قصص مأساوية ستتكرر إن لم نضع التدابير ؟؟؟
في أغسطس من عام 2025 تصدّرت قصة حزينة واجهة الإعلام العالمي بعد أن أقدم المراهق الأمريكي آدم راين، البالغ من العمر ستة عشر عاماً، على الانتحار عقب محادثات مطوّلة مع روبوت المحادثة "ChatGPT". عائلته سارعت إلى رفع دعوى قضائية ضد شركة OpenAI ورئيسها التنفيذي سام ألتمان، متهمة إياهم بالإهمال وبأنهم أطلقوا نسخة غير مكتملة من النظام المعروف بـ GPT-4o لأغراض ربحية دون استكمال اختبارات السلامة الضرورية. تفاصيل القضية كشفت أن المراهق كان يرسل ما يقارب ستمئة وخمسين رسالة يومياً للروبوت، يناقش فيها أفكاره الانتحارية، ولم يجد رادعاً يثنيه أو يحيله لجهات مختصة بالمساعدة، بل تلقى تفاعلاً وصل إلى حد تقديم خطط تقنية لكيفية تنفيذ الانتحار، وكتابة رسالة وداع موجهة لعائلته.
اعترفت الشركة نفسها بأن آليات الأمان قد تضعف تدريجياً كلما طالت المحادثة، وهو ما يفتح الباب أمام أخطار نفسية وسلوكية جسيمة، خاصة عند المراهقين الذين قد ينجذبون عاطفياً نحو هذا النوع من الأنظمة فيتعاملون معه كما لو كان صديقاً أو معالجاً نفسياً. ومن هنا يمكن القول إن المأساة لم تكن وليدة لحظة واحدة، بل نتيجة غياب إشراف أسري ورقابي وتشريعي في فضاء رقمي يتسع يوماً بعد يوم دون ضوابط كافية.
الدروس التي تكشفها هذه القضية عديدة، لعل أبرزها أن الرقابة الأبوية لم تعد خياراً، بل ضرورة أساسية لحماية الأبناء من مخاطر العالم الرقمي. فلا يكفي أن يملك المراهق هاتفاً أو جهازاً ذكياً دون أن يكون للأهل متابعة حقيقية لنوعية استخدامه، فالمحادثات الطويلة التي يجريها مع أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تبني علاقة عاطفية تهيئه لتلقي أي نصيحة أو توجيه مهما كان خطيراً. كما أن دور الدولة أصبح مضاعفاً، فالتشريعات التي تنظم عمل الشركات يجب أن تُلزمها بآليات أمان قصوى للمستخدمين دون الثامنة عشرة، وأن توفر خاصية إشعار فوري للأهل عند ظهور محادثات حساسة تتعلق بالانتحار أو العنف أو الإيذاء النفسي، إلى جانب إنشاء هيئات وطنية لمراجعة واعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي قبل طرحها في الأسواق.
وفي المقابل، فإن غياب التتبع والشفافية يزيد من حجم المشكلة، إذ من الصعب تحميل الشركات المسؤولية الكاملة ما لم تكن هناك أنظمة واضحة لتوثيق المحادثات التي يجريها القُصر، وحفظها بطريقة آمنة تسمح بمراجعتها عند وقوع الأزمات. من هنا تأتي أهمية فرض تقارير بشفافية دورية على الشركات، تبين حجم المحادثات التي تتناول قضايا حساسة، والإجراءات التي اتخذت لمعالجتها. ولا يقل عن ذلك أهمية الوعي المجتمعي، فالآباء والأبناء على حد سواء بحاجة إلى تثقيف رقمي حقيقي، يعلّم المراهق كيف يفرّق بين النصيحة الصائبة والخطرة، ويُشعر الأهل بضرورة الحضور في حياة أبنائهم الرقمية كما هم حاضرون في حياتهم الواقعية.
وفي هذا السياق، لا بد أن تتحمل المؤسسات التعليمية أيضاً مسؤوليتها، فالتثقيف الرقمي يجب ألا يظل مجرد نصيحة عائلية أو مبادرة فردية، بل ينبغي أن يتحول إلى جزء أصيل من المناهج الدراسية. إدخال مادة دراسية متخصصة في التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي سيجعل الأجيال القادمة أكثر قدرة على فهم آليات عمل هذه الأنظمة، والتعامل معها بوعي، ومعرفة ما هو آمن وما هو مضر. هذه الخطوة كفيلة بأن تجعل المراهقين لا ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي كصديق غامض يوجه حياتهم، بل كأداة تقنية لها حدود وضوابط. التعليم في هذه الحالة يصبح خط الدفاع الأول الذي يحمي المجتمع من الانزلاق نحو أزمات مشابهة.
إن مأساة آدم راين ليست مجرد حادث فردي، بل جرس إنذار يقرع ليكشف عن ثغرات عميقة في فضاء الذكاء الاصطناعي. هذه الأدوات العظيمة قد تتحول إلى سلاح قاتل إذا تُركت بلا رقابة أو تنظيم. والحل لا يكمن في طرف واحد، بل في تكامل الأدوار بين إشراف الأهل، وتشريعات الدولة، ومسؤولية الشركات، وإدماج التثقيف الرقمي في المناهج الدراسية، وتوعية المراهقين منذ الصغر. بهذا فقط يمكن تحويل الفضاء الرقمي من خطر داهم إلى مجال آمن وبنّاء ينهض بالأجيال بدلاً من أن يهدد مستقبلها.
💢كتبه / مازن المليح .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..