العودة للدراسة، حدث يعيد للحياة إيقاعها النابض والسَّريع، بعد أنْ فرض فصل الصيف إيقاعًا مختلفًا؛ بسبب حرارته الشديدة، وأجوائه الخانقة؛ ممَّا يدفع الأُسر للبحث عن أماكن ذات أجواء أكثر اعتدالًا داخل المملكة أو خارجها. كأنَّ جدة في فصل الصيف تُفرَّغ من سكَّانها؛ بسبب سفر معظم الأُسر، وتبدأ العودة الحقيقيَّة مع انطلاق العام الدراسيِّ. ساهم التنوُّع الجغرافيُّ والمناخيُّ الرائع داخل المملكة في استقطاب السيَّاح، خاصَّةً من دول الخليج، مع تزايد الاهتمام بأنواع السياحة المختلفة، مثل السياحة الدِّينيَّة والصيفيَّة، وأيضًا السياحة الشتويَّة، التي جعلت من مدينة جدَّة وجهةً سياحيَّةً بارزةً في الشتاء؛ بفضل أجوائها الربيعيَّة المنعشة، وطبيعتها الثقافيَّة والاجتماعيَّة المنفتحة والمتنوِّعة.
تُشكِّل العودة إلى الدراسة نقطة تحوُّل للمجتمع ككل، حيث تدفع الجميع للعودة إلى منازلهم، إذ لا يخلو بيت من طالب أو معلِّم في أيِّ مرحلة من مراحل التعليم، حتَّى لو كان ذلك بشكل غير مباشر، مثل وجود الأحفاد. وبرغم عدم ارتباطي المباشر بالدراسة والمدارس، بعد أنْ تحرَّرتُ منها، إلَّا أنَّني أشعرُ بروح العودة مع أحفادي، فأراقب استعداداتهم، ونظام دراستهم وانتظامهم، وأحسُّ أنَّ عودة الحياة للمنزل مرتبطة بانتظامهم في الدراسة، حتَّى وهم في منازلهم.
هذا العام شهد التعليم تغييرًا مهمًّا بالعودة إلى نظام الفصلين الدراسيين، بعد التخلي عن نظام الفصول الثلاثة، الذي أرهق الأُسر وشتت الطلاب. كذلك تسبَّبت الإجازات القصيرة المتفرِّقة بين الفصول، في إرباك الأُمَّهات وإزعاج الطلاب، فهي ليست طويلة كإجازة الصيف، ولا متوسطة كإجازات نصف الفصل، أو الربيع والعيدين.
كنتُ أتابعُ أخبار التعليم في السنوات الماضية، منتظرةً صدور قرار العودة إلى نظام الفصلين الدراسيَّين، وها هو يتحقَّق. فالدولة -رعاها الله- دائمًا ما تضع مصلحة الشعب في أولويَّاتها، وتستشعر نبض المجتمع عند اتِّخاذ القرارات، خاصَّةً في قطاع التعليم الذي يمسُّ كلَّ بيت بشكلٍ مباشر، أو غير مباشر.
وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ وزارة التعليم تتحمَّل مسؤوليَّةً جسيمةً، وتُقدِّم خدماتٍ عظيمةً للمجتمع والوطن، ومع أهميَّة القرارات الشاملة التي تصدر عنها، أتمنَّى أنْ تتدرَّج الوزارة في التغييرات الكبيرة، بحيث تُطبَّق أوَّلًا على عينةٍ محدودةٍ، وتُدرَس نتائجها بعناية، فإذا ثبت نجاح القرار وقبوله، يتم تعميمه تدريجيًّا، حتَّى لا تعيق القرارات المفاجئة مسار التطوير في العمليَّة التعليميَّة، أو المناهج وطرق التدريس.
ومع انتظام الدراسة، لا شكَّ أنَّ الجهد يتضاعف على الأُمَّهات، خصوصًا العاملات، والدوام الطويل، لكن أتصوَّر أنَّ كثيرًا من الأُمَّهات الشَّابات لديهنَّ أساليبهنَّ التربويَّة، والنظام داخل المنزل يسَّر لهُنَّ متابعة الأبناء عن طريق قنوات التواصل، ووعي بعض الآباء بأهميَّة المشاركة في التربية والتعليم يسَّر الحياة كثيرًا.
أتمنَّى أنْ يشعر كل أب أنَّه شريكٌ في نجاح وتفوُّق أبنائه، ومسؤولٌ أيضًا، كما هي الزوجة الأم، سواء كانت عاملةً، أو ربَّة بيت؛ لأنَّ التعليم اختلف الآن، واختلفت متطلَّباته باختلاف متطلَّبات سوق العمل، والتفوُّق لم يعدْ مُؤهِّلًا للنجاح ما لم يَدعمه اكتساب المهارات المختلفة، التي تُنمَّى منذ الصِّغَر، لا تنتظر الابن حتى يكبر، ويشق طريقه، فإذا لم يكن متسلِّحًا بمهارات مختلفة، تمَّت تنميتها منذ الصغر، فلن يستطيع أنْ يُواكب سرعة التقدُّم والتطوُّر حتَّى في متطلَّبات سوق العمل.
ليست نصائح، إنَّما هي أفكار تواردت على ذهني أثناء الكتابة، وأنا أطرقُ مجالًا لم أعدْ أعرفه حقَّ المعرفة كما كنتُ عندما كان ابني وبناتي في مراحل التعليم المختلفة. ابتعدتُ كثيرًا، مع ذلك لستُ بعيدةً عن الأجواء العامَّة لمشكلات الآباءِ والأُمَّهات مع الأبناء في ظلِّ هذه المُلهيات؛ التي ينغمس فيها الصغارُ والكبارُ بشكلٍ لا إراديٍّ، كنوعٍ من إدمان الهواتف، أو الألعاب
تاريخ النشر: 03 سبتمبر 2025 00:50 KSA
- جريدة المدينة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..