الصفحات

السبت، 28 يونيو 2025

سالمُ الدوسريُّ... حينَ يبتسمُ الإعصارُ* .

         حينَ انهالتْ رشقاتُ السّهامِ على قائدِ منتخبِنا الوطنيِّ، وقبطانِ الكتيبةِ الزّرقاءِ، إثرَ إخفاقِه الأخيرِ معَ صقورِنا الخضرِ، *وكأنها تمطرُ قلبَه لا جسدَه*، بعدَ عثرةٍ لم تغبْ عن عينِ النّقدِ ولا عن أفواهِ القسوةِ؛ راودني ظلٌّ منَ الشّفقةِ، وخطرَ ببالي أنَّ بوصلةَ تألّقِه قد بدأتْ تتّخذُ لونَ الأفولِ، وأنَّ مسارَه سيبدأُ بالانحدارِ، كما حدثَ معَ كواكبَ كثيرةٍ انطفأَ بريقُها قبلَ الأوانِ.
.
*حينَ تُطلقُ السّهامُ على القلبِ، لا يُشفى الجسدُ*
.
بيدَ أنَّ سالمَ الدوسريَّ أثبتَ أنَّه سُلِكَ من طينةِ العظماءِ، أولئكَ الّذينَ لا تُحني العواصفُ مناكبَهم، بلْ تزيدُها صلابةً ورسوخًا. أثبتَ أنَّه كما الماءِ لا يُكسرُ، وأنَّ في روحِه شموخَ نخيلِ وادي الدواسرِ حينَ تُعاندُه الرّيحُ.
.
*في قاعِ الهاويةِ، يُولدُ مجدٌ لا تُطفئُه النّيرانُ.*
.
لقد فعلَ هذا القائدُ ما هو أبعدُ منَ الصّمودِ؛ إذْ أدارَ ظهرَه لكلِّ زوابعِ التّشكيكِ وأعاصيرِ التّجريحِ، ومضى نحوَ المجدِ مبتسمًا، كأنّما يستمدُّ من ضجيجِهم هدوءَه الدّاخليَّ.
.
*حقًا: منْ يبتسمُ في وجهِ العاصفةِ، يعلّمُ الرّيحَ دروسَ الكبرياءِ.*
.
دخلَ كأسَ العالمِ للأنديةِ، ورمادُ الهجومِ ما يزالُ يتوهّجُ تحتَ قدمَيْه...
حملَ وزرَ ضربةِ جزاءٍ أوجعتْنا، وتتالى عليه فحيحُ الانتقاداتِ، ومرايا الألسنِ التي لا تعكسُ سوى التشفّي، وتلقّى منَ الشتائمِ ما يعصفُ بثقةِ أيِّ إنسانٍ، بيدَ أنَّه دخلَ كمنْ يُشعلُ النّارَ في البردِ، لا ليتدفّأَ، بلْ ليُنيرَ.
كانَ كما الكبارِ، لم يُقِمْ مأتمًا على لحظةٍ؛ بلِ التقطَ كسورَها، وصنعَ منها درعًا جديدةً.
.
*منْ كسورِ اللحظةِ، يصنعُ الكبارُ تيجانَ النصرِ.*
.
هنا تكمنُ عظمةُ بعضِ الأرواحِ؛ تنهضُ لا لتنجو، بلْ لتُدهشَ.
يقفُ الكبارُ لا على أنقاضِ هزائمِهم، بلْ فوقَها، كأنّها منصّةٌ جديدةٌ للتّتويجِ.
وهذا ما فعلَه سالمُ: جمعَ حطامَ اللحظةِ، وصنعَ منها نصلًا ورايةً.
.
*هكذا، يُحرِّرُ المجدُ نفسهُ من رمادِ اليأسِ.*
.
وفي أمسيةٍ ستبقى محفورةً في ذاكرةِ الزمنِ، ارتدى المجدُ قميصَه الأزرقَ، حوّلَ قدمَيْه إلى أجنحةِ نسرٍ، يُحلّقُ فوقَ المساحاتِ الخضراءِ، بل أكثرَ منْ ذلك، تحوّلَ بعدها إلى فنانٍ، بيدِه ريشةٌ، يرسمُ بها على العشبِ هدفًا للتاريخِ، ويسحبُ "الهلالَ" -هلالَ الوطنِ- إلى قمّةٍ لمْ يرتقِها نادٍ آسيويٌّ منْ قبلُ، ولمْ يصلهُ نادٍ عربيٌّ في أوّلِ نسخةٍ منْ هذهِ البطولةِ.
.
*هنا، ارتسمَ المجدُ، بلمسةِ فنانٍ لا تُرسمُ إلا مرّةً واحدةً.*
.
يا سالمُ...
كأنّكَ رددتَ في أذنِ الدنيا، دونَ أنْ تنطقَ: *"منْ يسقطُ اليومَ جريحًا، قدْ يكتبُ غدًا ملحمةَ الخلودِ"*.
.
كأنّكَ بعثتَ برسالةٍ للوجودِ نفسِه، أنَّ *"الكبوةَ لا تقتلُ الجوادَ الأصيلَ، بلْ تُعدّهُ للركضِ الأجملِ والأبهى..."*.
.
كأنك همستَ للزمنِ: *"الركلةُ التي أضعتَها، لمْ تكنْ نهايةَ الرحلةِ... بلْ كانتْ البدايةَ لصعودٍ لا يُجارى"*.
.
*السقطةُ التي لمْ تقتلْكَ، هيَ التي صنعتْك منْ جديدٍ.*
.
فلتكتبْ سجلاتُ التاريخِ أنَّ شابًا منْ أرضِ نجدٍ، جاءَ ليحفرَ اسمَه في قلبِ المونديالِ، ليسَ لهدفٍ عابرٍ، أو تمريرةٍ خاطفةٍ، بلْ لأنَّه نجا منْ غرقِ السقوطِ، قاومَ اليأسَ، وأعادَ بناءَ حلمِه منْ رمادِ النقدِ.
.
لقدْ أثبتَ أنَّ الهلالَ، *الذي زعمَ البعضُ أنَّه أضعفُ وأوهنُ نسخةٍ زرقاءَ*، هوَ سفينةٌ لا تغرقُ، يقودُها أميرالٌ فذٌّ، اسمُه سالمٌ، لا يعرفُ الاستسلامَ.
.
*منْ نجا منَ الغرقِ، يستحقُّ أنْ يقودَ سفائن النصر.*
.
وها أنا أراهنُكمْ، يا سادةُ، أنَّ سالمَ الدوسريَّ حجزَ مقعدَه في ديوانِ الأساطيرِ الخالدينَ، أولئكَ الذينَ لا يتجاوزونَ أصابعَ اليدِ الواحدةِ، في سجلِّ الذهبِ للكرةِ السعوديةِ، *فباتَ فتانُنا الذهبيُّ في مصافِّ ماجدَ عبداللهِ، وسامي الجابرِ، ومحمدٍ عبدالجوادِ، ومحمدٍ نورٍ، وثلةٍ أخرى..وهوَ الآنَ بينهمْ*..

 وقدْ يكونُ - إنْ ثابرَ بهاتهِ الروحِ - منْ يسبقُهم خطوةً في قلبِ التاريخِ، ويقتعدُ العرشَ وحيدًا.
.
*الأساطيرُ لا تصنعُها الأرقامُ، بلْ اللحظاتُ التي لا تموتُ.*
.
سالمُ…
يا أيقونةَ الكرةِ، التي مزجتِ الموهبةَ الفذّةَ بالخُلقِ الرفيعِ،
يا أيها الشاعرُ، الذي كتبَ ملحمتَه على عشبِ الملاعبِ،
لا بالحروفِ، بلْ بالعرقِ، والتعبِ، والنّبضِ.
.
أهمس لك : *بعضُ القصائدِ لا تُكتَبُ بالقلمِ، بلْ تُركَلُ بالرّوحِ.*
.
أنتَ نجمٌ…
وبعضُ النجومِ لا تُضيءُ، بلْ تُشعلُ كواكبَ بأكملِها.
*في ظلمةِ المدى، نجمٌ واحدٌ، كافٍ لإشعالِ الكونِ..*


بقلمِ: عبدالعزيزِ قاسمٍ
إعلاميٍّ وكاتبٍ صحفيٍّ

28 6 2025 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..