاري؛ [صحيح]، [متفق عليه].

 

المخابرة:

هي أن يكري الأرض، ويكون لصاحب الأرض جانب معين من الزرع، وللمزارع الجانب الآخر.

 

وهذه هي المزارعة الفاسدة، وهي محرمة؛ لما فيها من الجهالة والضرر، فقد ينجح جانب صاحب الأرض ويفسد جانب المزارع، فيكون فيها جهالة وضرر.

 

المحاقلة: بيع الحنطة في سنبلها بحنطة صافية.

أو بيع القمح الصافي بقمح ما زال بالسنابل، وهو بيع معلوم بمجهول.

 

المزابنة:

بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر الجاف على الأرض، والعنب في شجره بالزبيب على الأرض، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ»، وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ مَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ بِكَيْلٍ مُسَمَّى، إِنْ زَادَ فَلِي، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ.

 

فهذه هي المزابنة وهي من الربا؛ لأن فيها جهالة، فإذا أراد أن يبيع ثمر النخل الرطب في رؤوس النخل بتمر في الأرض فلا يجوز؛ لأن شرط التماثل غير متيسر، والسبب أن الذي في رؤوس النخل لا يعلم قدره إلا بالخرص.

 

واستثنى من هذا البيع بيع العرايا:

بيع العرايا: وهو بيع الرطب الذي على النخيل بالتمر، واتفق الجمهور على جوازه في التمر يباع برطب على رؤوس النخل، واختلفوا فيما عداه.

 

الأصل يقتضي تحريم العرية؛ لأن تشبه بيع المزابنة، وإنما جازت في ثمرة النخيل رخصة للحاجة فيما دون خمسة، والحاجة يعرفها الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى، يقول: والعرايا: كون الإنسان يحتاج إلى رطبٍ، وليس عنده دراهم، فيشتري بالتمر الذي عنده النَّخيل – الثمرة - بخرصها تمرًا، ويُعطيه التمر يدًا بيدٍ، هذه رخصةٌ خاصَّةٌ، لحاجة الناس إلى الرطب، إذا كان ليس عندهم نقودٌ فيأخذها بخرصها تمرًا، والمشتري يأكله رطبًا، على أن تكون الثمرةُ خمسة أوسق فأقلَّ؛ يعني: أقل من خمسة أوسق؛ لأنَّ الشق يقتضي عدم حلِّ الخمسة، والوسق ستون صاعًا في أقلِّ من ثلاثمئة صاع، لا بأس بذلك، واحدها: عرية، والعرية هي هذه، هي التي تُشترى بخرصها تمرًا، والتمر في رؤوس النخل، فإذا قال العارفون بها أنَّ هذه الثمرة تكون تمرًا ثلاثين صاعًا، أعطاه ثلاثين صاعًا، يدًا بيدٍ، ووصلت الثمرةُ له، استثناءً من مسائل الربا، ولحاجة الناس إلى الرطب، فهو يُعطيه مثلًا بمثلٍ في الخصف، فيما دون خمسة أوسق.

 

أخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن أبي حثمة، وأخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخَّص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق (شك من الراوي)، والمقصود من بيع الثمر بالتمر؛ أي بيع ثمر النخلة الجديد بالتمر القديم.

 

وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا: أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلًا؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

وَلِمُسْلِمٍ: رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا، يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا.

 

المخاضرة: (المخاضرة) بيع الثمار والحبوب وهي خضر قبل أن يبدو نضجها.

فعن أنس رضي الله عنه أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهَى عن بَيْعِ الثِّمَارِ حتَّى تُزْهيَ، فقِيلَ له: وما تُزْهِي؟ قالَ: حتَّى تَحْمَرَّ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أحَدُكُمْ مَالَ أخِيهِ؟! صحيح البخاري.

 

بيع المنابذة والملامسة: وقد روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه: «نهى عن الملامسة والمنابذة»؛ متفق عليه.

 

والملامسة: أن يبيعه شيئًا ولا يشاهده على أنه متى لمسه وقع البيع.

 

والمنابذة: أن يقول: أي ثوب نبذته إليَّ فقد اشتريته، وفي البخاري أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن المنابذة، وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، ونهى عن الملامسة، والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه، وعلة المنع من ذلك كون المبيع مجهولًا لا يعلم.

 

بيع الحصاة: هو أن يرمي بحصاة، فيكون البيع على ما تقع عليه الحصاة، فروى مسلم عن أبي هريرة «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الحصاة»؛ [رواه مسلم]، وتفسيره هو أن يقول: ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا.

 

بيع حَبَل الحَبَلَة: وهو بيع ولد ولد الناقة بثمن مؤجل، وفي الصحيح أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وكَانَ بَيْعًا يَبْتَاعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ: كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ، ثم تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.

 

بيع المضامين: وهو بيع ما في أصلاب الإناث من الأجنة.

 

بيع الملاقيح: وهو بيع ما في أصلاب الفحول.

 

بيع عَسْب الفحل: وهو أخذ الثمن مقابل قيام الحيوان الذكر بتلقيح الأنثى من جنسه، وكل هذه الصور من المحرمات؛ وذلك لما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ عَنِ المُحَاقَلَةِ، وَالمُخَاضَرَةِ، وَالمُلَامَسَةِ، ‌وَالمُنَابَذَةِ، وَالمُزَابَنَةِ).

 

بيع العينة: وهو أن يبيع التاجر السلعة مؤجلة، ثم يشتري التاجر نفسه البضاعة نفسها من المشتري نفسه نقدًا بسعر أقل، وبذلك فلا يجوز للمسلم أن يبيع شيئًا إلى أجل، ثم يشتريه لمن باعه له بثمن أقل مما باع به، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ظن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعين، واتَّبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله - أنزل الله بهم بلاءً فلم يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم))، وهذا هو عين ربا النسيئة.

 

البيع عند آذان الجمعة الثاني: وقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: 9]، فمن الواجب ترك البيع عند سماع آذان الجمعة، والذهاب لأداء الصلاة، ولا خلاف بين الفقهاء في تحريم هذا البيع، وهذا غالبًا ما نراه فيمن يبيع المساويك وبجانب المسجد، بل بعضهم يبيعها داخل حرم المسجد، فينبغي توضيح الحكم لهم حتى ينتهوا.

 

بيع المطعوم قبل قبضه: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يستوفيه)).

 

بيع المسلم على المسلم: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبِع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب بعضكم على خطبة بعض))، وصورته أن يشتري أخوه بضاعة بخمسة دنانير فيقول له الآخر: ردَّها إلى صاحبها، وأنا أبيعها لك بأربعة.

 

بيع النجش: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا تناجشوا))، والنجش يعني الزيادة في السلعة بدون قصد شرائها، وإنما ليوقع السوام عليها، فيشتروها فيغرر بالمشتري.

 

بيع ما فيه غرر: لا يجوز بيع السمك في البحر والطير في الجو إذا كان غير محازٍ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ((لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر)).

 

بيع بيعتين في بيعة: لِما رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيعتين في بيعة، فلا يجوز للمسلم أن يعقد بيعتين في بيعة واحدة، ولها ثلاث صور:

بعتك الشيء بعشرة أو خمسة إلى أجل، ويمضي البيع، ولم يبيِّن أي البيعتين قد أمضاها.

ومنها أن يقول له: بعتك هذا المنزل مثلًا بكذا على أن تبعني كذا بكذا.

ومنها أن يبيعه أحد شيئين مختلفين بدينار مثلًا، ويمضي العقد ولم يعرف المشتري أي شيئين قد اشترى!

 

بيع الحاضر للبادي: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض))؛ أي إذا أتى البادي أو الغريب عن البلد، بسلعة يريد بيعها في السوق بسعر يومهما، لا يجوز للحضري أن يقول له: اترك السلعة عندي وأنا أبيعها لك بعد أيام بسعر أكثر من سعر اليوم والناس في حاجة إلى هذه السلعة.

 

الشراء من الركبان: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَلقوا الرُّكبان، ولا يبِع حاضرٌ لبادٍ))، فلا يجوز للمسلم إذا سمع بسلعة قادمة إلى البلد، فيخرج ليتلقاها من الركبان خارج البلد، فيشتريها منهم هناك ثم يدخلها ويبيعها كما شاء، لِما في ذلك من ضرر بأهل البلد من تُجار وغيرهم.

 

بيع المصراة: لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يَحتلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردَّها وصاع تمر))؛ أي لا يجوز للمسلم أن يصري الشاة، أو البقرة أو الناقة، بمعنى يجمع لبنها في ضرعها وكأنها حلوب؛ ليرغب الناس في شرائها، فيبيعها، لما في ذلك من الغش والخديعة والضرر.

 

وهذه بعض البيوع المنهي عنها، وسبب النهي عنها ما فيها من الغرر والضرر والجهالة، وهذا من حكمة الإسلام أن يراعي أحوال الناس ويحفظ حقوقهم، فلله الحمد والمنة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..